لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل الرابع والثلاثون.. الجزء الثاني.
مرت الأيام والجميع في المزرعة يعمل ويتسابق علي إقناع رقية بالسفر مع نضال حتي يمني التى جاءت لها زائرة ولكنها غضبت منها عندما رأت حالتها النفسية المتدهورة وأعتمادها علي الأقراص المهدئة وامرتها باللجوء إلى الله، كما طلبت منها الموافقة على السفر مع نضال ولكن لاحياة لمن تنادي!! فقد أبت رقية هذه الفكرة فهي لاتحمل انحراق مصباح يضئ بالأمل مرة أخري، فيكفيها مالديها من خيبة أمل..
وفي ذات يوم خرجت رقية من أحدي الصيدليات التي علي بعد أمتار من المزرعة بعدما جلبت اقراصها المفضلة منذ الفترة الأخيرة، وبينما هي تسير عائدة وقف أمامها جسد ضخم حجز عنها الطريق، فرفعت بصرها لتجد نضال الذي انتقل ببصره إلى الكيس الذى يوجد بيدها وبداخله الأقراص المهدئة فإلتوي ثغره بسخرية :-
-جبتي كيفك خلاص!!..
نظرت له نظرة حادة بعدما جملته هذه وقد اتخذت جانباً لكي ترحل ولكنها وقف أمامها مجددا هاتف بصرامة :-
-لما أكلمك ماتمشيش!!..
وقفت مرة أخري قائلة بجمود :-
-نعم عاوز أيه؟..
نضال بهدوء :-
-عاوز اتكلم معاكي!!..
ولكن نظر حوله بضيق حيث السيارات المارة والناس قائل :-
-بس اكيد مش هاينفع هنا؟!..
رقية بجدية :-
-أنا عارفة اللي هايتقال فوفر عليا وعلي نفسك ملهوش لزوم اللي الكلام سوا هنا أو في أي مكان، لاني مش هسافر!!..
أومأ نضال بحركة هادئة من راسه واردف:-
-حتي لو قولتلك أني محتاجك معايا ؟!..
صمتت للوهلة تحاول فهم جملته السابقة جيداً فهتفت بتسأل :-
-بصفتي ايه؟!..
اجابها بجدية :-
-بصفتك إنك انتي كمان محتاجاني، انتى عاوزة تتعالجي وانا اللي هعالجك !!..
هي بلهجة جامدة :-
-بس أنا مطلبتش منك تعالجني؟!..
نظرة نظرة تهكم مرة أخري ليدها وتابع :-
-جايز مطلبتيش لكن تصرفاتك بتطلب ده!! وانتي هنا تحت مسئوليتي ومش هسمح لحاجة تحصلك!!..
ثم اردف متابعاً:-
-والأهم اني ده واجبي كدكتور!!..
أبتسمت بسخرية :-
-لفظ دكتور بقا يطلع منك سهل اووي!!..
سبق حديثه تنهيدة :-
-وهي مش دي الحقيقة؟!..
قست نبرتها ونظرتها :-
-الحقيقة اللي عيشت سنين بتكدبها وتنكرها!!..
نضال :-
-واديني رجعت اعترفت وأكدت الحقيقة!!..
تسألت هي :-
-واشمعنا دلوقتي يادكتور؟!..
فضحكت بوجع علي حالها :-
-هو للدرجة دي حالى بقا مثير اووي للشفقة، وخلي الدكتور يتراجع عن رأيه؟!..
نضال بلهجة جادة للغاية :-
-اوعي تفتكري انى فى لحظة قررت كده، أنا كنت في دوامة لحد مااخدت قراري قراري اللى عشاني وعشانك وعشان ناس كتير !!..
عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة بصرامة :-
-افهم من كلامك أنك تقدر تعالجني؟!..
أبتسم بثقة قائلاً:-
-أنا ماخدتش الخطوة دي غير وانا واثق في كده!!..
ضحكت هذه المرة أكثر وأردفت :-
-صعبان عليا اووي ،متفائل جامد احب اقولك يادكتور أنك أول ماهتروح هناك هسمع منك الكلمة اللي سمعتها من كل الدكاترة..
ثم قامت بتقليد صوت ما وهي تضحك بوجع :-
-آسف يابنتي، الحروق فى وشك غائرة جداً والحالة صعبة وانا ماينفعش اغامر بأسمي في عمليه نجاحها شبه مستحيل؟!..
مش هو ده اللى هتقوله برضه؟!..
هز رأسه بالسلب ،وأردف :-
-كنت قولتلك الكلام ده هنا!! انا هتحدي نفسي يارقية واثبتلك العكس!!..
رقية :-
-والمقابل؟!..
أبتسم قائل :-
-اني اشوفك فرحانه، ده المقابل اللي هستناه اني افرحك وساعتها هفرح أنا كمان!!..
راقبته بنظرات زائغه :-
-أنا مفيش امل فى علاجي أشهر الدكاترة قالوا كده ليه تغامر معايا وتعشمني!!..
وبدأ الضعف يحتل صوتها والوجع يخرج في نبرتها :-
-أنا مش حمل حد يعشمني بأمل ويقولي اني آخر العتمه نور وامشي في العتمه وملقيش النور..
اردف مطمئناً:-
-مش جايز ربنا حطك في طريقي عشان نثبب عكس اللي الدكاترة قالوه، مش جايز ربنا ليه حكمه في كده!!..
رددت بصوت ضعيف :-
-، كلامك جميل، بس انا خايفة أنا بقيت زي الازازه اللي اتكسرت واتلحمت ومابقتش حمل اي خبطة !!..
نضال بنبرة لينه :-
-اعملي اللي عليكي واللي عاوزه ربنا هيكون ولو مفيش امل فى علاجك جايز ماكنتش واقف قدامك بعرض عليكي ان احنا نسافر وكنت مازلت علي موقفي !!..
ظلت عدستها تتحرك بصمت دون أن تتفوه بكلمة، فتحدث نضال :-
-فكرى كويس وهستني ردك، وردك أن اوراقك تكون علي مكتبي في أقرب وقت!!..
ثم نظر الكيس الذي تحمله بيدها :-
-وياريت تبطلي البرشام ده، !!..
ثم نظر لهيئتها المرزية الباهتة قائل بأسف :-
-مخلي شكلك زى المدمنين بالظبط!!..
انهي جملته وغادر مستقلاً سيارته، تاركها تنظر الكيس الذي بيده بعدم تصديق وقد انكمشت ملامحها بإنزعاج عندما وقفت أمام مرآة أحدي السيارات تري شحوب وجهها بل أيضا نحافته كما قل وزنها أيضاً…
……………..
-بعد مرور ايام..
كانت رقية في غرفة يوسف تجهز له حقيبته استعداداً للسفر للخارج مع نضال وسوف يرافقهما في رحلتهما يوسف ووالدته جيهان..
كان الصغير يجلس في ذات الغرفة علي الاريكة المنقوشة الموضوعة في أحدي الأركان كان يشاهد افلام الكرتون الشهير عبر شاشة التلفاز والتفت لرقية خلفه قائل بفرح:-
-أنا مبسوط اووي يارقية اني هسافر معاكي انتى وماما وخالو!!..
اكتفت هي بالايماء برأسها مع ابتسامة صغيرة، وتنهدت بحزن وهي تطوي الثياب وتضعها داخل الحقيبة ، ثم طار عقلها الى معشوقها جاسمها الذي لم يسأل عنها مطلقا منذ اللحظة الأخيرة بينهما أيعقل أن هذا العاشق قد مسحها من طريق وركلها!! هي تحتاج إليه الآن فربما تخطو لمرحلة جديدة في حياتها تجهلها تتمني أن يشاركها كل لحظة تتمني يشاركها في أنفاسها الخارجة والخارجة، لامت نفسها علي تفكيرها فهي مازلت عاشقه وهو!!!!!!.. إذا فعليها بنسيانه ولكن كان القدر رأي آخر فبينما تغلق سحاب الحقيبة اخترق اذنها صوت مراسل أحدي القنوات “وقد تم تحديد الغد لمحاكمة رجال الأعمال المتهمون في قضية تجارة الأعضاء والذي من بينهم رجل الأعمال الشاب جاسم الراوي والذي تم إتهامه مؤخراً في هذه القضية بشهادة الشهود وثبت تورطه التام في هذه الجريمة البشعة.. علي موعد معكم غداً لنقل أهم ماحدث في الجلسة”..
كالصاعقة التي هبطت عليها فرفعت رأسها ببطء لتنطر نحو الشاشة فأتسعت عينها بهلع وهي تري محبوبها يهبط من سيارة الشرطة وهو مكبل اليدين بالكلابشات الحديدية!! ومحاط بالعساكر وسط دائرة من وسائل الإعلام والصحافة، وحشد جماهيري يطالب بالقصاص!!..
أسرعت نحو الصغير وألتقطت منه جهاز الريموت ثم قامت بتزويد درجة الصوت لتسمع الحديث وهي تحاول منع شهقاتها التي تتعالي وتتعالي حتي انتهي المراسل من الحديث لتضع يدها علي فمها بعدم تصديق وقد لمعت مقلتيها بالدموع التي تصارعت علي الهبوط، كما أزدات ضربات قلبها بشدة وصرخت بقوة وهي تنهض راكضة مغادرة الغرفة :-
-نضاااااااااااااااااااااااااال!!..
-كان في غرفته يبدل ثيابه وقبل أن يخلع قميصه سمع صراخها فإغلق القميص مرة أخرى سريعاً وأسرع نحو الباب يفتحه بقلق بالغ، سار في الممر حتي وقف الاثنان علي الدرج فكانت تتنفس سريعاً وهو يهز رأسه ببطء متسائلاً، فهدرت به بحده:-
-جاااسم!! جاسم مقبوض عليه؟!..
اتسعت عينه بصدمة وزفر بضيق فتابعت بلهجة أكثر حده :-
-رد عليا أنت عارف انه مسجون!!..
أومأ برأسه بالموافقة قائل :-
-طب اهدي كده وانا هفهمك كل حاجة!!..
رقية بنزق ودموعها جارية علي وجنتيها :-
-تفهمني ايه؟! حرام عليك مقولتليش ليه؟!..
وضع يده الاثنان في جيب بنطاله وأردف بنبرة تبدو باردة:-
-ولو قولتلك كان هيفرق معاكي!!..
التوي ثغرها بتهكم قائلة من بين شهقاتها :-
-يفرق معايا؟! هو انت مش عارف ده يبقا مين؟ !..
نضال بنبرة أكثر برودة :-
-عارف يبقي طليقك!! يعني مفيش حاجة تربطك بيه دلوقتى..
صرخت به بنبرة متقطعة من البكاء :-
-ده روحي عارف يعني ايه روحي، حتي لو حصل بينا ايه كان لازم تقولي وتعرفني كان لازم اكون جمبه !!..
تابع بضيق :-
-رقية احنا خبينا عليكي عشان كنتِ تعبانة ،وبعدين اديكي عرفتي هتعملي ايه ؟!..
نظرت له نظرات زائغة باكية!! حتى وجدت نفسها تهتف بجمود :-
-هاروحله!!..
وتقدمت لكي تهبط الدرج ولكنه قبض علي رسغها قائل بحده :-
-تروحي فين؟! اعقلي احنا عندنا طيارة بكرة واصلا وجودك زي عدمه هو مش مستنيكي وعنده جيش محامين قادرين يخرجوه!!..
وبنبرة متحشرجة :-
-هو اكيد عاوز وجودي ومحتاجني!!..
نضال بجمود:-
-لا مش محتاج وجودك لأنك مفيش في ايدك حاجة تقدمهله، وهو ورا ومعاه اللي يحميه، وبيتعامل في سجن معاملة ملوك يعني وجودك مش هيضيف حاجة غير أنه هيتعبك انتي!!..
نظرت له نظرة أخيرة قائل جملتها الإخيرة :-
-لازم اكون معاه!! ده جاسم عارف يعني ايه جاسم!!..
ثم أزاحت يده بقوة وهبطت الدرج سريعاً وماكان بوسعه اللحاق بها وهو يصيح لكي تلتفت له ولكن دون جدوى واظطر في الاخير أن لايتركها ويعود معها إلى القاهرة بسيارته!!..
…………….
-في شركة الراوي…
وبينما تمارا تجلس مع معتز يراجعان أوراق القضية مع المحامي، استمعا إلى صوت ضوضاء يأتي من الخارج، فعقدت تمارا حاجبيها بإنزعاج واضح ونهض معتز متجه نحو الباب وفتحه ليتفاجئ برقية تشتبك مع السكرتيرة ، زفر معتز بضيق ونظر خلفه ليجد تمارا تنظر له بتركيز شديد، فنهضت هي الأخرى وهي تخفض تنورتها القصيرة، وخرجت هي الأخرى لتتفاجئ بوجود غريمتها رفعت حاجبها بإبتسامة مسلية وشاهدت رقية وهي شبه تتعارك!!..
رقية بلهجة غاضبة :-
-هو أنا جايه اشحت منك انتي ماتعرفيش انا ابقا مين انا مرات جاسم بيه!!..
انتهت جملتها لتتفاجئ بصوت انثوي ظهر مع صوت حذاء نسائي يقترب منها :-
-قصدك طليقته!!..
فوقفت أمامها تمارا تنظر لها من أعلى الي أسفل قائلة بإبتسامة باردة :-
-طليقة جاسم!! معلش السكرتيرة ماتعرفكيش أصلها جات بعد ماجاسم طلقك!!..
تصارعت أنفاسها بشدة وهي تنظر لكتلة الأنوثة والجاذبية التي تقف أمامها، تصنعت رقية الثبات وحولت انظارها الي معتز الواقف يهيئ نفسه لبدء معركة!!..
رقية لمعتز وقد اقتربت منه قائلة بنبرتها الحزينة :-
-معتز أنا عاوز اشوف جاسم، عايزه ازوره!!..
تدخلت تمارا فى الحديث وقد عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة بنبرة ساخرة :-
-تزوريه؟! هو انتي ماتعرفيش اني بكره الجلسه بتاعته يبقي هاتزوريه ازاي ؟!!..
زفرت رقية بضيق ولم تعبيرها أدني اهتمام، وتابعت مرة أخرى :-
-معتز خليني اشوفه انت اكيد تعرف حد يخليني ازوره!! عشان خاطر جاسم خليني اشوفه هو عاوزني جمبه !!..
معتز بضيق :-
-ماينفعش بكره هيتحاكم فصعب اووي!!
تابعت ببنرة توسل :-
-بس أنا عاوزه اشوفه لازم اشوفه ماينفعش تخليني أشوفه حتي قبل المحكمة !!..
ثم تابعت بخفوت :-
-وانت ليه مقولتليش من اول ما ده حصل؟! ليه محدش عرفني!!
معتز بجدية :-
ومحدش عرفك لأني وجودك ملهوش لازمه من الأساس وممكن يضايق جاسم
انهمرت للدموع من عينها بغزارة وهي تتحدث بشفاة مرتجفة :-
-علي الاقل كنت هبقي جمبه، هو محتاجني دلوقتي وعاوزني ،وهو لايمكن يضايق من وجودي ..
اجابها بصرامة وجمود :-
-ولو قولتلك أني هو مبقاش عايزك!! خليكي بعيدة زي ما انتى يارقية وانسيه زي ماهو ناسيكي ،ولو هو محتاج حد بقا عنده اللي يحتاج ليه !!..
كدلو المياه الذي سقط عليها الآن، هزت رأسها بعدم تصديق ثم نظرت له بحده قائلة :-
-أنت كداب!! ايوة كداب طول عمرك بتكرهني وعايز تبعدني عن جاسم أنا هشوفه غصب عنك وغصب عن أي حد !!!..
قالت ذالك وهي تشير نحو تمارا التي دنت من رقية قائلة بإبتسامة استفزاز :-
-وانتي عاوزه تشوفيه ليه يارقية عشان يتصدق عليكي تاني متخافيش ادعيله انتي بس يخرج علي خير ويتمم خطوبتنا علي خير وانا هشوفك بحاجة!!..
ثم ضحكت بقوة قائلة :-
-ولا انتي عشمانه انه هياخدك في حضنه عشان تهوني عليه الايام، لافوقي يارقية كده انتي ضيف شرف في حياتنا وياريت مايزعجناش تاني!!..
ثم سارت تمارا نحو المكتب وجلبت حقيبة يدها وعادت مرة أخرى اخرجت منها بعض الورقات من فئة المائة جنيه ثم فتحت كف رقية ووضعت المال بداخلها قائلة بإنتصار:-
-ادعيله بقا يخرج عشان نتمم خطوبتنا!!..
ألجمتها الصدمة كما شعر معتز بالضيق من تصرف تمارا، شعرت ببرودة تسري في جسدها وشعرت كأنها عارية بين حشد الموظفين ولكن سبحان من منحها قوة لتقذف المال في وجه تمارا ثم صرخت بقوة بعدما ضغطت علي إسنانها :-
-يابنت الكلببببببب!!!..
قالت ذالك وهي تلف خصلات شعرها عل يدها وتطرحها أرضاً تسدد لها العديد من الضربات والصفعات فتدخل معتز علي الفور وابعد رقية عنها بمعاناة، نهضت رقية ثم بصقت علي تمارا وازاحت معتز وسارت بغضب وانكسار وهي تضغط على شفتيها متألمة سارت ثم وقفت لثواني لتنظر لدبلتها الذهبية بغضب فاخرجتها بقوة كادت تحطم اصبعها والقتها أرضا، وسارت لتسافر الغد مع نضال وليتحاكم هو، فكل شخص عرف حياته القادمة له!!!!..
… يتبع

error: