لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل الواحد والعشرون..الجزء الأول (حياة في المزرعة)
تسمرت قدميها في الإرضية وهي تلتفت بهلع جالي علي ملامحها..
دنت علي ثغره ابتسامة قائل ببرود:-
-تعالى!!..
تردد كثيرا قبل أن تجر قدمها وتتجه نحوه ببطء وهي تفرك كيفها معاً، جلست علي المقعد أمامه وهي تشيح ببصرها..
فتحدث بلهجة جامدة :-
-تعرفي جاسم الراوي منين!!..
نظرت له وهي لاتعرف بما تجاوبه هل تخبره أما سوف تخفي هوية جاسم عنه، هي لاتستطيع السيطرة علي حالة الهلع بداخلها فنضال يبدو عليه الصرامة والملامح القاسية ، تشعر بإنها إذا كذبت عليه سوف تسقط صفعة علي وجهها تزيد من تشوه، نظرات الذي يرسلها لها الأن كفيل أن ترجف جسدها بأكمله..
أبتلعت ريقها وزادت سرعة أنفسها وهي تجد نفسها تخبره بنبرة خافتة مرتبكه :-
_آآ جوزي آآ قصدي طليقي!!
ذهلت ملامحه وهو يهتف بعدم تصديق :-
-جاسم الراوي هو طليقك!!..
أومأت برأسها دون أن تتفوه بكلمة…
نضال بنبرة تسأل :-
-وطلقك ليه؟!!..
لم تجاوبه وكأنها تتهرب من الإجابة، فهو بأي صفة يقوم بإستجوابها هكذا..
عندما طال صمتها تنهد وهو يشير بعينه إلي وجهها قائل بنبرة جادة :-
-سابك عشان خاطر ده؟!..
أنهي جملته لتحزن ملامح رقية، فشعرت بإهانة من جملته الصريحة إن وجهها الدميم هو الذي جعل زوجها ينفر منها، لمعت عينها وهي تهز رأسها بعنف نافيه ذالك..
عاتب نفسه بداخله وأراد أن يعتذر منها ولكن وجد حاله يقول بنبرة شبه جامدة وهو يلاحظ دبلتها التي تكور قبضة يدها عليها :-
-ليه محتفظه بحاجة منه، ليه واخد مساحة من قلبك!! وهو شكله مايستاهلش..
ثم تابع بغضب :-
– هو جرحك مش كده!!..
أطال صمتها وكأنها شاردت بعيداً، حتي لم تشعر بوجوده من الأساس تزاحمت العبرات في مقلتيها لتسقط واحدة منهم رافضة هذا الزحام..
صدح صوته مرة أخرى بطريقة إنفعالية مبالغ بها:-
-كان بيقولك ايه؟! كان بيجرح أنوثتك مش كده؟! كان بيخونك؟! كان بيهينك؟! عمل فيكي أيه خلاكي تستخبي لما تشوفيه!!..
افاقت من شرودها وهي تتعجب وهي تملس على دبلتها :-
-ده أجمل حاجة حصلت ليا في حياتي!! ده انا عمري ماحسيت انى عايشه غير وأنا معاه..
ضرب نضال علي الطاولة قائل بقسوة :-
-ده بيشفق عليكي، لو بيحبك بجد ماكنش وصلك للحالة دي، مكنتيش هربتي منه هناا!
وضعت يدها علي أذنيها سريعاً حتي لاتسمع حديثها وظلت تهز رأسها بعنف :-
– ب بيحبني بيحبني هو بيحبني!!…
لم يكتفي بهذا فظل يلقي علي مسامعها الكثير من الجمل وهو في حالة إنفعال شديد!!
………………………………………….
-في الشوارع المصرية..
حل الظلام علي العاصمة فهدأت حركة الشوارع وخلدت الناس إلي نومها، ولم يتبقى سوى الشباب الفاسد يتعاطى المواد المخدرة خلف السيارات، وعلي ناحية أخرى نجد مجموعة من أولاد الشوارع يتسطحون علي الرصيف ولم يشعروا بشئ من حولهم كجثث لحياة فيهم..
فتح باب السيارة ليهبط منه رجلان بحلة رسمية ملامحهما قاسية يسيران وهما يلتفتان حولهما بحذر، حتي وصلا إلي مكان نوم هؤلاء الأطفال، وقف أحدهم ووضع يده في جيب بنطاله وغمز لصديقه قائل بإنعدام ضمير :-
-اختار الضحية بقاا!!..
رمقه زميله بإستنكار وهو يخرج من جيبه زجاجة مخدرة قائل :-
-اديك قولت ضحية فأختار اللي أيدك تيجي عليه ويبقي نصيبه كده ..
ثم انحني والتقط طفل بملابس متسخة ذات قطعات متفرقة، وعندما تململ الطفل في نومته قام الرجل برش المادة المخدرة في وجهه لتهدا حركة الطفل وربما سوف تهدأ حركته للأبد، حمل اللاخر طفلة صغيرة وخدرها كما فعل زميله واتجها إلي السيارة العالية ليضعا بها الطفلان وينطلقوا بهما..
وفي الصباح عندما ظهر نور الله في إرجاء الأرض، أزاح الهواء الجريدة التي تضع علي جثة صغير وصغيرة فقد إنتهت حياتهما بطريقة بشعة خالية من الإنسانية، فقد فقدوا في الحياة أعضاء اسرتهم، وعند الممات فقدوا أعضاء جسدهم!!..
…………………………………….
كان صوت العصافير يصدح في الأراضي الزراعية وهي تتطاير فوق أغصان الأشجار، فتتطايرت ستار غرفة جاسم في المزرعة، فقد بات الليله هناك بسبب شعوره بالإرهاق وعدم قدرته على القيادة، فتح جفونه ليعتدل جالسا علي الفرأش ثم مد يده وإلتقط هاتفه ليجد الكثير من المكالمات فائتة وأكثرهم من معتز، زفر بضيق وهو يضغط على زر الإتصال ويضع الهاتف علي أذنه حتي جاءه الرد..
جاسم بملل :-
-ايه يامعتز إيه المكالمات دي كلها الدنيا خربت..
معتز هاتفيا :-
-لا مخربتش ياسيدي بس كنت عايز أكد عليك تحضر المقابلة مع مسئول الشركة اللي هنمضي معاهم العقود ..
جاسم بجدية :-
-ماشي هكون عندكم في الميعاد!!.
معتز بتسائل :-
-هو إنت لسه في المزرعة!!..
جاسم وهو يضع يده في خصلات شعره :-
-اهاا كنت عاوز أجي أمبارح بس مقدرش اسوق فنمت هناا!!..
معتز بشك :-
-نايم لوحدك!!..
جاسم بلهجة غاضبة :-
-قسما بالله ياأخي لو مبطلتش تلميحاتك دي لهفرجك..
ثم أغلق الهاتف في وجهه دون إنتظار الرد..
وبينما الهاتف في يده تذكرها فهو لم يعرف عنها شئ منذ فترة بحث عن أسم راضي وعندما وجده أجري الاتصال وهتف بإبتسامة :-
-عم راضي، أخبارك ايه ياراجل ياطيب!!..
راضي بلهفة :-
-الحمد لله يابيه نحمده!!..
جاسم بنبرته الودودة :-
-يستاهل الحمد ياعم راضي….
صمت لوهلة قبل أن يتابع بجدية :-
-ورقية ياعم راضى كويسه!!..
راضي بإرتباك :-
-ر آآ رقية ااه بخير يابني!!..
جاسم بشك وهو يضيق عينه :-
-هو في حاجة أنا معرفهاش!!..
راضى على عجالة :-
-لا لا بس انا كنت عاوز اتكلم معاك يابيه ده أنا كنت هجيلك الشركة حتي ..
جاسم بلهجته الجادة :-
-تنورني بس انا حالياً خارج القاهرة في شغل، اول ماهرجع هكون في إنتظارك ..
ثم تابع بلهجة قلقة :-
-عم راضي متخبيش عليا رقية فيها حاجة!! انت قلقتني صارحني لو فيها حاجة هكون في دقايق عندك ..
راضى وهو يتنهد :-
-ربنا يكرمك يابني.. اطمن وانا بإذن الله هكون عندك..
جاسم بعدم إطمئنان :-

-ماشي!!..

أما عند نضال أخبرت رقية جيهان برغبتها في العودة إلى القاهرة من أجل أحتياجها للذهاب إلى طبيبتتها النفسية وأن دراستها سوف تبدأ عن القريب فهي سوف تركل الماضي بقدمها وتركز في شهادتها..
وبينما هي تسير وتمسك بيد الصغير تتجول به في المزرعة بوجهها الشاحب وعينها المرهقة من البكاء..
سألها الصغير بحزن :-
-هو انتي هتمشي يارقية!!..
رقية بإبتسامة باهتة :-
-هبقا ارجع تاني ياحبيبي!!..
الصغير بلهجة استنكار :-
-أنتي بتضحكي عليا!!..
تنهدت وهي تمسح علي رأسه :-
-لا مش بضحك عليك، وبعدين انت مش بتقول إنك بتصدقني دايماً..
أومأ برأسه عدة مرات ثم هتف برجاء :-
-طب خلاص خليني جمبك النهاردة!!
تصنعت التفكير ثم هتفت بمرح:-
-ماشي موافقة!!..
فأبتسم الصغير بسعادة وهو يسير معها..
كانت جيهان تراقبهماا من الأعلي وبجوارها نضال فهتفت بحده :-
-انت اتكلمت معاها في حاجة يانضال!!..
رمقها بجمود وهو يضع يده في جيب بنطاله ويتابعهما سويا.. عقدت جيهان ساعديها أمام صدرها قائلة بنبرة ذات مغزى :-
-رقية عاوزة ترجع القاهرة!!..
نضال بتنهيدة عميقة :-
-جاسم الراوي سابها ليه؟!..
اتسعت عينها بذهول، فتابع بجمود :-
-أنتي خبيتي لكن هي قالت!!..
زفرت بضيق ثم سردت له كل شيء علمته من فاطمة وهو إستغلال رقية للوصول إلى منصب هام، بدأت الصدمة جالية علي وجهه وقد كور قبضة يده بغضب فهو لم يتخيل انه الرجل الشهم الذي تحدث معه بهذا الوضاعه والسوء، تمني لو جاء تاني حتي يكلمه في أنفه عدة مرات جزاء مافعله مع تلك المسكينة والتى مازالت تحتفظ بدبلته في إصبعها، ظلت تحكي معه ولم يلاحظا غياب رقية والصغير عن عينهم..
أنهت جيهان حديثها ثم قالت بعطف :-
-شوفت يعنى البنت تستاهل إنك تقف معاها وتساعدها، هتساعدها؟!..
أومأ برأسه عدة مرات بشرود ونطق بجدية :-
-رقية مش هتخرج ولا تمشي من هناا!!..
…………………………….
تجولت بالصغير ولم تنتبه إنها فقدت الطريق حتى وقفت في المناطق التي يتواجد بها بيوت صغيرة الحجم علي مسافة متقربة من بعضهم، زفرت بضيق قائلة :-
-ادينا توهنا يايوسف تعالي نشوف هنرجع إزاي!!..
وبينما هي تبحث عن طريق العودة سمعت صوت صراخ يأتي من أحدي البيوت الصغيرة، أمسكت بيد الصغير بقوة وقد هلع قلبها من شدة الصرخة..

error: