لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل العاشر..

في قسم الشرطة..

فُتح الباب ليدلف منه العسكري وهو يجذب صافي التي تخفي جسدها بملاءة الفرأش وتبتلع ريقه وهي تنتقل ببصرها في الغرفة بهلع، حتي وقعت عينها علي الرجل الجالس يعطيها ظهره، وقد نهض الضابط قائل بلهجة رسمية :-
-أنا هسيبك براحتك ياجاسم بيه!!..

شعرت بقشعريرة تسري في جسدها عندما تفوه الضابط بأسم جاسم!! أومأ جاسم برأسه دون أن يتفوه بكلمة فغادر الضابط ونهض جاسم بهيئته الوقورة وإستدار بجسده كاملا، ورمق صافي بنظرات تحمل الشماته والفرح فهتف:-
-إيه رأيك في المفأجاة دي بقاا ياصافي..

نظرت له صافي هاتفه بصدمة :-
-هو أنت ورا اللي حصلي ده؟؟..

هز جاسم رأسه بالإيجاب قائل بإبتسامة :_
-أكيد طبعاً هو حد وعدك أنك هتروحي في داهية غيري؟؟..

هتفت صافي بغضب :-
-انت فاكر نفسك أيه، أنا أعرف ناس يخرجوني بتليفون من هنا، وكمان عامر بيه مش هيسبني..

ضحك جاسم بقوة علي حديثها فأردف:-
-أنتي تقصدي عامر بيه اللي أنا بعته ليكي عشان يوقعك في المصيدة أكتر..

اتسعت عينها بذهول وهي تتلقى الصدمة الثانية قائلة :-
-أيه ع عامر بيه تبعك!!..

فتحولت نظراتها للشراسه والكره هاتفه :-
-أنا هفضحكم وهقول إني أنا أبقا مرات أخوك، وشوف بقا سمعتكم هتبوظ ازاي في السوق ياأبن الراوي..

اقترب جاسم منها قائل ببرود :-
-أعلي مافي خيلك أركبيه، وريني هتثبتي جوازك ده أزاي..

تحدثت صافي بثقة:-
-الورقتين اللي اخوك ماضي عليهم معايا، اقدر اووي ابعت حد يجبهم..

تصنع جاسم الحزن قائل :-
-تؤتؤ هو أنا ماقولتلكيش!! ازاى بس نسيت حاجة زي دي، مش عامر بيه سرق الورقتين من شنطتك لما خدرك ورماكي في السرير..

ألجمت الصدمة لسان صافي فأغلق جاسم سترته وهو ينوي الرحيل قائل بإبتسامة ساخره:-
-أتمنالك حياة سعيدة في السجن ياصافي..

ثم سار عدة خطوات ولكنه تذكر شئ فإستدار قائل بجدية:-
-اهاا نسيت اقولك، الشقة اللي جابوكي منها دي مكتوبة بإسمك يعني مش قضية واحدة ولا اتنين تؤتؤ دوول تالته..

ثم رفع كفه وقام بالعد عليه قائل بعيون تلمع بإنتصار:-
-قضية أداب، قضية تسهيل الدعارة، واخر قضية بقا واحد صاحبي رفعها عليكي قبل ما اجي هنا وهي إن بدلة رقص بتاعتك تخدش الحياء العام..

أستمعت لحديثه ليهوي جسدها علي أقرب مقعد وقد أختلط وجهها بالألوان وهي تزيح شعرها بعنف للخلف، راقبها جاسم بتسلية وإنتصار ثم هتف بقسوة وجمود :-
-دي أخرت اللي يأذي حد يخص جاسم الراوي، ويبقى حظه أسود اللي يشوف رد فعله هيبقي عامل أزاي..

ثم نظرة لها نظرة أخيرة بإنتصار ورحل، ليتركها تتذوق من مرارة كأسها التي اذاقته لغيرها…

-في مصحة الأدمان..

فتح حازم عينه على صوت طرقات علي نافذة غرفته، فرك عينه بيده لكي توضح له الرؤية ويجد تلك الشيطانة المتحركة نهض من على الفرأش على عجالة ليفتح زجاج النافذة بقوة.. أبتسمت عهد اليمن قائلة :-
-صباح الخير..

حازم بنزق :-
-صباح الزفت على وشك عاوزة أيه..

عهد بصدمة :-
-صباحي زفت!!

حازم بغضب :-
-زفت وقطران كمان عاوزة أيه وبتصحيني ليه؟؟..

عهد وهي تهتف غاضبة :-
-الحق عليا إني جاي أصحيك عشان تفطر معانا…

حازم بتهكم :-
-وهو حضرتك المسحراتي بتاع المصحه هنا وأنا ماعرفش…

ثم رمقها بسخرية وأغلق الزجاج في وجهها، لتجز علي أسنانها بغضب وترحل..

-في الشركة الخاص بعائلة بيبرس..

كان العراك ناشب بينه وبين معتز الذي جاء له اليوم بعدما علم هوية خطيب محبوبته، جذب معتز بيبيرس من ياقته وصاح به:-
-لييييه اشمعنا بسمة، ملقتش غيرها مفيش بنات في الدنيا غير بسمة؟!..

بيبيرس ببرود وهو يحاول السيطرة علي الموقف :-
-أهدي يامعتز ماينفعش اللي بتعمله ده..

معتز وهو يصيح بغضب :-
-أهدي أيه، أنت لازم تسبها هي ليا أنا وبس ياما هقتلك يابيبيرس..

تحدث بيبيرس بإنفعال :-
-يابني أدم أفهم أنا مش بحب بسمة ولا عاوزها اصلا..

ارتخت قبضة معتز قائل بتعجب :-
-مش عاوزها ازاي اومال علقتها بيك وخطبتها ليك..

دفعه بيبيرس وهو يقول بنزق :-
-أنا عملت كده عشانك وعشانها..

هدر معتز وهو يكور قبضة يده قائل بحده :-
-كنت بتتسلي بيها مش كده، شكل الموضوع عجبك مرة رقية ومرة بسمة، لكن أنا مش هسمحلك يابيبيرس..

لوح بيبيرس بيده قائل بضيق :-
-يووووه أنت شكلك كده مش عاوز تفهم النهاردة..

ثم تابع بجدية :-
-يامعتز أنا خطبت بسمة عشان احافظ عليها ليك، أنت بتحبها لكن مش حاسس أنها ممكن تضيع منك في أي وقت..

معتز وقد إنفرج فمه بدهشة، فتابع بيبيرس حديثه بعتاب :-
-البنت بتحبك وأنت بتحبها يامعتز ليه العناد اصلاً وليه التأخير، مش مستعجل يامعتز إن حبيبتك تكون معاك في بيت واحد؟؟..

معتز بنبرة متهكمة:-
-ياسلام يعني انت عاوز تتطلع نفسك الملاك وأنا الشيطان اللي متأخر..وبعدين مين اداك الحق اصلاً إنك تعمل كده..

أبتسم بيبيرس ابتسامة بسيطة قائل:-
-صحوبيتنا هي اللي ادتني الحق ده، بحكم الصحوبيه لما اشوف صحبي متلخبط ومتشتت في حاجة يبقى أقف جمبه وساعده يمكن تكون طريقتي غلط بس هي دي اللي خليتك تفوق..

ثم اقترب منه ووضع يده علي كتفه قائل بإستعطاف :-
-أنا ماليش في الدنيا دي صحاب غيرك أنت وجاسم وعاوز اشوفكم اسعد ناس..

لوي معتز فمه بتهكم وأشاح بوجهه للناحية الأخري، فضحك بيبيرس قائل :-
-خلاص بقا ياعم متزعلش وخلي في علمك أنا مش هسيب بسمة غير لما تجيلي كده وانت ماسك شبكتك في أيدك..

-في قصر الراوي، وفي غرفة مشيرة..

انتهت رقية من إطعام مشيرة واعطتها دوائها لتخلد بعدها مشيرة للنوم مباشرة فقد تعود جسدها علي الإرتخاء، كان الإمر موضع شك لدي رقية ولكنها تغاضت عنه لحين سلامتها، كانت رقية لم تعطي اهتمام لهدي التي تتطلب منها عدم التدخل في شئون مشيرة، إلتفتت رقية لتجد مشيرة فتحت عينها وحدقت في سقف الغرفة وهي تبكي أسرعت لها رقية وجلست بجوارها لتمسح دموعها قائلة بعتاب :-
-ياخبر ياطنط ليه كده، أنتي مسمعتيش الدكتور قال متضايقيش ولاتزعلي نفسك!!..

لم تجيبها وظلت تبكي فقد اشتاقت لإبنها وفلذة كبدها تريد معرفة اخباره ولكنها عاجزة حتي أن تبوح بما يقلق قلبها ويطبق عليه..

ربتت رقية علي كتفها بحنان :-
-متقلقيش حازم كويس، وجاسم على طول معاه ومش سايبه ولادك بخير ياطنط متقلقيش..

نظرت لها مشيرة بصمت ودموعها تجري علي وجنتيها، فتحدثت رقية بإندفاع بعض الشئ وهي تبتسم فربما الأمر يخفف عنها:-
-عاوزاكي تشدي حيلك وتقومي بقا عشان خاطر حفيدك اللي جاي في السكه ده..

ظهر التعجب علي وجه مشيرة، فوضعت رقية يدها على أحشائها قائلة بفرحة :-
-أنا حااااامل..

في المساء دلف جاسم إلي غرفة والدته لكي يطمئن عليها كعادته اليومية، فوجد رقية نائمة علي الوسادة بجوارها بطريقة، فأقترب منها قائل بخفوت :-
-رقية رقية..

تململت بإنزعاج وهي تفتح عينها بنعاس، فتحدث جاسم بجدية :-
-قومي ياحبيتي معايا نامي في اوضتنا..

رقية بنعاس :-
-تؤتؤ ماينفعش اسيب طنط مشيرة لوحدها..

جاسم بإصرار :-
-قومي بس وابقي تعالى الصبح..

تنهدت بنفاذ صبر، وهي ترفع الغطاء عنها وتنهض، لاتستطيع قدمها حملها بسبب النعاس الذي يغلب عليها فسقطت في حضن جاسم، وتحدتث بنبرتها الناعسة :-
-شيلني ياجاسم!!

عض على شفتيه بغيظ وهو يهتف بتهكم:-
-رقية هو أنتي مش ملاحظة إنك تخنتي بعد مابقيتي حامل، وأنا عمال اشيل ومش راضي اتكلم…

إبتعدت عنه هاتفه بصدمة أزالت النوم :-
-تخنت!!..

أومأ جاسم برأسه صامتا، فتحدثت بغضب :-
-طب روح أنت بقا نام وأنا هنام هنا..

وقبل أن تسير جذبها من يدها قائل بإستسلام وتهكم :-
-أمري لله هي جات عليكي يعني ومشلكيش ما أنا طول عمري بشيل..

ثم احاط خصرها وانحني قليلاً ليضع يده أسفل ركبتيها لتضع رأسها على كتفه وتغمض عينها..

-في غرفتهما..

كان جاسم ورقية نائمان على الفرأش يحتضنها جاسم بيد وباليد الاخري يمسك هاتفه ويتحدث مع معتز الذي يقص عليه أنباء اليوم التي حدثت مع بيبيرس..

فتحدث جاسم بإعجاب :-
-والله جدع انه عمل كده، عرف يوفقك صح..

ثم تابع بتهكم :-
-بس ياريت اللي في بالي ميطلعش جبله بقاا..

فضحك قائلاً :-
-خلاص بقا لما اشوفك بكره.. سلام..

مد يده ليضع الهاتف علي الكومود، فتحدثت رقية بخفوت :-
-في أيه!!

رمقها جاسم بتعجب قائل بجدية :-
-ايه ده أنتي لسه صاحيه!! ..

عبث بشعرها قائلة بتهكم :-
-وأنام أزاي يعني في الدوشه اللي عاملها أنت وصاحبك دي..

إبتسم جاسم وهو يحتضنها بكلتا يديه:-
-معلش بقا ماهو أنا لو طلعت اتكلمت بره وأنتي نايمه في حضني كده برضه هتحسي..

تنهدت بضيق :-
-يعني تزعجني من نومي أنا وإبنك عشان خاطر سي معتز ده…

ضحك جاسم وهو يهتف :-
-لسه برضه مش طايقه!!..

تحدثت رقية بعدم اهتمام :-
-وانا مالي بيه هو اللي مش بيحبني ووو

قاطع حديثها جاسم بغير وغضب :-
-وهو يحبك ولايكرهك ليه إن شاء الله، محدش بيحبك هنا غيري..

إبتسمت رقية قائلة :-
-أعتبر ده حكر ولا ايه يااستاذ جاسم؟!..

جاسم بجدية وهو يرفع رأسها :-
-ايوة حكر حبك ده ليا انا وبس..

وبينما هي تنطر في عينه هتفت بحذر:-
-طنط مشيرة عرفت إني حامل!!..

تنهد جاسم قائل بنبرته الجادة:-
-وكان رد فعلها أيه!!..

هزت كتفيها قائلة بنبرة حزينة :-
-معرفش يمكن غضب حزن بس في النهاية هي مش عايزاني ولا عاوزة حفيد مني!!.

صمت جاسم لوهلة وهتف :-
-ايه اللي خلاكي تقوليلها دلوقتي يعني؟!..

رقية بنبرة ساخرة :-
-وهي دي حاجة هتستخبي ياجاسم بطني مسيرها تكبر والكل يعرف..

وكإنها تذكرت شيء فوضعت يدها على أحشائها قائلة بتسائل :-
-هي بطني هتكبر أمتا ياجاسم!!

جاسم بمزاح :-
-أول مرة اشوف واحدة مستعجلة اووي عشان يطلعلها كرش..
.
فأحب يمزح معها أكثر، فنظر إلي أحشائها واستخدم كلمة أبني التي دائماً تستخدمها في عباراتها “إبنك ياجاسم”:-
-ايه انتي وأبني مش جعانين النهارده ولا ايه؟؟..

تسللت الإبتسامة إلي وجهها وهي تعتدل وتتنحنح :-
-احم احم بصراحه جعانين اووي..

ثم أمسكت يده وهي تنوي الهبوط قائلة:-
-يله بينا ننزل المطبخ نعمل أكله ولا كام ساندويتش كده ونطلع..

سطحها جاسم وهو يدفن رأسها في الوسادة قائل بغضب :-
-نامي ياحبيتي والصبح ابقي افطري أنا عارف انا اللي جبته لنفسي!!..

نائمة علي فرأشها وهي تبكي بقوة، فالظلام يطفئ أملها في الحياة، تحب النهار الذي يزيد تفائلها في قلبها وتكره الليل الذي يحل بسواده ليوقظ اوجاعها ويقضي علي احلامها وامالها، كانت والدتها تمر من باب غرفتها ذاهبة إلى المرحاض ولكنها استمعت إلى صوت شهقاتها يعلو فتسلل القلق إليها فأدارت المقبض سريعاً لتدلف تجد إبنتها منكمشة علي نفسها في الفرأش وترتجف بقوة وهي تشهق، أسرعت إليها قائل بقلق :-
-ايه ياشهد مالك كده في أيه ياحبيبتي!!..

توقفت شهد عن البكاء ونظرت إلي والدتها قائلة بصوت يغلبه البكاء :-
– م آآ مفيش افتكرت علي أخويا بس!!..
تنهدت الأم بوجع قائلة :-
-ربنا يرحمه ياحبيتي ويسكنه فسيح جناته..

ثم احتضنتها قائلة بنبرة لينة :-
-بطلي عياط عشان متعذبهوش في قبره..

ثم ربتت علي ظهرها بحنان قائلة :-
-هو ده بقا اللي مضيقك ولا في حاجة مخبياها علي ماما..

لم تعرف بما تجاوبها فهي ليست لديها القدرة على التعبير فهزت رأسها إيجاباً وهي تهرب من الإجابة في الصمت!

قررت رقية اليوم تناول غدائها مع مشيرة ربما تقصر المسافات بينهما، فأعدت طعام لهما وصعدت الغرفة لها،

جلست علي الفرأش بأبتسامة علي ثغرها وهي حاملة للطعام هاتفة بحيوية :-
-أديني جبت أكلي عشان ناكل مع بعض ..

أومأت مشيرة برأسها وهي شارده ..

فهتف جاسم الذي دلف اللتو وهو يحمل سترته علي يده قائل بسخرية:-
-تاكلي معاها ولاقصدك تاكلي أكلها أنتي وأبنك …

عضت علي شفتيها بغيظ وهي تستدير برأسها قائلة بغضب :-
-جاااااااااااااااااااسم !!!..

أقترب جاسم منهما قائل ببرود:-
-أيه قولت حاجة غلط ؟؟.. ده انا خايف جمبك لاحسن تجوعي بالليل تاكليني .اصحي الاقي نفسي في بطنك ..

استندت الطعام علي الطاولة الصغيرة ونهضت ووقفت قبالته وهي تجز علي اسنانها وتنتقل ببصرها بينه وبين مشيرة قائلة بحزن مصطنع:-
-شايفه ياطنط أبنك بيذل أبنه علي اللقمه اللي بياكلها وهو في بطني .اومال لما يجي الدنيا هيعمل فينا ايه مش بعيد يجوعنا !!!..

ضحك جاسم مستهزأ:-
-ههههه متأكده ان أبني بياكل لقمة مش فرن ؟؟!..

ثم تابع بتهكم :-
-وبعدين اجوعكم ايه !!هو اللي زيكم بيجوع ده ممكن يتغذي علي البشرية ولا اينو يجوع ..

أبتسمت مشيرة رغم عنها علي حوارهما ومشاكستهما كالقط والفأر …

يتبع …

error: