لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل الخامس والخمسون ..ماقبل الأخير (2)..

مهما كان الشخص الذي امامك يمتاز بالمثالية الزائدة …مهما رأيت منه خير الأفعال وأفضل الصفات … لا تنغر به كثيرا … ففي اعماق قلبه ستجد ما يناقض تلك المثالية …
ستجد جروح غائرة وتناقضات عميقة وشر محبوس بين ثنايا روحه يتمنى التحرر في اي لحظة …… “سارة علي ”

وقعت الجملة علي مسامعها كالقنبلة المدوية رمشت بعينيها عدة مرات قبل ان تتفوه بإندهاش جلي علي ملامحها :-
-أنت بتقول أيه ؟!..

أعطاها ظهره رافض النظر في حدقتيها :-
-اللي سمعتيه !!!..

هزت رأسها بإستنكار وتحركت ببطء لتقف أمامه .رفعت رأسها قليلا وهتفت بصدمة :-
-أنت عاوز تسقط أبني ؟! ..
عاوز تموت إبننا ؟!…

ثم هزت رأسها عدة مرات بعدم تصديق إلتفت له بوجي حالي من أي تعبير وأمسكها من كتفييها يخبرها :-
-افهمي ده عشنا وعشانه كده أحسنله !!..

أبتسمت بإستنكار :-
-أنت بتتكلم بجد ياجاسم ؟! عاوز تموت أبننا بجد ؟! انت سامع نفسك ؟! حاسس أنت بتقول أيه ؟!..

هو بإنفعال :-
-افهمي بقاا لو مماتش دلوقتي هيموت بعدين ،هتفرحي لما يرجعهولك ملفوف وهو غرقان في دمه ؟!..

أمسكت بطرف الخيط فضيقت عيناه متسائلة بريبه :-
-مين دوول اللي هيرجعهولي ؟!..

شعر بالمأزق الذي وضع نفسه به فقد فلتت الكلمات من فمه أشاح بوجهه للناحية الأخري فتابعت بعدما رفعت إحدي حاجبيها قائلة بلهجة ذات مغزي :-
-الراجل اللي كان عندك أمبارح بالليل ؟! .

إلتفت لها بصدمة فأبتسمت إبتسامة جانبية فقد تاكدت من شكوكها :-
-مالك مستغرب ليه ؟! اوعي تكون فاكر إني صدقت كدبتك علياا أمبارح وان سعيد هو اللي كان عندك !!..

ثم أكملت وهي تسير ببطء في الغرفة :-
-واوعي تفتكر إني مش حاسه بحاجه لاااا انا حاسه بكل حاجه وحاسه اني في حاجه غريبة بتحصل من أول السجاير اللي مابقتش تسبها من إيدك والحرس اللي ناقص تجبهوملي في أوضة نومي وأخرهم الراجل بتاع الفرح عندك في نص الليل ولما سألتك كدبت عليااا …

ثم إلتفتت بجسدها كاملا تتابع حديثها بذهول وهي علي مسافة لابأس :-
-والنهاردة جاااي تطلب مني أنزل أبني !!..

رفعت كتفيها وزاغت أنظارها في المكان قائلة بإختناق :-
-ليه كله ده ؟! وعشان أيه ؟!…

رمقها مطولا فلم يجرأ علي الحديث او الدفاع عن نفسه فأنسحب بهدوء ولكن تفاجئ بها تعترض طريقه هاتفه بإصرار :-
-مش هتمشي !! وجه الوقت إني أعرف كل حاجه !!..

-أبعدي عن وشي يارقية !!

.صرخت به :-
-مش هبعد ومش هتتحرك من هنا قبل ما أعرف الحقيقة …

ثم نظرت له بحده شرسه :-
-أظن جه الوقت ان أعرف كل حاجه !

رفع سبابته محذرا بجمود يخفي الكثير :-
-بلاش تدوري علي وجعك يارقية !!..

ترقرقت العبرات في مقلتيها فأغمصت عيناها وفتحتهما مجددا لتسقط عبرة علي وجنتيها متمردة علي ذلك الزحام فأومأت بألم مرير :-
-وجع ساعه ولا كل ساعة !!..

تهيأت لسماع حديثه وهي تمني نفسها فهي ليست قادرة علي تحمل صدمات أو غزات مجددا فيكفيها ماعاشته في الماض وبرغم أنها تخشي قوله ولكنه تريده حتي يسترح قلبها أويشقي فأيهما أقرب ؟!..

دام الصمت بينهما لفترة وكأن عقارب الساعه توقفت الأن..
هو لم يجرأ علي الحديث . لم يمتلك الشجاعه الكافيه للإعتراف فهز رأسه عدة مرات بنفي وتراجع عدة خطوات للوراء ..

فصرخت بكل ماأوتيت من قوة وهي تندفع نحوه :-
-قوليييييي وريحني ،ايه السر اللي قلب حياتك في يوم ليلة كده ، قوليي انت مخبي عليااا أيه قوووووولي !!..

كان في موقف لايحسد عليه ومع ذلك لم يستطع الصمود أمام ضغطها عليه فآنهارت حصونه المنيعه وحدثها بضياع :-
-عاوزة تعرفي أنا مخبي أيه ؟! ..

حدقت به بقوة وكأنها إيماءة منها .فأومأ برأسه ونظر يمينه ويسار قبل أن يهتف بثبات حطمها كلياا:-
-طب ياستي أنا تاجر مخدرااااات !!.

مزحة !! نعم هي مزحة !! هو يمزح معها ليس أكثر يريد أن يري هل مازالت تشك به أم لاااا !!..
هكذا كانت تفكر بيننها وبين نفسها فأبتلعت ريقها الذي جف فجأة و رمشت بعينيها عدة مرات فأقتربت منه قائلة بإبتسامة راجية ولكن تعكرت إبتسامتها بدموعها :-
-جاسم اااا أنت بتكدب عليا مش كده ؟! عايز تتأكد إني بحبك ومش بشك فيك ولا هشك فيك مش كده !!..

فهز رأسه ليطعنها بجملته في قلبها :-
-لا يارقية مش بكدب دي الحقيقة !! انا فعلا تاجر مخدرات !!

لتتفاجي به يتابع بنفس الثبات القاتل :-
-واللي كنت شغال معاهم بيهدوني بإبني اللي في بطنك ،ياااما أرجع أشتغل معاهم من تااني ياااما آآآآ…

لم يتابع حديثه فقطعه فجأة ليشير بعينيه نحو أحشائها !!..

تراجعت خطوات للخلف وهي تهز رأسها نافية ذلك بينما الدموع تسيل علي وجنتيها كالسيول الساقطة في ليالي الشتاء القاسية !!..

تراجعت وتراجعت حتي تهالكت علي الفرأش وهي مازلت علي صدمتها رغم ان الحياة سددت لها العديد الطعنات ولكن هذه الطعنة من نوع أخر !!.
………..

بدأ يسرد كل شئ عن عمله الخفي وعن شخصيته المجهولة لها فكانت تستمع له بذهول وصدمة طاغية علي ملامحها لم تتخيل إنها ستعش كدبه كهذه لم تصدق أن أحد يمتلك القدرة علي الخداع بهذا الشكل ..كانت تعيش حلم جميل ولكن أيقظها علي كابوس!!..

كانت جالسة علي الفرأش تمسك رأسها بيدها وعندما أنتهي من حديثه رفعت عيناها اللمعتان بشدة لتتسأل بذهول وصدمة وهي تحرك رأسها يمينا ويسارا كالتأئهه :-
-ليه ؟! ليه تعمل كده ؟! ناقصك أيه عشان تبقااا كده ؟! فلوس !! وعندك زي الرز ويكفوا عيال عيالك ؟! يبقي ليه ؟! ليه تشوه نفسك كده ؟! ليه ترمي نفسك مع نااس إنت مش شبهم ليه ؟! ليه ؟!..

ضحك بسخريرة مريرة هاتف :-
-ليه ؟! في إجابة لمليون ليه ياارقية !و عاوزة تعرفي أنا ناقصني أيه ؟!..

صمت لوهلة قبل أن يتابع بوضوع:-
-ناقصني جاااسم !! ناقصني انااا !!

ثم التوي فمه بتتهكم ساخر :-
– ده انا كراسة رسمي أتحرقت قدامي يارقية !! كنت مستنية مني أيه !!..

رمقته بإستنكار ليتايع بضيق وهو يسير أمامها :-
– عمري ما أخترت حاجه كان دايما عمي وأبويا بيفرضوا عليااا كل حاجه ، عمري ما اتمنينت حاجه واحققتها رغم إن معايا ملايين لكن ماينفعش احقق اي حاجه طالما عمي وأبويا مش موافين ،هما كانوا عايزين يشكله جاسم علي مزاجهم عايزينه مايقولش غير حاضر ونعم !!..

فإنكمشت ملامجه بضيق جلي علي ملامحه وهو يردد حديث أبيه وعمه :-
-مش عايزين نشوفك بترسم ياجاسم حاضر .انت اللي هتمسك الشغل مكان أبوك ومش مهم تكمل تعليمك حاضر بس هتدرس إدارة أعمال عشان تكبر شغلنا وتبقي راجل اعمال ناجح وانت لسه مكملتش عشرين سنة حاضر ،أيه ده أنت بتعيط وانت عندك تسع سنين اوعي نشوفك تاني مرة تاني بتعيط احنا معندناش رجاله بتعيط !!…

نطقت بإستنكار ودهشة من بين دموعها التي بدأت بالنزول :-
-أنت مضايق عشان خلوك واحد محترم ؟!…

صاح بحده :-
– أنا مضايق عشان مدونيش الفرصة اني أختار أبقا محترم !!..

ثم أبتسم بالم وهو يشير لنفسه بفخر:-
-واديني بقيت راجل محترم والكل يشهد بكده اقنعتهم بالملاك اللي عايزين يشوفوه وخبيت جوايا شيطان رغباتي !!..

فذم شفتيه للإمام ورفع كتفيه لأعلي :-
– مادونيش فرصة الأختيار .عشان كده دي كانت الحاجه الوحيدة اللي من أختياري رغم أنها غلط بس كنت فاكر نفسي بنتقم منهم لكن أااا

فنكس رأسه لأسفل بخزي :-
– لكن أتاريني كنت بنتقم من نفسي !!…

جالسه لاحول لها ولاقوة تستمع بصمت والدموع تساير كل جملة تخرج من فمه فرمقته بإستحقار قائلة :-
-عذر أقبح من ذنب !!..

ثم ضحكت من بين دموعها :-
-يعني أنا عشت الفترة دي كلها مع تاجر مخدرات ،عيشت مع شيطان مستخبي في صورة ملاك ،واحد عيشته حرام وفلوسه كمان أاااا ..

عند هذه النقطة توقفت فتسألت بتوجس :-
-اوعي تكون الفلوس اللي عالجتني بيها دي فلوس حراام ؟!

هز رأسه نافيا واقترب منها واحاط وجهها بكفيه قائل بصدق :-
-أقسملك بالله مافي قرش جاي من الحرام اتصرف عليكي في يوم ..انا اصلا مباخدش الفلوس دي بتبرع بيهم او بعالج بيها نااس !!..

–كمان !! يعني عاوز تضحك علي ربنا في دي كمان !!..

ثم أكملت بجمود :-
-بس للأسف ربنا مابيضحكش عليه !! ….

شعر بالخزي من نفسه فأبعد وجهه عن وجهها فسمعها تهمس بإختناق :-
-إطلع بره !!…

اعاد النظره إليه وكاد ان يتحدث فصاحت ببكاء :-
-إطلع بره مش عاوزة أشوفك أطلع بره !!..

ثم دفنت رأسها في الفراش تبكي بصوت عالي وهي تردد :-
-مش عاوزة أشوفك أطلع بره !! ..

أغمض عيناه وفتحتهما مجددا ثم تنهد بصوت مسموع قائل بندم خافت :-
-قولتلك بلاش تدوري علي وجعك !!…

ثم نهض وخرج من الغرفة تاركها تبكي بقوة وتتعالي شهقاتها !!..

-أختلي بنفسه في المكتب فألقي جسده علي المقعد بتهالك وأغمض عيناه ليتجسد أمامه مشهد عابر من طفولته !!…

……فلاش باك

كان جالس علي الفرأش يمسك القلم الخشبي بكفه الصغير يرسم شخصية كرتونية كما طلبت منه معلمته والتي دائما تشجعه وتحفزه قائلة له أنه يمتلك حس فني رائع يظهر في رسوماته وكانت تتنبأ له بمستقبل باهر في ذلك المجال !!..
فكان يفرح للغاية وهو يسمع إطرائها ويحاول إخراج كل مابوسعه في رسوماته وهو لم يتجاور العاشر سنوات !!..

وبينما هو مندمج للغاية سمع صوت أقدام يعرفها جيدا تسير أمام غرفته فهتزت يده الصغيره بخوف وأعتدل بهلع وفي لمح البصر كان ينهض من علي الفرأش ليخبئ دفتره أسفل الفرأش وبينما يعتدل في وقفته.فتح الباب فجأة فإرتعش جسد الصغير بخوف جلي علي ملامحه فولج أبيه للداخل بهيبته المعتادة ليجد صغيره يقف بإرتباك بجوار الفرأش فعقد مابين حاجبيه قائل بخشونة :-
-واقف عندك كده ليه ؟! ..

اسبلت عين الصغير وهو يجاوبه بخفوت مرتبك :-
-مفيش ااا يابابا !!…

نظر والده له بتفحص ثم سار نحوه وجذبه من يده فكان الصغير يرتجف بشدة أحمد بجمود :-
-أومال بتترعش كده ليه ؟! ..

أبتلع الصغير ريقه وكاد أن يبكي فخشي من غضب أبيه تفحصه أحمد ثم ضيق عيناها :-
-أنت كنت بتعمل أيه ؟!..

هز جاسم رأسه قائل بنبرة شبه باكيه :-
-ماكنتش بعمل إإ حاجه !!..

انكمشت ملامح أبيه بغضب وقبل أن يقبض علي رسغه فكر لوهلة وقرر أستعمال الحنو معه فقال بلين مصطنع وهو يبتسم لصغيره وينحني لمستواه :-
-هو أحنا مش اتفقنا مش هنكدب وطالما مش هنكدب يبقي مش هنتعاقب ؟!

اومأ الصغير برأسه عدة مرات فتابع والده بذات النبرة المخادعه :-
-ولما هو كده بتكدب علي بابا ليه ؟! قولي أنت كنت بتعمل أيه مش احنا رجاله ومابنكدبش ؟!.

الصغير بنبرة مرتجفه راجيه :-
-يعني ااا لو قولتلك مش هتضربني ؟!..

ابتسم أحمد بخبث قائل :-
-طالما انت مابتكدبش يبقي مش هضربك بس لو خبيت عليا ساعتها هضطر أعاقبك !!..

وقف الصغير حائر لايعلم ماذا يفعل فربت أحمد علي كتفه :-
-يلاا بقا انا وعدتك وريني أنت كنت بتعمل أيه ؟!..

اومأ الصغير بإستسلام ثم هبط أسفل الفرأش وجذب دفتره وأعتدل ليعطيها لوالده الذي عاد لجموده مرة أخري تفحصها بإعجاب مزيف :-
-الله أنت اللي راسم دي ؟!.

فرح الصغير بشدة وهتف بحماس :-
-ايوة انااا وكمان الميس بتاعة الرسم قالتلي اني شاطر وهتاخدني مسابقه مع ااااااااا

لم يتم الصغير جملته وكان كف والده يهبط بقوة علي وجهه ليطرحه أرضا وهو يصرخ ..
اعتدل احمد في وقفته وهو ممسك بدفتر صغيره وبكل قسوة أخرج قداحته من جيب بنطاله وأحرق الدفتر أمام صغيره الذي يبكي أسفل قدميه !!…

وبعدها رفع جاسم بقوة ليقف أمامه وهو يشهق قائل بصرامه :-
-هو انا مش قولتلك مش عاوز أشوفك ماسك قلم وبترسم وان الرسم ده للبنات بس !!

لم يجيبه الصغير بل كان يبكي فصاح به:-
-ماتعيطش لما اكلمك ماتعيطش مفيش راجل بيعيط !!..

جفف الصغير دموعه بأنامله سريعا فحذره والده بسبابته :-
-انت عارف لو شوفتك تاني مرة بترسم ولابتعيط هعمل فيك أيه ؟!..

أكمل حديثه بوعيد جاد :-
-هجبلك فستان وهلبسهولك مادام مش عاوز تبقا راجل !!..

انكمش جاسم علي نفسه وهو يسمع تهديد والده فصاح والده بنبره أفزعته :-
-سامعني ولالا !!..

اومأ الصغير برأسه سريعا عدة مرات فأبتسم أحمد بإبنتصار وهو يري مدي تأثير كلماته علي ولده !!..

باااك !!.

قبض كفه علي علبه السجائرة وأشعل سيجارته بغضب وظل يفكر كيف ستواجهه الحقيقة هل ستكمث معه او سترحل !!..

جاء صباح اليوم التالي وهي كماهي نائمة علي الفرأش في وضع الجنين وقد توقفت دموعها تماما نائمة بشرود تاام وكأنها في عالم غير عالمناااا !!…

ماذا تفعل بعد اعترافه لها هل ستكمل حياتها مع شخص مخادع مثله ام تعلن الرحيل ولكن ماذا بعد الرحيل هل تنتهي حياتهما هكذا هل سيقتل حبهما بهذا الشكل ؟! وماذا عن جنينها القادم ماذا سيكون مصيره هل سينعم بالحياة ام سيلحق بأخيه ؟! لالا لم تسمح لأحد حتي وإن كان هو بالأقتراب من جنينها حتي لو كان هو لم تسمح بذلك يستحتفظ به وستبقي معه ولكن ليست كما كانت ستظل معه بجسدها فقط وكأنها شبح !!…

قلق عليها وخشي ان يكون اصابها شئ فلم يعرف عنها شئ منذ البارحة فصعد لهااا وولج للداخل ليجدها علي تلك الوضعية شعر بالم يجتاح صدره فأقترب وجلس بجوارها وتنهد :-
-انا عارف إنك سمعاني وعارف ان اللي عرفتيه مش سهل وعارف ان صعب اطلب منك تسامحيني بس علي الأقل بطلب منك تبقي معايا لأني محتاج وجودك اووي !!..

مازالت علي وضعيتها ولم تتحرك فأغمض عيناه بألم وكاد أن يتحرك فأستوقفه صوتها يردد :-
-يارتني ماكنت شوفتك ولاعرفتك ،يارتني ماكنت روحت الجامعه اليوم ده !! يارتني ماسمعت كلام سارة وروحت أشتكتهم يارتني ماكنت روحت عند المعيد، يارتني ماكنت شوفتك ولاعرفتك !! يارتني ماكنت شوفتك ولا عرفتك !!..

ظلت تردد هذه الجملة حتي بكت وتعالي بكائها فأحتضنت نفسها وهي تتحسر علي حالها !!..

لم يستطع البقاء أكثر من ذالك وغادر الغرفة !!..
لم تخرج من الغرفة إلا قليلا حتي لاتتقابل معه ،طعامها تعده بنفسها هكذا أبلغت الخادمة جاسم فأمرها تتركها تفعل ماتشاء حتي تشعر بالإرتياح ولو قليلا !!..

-وبعد مرور عدة أيام ..

كان جالس في مكتبه فدخلت عليه بصمت رفع عيناه ليقابل عيناهااا المتهالكة من البكاء فكانت حالته مرزية شعرها منسدل بعشوائية ووجهها شاحب وتحيط جسدها بشال طويل !!…

دق قلبه بعنف فقد ظن انها جاءت لكي تطلب الرحيل اقتربت من مكتبه قائلة بنبرة منهكة :-
-أنا كنت جايه ع اااا …

قاطعها بهدوء جاد وهو ينهض من علي مكتبه ليقف قبالتها مباشرة :-
-وانا مسألتكيش انتي جايه ليه !!..

ثم أمسك كفها ليقودها إلي مقعد ولكن ابعدت كفها سريعا حتي لايلمسها فتنهد لتسير هي وتجلس علي اقرب مقعد أغمضت عيناها قبل ان تبدأ بالحديث :-
-كنت جايه اتكلم معاك بخصوص القضية اللي اتسجنت فيهااا !!…

فهم مرادها فوقف أمامها وأجابها بجدية :-
-كنت مظلوم فيهاا مش ده اللي عاوزة تعرفيه !!

التوي ثغرها بتهكم :-
-وانا أيه اللي يضملي ماهو اللي يتاجر بعقول الناس مش صعب عليه يتاجر بلحمهم !!..

زفر بضيق ثم جلس أمامها موضحا :-
-هما اللي لبسوني القضية دي لما بلغتهم برغبتي اني مش عاوز أكمل واللي أتسجن معايا كان برضه بيشتغل معاهم لكن هو مايعرفش اني انا بشتغل معاهم محدش اصلا يعرف ده .هما كمان حبوا يخلصوا منه لما عرفوا انه بيتاجر في الأعضاء وريحته طلعت في السوق خافوا علي نفسهم وبلغوا عنه .رجال اعمال كتير متورطين معانا بس محدش يعرف حد عشان لو حد وقع مايجبش رجل التاني !!..
-وعشان كده ماكنتش عاوز أخرج لانهم كده مده مكنوش هيسبوني في حالي واهو بالمره كنت اتعاقب علي عملتي دي حتي لو كنت هاخد إعدام بس كل اللي اتغيرت لما عرفت انك في المستشفي كان لازم أخرج علشانك !!..

لم تجيبيبه فأقترب برأسه منها قائل من أعماق قلبه:-
-صدقيني أنا كنت برئ فعلاا من التهمة دي !!ومتلوثتش بدم حد ..

ثم عاد بظهره للوراء قائل بضيق :-
-وكل اللي كان بيجمعني بيهم ااا المخدرات لاني انا اللي كنت بسهلهم دخولها مصر !!.

إبتسمت بمرارة ساخره :-
-زعلت من أخووك لما بقا مدمن مالبركة فيك انت اللي كنت بتجبهله !!

سدد له الجملة في مرماه جعلته يستحقر نفسها جعلت الذنب ينهش في جسده ولكن هي ليست جاءت لذلك فتنهدت وتابعت بجمود :-
-والملف اللي كان علي المكتب !! .

قطب مابين حاجبيه هاتف :-
-ماله ؟!

سألته بتوجس وأختناق :-
-الكلام اللي كان فيه بجد وانت فعلا كنت بتستغلني ؟!..

-وحياتك عندي عمري مافكرت أستغلك واني حبيتك بجد واني الموضوع سوء تفاهم زي ماقولتلك !!..

رقية بضيق وهي تهز رأسها :-
-مابقتش قادرة أصدقك !!…

جاسم بلهجة نادمة :-
-انا مقدر اللي أنتي فيه وماكنتش احب نوصل للنقطة دي بس صدقيني لو كنت شوفتك من زمان كانت كل حاجه أتغيرت !!..

-ماكنتش هتبقا تاجر مخدرات !!

-كنت هبقي جاسم اللي عرفتيه وكنا نعيش مع بعض ونربي إبننا كنت هبقي الملاك اللي عايش في الجنة مش اللي استعصي واطرد منها !!..

هي بتهكم ساخر :-
-إبننا اللي أنت عاوز تموته بإيدك !!..

جاسم بإختناق :-
-خايف عليه منهم هما مش هيسبووه !!
هي بإستنكار جلي علي ملامحه :-
وهو اللي خايف علي إبنه يقتله بإيديه .

ثم وقفت وعقدت ساعديها امام صدرها قائلة :-
-مش هتعرف تحمي إبنك منهم ؟!..

نظر لها بصمت وأشاح بوجهه للناحية الأخري فأكملت :-
-عموما إبني مش هيكون التمن !..

نهص هو الأخر فرفعت كتفيها قائلة بحزم :-
-إبني مش مجرم عشان يتعاقب علي ذنب معملهوش .ومش هيدفع تمن غلطة حد واللي غلط هو اللي لازم يدفع التمن !!..

-أنا مش همشي ياجاسم زي كل مره انا هفضل معاك وقدامك هخليك تحس بالذنب في كل مره عنيك هتيجي فيها في عنيا ..
وأبني ومحدش هيلمس شعره منه سامعني !!..

انهت جملته ورحلت فهي هتبقي معه ولم ترحل ولكن ليتها ترحل فبقائها معه وهي ليست معه أصعب بكثير من رحيلهاا !!..

-وفي إحدي الليالي..

خرجت من الغرفة وبينما هي تسير في الرواق سمعت همهمهات تأتي من الغرفة المقيم بها جاسم فقطبت مابين حاجبيها بتعجب فكرت كثيرا قبل ان تدلف ولكن في الأخير إنصاعت ورا قلبها ودلفت !!..

كان نائم يتصبب عرقااا يتمتم بكلام ليس مفهوم فوضعت يدها علي جبهته تتحس حرارته فوجدتها مرتفعة للغاية وبدون تفكير نهضت وهبطت لإسفل وجاءت بثلج وقطعة من القماش وسهرت بجواره طوال الليل تعمل له “كمادات “..

ظلت هكذا حتي أشرق الصباح وفتح عيناه ليجدها علي تلك الوضعية أبتسم وقال بإعياء :-
-رقية !!…

انتبهت له فنهضت علي الفور فأعتدل سريعا :-
-استني بس !!…

ثم نظر للقماشة الموضوعه أعلي جبهته بتعجب :-
-هو حصل أيه !!..

تنهدت قائلة :-
-كنت سخن اووي أمبارح وكنت بتخترف بكلام كتير !!..

عاد بظهره للوراء وتمتم :-
-مش فاكر حاجه !!..

هي بجمود قاسي :-
-وانت بتخترف كنت بتقول إنك هتخش النار !!..

طالعها بصدمة فتحركت نحو الباب :-
-متهيألي انك بقيت أحسن دلوقتي ..بعد إذنك !!…

سبقها هو بحديثه :-
-ا !!..

لم تجييبه بل أكملت طريقها دون النظر إليه !!..
فتنهد بألم ازاح تلك القماشة من علي جبهتهه بضيق !!..

-في إحدي الشركات ..

دلف رجل بخصلات بيضاء للمكتب وخلفه رجلان متقاربين في العمر جلس ثم جلسا هما فبادر بالحديث بغضب :-
-وبعدين الشحنة بكره هتوصل واللي أسمه جاسم ده لسه ماعقلش !!..

الرجل الأخر :-
-ده شكله عاوز قرصة ودن تانية ياباشا !! ..

الرجل الثالث :-
-احنا صبرنا عليه كتير وشكله كده مش ناوي يتراجع فانا بقول مش هيبقا اغلي من اللي خلصنا منهم !!..

الرجل الثاني :-
-معاك حق ديته رصاصة ونحلص منه بس احنا كده هنخسر كتيير وخصوصا محدش غيره بيعرف يدخل البضاعه وهو عفريت من غير مالبوليس يشم خير حتي !!..

ثم نظرا الأثنان إلي الرجل الكبير وقال أحدهم :-
-ولا أنت رأيك أيه ياعثمان باشا !!..

فكر “عثمان” ثم أشعل سيجارته ونفث دخانها في الهواء قائل بجمود :-
-بكره لو البضاعه مادخلتش مصر ،يبقي جاسم هيخرج من الدنيا كلها !!.

كانت ليلة شتوية قاسية من حيث البرودة والأمطار الشديدة والرعد الذي يصدح في السماء !!..

كانت نائمة بسلام حتي شعرت بألم أسفل أحشائها فنهضت بإعياء وهي تعض علي شفتيها وتتصبب عرقاا رفعت الغطاء من عليها لتتفأجي بالمياه التي تنحدر من أسفلها وهنا أدركت انها تعاني الم المخاض فأطلقت صرخة واحدة هزت المكان !!..

…………………….
كان جالس في “مكتبه ” كعادته يدخن بشرود وأمامه ملفات تدين من يعمل معهم فكر كثيرا في الأمر ولم يتوصل إلا لهذا القرار ولم يفكر في عاقبة ذلك فربما يسجن وربما مدي الحياة ..

سقطت من علي الفرأش وأمسكت بالملاءة وهي تصدر أنين منخفضض وصرخات مكتومة فوضعت يدها علي أحشائها وهي تبكي بصمت فلا يوجد أحد معها هي بمفردها تعاني ارتخي جسدها علي الأرضية فوضعت يدها علي فمها تكتم شهقاتها وصراخها حتي لا يصل صوتها له فهي مازالت تخشي علي جنينها منه تخشي أن ياخذه عنوة ويقتله بعدما صار علي قيد الحياة جاهدت لكي تستطع التحمل ولكن هيهأت إنفلتت منها صرخة كانت هي المنقذة لها !!..

إستمع لتلك الصرخة فنهض سريعا بعدما القي سيجارته وصعد الدرج في لمح البصر وولج للغرفة فتسمر مكانه وهو يري الحالة التي عليها ملقأة علي الأرضية تتصبب عرقا وتبكي بقوة دنا منها وجلس علي ركبتيه ورفع جسده هاتف بقلق بالغ :-
-رقية مالك !! ..

نطقت الحروف بصعوبة وهي تصرخ :-
– ب اااا بولد الحقني بوااالد !!..

نظر المياه التي تتدفق من أسفلها فهتف بغضب :-
-بتعملي فيااا وفي نفسك كده ليه !..

ثم حملها علي يده وسار بخطوات متعجلة ثم هبط الدرج وخرج من الباب الرئيسي ووضعها علي الاريكة الخلفية وأستقل هو السيارة وغادر بها وسط الأمطار ووسط صراخها الذي يتسابق مع صوت الرعد !

error: