لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل السابع عشر…

ثواني ودقائق مرت عليهما وهما في نفس الوضعية.. هي في أحضانه ثابتة وهو عينه في عينها إبتلعت ريقها وأبتعدت عنه ببطء ليتنهد قائل بعتاب زائف :-
-مش قولتلك تأكلي!!..

نظرت له بجمود ثم أستدارت في إتجاه البناية.. فزفر بضيق ليقترب منه راضى ويربت علي كتفه برجاء وكإنه يقول “معلش عشان خاطري”..

أبتسم له جاسم مجاملاً ثم أخذ بيده ليسيران للداخل خلف رقية..

…………………

وقف المصعد في الطابق المراد ليفتح الباب إلكترونياً ويخرج جاسم أولاً وخلفه رقية وهي تمسك ذراع أبيها والخوف واضح علي ملامح وجهها..

ضغط علي زر الرنين ليفتح الباب بواسطة فتاة ذات شعر قصير يكاد يصل إلي عنقها وترتدي تنورة قصيرة للغاية وخلفه ستره جلد سوداء ذات فتحه تبرز مفاتنها بوضوح كانت ذات قوام ممشوق وطويلة القامة كما زاد طولها بفعل الحذاء العالي..

رقبتها رقية بغيظ شديد خفي فهي تظهر في صورة أنثوية عكسها فهي ترتدي تنورة طويلة من اللون الاسود وستره ذات لون غامق وتلف حجابها لفة منظمة وجهها شاحب عكس تلك الفاتنة التي تضع كم من المساحيق، نقلت رقية بصرها إلي جاسم لترى هل يدقق النظر في جسد هذه الفتاة الفاتنة أم لا….

أبتسمت الفتاة وهي تشير لهم بالدخول وترحب بجاسم وقد افسحت المكان لمرورهم :-
-أهلاً ياجاسم بيه، إتفضلوا..

إلتفت جاسم لرقية فكانت لاتتحرك ثابتة وهي تراقب نظراته ، قطب مابين حاجبيه قائل بتسائل:-
-في حاجة!!..

لم تجيبه وتصنعت الجمود ودلفت مع أباها ودلف هو خلفهما..

سارت رقية ببطء وهي تتأمل المكان المصمم بجودة عالية من حيث الأرائك ذات اللون الهادئة التي تعطي حالة هدوء نفسي وألوان الحوائط وكل شئ متواجد فهي عيادة ذات زوق عالي..

جلست علي الاريكة بجوار والدها، وعلي أريكة أخري جلس جاسم ووضع ساق فوق الأخري وأتخذت ملامحه الجمود..

أقتربت منهم الفتاة وهي تصدر ضجة من حذائه ووقفت بالقرب من جاسم ووجهت له الحديث قائلة بإبتسامة علي ثغرها :-
-هبلغ الدكتور بميعادكم حالا..

اكتفي جاسم بالإيماء برأسه دون التحدث، فسارت الفتاة بخيبة أمل…

زادت الغيرة في قلب رقية ونظرت إلي جاسم مرة أخري فوجدته ينظر أمامه ولايعطي أي اهتمام لتلك الفتاة، ظلت تراقبه حتي إلتفت فجأة فوجدها تخلتس النظر له عقد حاجبيه بتعحب، لتشيح وجهها بإحراج فيبتسم هو بزاوية فمه علي فعلتها وتمتم بداخله “رقية بتغير!!” ..

عادت مرة أخري تلك الفتاة وهي تشير للداخل بأدب وتوجه حديثها لرقية :-
-أتفضلي!!..

شعرت بقشعريرة تدب في أوصالها فأومات ببطء وهي تنظر لوالدها الذي وقف وهو ينوي الدخول معها وقبل أن تسير، اعترضت الفتاة قائلة :-
-ماينفعش!! لازم تدخلي لوحدك!!..

لوحدي!! كلمة كفيلة بأن تهز جسد رقية بأكمله هزت رقية رأسها بالنفي وتشبثت بوالدها الذي تحدث برجاء :-
-ماينفعش يابنتي ادخل معاها؟!..

الفتاة بنبرة نفي :-
– لازم تكون لوحدها..

شعر راضي بخيبة أمل فربت علي كفها قائل بهدوء :-
-طب يارقية متخافيش وخشي وأنا وجاسم بيه هنستناكي هنا!!..

رأي الرفض في عينها، فتحدث مرة ثانية :-
-متخافيش أحنا هنفضل هنا!!.

حولت أنظارها إلي جاسم وكأنها تستنجد به فنهض من مجلسه وأقترب وأمسك بكفها البارد قائل بنبرة هادئة :-
-أنا معاكي هنا!!..

كيف لها تخاف وطوق النجاة معها فهي لم تشعر بالأمان إلا في وجوده رغم أنها نكرت ذالك في الأيام الماضية ، فهتفت بخفوت :-
-أنا هبقي لوحدي!!..

كرر جملته بنفس نبرته :-
-أنا معاكي هناا!!..

فترك كفها البارد وترك راضي يدها لتنظر لهما وهي تبدأ السير ببطء حتي تقف قبالة الفتاة وتسير معها نحو الغرفة…

-في الداخل..

وضعت الفتاة ملف رقية أمام الطبيبة، فأشارت الطبيبة للفتاة بالخروج فأومأت بأدب وخرجت.. كانت رقية تفرك كفيها ببطء وهي تلتفت حولها بذعر وهي علي مسافة ليست بالبعيدة ولا القريبة من مكتب الطبيبة ، رفعت الطبيبة التي تدعي “سيمون” رأسها من الملف ونهضت من علي مكتبها وسارت نحو رقية قائلة بإبتسامة بسيطة :-
-أزيك يارقية!!..

أبتلعت ريقها وهي تؤمي برأسها قائلة بنبرة خافتة :-
-آآ الحمد الله!!..

فأشارت الطبيبة إلي المقعد الوثير وهي تتطلب من رقية التمدد عليه :-
-طب أتفضلي نامي هنا يارقية..

نقلت رقية بصرها إلي ذالك المقعد فتحركت وسارت نحوه بريبة حتي تمدت عليه وضعت يدها على أحشائها ونظرت في سقف الغرفة وهي تحاول السيطرة علي حالها..

جلست الطبيبة علي مقعد جلدي بجوار مقعدها وهي تمسك دفترها وقلمها الذهبي ثم إرتداءت نظارتها الطبية قائلة بجدية :-
-عاوزاكي تحكيلي علي كل حاجة يارقية من غير ماتخبي حاجة!!..

لم يكن الموقف سهلاً على رقية بأنها تسرد كل أوجاعها التي مرت عليها علي شخص فظلت ترمش بعينها عدة مرات وتفرك يدها وهي تشعر بزيادة ضربات قلبها..

لاحظت الطبيبة إرتباكها فتحدثت بلهجة عملية :-
-خدي راحتك أنا مش مستعجلة، وأول ماتحسي إنك جاهزة أتكلمي!!..

بعد دقائق تنفست بعمق وتحدثت بألم وهي تغلق عينها :-
– الحكاية بدأت من وانا عندي خمس سنين!!..

بدأت رقية في سرد ماضيها المؤلم وهي تدمع وأحيانا تصمت لتتابع بوجع وشهقات، كانت الطبيبة تدون ملاحظات عن ماضيها حتي حاضرها والحالة التي عليها الأن أنتهاء سرد رقية عند نقطة حبيبها الكاذب وجنينها المفقود..

فوضعت يدها على أحشائها وهي تبكي :-
-حتي هو رفضني يادكتورة، حتي هو هيتكسف إن أمه تكون واحدة زيي، عقبني وحرمني منه قبل ماأشوفه!!..

الطبية بتسائل وهي تدون شئ ما :-
– أنتي مش بتثقي في جاسم يارقية؟!.

صمتت للوهلة وتحدثت :-
– ايوة بثق فيه!!..

الطبيبة سيمون وهي تنظر من أسفل النظارة بتعجب :-
-ازاي بتثقي ،وأنتي صدقتي كلام واحدة إنتي واثقة جداً أنها بتكرهك..

رقية بنبرتها الباكية وهي تضيق عينها بإستنكار نوعاً ما:-
-حطي نفسك مكاني واحد زي ده يعشقك للدرجة دي!! يحبك حب ولا اللي في الروايات راجل بتحسدك عليه كل الستات راجل ساب كل الستات ورضي بيكي أنتي راجل عمرك ماشوفتي في عينه نظرة قرف راجل وانتي معاه حاسه إنك طيره.. تفتكري ده ممكن يبقا حقيقي مش هتشكي فيه للحظة؟!!..

ثم تابعت بنظرات زائغه قائلة بحيرة :-
-بس أنا واثقة فيه، لا مش واثقة فيه يمكن أكون مش واثقة في نفسي ويمكن مش واثقة في دنيتي!!..

تنهدت الطبيبة سيمون وهي ترمقها بجدية :-
-لو هنفترض إن هو بيكدب قدام الناس، هل بيكدب وهو معاكي كمان!!!..

قطبت رقية مابين حاجبيها بعدم فهم، لتتحدث الطبيبة بحذر:-
-يعني لما بتكونوا مع بعض في العلاقة الحميمة بيكدب برضه!!.

تلونت وجهها بحمرة الخجل فأشاحت بوجهها بعيداً..

أبتسمت الطبيبة وهي تردف:-
-أكيد مش قصدي أكسفك ولا بتطفل علي علاقتكم الزوجية اللي انا عارفه أنها حاجة خاصة.. لكن أنا عايزاكي تقتنعي من جواكي جاسم كداب ولالا؟!..

فتابعت بنبرة لينه:-
-بيكدب؟! طب بلاش كده طب إنتي بتحسي بأيه وأنتي معاااه؟!..

أرتعش جسدها فأخفضت رأسها وهي تجيبها بحياء وقد سقطت دمعة علي وجهها :-
– بحس آآ إني ست بجد!!…

الطبية بنبرة وقورة وهي تترقب رد فعلها :-
-بيحسسك إنك ست!! تفتكري لو كداب بجد هل هينجح في أنه يوصلك لدرجة الأحساس دي بلاش كده لو كداب أكيد هيجي مرة وهتحسي بالنفور منه ومع ذالك محصلش ولو كداب ايه اللي يجبره علي كده ببساطة كان إتنازل عن حقوقه الشرعية لأنه ماكنش هيقدر يمثل إستمتاعه!!

ساد الصمت لمدة ثواني فهتفت الطبيبة بعمق :-
– مفيش حد يقدر يكدب أو يمثل في الاحساس والمشاعر حتي لو كان من امهر ممثلين العالم، وأحنا بني ادمين أكيد هنعرف نحس باللي قدامنا…

الحكم عندك يارقية ويمكن تكوني عارفة ومتأكده منه كمان لكن مش عايزة تعترفي بيه!!..

تنفست بسرعة وهي تهتف بدموع :-
-جايز كلامك صح!! ويمكن أنا بعدت عشانه ويمكن آآا

هزت رأسها بعنف قائل ببكاء :-
-أنا مش عارفة حاجة!!..

خلعت الطبيبة نظارتها الطبية وهتفت بتنهيدة وهي تنهض :-
-كفاية كده النهاردة هحددلك جلسات ياريت تواظبي علي مواعيدها معايا وخصوصاً الفترة الجاية دي…

نهضت رقية ودموعها على وجنتيها، وسارت نحو مكتب الطبيبة قائلة بتنهيدة حارة :-
-هو أنا مريضة ومحتاجة للعلاج؟!..

الطبيبة بنبرة جادة :-
-انتي شايفة أيه!!..

هزت كتفيها قائلة باضطراب داخلي :-
-مش عارفة!!..

تنهدت الطبيبة بصوت مسموع وقبل أن تضع عينها في الملف مجدداً …

سمعت صوت رقية المتحشرج قائل:-
-أيوة أنا محتاجة أتعالج!!..

أبتسمت الطبيب وهي تجيبها بعملية :-
– تعرفي إن أول طريق العلاج اعتراف المريض بمرضه!!..

فُتح الباب لتخرج منه رقية وهي تمسح دموعها بكفها، فنهض جاسم علي الفور فتعلقت أنظاره عليها فحالتها توحي بجلسة أنهاكتها وجعلتها في هذه الحالة..

وبينما هي تدقق النظر لم تلمح والده فأسرعت نحو جاسم تسأله بقلق :-
-بابا فين؟!.. .

جاسم بنبرة عادية :-
-مشي!!..

أتسعت عينها بذهول وهي تهتف :-
-م مشي ليه!!..

تنهد قائل بجدية :-
-كانوا عاوزينوا ضروري في العمارة عشان كده مشي!!..

لاحظ هو تغير وجهها وإرتباكها الواضح فهتف:-
-يله بينا!!..

رقية بحده :-
-يله فين أنا مش رايحه معاك في حته، انت بتحطيتي قدام الأمر الواقع!!..

جز جاسم علي أسنانه وأقترب منها هامساً بنبرة شبه غاضبة :-
-صوتك مايعلاش سامعه!!..

راقبته بحذر وهي تهتف :-
-مش همشي معاك!!….

جاسم وهو يجاهد لكبح إنفعالاته :-
-هتمشي ورجلك فوق رقبتك!!..

رقية بتحدي :-
-بصفتك إيه أن شاء الله؟!

وفي هذه اللحظة دنت منهما الفتاة المساعدة قائلة برقة :-
-في مشكلة مستر جاسم!!..

أبتسم جاسم بخبث وهو يستدير لها قائل بإبتسامته الجذابه وهو يشير بعينه إلي فنجان القهوة:-
-الآنسة مصممة نمشي قبل مااخلص فنجان القهوة الرائع اللي عاملتهولي بأيدك الجميلة دي بجد تسلم ايدك..

ااسبلت عين الفتاة وهي تردف بخجل :-
-متشكره جداً يامستر جاسم!!..

رقية وهي ترمق الفتاة بسخط :-
-يله نمشي!!..

جاسم ببرود ليثير غيرتها :-
-طب يارقية اتفضلي أنتي بقاا، أنا هخلص فنجاني!!..

وزعت نظراتها بين الفتاة وبين جاسم قائلة بخفوت:-
-هتخليني أمشي لوحدي…

رفع جاسم حاجبيه قائل بجمود مصطنع :-
-ما أنتي كنتي هتمشي لوحدك من شوية!!..

ثم انحني وامسك فنجان القهوة قائل بحزن مصطنع :-
-للأسف بردت!!

الفتاة علي عجالة وهي تسير :-
-حالا هعملك غيرها!!..

بعدما اختفت عن الأنظار، شعرت رقية بأنه قاصد احراجها أمام الفتاة كادت تصرخ به “بس أنا بغير، أنا زي أي ست بتغيير” وقد تلقت الإجابة من نفسها بتغيري!!! بصفتك إيه خلاص طلقك!!..

عندما راي جاسم ملامحها المقتضبة الحزينة وعينها اللامعة أقترب هامسا بصوت رجولي قائم :-.
-بطلي عبط!! أنا قولتهالك قبل كده عمر مايملي القلب ولا العين غيرك!!!..

error: