لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل الخامس..

كانت حنين في جولة طويلة مع السائس الخاص بمزرعتهم لكي تبحث عن المزرعة التي ألقتها أمامها “حنه” وكانت طوال الطريق تدعو الله أنها لاتري ذالك المتعجرف هناك، رغم فضولها الكبير لمعرفة هذه الشخصية وربما هذا السبب الرئيسي لذهابها إلي هناك…

تمتمت بداخل نفسها قائلة بتهكم :-
-أيه التناقض اللي أنتي فيه ده ياحنين!!

فتحدث السائس بضيق :-
-ياست حنين بقالنا ساعة بنلف، هي فين المزرعة دي..

حنين وهي ترفع كتافها قائل بإمتعاض :-
-مش فاكره اديني بشوف وبحاول إفتكر..

زفر السائس بسخط وهو يوجه جواده للسير في إتجاه معين، وبعد السير لفترة ليست قصيرة، رأت حنين طيف الرجل التي رأته في السابق يقف علي مسافة ليست طويلة، صاحت بفرحة قائلة :-
-أهو هناك أهو ياعم سعيد..

فرح السائس وهو يحبر الجواد السير، وقف أمام المزرعة ثم ترك لجام الجواد وسار بضعة خطوات ليمد يده لحنين حتي تهبط من علي العربة، هبطت حنين بحذر وهي تمسك بيده، ثم سارت بخطوات متعرجة، حتي وقفت خلف مسعد وصاحت :-
-لو سمحت !!..

إلتفت مسعد لها فأنكمشت ملامحه قائل بسخط :-
-أنتي تاني!! أنتي مش هتجبيها لبر ولا إيه..

لم تعير أهتمام لحديثه ثم تحدثت بجدية وهي تمسك قبعة رأسها :_
-أنا جاية أخد الحاجة بتاعتي اللي نسيتها عندكم..

السائس بنبرة متهكمة :-
-حاجة أيه دي إن شاء الله، أنتي جاية بطولك واحنا عملنا الواجب معاكي ومشيتي… ايه رمي الجتت دي بقااا..

حنين بلهجة غاضبة :-
-أنت بتتكلم معايا كده ليه، أنا جايه أخد حاجتي وامشي مش هعوز منكم حاجة ..

وبعدما انتهت من جملتها، سمعت صوت جهوري قائل من خلفها :-
-وحاجتك اللي أنتي جاية تسألي عليها دي أنا رميتها..

إلتفتت سريعاً لمصدر الصوت لتجد ذالك السمج صاحب الملامح الصرامة..

إبتلعت حنين ريقها وهي تهتف :-
-ررميتها!!..

أومأ برأسه إيجاباً وهو يرمقها بجمود..

جزت حنين علي أسنانها بغضب وهي تتجه نحوه وتصيح :-
-وانت ازاي تسمح لنفسك ترمي حاجة مش بتاعتك، هي دي الأمانة!!!

تحدث ببرود :-
-انا اعمل اللي أنا عاوزه مادام الحاجة دي في ملكي يبقي أتصرف فيها زي ما أنا عاوز..

ثم تابع بجدية وهو يشير ناحية باب الخروج:-
-واديكي عرفتي مصير حاجتك فين، ممكن تورينا جمال خطواتك بقااا..

صمتت حنين لوهلة وهي تنظر في عينه بعدم تصديق…

إبتسم هو بسخرية ومد يده في جيب بنطاله الأسود الداكن واخرج ورقات مالية من فئة المائة جنيه، ثم مسك كف حنين ووضع المال بداخله قائل بإهانة :-
-متزعليش كده ،خدي اهو حق الحلق ده!!!..

إتسعت عين حنين بزهول، وهي تنطر للمال بصدمة، رأقب هو تعبيرات وجهها بتسلية..

رفعت وجهها وقد إشتعلت عينها غضباً، قذفت المال بوجهه قائلة بغضب :-
-أنت بني أدم عديم الذوق وو آآآ..

لم تكمل جملتها فقد قاطعتها صفعة مدوية هبطت علي وجهها لتخرج منها صرخه..

رمقها هو بكل غضب، ثم أمسك ذراعها بقوة قائل :-
-بت إنتي أوعي تفكري للحظة إنك تغلطي فيااا لاني هندمك أشد ندم،واظن اني حذرتك قبل كده إني مش عايز أشوف وشك هنا تاني، وجو التنطيط في كل حته ده ماينفعش معايا، ياريت تكون الرسالة وصلتلك ..

ثم ترك ذراعها بقوة ورحل، نظرت له وهو يرحل بصدمة وهي تضع يدها علي وجنتها والدموع تسقط من مقلتيها بصمت، نظرت حولها لتجد مجموعة من عمال المزرعة يشاهدون الحدث، جرجرت قدمها وهي تحاول أن تسرع في خطواتها لتخرج من ذالك الوباء..

-في تركياااااا…

متسطح جاسم علي الأريكة ورقية نائمة في أحضانه يشاهد إحدى مبارات كرة القدم علي قناة رياضية شهيرة…

كانت رقية تتحرك بكثرة داخل أحضانه حتي تثير غضبه، زفر هو بضيق وهو يرفع رأسها قائل بإنزعاج :-
-فيه أيه يارقية بتتحركي كتير كده ليه؟! مش عارف اتفرج علي الماتش منك..

تنهدت رقية بصوت مسموع وهي تحرك شعرها بيدها قائلة بإمتعاض :-
-هو أنت جاي شهر عسل ولاجاي تتفرج علي ماتش هنااا..
.
جاسم بنبرة متهكمة :-
-هو فين شهر العسل ده إن شاء الله ، ماهو علي أيدك بصبر نفسي بالإحضان والبوس كأني لسه في فترة الخطوبة..

شهقت وهي تضع يدها علي فمها قائلة بذعر :-
-هو أنت كنت ممكن تعمل كده وأحنا مخطوبين!!!

رفع حاجبه بحركة مسرحية ثم دفن وجهها في صدره قائل بتنحنح :-
-أحم احم خلينا نتفرج علي الماتش أحسن..

حاوطت عنقه ثم أردفت بخفوت :-
-جاسم…

جاسم بنفاذ صبر :-
-خير!!!

أغلقت عينها وهي تتنهد قائلة بنبرة طفولية :-
-أحكيلي!!..

جاسم بنبرة ساخرة :-
-حدوته!!

هزت رأسها بنفي قائلة بإبتسامه وهي تملس علي صدره:-
-تؤتؤ ،أحكيلي عن جاسم الراوي..

قطب مابين حاجبيه بتعجب، فأعتدلت هي قائلة بنبرة جادة :-
-أنا معرفش عنك كتير ياجاسم، معرفش غير إن أسمك جاسم الراوي..

ثم وضعت يدها علي فمها لتمنع نفسها من الضحك قائلة :-
-ومبتعرفش تعمل قهوة..

أبتسم جاسم من زاوية فمها ليزداد جاذبية، ثم حك طرف ذقنه قائل بنبرة عادية وهو يلتفت برأسه إلي التلفاز :-
-حاضر ياحبيبتي لما نرجع مصر هحكيلك كل حاجه..

جذبت من يده الريموت الإلكتروني وأغلقت التلفاز وعقدت ساعديها أمام صدرها.. فصاح جاسم :-
-ايه اللي عملتيه ده!!

رقية بسخط :-
-مليش دعوة أحكيلي دلوقتي..

جاسم وهو يمسح علي خصلات شعره بضيق :-
-عاوزه تعرفي أيه؟؟؟..

إبتسمت وهي تضع الريموت علي الطاولة وتهتف بسعادة :-
-كل حاجه، يعني بتحب أيه، خريج أيه، حياتك أيه كل حاجة..

تنهد وهو يقول :-
-ماشي..

وقبل أن يبدأ في السرد قالت علي عجالة :-
-ثواني !!..

تسطحت في أحضانه وهي تقول بأبتسامة :-
-يله أحكي!!

أبتسم لفعلتها ثم عبث بخصلات شعرها قائل بهدوء :-
-أنا ياستي خريج ثانوية عامة..

أتسعت عينها بذهول وهي تشهق وتتردد بداخلها “ثانوية عامة!!!!”

لم يجعلها تتعحب كثيراً فتابع بجدية :-
-مش ثانوية عامة بالظبط يعني، بس الحكاية كلها لما جبت مجموع عالي جداً في الثانوية العامة وقولت خلاص هحقق حلمي وادخل فنون جميلة اوطب ، لكن يشاء القدر وابويا يتعب جامد ساعتها عمي جه وطلب مني أمسك معاه الشركة وحصل كده فعلاً، وبقيت بشتغل معاه في الشركة بتعلم منه..

ثم تابع بحزن :-
-فضلت كده لحد ما ابويا مات، وعمي اللي تعب بعدها وساعتها بقيت ماسك الشركة مكان عمي وابويا لحد ماعمي مات هو كمان وبقيت أنا المسئول عن أمي واخويا ومرات عمي وبنت عمي، ضحيت بكل أحلامي عشان مقصرش في حاجة، ودرست إدراة أعمال عشان أكبر الشركة اكتر واكتر ومن ساعتها واانا جاسم الراوي دي كل الحكاية …

رقية بتسائل :-
-فين جاسم الراوي من ده كله؟؟!

جاسم بإبتسامه خفيفة :-
-جاسم الراوي حياته من حياة الناس اللى في رقبته دي..

أعتدلت وهي تزيح خصلة من شعرها للخلف قائلة بجدية :-
-هو انت متعود دايماً تضحي كده، متعود تدي ومش تاخد..

فتابعت بحزن وهي تملس علي وجنتيه :-
-ضحيت حتي بإن يكون ليك زوجه تفتخر بيها قدام الناس..

أمسك كفها وقبل باطنه قائل بصدق :-
-تعرفي إنك الحلم الوحيد اللي حققتته في حياتي…

إبتسمت وهي تردد :-
-حلم!!!

أومأ براسه قائل بجدية :-
-من اول ماشوفتك في مكتب العميد ومش عارف إيه اللي حصل ليه، بقيت افكر فيكي دايماً عايزه اعرف عنك حاجات كتير كأنك هدف والحمدالله وصلتله..

إبتسمت وهي تسأل :-
-أشمعنا أنا ياجاسم، مع إنك بتشوف بنات كتير واجمل مني وأحسن مني مليون مرة انا يعتبر صفر جمبهم..

ملس علي كفها وهو ينظر إلي عينها مباشرة قائل بحب :-
-سبحان من زرع حبك جوايااا يارقية..

وقد طرب حديثه اجمل طرباً علي قلبها ليجعل صوت نبضها يعلو ويعلو..

اردفت بقلق :-
-ممكن تحب اوتتجوز واحدة غيري..

جاسم بنظراتها العاشقة :-
-عمري، مايملا القلب غيرك

ويأتى السؤال الاخر بنفس النبرة القلقلة :-
-هيجي يوم وتسبني…

اختتم حديثه :-
-لما عمري يخلص!!

واغلق الستار علي المواجهة الخفيفة علي القلب ❤❤

“أحلام وردية نعيشها ونستيقظ ماهي أحلام ����”

بعد مرور فترة من الزمن لون أسود يعم في المكان، لاتفهم شيء تتدلف من باب القصر بعد عودتها من زيارة اهلها، تحمل رضيعها الذي لم يكمل عامه الأول، اسرعت في خطواتها وهي تري مشيرة تصرخ :-
-أبني لااااااااااا أبني…

وعندما رأت رقية إنتفضت عليها، لتسرع هدي وتحمل الصغير من أيد رقية…

أمسكت مشيرة رقية من تلاليبها بعيون حمراء قائلة بغضب :-
-انتي السبب من يوم ماشوفنا خلقتك واحنا في نكد وحزن جيتي ودخلتي الحزن علينا غورررررري من حياتنا بقا…

ثم بدأت في البكاء واالصراخ مجدداً..

لتقول رقية بهلع :-
-في إييييييه؟؟..

هدي ببكاء وهي ترمق رقية بسخط :-
-جاسم مات عمل حادثة وماااااات..

عندما ينقلع قلبك من جسدك، عندما تخرج روحك من جسدك، هكذا كانت حالة رقية عندما سمعت هذا الخبر، اتسعت عينها ثم رمقت هدي بسخط :-
-أنتي مجنونه!!! ج ج جاسم مات ازاااي، انتي بتقولي كده عشان اسيبكم وامشي ويتجوز هو بنتك!!..

والأول مرة تقف أمامهم بتحدي قائلة :-
-جاسم بيحبني أنااا ،مش هتعرفوا تبعدوه عني!!..

ثم أنتشلت رضيعها من أيدي هدي قائلة بغضب :-
-انا هاروح لجاسم الشركة وهنمشي من حياتكم هنعيش انا وهو وابننا بعيد عنكم انتو مش بتحبونااا..

إلتفتت لتخرج ولكنها إستمعت صوت حنين يخرج منها عافيا قائل والدموع تغرق وجهها وهي تجلس على الأرضية :-
– م م مش هتلاقيه يارقية مات مات..

ثم صرخت بقوة :-
-ابوووووويا مات..

حنين لاتكذب لاتتمني الموت لوالدها، إرتجف جسد رقية وارتجفت يدها بقوة وابتلعت ريقها وهي تبتسم بجنون، لتنكمش ملامحها مرة واحدة ويغلق الستار أمامها لتظهر كلمة النهاية مع التتر، لاتعرف من الذي حمل رضيعها ولكنها استسلمت للغيبوبة المؤقتة..

-في مقابر عائلة الراوي..

“فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”

صدق الله العظيم… اختتم الشيخ هذه الاية قبل ان تدلف رقية إلي مدفن زوجهاااا

دلفت بملامحها الخالية من الحياة بعيونها المنتفخة التي تشبه أكياس الدم، ترتدي ملابس سوداء وتجمع شعرها بعشوائية وتسير ببطء وهي حافية القدمين، وصلت أمام قبره وجلست علي الارضية ومدت يدها لتلمس قبره لتنزل دمعة ساخنه علي وجهها فجاسم اصبح اسفل الاتربه وأحتضنته الأرض.. تحدث بصوت خافت مرير :-
-س آآآ سيبيني لوحدي م آآ معاه ياسارة!!

قبل ان تعترض ساره، تحدثت برجاء ممزوج بدموعها :-
– آآآ ارجوكي ي ي ياسارة ارجوكي عايزة اشبع منه..

أومات برأسها وهي تربت علي كتفها بحزن وترحل..

تسطحت بجواره وهي تسند برأسها علي القبر قائلة بصوت باكي وهي تبتسم بصدمة :-
-إيه ياحبيبي،، شوفت ياجاسم شوفت ياحبيبي الدنيا أستخسرتك فيااا ازاااي، موت وسبتني ياحبيبي طب أنا هعمل أيه من بعدك هااا؟؟ هعمل ايه انت كنت سندي أنا كنت عايشه بيك..

رفعت رأسها ببطء وتحدثت بجنون وهي تبكي :-
-ق قوم معايا ياحبيبي، يله ياجاسم بالله عليك قووم معايا..

صمتت للوهلة وهي تنظر إلي قبره بصدمة صمت يسود بالمكان واقع مرير عليها ان تتقبله جاسم كان!! امسكت رأسها ببدها وصرخت :-
-لااااااا لاااااا ،جاااااااااااااااسم…

تمر ايام وايام والصمت رفيقها عاشت جسد بلا روح فقد غابت الروح من الجسد اسفل التراب.. سارت في القصر لكي تجد شئ من رائحته لكي تعانقه وتبكي وتشكي له، واول ما لمحت كان مكتبه المغلق رمقته من بعيد وهي تتنهد وتسير ببطء، لتقف أمام مكتبه تردد في البداية ولكنها حسمت أمرها، ادرات المقبض ببطء ودلفت وغلقت خلفها، لتستدير وتنهمر الدموع بغزارة من وجهها وهي تتطالح كرسيه خلف المكتب وسترته معلقه عليه في اخر مرة سهر فيها بالمكتب، وضعت يدها علي فمها لتمنع صوت شهقاتها ان يعلو، سارت وحذبت سترته التي مازالت محتفظه بعطره صاحبه الفقيد الراحل، احتضنها رقية باكية بقوة، وهي تجلس بتهالك علي مقعده، اغمضت عينها وفتحتها مجدداً لتلمح صورة تذكارية التقطها جاسم لها وهي تحمل رضيعها، مدت يدها المرتعشة وامسكتها وهي تزيد في بكائها وكأنها لمحت خطه خلف الصورة فأدارت الصورة سريعاً، لتجد كلمات كتبت بقلب ليس بقلم “فرحت اني جبت حته مني ومنها قبل ما اموت، فرحت اني شوفت فرحتها قبل ما اموت، سامحيني ياحبيبتي كنت حاسس بالموت لكن مقدرتش ابين ليكي حاجة، افتكري جملتي ليكي زمان انا عايز احييكي لايمكن اموتك”

واختتم جملته “رسولنا الكريم يارقية لما صاحبه خاف طمنوا بجملة واحدة “لاتحزن إن الله معنا”..

متخافيش ومتحزنيش بعد فراقي، طمني قلبك زي ماطمئن قلبه بجملة “لاتحزن إن الله معنا”..

… يتبع

error: