لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي

الفصل العشرون..
بعد إلحاح جيهان علي “رقية” أن تهبط معها لكي تجلس معهم علي مائدة الطعام، وافقت رقية علي مضض بعدما بدلت ملابسها إلي ملابس أخري محتشمة!! سحبت المقعد لتجلس عليه علي إستحياء وأمسكت بمعلقتها المعدنية لتشرع في الطعام، كان نضال يجلس علي رأس المائدة وبجواره من الناحية اليمنى الصغير “يوسف ” ومن اليسري “جيهان” التي تجلس بجوارها “رقية”..
كانت عين نضال تختلس النظر إلي رقية عدة مرات بطريقة تلاحظ، تغاضت عنها “جيهان ” وركزت أنظارها في طبقها حتي لاتثير الشك، كما فعلت رقية التي تتناول الطعام بطريقة مرتبكة ويزداد إرتباكها كلما قابلت عينها عين نضال، عندما وجدت نفسها علي هذه الحالة كورت قبضة يدها لتتنهد وهي ترمق دبلته الذهبية التي مازالت تزين إصبعها، دنت منها إبتسامة حزينة ليلاحظ مباشرة “نضال”..
وبينما يسود الهدوء تحدث الصغير برجاء وهو يترك معلقه :-
-خالو مش أروح أشوف الحصان بقاا؟!..
جيهان بلهجة صارمة :-
-قولتلك لما تخلص أكل يايوسف وبعدين الدنيا مش هطير!!..
يوسف بإمتعاض وهو يعقد ساعديه :-
-أنا شبعت!!..
نظر له نضال وتنهد قائل بإبتسامة خفيفة وهو يشير بعينه إلي طبق يوسف :-
-طبقك لسه زي ماهو يايوسف، يله كول ولو خلصت الطبق ده كله هوديك، ومش بس كده كمان هخلي مسعد يركبك عليه..
يوسف بفرحة جالية :-
-بجد ياخالو!!..
أومأ نضال برأسه إيجاباً وهو يبتسم.. لينقل الصغير بصره إلي رقية قائل سريعا :-
-يله يارقية خلصي طبقك أنتى كمان عشان تروحي معايا..
نقل نضال بصره إلى رقية وهو يرمقها بجدية، ليتابع الصغير :-
-هو ينفع رقية تركب معايا الحصان مش كده ياخالو!!..
نضال بجمود وعدسة عينه مثبته عليها :-
-ينفع؟! بس لو هي عاوزة!!..
لم تجيبهم ولم ترفع نظرها من الطعام، فهي تشعر بالريبة من هذا الشخص صاحب الملامح القاسية..
وهذ الحين دلف “مسعد” بعدما أخذ الأذن وتحدث بهدوء :-
-أسف يانضال بيه، بس في واحد معاه رجل أعمال ومستنيك في مكتب حضرتك، بخصوص موضوع الأرض اللي أنت عارضها للبيع..
تنهد بصوت مسموع وهو يترك معلقته قائل بجدية :-
-ماقلكش إسمه أيه!!..
أومأ مسعد برأسه قائل بجدية :-
-هو صاحب مزرعة في الناحية دي..
ثم حك طرف ذقنه وكإنه يتذكر الأسم :-
-وأسمه كده آآ حاجة الراوي، أيوة جاسم الراوي يابيه..
إخترقت الجمله أذنها كالصاعقة، فأتسعت عينها من الصدمة وسقطت المعلقة من يدها، وكأن الطعام توقف في حلقها سعلت عدة مرات وهي تمد يدها التي ترتعش وإمسكت كوب المياه وترتشف بضع القطرات ثم وضعته بموضعه على الطاولة وهي تتنفس علي عجالة وتبتلع ريقها بصعوبة..
رد فعل جعل نضال يرمقها بشك ثم وزع بصره بينها وبين جيهان، التى أرتبكت نوعاً ما..
فعلق بصره علي رقية وتحدث بجمود :-
-رروح أنت يامسعد وانا جاي وراك..
انصرف مسعد علي الفور، لتهرب رقية من نظرات الشك والاتهام وتنهض سريعاً قائلة بأرتباك :-
-آآ الحمد آآ الله أنا شبعت!!..
ثم إختفت بسرعة البرق عن الإنظار..
كادت أن تنهض جيهان خلفها، فصاح نضال :-
-أسسستني!!..
جلست مرة أخري، ليتابع هو بحده :-
-البت دي إتكهربت كده ليه؟؟ لما سمعت إسم الراجل؟!!..
نظرت له جيهان، وهي تتصنع عدم المعرفة :-
-معرفش يانضال اهو قايمة أشوف في أيه؟!!..
رمقها بجمود ونهض نحو مكتبه ليقابل جاسم،تنفست جيهان الصعداء فهي لاتعلم لماذا إخفت عنه زواج رقية بجاسم، فربما أعتقدت أنه سوف يجعلها تذهب معه..
فزفرت بضيق قائلة :-
_وانت حبكت معاك تبجي دلوقتي يعني!!..
……………….……………….
-في مكتب نضال!!..
جاسم وهو يصافح نضال قائل بصوت قائم :-
-جاسم الراوي..
أومأ نضال برأسه قائل :-
-غني عن التعريف طبعا..
وفي هذا الحين أستعادت ذاكرة نضال ماحدث بينه وبين إحدي أقاربه “حنين” فربما نسي الأمر تماماً..
تنحنح بخشونة وهو يشير لجاسم أن يجلس :-
_أتفصل!!..
جلس “جاسم” وهو يفتح سترته ودار نضال ليجلس خلف مكتبه وشبك أصابعه قائل :-
-سمعت أنكم جايين عشان خاطر الأرض، إيه المطلوب!!.
تحدث جاسم بجدية :-
-المحامى بتاعي معرفش يوصل لحل في مشكلة شرا الأرض دي، يعني المبلغ المطلوب كتير عليها..
أخرج نضال سيجارته ووضعها بين شفتيه وهو يشعلها ثم قال :-
-كتير !! بس انا مش شايف إن المبلغ كتير عليها، الأرض في موقع حلو ومساحتها كبيرة كمان..
أبتسم جاسم وهو يتحدث بخبث :-
-بس الأرض عليها مشاكل كتير مش كده!!..
رفع نضال حاجبه قائل بتفحص :-
-ده أنت متابع بقاا!!..
جاسم بثقة :-
-طبعاً اومال هشتري سمك في ميه!!..
تنهد نضال قائل بلهجة جادة :-
-افهم من كده، إنك عاوز تشتريها بتراب الفلوس عشان عليها مشاكل..
جاسم بجمود :
-مين قال كده، أنا عمري مابأكل حق حد انا هشتريها بالسعر اللي تستاهله..
صمت نضال للوهلة قبل أن يتابع :-
-والمفروض عليا إني أوافق!!..
جاسم بلهجة عملية :-
-ده ملكك وانت حر فيه، بس أظن انك عاوز تخلص من الإرض يعني مش هتفيدك لو فضلت كتير، وبالعكس دي مشاكلها هتزيد وممكن تضطر تتنازل عنها ببلاش للدولة …
إبتسم نضال قائل :-
-أظاهر إن المحامي بتاعك بعتك عشان أنت أشطر منه!!..
وبعد المناقشات والحوارت حول الشراء تحدث نضال بإيجاب :-
-ماشي هكلم المحامي يخلص كل الإجراءات..
نهض جاسم وهو يؤمي برأسه قائل :-
-وهو كذالك، اتفقنا..
نهض نضال قائل :-
-مش تشرب حاجة الأول إنت أول مرة تشرفني..
جاسم بإبتسامة مصطنعة :-
-مفيش داعي أعتبر ضيفتك وصلت.. الزيارة الجاية بأذن الله..
نظر نضال للخارج ثم قال بغموض :-
-قريب!! أحتمال الزيارة دي تكون قريب!!..
خرج جاسم من بوابة المزرعة الداخلية وبجواره سعيد الذي تحدث مباشرة بضيق :-
-ياساتر مكنتش متوقع إنه كده ، كنت بسمع أنه صعب بس متخيلتش أنه بالشكل ده!!!
جاسم بلهجة جامدة وهو يسير نحو سيارته :-
– صعب ولا مش صعب!! اهم حاجة اللى جينا عشانه تم ، الراجل وافق وخلاص!!
سعيد بنبرة إعجاب :-
-ماانت كمان يابيه بسم الله ماشاء عليك مش مديه فرصة يغلي علينا أصلاً..
أبتسم له جاسم دون أن يتفوه بكلمة، ثم ضغط للزر الإلكتروني للسيارة وقبل أن يفتح الباب ويترجل، سمع صوت الصغير يصيح بأسمها..
حيث وقف الصغير “يوسف” علي قرب من سيارة جاسم وصااح بنبرة طفولية :-
-يله يارقية تعالى عشان نروح للحصان..
لايعلم مالذي شعر به الان وجعله يتسمر لثواني ونطق بخفوت للغاية “رقية” وبدون وعي وجد نفسه ينظر نحو الصغير ثم يلتفت للخلف في إتجاه المنادي عليه!!
كانت تراقبه وهو يرحل ولم تنكر أنها أشتاقت له وبشدة، ظلت تتابعه حتي صاح يوسف بأسمها فتمكنت الصدمة منها وسارت لتختبئ خلف أحد الأعمدة وهي تضع يدها على قلبها الذي سار ينبض بشده..
نظر كثيرا في الاتجاه ولم يظهر أحد، فري الصغير يركض للداخل..
تحدث سعيد بتعجب وهو ينقل بصره بين جاسم والجهة الذي ينظر لها :-
-في حاجة يابيه!!..
زفر جاسم بضيق ،فرقية أصبحت هاجسه منذ فراقها حتي ظن إنها الوحيدة التى تحمل أسم “رقية” ويجن جنونه كلما سمع أسمها، أفاق من شرود على جملة سعيد فقال بنبرة ضيق :-
-مفيش حاجة يله أركب!!.
ثم أستقل سيارته ورحل، لتتنفس الصعداء وهي تطل برأسها لتري شبح سيارته يختفي، تنهدت وهي تسند رأسها قائلة بإشتياق :-
-وحشتني ياجاسم، وحشتني أوي ياأخي..
أقترب منها الصغير وصاح :-
-أنتي مستخبيه من ميييييين!!..
فزعت وهي ترمقه بعتاب فحالتها لاتسمح لأي حالة فزع..
لم تعلم رقية بوجود أعين تراقبها من شرفة المكتب، فرقية سجلت الان في محل الشبهه لدي نضال..
…………………………………
-في أحدي الأحياء الشعبية..
فُتح الباب ليدلف منه شاب يرتدي بنطال جينز وسويت شيرت أسود اللون ويضع القبعة على رأسه لكي تخفي بعض من تشوه وجهه..
سمعت الأم “حسنه” صوت الباب يغلق، فتركت السكين من يدها وأسرعت لتستقبل إبنها الذي دلف مباشرة إلي غرفته وجلس على فرأشه بحزن، دلفت خلفه وجلست بجواره قائلة يتسائل:-
-هاا يامحمود عملت إيه ياحبيبي!!..
رمقها محمود بحزن قائل :-
-رفضوني طبعاً، الشغل طالب ناس حسنة المظهر هيقبلوني علي أيه بقاا..
حسنه بإشفاق علي حاله إبنها :-
-معلش ياضنايا بكره ربنا يفرجها!!..
تنهد محمود بوجع قائل بسخرية :-
-وصاحب الشغل مكفهوش يرفضني، لا سمعته بيقول اشغل واحد زي ده معايا!! ليه عاوز أخوف الزباين واطفشهم..
تألم قلب الأم ثم أبتسمت قائلة :-
-اما انا عملتلك صنية بطاطس تستاهل بوقك..
ثم ربتت علي فخذه قائلة بمواساة :-
-يله قوم غير كده عشان ناكل مع بعض..
ترقرقت الدموع بعينه قائل بكسره :-
-هو أنا مش زي كل الشباب ياما عاوز أشتغل عشان أكون نفسي واتجوز ويبقى ليا بيت وعيال، اللي الناس رفضاني عشان وشي، الناس بتهرب من قدامى كأني مجرم أو حرامى ليييه!!..
لمعت دموع حسنه بالدموع وهي تجذب إبنها إلي أحضانها قائلة:-
-بس ياضنايا أنت أحسن واحد والله..
اما هو تمسك بها كطفل صغير يحتمي بها..
……………………………………..
كان يوسف مع مسعد الذي يدربه علي ركوب الخيل، وتقف رقية علي بعد أمتار منهما شارده في ذكرياتها معه…
فلاش باك..
وبينما هي في أحضانه وهو يعبث في خصلات شعرها هتفت بتسأل :-
-والمزرعة دي فيها خيال بقاا!!
جاسم بإيجاب :-
-طبعاً..
رفع ذقنها بطرف أصبعه قائل بإبتسامة :-
-ليكي عليا اخدك اول ماتولدي ونقعد أسبوع هناك..
ثم همس بجوار إذنها :-
-لوحدينا!!..
توردت وجنتيها وهي تملس على صدره قائلة بميوعة :-
-طب والنونو هنوديه فين!! مش هيجي معانا!!
جاسم بإمتعاض:-
-يجي معانا فين!! هو هيكتم عليا قبل مايتولد وبعد مايتولد، متخافيش أنا هبقي أسربه بمعرفتي..
ضحكت بقوة ثم قالت بإبتسامة وهي تضيق عينها :-
-وهتلعمني أركب خيل!!
غمز لها قائل بخبث :-
-أعلمك!! ده أنا هعلمك علام هناك هخليكي تاخدي الماجستير والدكتوراه مع بعض..
فهمت مقصده فرفعت سبابتها قائلة بحذر :-
-بس تعلمني بإحترام!!..
تصنع البراءة وهو يقول :-
-والله أنا محترم بس المزرعة بتطلب قلة أدب أعمل أيه؟!..
رفعت حاجبها قائلة بإستخفاف :-
-ياراجل!!..
نظر لها بحب قائل :-
-عيون الراجل!!!
…… باااااك
هبطت دمعة ساخنة علي وجهها فمسحتها سريعاً فكيف لقلبها ينسي الجاسم!!!..
-في البناية..
ظل راضي يؤنب نفسه وبشدة، فهو أخطأ عندما سمح لإبنته الذهاب وهي تعتبر في ذمة جاسم وسافرت دون علمه لم يهدأ له بال حتي قرر الذهاب إلى شركة جاسم الغدا ليتحدث معه في شئن رقية.. عزم على ذالك غدا فجاسم أحتل مكانه في قلب راضي وكأنه الولد الذي لم ينجبه..
-في المزرعة..
حل الليل ولم يغمض لها جفن، فصورة جاسم وهو هنا اليوم لاتفارق خيالها، لا تعلم لماذا أختبأت منه لاتعلم؟! ظلت تفكر طوال اليوم حتي وجدت نفسها تضع حجابها علي رأسها وتهبط لكي تستنشق الهواء..
وبينما هي تسير شارده في جاسم لمحت نضال يجلس علي المقعد ينفث دخان سيجارته.. شعرت بالريبة وهي تعود للخلف خطوات وقبل أن تستدير سمعت صوته الصارم :-
-تعرفي جاسم الراوي منيين!! ؟..

error: