لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل الخامس والثلاثون..

في الصعيد..

رأته هو يحرك الرمال بالعصا الرفيعة محاولاً كبت غضبه، فزوجته تركته عندما الشك تسلل إلى قلبها حتي سكنه!! فعادت لمنزل ابيها حتي تظهر برائته من التهمة الشنيعة التي توجهها له شهد.. فكرت قليلا أن تهبط له فاغلقت الستار وسحبت شالها الطويل ووضعته علي رأسها بعشوائية وهبطت له..

كان يقذف الرمال بقوة تعبر عن مدي غضبه من تلك الدميمة التي تجرأت عليه وافسدت له حياته!! دون أن يشعر بأنه سلب روحها في البداية حتي انتهت حياتها!!..

تفاجئ بها تجلس بجواره ولكن علي بعد قائل بنصف إبتسامة :-
-زعلان عشان حنان مشيت؟!..

رمقها بغضب بعدما ألقي العصا بكل قوته حتي استقرت بعيداً، فتابعت بنبرة عرفت البرودة :-
-متزعلش هي كده كده كانت هتمشي، وكمان احسنلك تطلقها ماتعشمهاش انك ممكن تكون برئ!!..

عصام بغضب :-
-طلعلك صوت دلوقتى، وبقا ليكي عين تتكلمي معايا!!..

نظرت له مطولاً، ثم اردفت بنبرة مختنقة :-
-وانت ليك عين تبص في عنيا بعد اللي عملته؟! مبتحسش بتأنيب ضمير، مابصعبش عليك..هو انت ليه عملت فيا كده، أنا اذيتك في ايه؟! ده انت كنت اخويا، لما كنت تيجي عندنا وجهزلك الاكل كنت بجهز الاكل لإخويا اغسل واكوي هدوم اخويا وفي الاخر اخويا دبحني!!..

فتابعت وهي تبتسم بوجع :-
-فاكر لما قولتلي انك هتتجوز؟! فاكر ساعتها انا فرحت إزاى كانت الدنيا مش سيعاني كنت بحوش مصروفي عشان اعمل فستان في فرحك، مكنتش عارف إنك هتسرق فرحتي!!..

ظل ينظر لها بصمت!! فوضعت يدها علي أحشائها قائلة بنبرة تستدعي البكاء :-
-سرقت مني طفولتي كبرتني قبل أواني، وطفيت أحلامي!!..

وضحكت بهدوء والدموع بدأت تسيل بغزارة من عينها :-
-كان نفسى في يوم ابقا عروسة كان حلمي أن احس اني زي كل البنات لكن انت جيت ودبحتني بسكينة باردة استكترت عليا حتي الحلم !!..

وهذه المرة توجهت له بسؤال :-
-هو انت كان ممكن تتجوزني ياعصام؟!..

زفر بضيق واشاح بوجهه للناحية الأخري ثم اردف بجمود :-
-ولاعمري هفكر اتجوزك..

أومأت برأسها باكية وتابعت بتسأل:-
-ليه ؟ عشان مش حلوة مش كده!! هو انا لو كنت حلوة ولا عادية كنت ممكن توافق تتجوزني!! بلاش كده لو ماكنتش حملت كنت فاكرني هسكت وانت تعيش حياتك عادي ..

وأخيراً تحدث بلهجة بجمود :-
-أنا عمري مخطط اني ممكن اعمل كده هي ساعة شيطان وجات فيكي!! وجايز جات فيكي لأن محدش هيكتشف ده ممكن اعرف اني حياتي هتننيل كده !!.

جملته أقسى من فعلته، شعرت بإلم في قلبها، فنظرت له بإشميئزاز :-
-قصدك ساعة قلة اصل وعدم رجولة!!..

ثم نهضت وكفكفت دموعها قائلة :-
-أنا عايزااك تفضل تفكر هتعمل أيه في حياتك الجاية لأنها شكلها سودا اووي عليك!!..

ثم لمعت عينها ببريق انتقام فقد تخلت عن طفولته فهو الذي بدأ والبادي أظلم كما يقال :-
-وانا هفضل أفكر هجيب حقي منك ازاي!!..

أنهت جملتها وغادرت مسرعة، لينهض يراقبها وهي وتدلف المنزل فعض علي شفتيه بغيظ كما غضبت عينه وانطلقت منها سهام الشر وتوعد للإنتقام منها !!..

_رأي هذا المشهد والد شهد الذي أطفأ سيجارته فقد عاد التدخين لينفث غضبه بها توجه ثم أغلق الستار وجلس علي الأريكة القديمة يفكر فهل ابنته محققه، وإذا كانت هكذا فقد اشتركت مع أبن شقيقه في تلويث شرفه!! انتشله من شروده زوجته التي جلست بجواره قائلة :-
-متفكرش كتير الحقيقة قدامنا بنتنا مش بتكدب واللي في بطنها ده من أبن اخوك!! طب فكر بعقلك كده مين اللي كان دايما عندنا مش هو، هو اللي فتحناله بيتنا وعملناه عيل من عيالنا وادي النتيجة طعنا في شرفنا!!..

نظر لها قائل :-
-وانتي عاوزني اعمل ايه؟! اغسل عاري واقتلهم هما الاتنين..

تحدثت بإستياء:-
-هو اللي يستاهل القتل مش بنتك، دي شهد طول عمرها منكسره ودي بنتك اللي مربيها علي إيدك!!..

زفر بضيق قائل بغضب :-
-خايف استني تولد ويطلع الواد مش ابن عصام، ساعتها همشي حاطط راسي في طين!!.

اجابته بتأكيد :-
-هيطلع ابنه ده من ساعة ما ابوه واقف علي التحاليل دي والوااد مش علي بعضه !!..

تحدث الأب بغضب :-
_والله لو طلع صح لهشرب من دمه ده جزاتي أني اعتبرته ابني وفتحتله بيتي!!..

ربتت علي كتفه قائلة بجدية :-
-لو ده طلع انه هو فعلاً يبقي يكتب علي البت ويسترها ويبقي نجيب حقها!!..

………………..
-في السجن!!..

دائماً زيارات معتز تنص علي اخباره بآخر ماوصل إليه المحامون في القضية والطريق الذي سلكوا ولكنه معقد لإثبات برائته، وان تمارا تبذل قصارى جهدها من أجل إبقاء أسم الراوي!!..

لا ينكر أن هذه المرأة احتلت جزء كبير من تفكيره، فهي دائما تريد أن تشعره انها بجواره وأنها مثل العكاز القوي تثبت من يستند عليها!!

نجحت واستطاعت أن تستحوذ علي تفكيره، فهي غير كل النساء هي ليست رقية الباكية دوماً، هي أمراة لها بريق خاص يظهر بشدة في حياتها العملية، هو يحتاج امرأة مثلها ، امرأة بنفس قوتها، هو يحتاج لها يحتاج لتمارا النجدي ،تمارا النجدي التي إدارات عمله بكل جدارة ومهارة ماذا لو كانت رقية بوضعها!! لكانت بكت وبكت ، فقط قضي الأمر ويجب علي العقل أن ينتصر علي خيبة القلب!!..

أطلق تنهيدة من صميم قلبه ثم أمسك دفتر الرسم الذي بجوار وفتحه ليجد صورتها في البداية، فهي الأولى دوماً وربما ليست الأخيرة فيما يأتي، نظر إلى تلك الرسمه فقد رسمها بشعرها الحريري وهي تجلس وسط أزهار مرتديه ثوب زفاف وتبتسم له، نظر إلى صورتها بإبتسامة ثم تلاشت تدريجيا وحل العبوس وتتبعه الجمود امتدت يده لكي تمزقها ولكن امتنع عن هذا فى اللحظات الأخيرة!! مازال يحبها مازال يضعف أمام أي شئ لها!! ألقي الدفتر جانبه بغضب وفكر لما معتز لم يذكرها انها سألت عليه أو حاولت الاطمئنان عليه، فإلتوي ثغره بإبتسامة ساخرة فهي تستغل الظروف للهروب وعليه أن يقتنع أن رقية حذفت نفسها بنفسها من حياته.. وضع رأسه علي الوسادة بعدما عقد ساعديه خلف رأسه ينتظر الغد ولكن لايفكر فيه فهو واثقاً في العدالة الإلهية…

………..
-في فيلا النجدي…

وقفت أمام المرآة تنظر لخدش وجهها وهي تسب وتلعن تلك الحمقاء التي تجرأت عليها!!..

فسمعت طرقات علي باب غرفتها، فتنهدت بضيق فبالتاكيد هذا والدها علم انها جاءت بحالة سيئة اتجهت نحو الباب وفتحته فدلف والدها بمقعده المتحرك قائل بقلق :-
-مالك ياتمارا؟! بلغوني أنك جايه مش طايقه دبان وشك!!..

جلست علي الفرأش تخلع اكسسوارات يدها قائلة علي مضض :-
-مفيش يابابا شوية مشاكل في الشغل!!.

رمقها والدها بنظرة ذات مغزى وأردفت وهو يشير لخدش أسفل عينها :-
-وهو الشغل بقا يعور جامد كده!!..

عضت علي شفتيها بغيظ، فأبتسم وتابع :-
-عارف إنك كبرتي،لكن مش هتكبري علي انك تحكيلي أيه اللي مضايقك، ولا انا بقيت عاجز خلاص ومش هعرف اساعدك يابنت النجدي !!..

تمارا بضيق :-
-بابا انت عارف انه اكيد مش كده لكن مش عايزة ازعجك ..

والدها بحزم ونبره شبه منفعله :-
-أنا آآآآ عايز ازعاج، طالما الازعاج ده حاصل مع بنتي، ولا مش من حقي اعرف اللي بيحصل معاها..

ومع إصراره اضطرت أن تسرد له وسرددت له الذي حدث معها من قبل رقية!!..

وبعدما انتهت تحدثت بإنفعال:-
-شوفت يابابا علي اخر الزمن واحدة زي دي تمد ايدها عليا وتتجرا عليا !!..

والدها بهدوء معاتب :-
-انتي اللي أتجرأتي الأول واهانتيها ودي مش أخلاق بنتي!!..

تمارا بتعالي :-
-لا معلش بقا الأشكال دي مش عاوزة غير كده، وأنا فاهمه عينتها كويس اووي!!..

ثم تابعت بغل وغضب :-
-وانا كمان بعرف اربي الأشكال دي كويس، وهعلمها الأدب بنت البواب دي!!..

انزعج من حديث ابنته بهذا الشكل، فقال وهو يضيق عينه :-
-بس انا شايف ان بنت البواب دي بتدافع عن حقها؟!..

اندفعت قائلة :-
-جات كسر حقها، حقها في أيه أن شاء الله؟!..

اجابها بثبات :-
-حقها في جوزها!!..

وسريعاً قالت بحزم :-
-طليقها!! وحقها اخدته انها عاشت عيشه عمر ما أهلها حلمت بيها، ادلعت يومين وشافت الدنيا طمعانه في ايه بقا!!..

تنهد والدها وأردف:-
-شوفي يابنتي انا عارف اني قولتلك أني اتمنى جاسم زوج ليكي لكن لو ده علي حساب أذية أو كسر قلب الغلبانه دي انا بقولك لااا…

نهضت وعقدت ساعديها أمام صدره قائلة بنبرة قاسية :-
-أنا اللي هأذيها يابابا لو وقفت في طريقي اوشفت خيلها هأذيها، ومش بس كده ده أنا هدوس عليها برجلي كمان !!..

واتجهت نحو المرأة قائلة وهي تنظر لانعكاس صورتها :-
-وهندمها ازاي تمد ايدها علي أسيادها!!..
.
فأردف بنبرة ذات مغزى :-
-بس جاسم لو خرج بكره مش هيسمح أن حد يضايقها!!..

ظهر علي وجهها القلق بشدة من جلسة الغد هي تتظاهر بالثقة ولكن تخشى أن يصيبه مكروه وخاصتك انها علي علم بأساليب طليقها وكيف يستطيع فعل أي شئ ولكن ماهما حدث ستظل وتبقي تمارا النجدي!!..وتخشى أن جاسم يتبع قلبه وتخسر هي المبارة في الثواني الأخيرة ..

لاحظ الأب شرودها فتسأل وهو يضيق عينه :-
-خايفه من بكره ولا خايفه عليه!!..

التفتت له وصمتت فهي لاتعرف بما تجاوبه فالأمر في هذا القضية معقد!!..

فتمتمت بقلق :-
-ربنا يستر!!
…………….
-في الصباح..

انتهت من صلاتها واخذت تدعو له وتطلب من الله ان يقف معه اليوم، أن يتم إثبات برائته ظلت تدعي وتدعي حتي نست الدعاة لذاتها. نهضت وهي تمسك سجادة الصلاة بيدها ثم وضعتها علي الفراش ثم خلعت أسدالها واستعدت للسفر.. ولم تعلم لماذا أخذت معها الجريدة التي نشر بها صورة جاسم في أول صفحة من الجريدة..

-في المحكمة!!..

امتلأ المكان بمراسلين القنوات والصحافة لينقلوا هذا الحدث الهام، وفي ساحة المحكمة يقف كلا من حازم وبيبرس ومعتز وتمارا وقلوبهم تكاد تكون في قدمهم!!..

ولكن تمارا تتظاهر بالثقة أمام الجميع،علي عكس الآخرين.. وماهي إلا دقائق وتوجه الجميع الي القاعة بصحبة مجموعة من أشهر المحامين للدفاع عن نجل الراوي!!..

………

_في المطار..

كان نضال يخلص الإجراءات وهي جالسه تقرأ الخبر بقلب يتمزق وجعاً، وعين تذرف دمعاً وبينما هي تقرأ وقع بصرها علي جمله “وقد يكون الأعداء هو جزاءة هؤلاء الرجال الذي انتزعت من قلوبهم الرحمة” انقبض قلبها فجأة وشعرت بأن روحها تنسحب منها حاولت السيطرة علي انفعالاتها وشهقاتها ولكن لم تفلح فأنهارت باكية وكان الحلم البعيد يقترب وجاسم سيتركها ويترك الحياة..

حاولت جيهان ويوسف تهديئتها ولكن دون جدوى، وبعد مرور الوقت هدأت قليلاً وعاد نضال وجلس بجوارهم وحل أزرار سترته قائل :-
-كل حاجه تمام..

أومأت جيهان برأسها وهي تنظر بشفقة الي رقية، اما نضال عندما نظر إليها أيقن سبب بكائها وقبل أن يتحدث تحدثت هي بشفاة ترتجف :-
-آآآآ هو ممكن يتعدم!!..

زفر بضيق قائل :-
-وبعدين معاكي! ليه مصره علي كده احنا مش قولنا هننسي!!..

وكأنها لم تستمع إليه فتابعت بنبرتها المختنقة من كثرة البكاء :-
-جا آآآآ جاسم ممكن يموت ويسبني؟! القاضي ممكن يحكم عليه بكده..

تنهد نضال قائل بتوضيح رغم ضيقه :-
-القضايا اللي زي دي الأحكام فيها مابين مؤبد أو إعدام ولو حصل لقدر الله حكم إعدام في جلسات استئناف ممكن تخفض العقوبة وجاسم معاه مكتب محاماة بيدافع عنه يعني مش بالسهل اي حكم يتنفذ فيه !!..

رقية بصوت خافت :-
-بس جاسم برئ!!..

نضال بعدم اهتمام :-
-الله اعلم المحكمة هي اللي هتكرر ده!!..

وضعت يدها علي قلبها لعلها تمنع ضرباته التي تتزايد وقد تكون كالسهام تفتك بها!!….

وبعد مرور الوقت!!..

حان وقت المغادرة نهضت بقدم ترتعش
وتسير كالمغيبة تقدم خطوة وتتراجع في الثانية عقلها يقنعها بالسفر قلبها يأمرها بالبقاء وبين كل خطوة والثانية تتجسد أمامها ذكري جاسم وصورته، أيامها معه منذ ابتسامة اللقاء في الجامعة حتي الرحيل في المزرعة!! أصبح قلبها ينبض بشدة وكأنه سوف يخرج من بين ضلوعه، يريد البقاء مع حبيبه وتلك الأوقات التي يحل فيها القلب محل العقل فكأن القلب اعطي إشارة لقدمها لتقف مرة واحدة نظرت نظرات زائغة ثم نطقت مرة واحدة لتفرح قلبها :-
-أنا مش هسافر!!..

وقف نضال بعدما استمع جملتها فكان يسبقها بخطوات فعاد لها يهز رأسه بإستفهام فهل ماسمعه صحيح فقال بحده :-
-مش عايز جنان؟!..

أبتسمت له قائلة وهي تمسح دموعها بظهر كفها :-
-الجنان اني امشي واسيب البني ادم اللي وقف معايا، وماينفعش اسيب روحي هنا وأمشي!!..

أنهت جملتها وإستدرت راكضة بشدة لكي تصلح خطائها التي ارتكبته وهنا يقال “والنفس تميل لمن أحسن إليها ���� والقلب ينحني لمن يهواه”

-في المحكمة..

صدح صوت محكمة في جميع القاعة ليقف الجميع وكانت أنظار تمارا معلقه علي جاسم الذي يقف بثبات خلف القضبان وعين جاسم اتسعت بذهول عندما رأها شبه تدل علي عجالة وعينها تبحث عنه فأبتسمت وهي تلتقط أنفاسها!!!

يتبع…

error: