لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي
الفصل الثاني والأربعون..الجزء الأول
ينتظر مجيئها على أحر من الجمر، فكان يسير ذهاباً وإياباً وهو ينظر كل ثانية في ساعته فقد تأخر الوقت ولم تأتي بعد، وكل مايقلقه ويخشاه هو عدم مجيئها !!..
ولكن أحترقت ظنونه التي تدور في رأسه عندما وصلت لإنفه رائحة عطرها التي غزت المكان بأكمله، كما وصل لإذنيه صوت حذائها والذي يعلن عن حضورها!!..
تبسم بإنتصار كالأسد الذي أوقع فريسته، فإلتف لها ليجدها تدلف بطلتها الجذابة المثيرة حيث بدلتها الكلاسيكية التي تظهر مفاتن جسدها العلوية بوضوح كما زينت شفتاها باللون الأحمر الصارخ وطلقت العنان لخصلاتها تنسدل علي ظهرها بإنسيابية!!..
لم ينكر أن هيئتها تثير إعجاب أي رجل ولكن هو لم يعجب بها بل تصنع الإعجاب!!.
وقفت أمامه وهي عاقده حاجبيها قائلة بجدية وهي تشير بيدها للخلف :-
-جاسم محدش موجود آآآآ..
قاطعها بإبتسامة وهو يتطلع إليها :-
-عارف إن مفيش حد بره أنا أديتهم أجازة!!..
بدأ القلق يظهر علي وجهها فتابع هو معالمها القلقة بتسلية قبل أن يردف بجدية مصطنعة :-
-أيه خايفه مني!!..
أبتلعت ريقها وجاهدت لتبتسم وتتصنع الثبات :-
-وهخاف منك ليه بقا هتأكلني مثلاً؟!..
جاسم بنبرة غير مريحة :-
-بس أنتِ لازم تخافي مني!!..
أنكمشت ملامحها مره أخرى فهي أصبحت قلقة منه منذ حديثه لها في المحكمة ولكنها تحاول بث الطمأنينة في نفسها!!..
دنا منها لينقذ الموقف وحتي لايثير شكوكها اكثر فنظر لها نظرة إعجاب لأول مره تراها فى عينه قائلاً بخبث :-
-تخافي أحسن أضعف قدام الجمال ده كله!!..
ضحكت برقة بالغة ثم دنت منه قائلة بغرور :-
-يبقا انت بقا اللي لازم تخاف أحسن تضعف قدامي !!
ثم رفعت كتفيها بدلال :-
-أنا مش مسئولة عنك!!
ضحك بخفة ثم تابع:-
-عالعموم أنا مشييتهم عشان مش عاوز دوشه عايز اتكلم معاكي في هدوء منها أشكرك ومنها نتكلم شويه في الشغل !!..
مرت من جواره وجلست علي المقعد ثم هتفت بشك :-
-وهو ماينفعش كنا نتكلم في مكان عاام!!
إستدار لها ووضع يده في جيب بنطاله وهتف :-
-أنا قولت هنا أحسن هنا بعيد عن دوشة الناس ومنها بنتكلم ومنها بنشتغل واهو نكون بعيد عن الشبهات!!..
تمارا بجدية :-
-ولما نكون في الشركة لوحدنا ده مش موضع شك؟ !..
غمز بعينه نافياً :-
-لا متقلقيش الكل عارف اني خارج من السجن وطبيعي إن الشغل فيه حاجات متعطله وانا لازم اخلصها بنفسي ومع شركتي ولا أيه؟! وبعدين محدش بيشتغل معايا يقدر يفتح بوئه!!..
أومأت برأسها بعدم إقتناع فتابعت بإبتسامة :-
-وهو أنت خارج سخن اووي على الشغل كده!!..
أخرج يده من جيبه وسار ببطء نحوها وانحنى قليلاً قائلاً بنبرة أشبه للهمس:-
-جدا اصل أنا معرفش غير لما اخلص حقي!!..
شعرت بإنفاسه تلفح بشرتها فأرتبكت كل خلية فى جسدها كما أصبحت هي قابلة للسقوط !!..
فمدت يدها لتلامس ذقنه النامية وشفتاها ترتجف بشدة فلو كانت أمام رجل أخر لكأن إلتهم تلك الشفاة المرتعشة، رمقها بتفحص فأبتسم لتلك الحالة التي اجتاحتها فقرر اللعب علي أوتار مشاعرها!!…
أقترب بوجهه من وجهها أكثر وعيناه مرتكزة علي تلك الشفاة التي ترتجف بإثارة فإنحني بشفتيه ليلامس شفتيها فدبت القشعريرة في أوصالها وأغمضت عيناها وكأنها فتاة مراهقة تنتظر بشغف القبلة الأولى!!..
…………….
-في العناية المركزة!!..
لم تكن نومتها مريحة علي الإطلاق فقد داهمتها الأحلام المزعجة التي عكرت عليها غفلتها المؤقتة وبينما هي في صراع مع أحلامها وبينما هي تركض خوفاً من أحدهم، أجتاحها شعور بالأمان تملك منها وبشدة حتي شعرت بأنها ليس بمفردها فهناك من يقف معها!!
فوقفت وهي تلهث تبحث عنه بعيناها لتلقي نفسها بين أضلاعه ولكن لم تراه رغم أنها تسمع صوته يطمئنها، سارت وسارت تبحث عنه ولكن دون جدوى فقد تملك اليأس منها وجلست تلتقط أنفاسها فشعرت بصوته ينخفض وينخفض حتى أختفي تماماً فجلست تبكي على الأمان الذي انتشل منها فجاةٍ!!..
بدأت أهدابها ترتجف لثواني وكأنها في صراع مع نفسها فهل تعود إلى الواقع ام تظل مغيبة وللأبد!!..
وأخيراً كشفت الستار عن بؤبؤي عينيها العسليتين فزاغت أنظارها في المكان وهي تمنى نفسها بأن تلمحه لتشعر بالأمان مجدداً ولكن اصطدمت بالواقع فجاسم ليس هنا ومارأته وشعرت به خيال مطلق منها!!..
وبينما الممرضة تعلق في ذراعها المحلول رأت عيناها مفتوحتان فتبسمت قائلة :-
-انتِ فوقتي حمد الله على السلامة!!
ثم تابعت سريعاً :-
-أنااا هاروح أبلغ الدكتور حالا!!..
ثم أسرعت في خطواته وهي تهتف بفرح :-
-يادكتور يادكتور!!.
…………………
ظلت منتظرة اللحظة التي سوف تتقابل شفتاها مع شفتيها ولكن تحطمت سفينة أحلامها عندما هبط برأسه علي كتفها وهمس بلهجة عدائية :-
-ليه عملتِ كده في رقية ياتمارا؟!..
فتحت عيناها بصدمة فقد ألقي بها في البحر وتركها تغرق بمفردها!!..
أبتلعت ريقها وزاغت أنظارها في المكان فكرر حديثه مره اخرى بلهجة غاضبة :-
-ردي عليا عملتِ كده ليه فيها؟!!..
صمتت طويلاً وهي تحدق في عيناه وتحدثت بنبرة بها ضعف الأنثى :-
-آآآآ عشان بحبك ومش عاوزة واحدة تانية تشاركني فيك!!..
جاسم بنزق وتهكم:-
-وعشان بتحبيني تقومي تحاولي تقتليها!!..
نهضت من مقعدها ووقفت خلفه قائلة بحده :-
-اه اقتلها مادام هتقف بيني وبينك مستعدة اولع فيها كمان!!..
كور قبضة يده بغضب وبكل غضب أستدار ليصفعها بقوة جعلتها تصدر صرخة عالية!!..
وضعت يدها علي موضع صفعته وقد أتسعت عيناها بصدمة فأقترب منها وقد قبض علي رسغها بقوة :-
-أنتِ مين سمحلك تتجرأي على حد يخصني من الأساس!!.
تمارا بضعف :-
-حبك هو اللي سمحلي بكده أنا عشانك هعمل أي حاجة!!..
جاسم وهو يجز علي أسنانه بغضب :-
-حبي ده نار هتحرقك لإنك اتعديتي علي أكبر نقطة ضعف في حياتي!!..
أبتسمت تمارا قائلة :-
-زي ماهي نقطة ضعفك إنت كمان نقطة ضعفي انا قدامك ببقا أضعف ست في الدنيا !!..
ثم تابعت بجدية :-
-صدقني أنا لو ماكنتش ضعيفة قدامك ماكنتش هتقدر تمد أيدك عليا زي ماحصل دلوقتي !!..
فدنت منه قائلة برجاء:-
-ينفع ننسي اللي حصل هي في الأول والاخر طلقتك يعنى كده كده كانت بعيدة عنك!!.
ثم وضعت يدها على موضع قلبه ونظرت في عيناه مباشرة :-
-ولو لسه شايلها شوية حب فده من العشرة مش أكتر!!…
فأبتسمت وهي تنظر ليده القابضة علي رسغها قائلة بنبرة ناعمة :-
-سيب أيدي ياجاسم أيدي وجعتني!!
لم ينصت لها بل شدد قبضته أكثر وهتف بقسوة :-
– لسه الوجع جاي بعدين!!..
أبتسمت ساخره ولكن بنبرة دافئة أردفت :-
-مهما الوجع اللي هيجي منك ومهما هتعمل فيا هفضل مرهنه عليك أنا حبيتك ولازم تبقي ليا!!
جاسم ساخراً :-
-وهبقي ليكي ازاي بقا ؟!..
تمارا بجدية بالغة :-
-نتجوز!!
ضحك وتعالت ضحكاته على أثر حديثها، أراد أن يزيد في ضحكاته ليجعلها تشعر بسخافة طلبها!!
فتوقف عن الضحك ومازلت الابتسامة الساخره على وجهه وأردف:-
-يعني أنتِ بتحبيني وعاوزني أتجوزك؟!!.
هز رأسه عدة مرات وهو يبتسم ثم دنا منها ونظر لها نظرة مشمئزه من أعلاها حتى قدميها قائلاً بإستحقار ليقلل من شأنها :-
-هو حد قالك إن جاسم الراوي بيلم بواقي الرجالة ؟!!!..
.وكأن خنجر اخترق قلبها فتجمدت في مكانها وقد ترقرقت العبرات في مقلتيها ولأول مرة في حياتها تسمح لأحد أن يري دموعها!!.
فتحدثت بإختناق من بين دموعها :-
-محدش قالي ان جاسم الراوي بيعرف يجرح!!..
جاسم بقسوة :-
-لأنك لسه معرفتيش جاسم الراوي معرفتيش انه مستعد يدوس على أي حد لو فكر يمس حد يخصه!!..
ثم تابع بجمود :-
-اوعي تفتكري إنك دخلتي حياتي بشطارتك لإنك اغبى من كده بكتير دخلتي حياتي لأن أنا كنت عايزك تدخلي و تفكري!!..
تمارا بسخرية من بين دموعها :-
-خلصت كلامك؟!.
فمسحت دموعها بظهر يدها وأردفت بنبرة جامدة :-
-أنا جايز اكون كنت غبية لكن طلعت شاطرة عشان عرفت أحرق قلبك ازاي وعشان اثبتلك اني لما بعوز حاجة بخدها!!..
ثم تابعت بثقة :-
-وأحب اقولك إنك مش هتقدر تعمل معايا حاجة ولا تأذيني بأى شكل ماهو مش معقول يوم ماتفكر تنتقم مني هتنتقم في شركتك!!
أبتسم من زاوية فمه قائلاً :-
-تؤتؤ الشاطر هو اللي بيضحك في الأخر وأنتِ لسه ماشوفتيش أخري! !..
ثم غمز لها وأرخي قبضته عليها وسار نحو الباب وأغلقه جيداً ثم أستدار لها وسار نحوها وهو يحل حزامه عن خصره ثم لفه علي يده وأردف بوعيد :-
-أنا هعمل اللي عمري ماعملته ده عشان أنتِ أبتديتي والبادي أظلم!!..
لم يمهلها فرصة الرد أو الصدمة حيث أطاح بالحزم على جسدها لتصرخ بقوة!!..
……………………..
-في اليوم التالي..
احضر العسكري محمود اللضابط :-
-تمام يا أفندم المتهم أهو!!..
الضابط وهو ينظر في الأوراق التي أمامه :-
-سيبه وأطلع أنت!!..
قدم العسكري التحية العسكرية ثم أنصرف فرفع الضابط نظره عن الأوراق وهتف بتسلية :-
-قولتلي بقا انك كنت في نقله مع الأسطي بتاعك!!..
أومأ محمود برأسه قائلاً بإيجاب :-
-ايوة يا أفندم!!
أومأ الضابط برأسه ثم تابع ببرود :-
-بس الأسطي بتاعك قال انه ماطلعش بالعربية اليوم ده وأنه فضل مستنيك لكن أنت مجتش !!..
أتسعت عيناه بذهول وإردف بعدم تصديق :-
-ازاي بس بس يا أفندم والله ده كان معايا تلاقيه بس خاف يقول!!..
الضابط بنزق :-
-واالله هو ده اللي قالوه احنا مجبناش حاجة من عندنا!!..
ثم تابع بجدية :-
-حضرتك بقا هتفضل معانا مشرفنا ومنورنا لحد مالبنت تفوق وصحتها تتحسن وهي بقا اللي هتقولنا انت ولالا!!..
اخفض محمود رأسه بقلة حيلة فتحدث الضابط :-
-أنا بنصحك توكل محامي اصل البت طلعت مرات رجل أعمال كبير يعني هيتوصي عليك جامد!!..
محمود بتنهيدة من صميم قلبه :-
-المحامي ربنا هو المطلع علي كل شئ !!..
الضابط بإيجاب :-
-ونعمة بالله ياسيدي!!..
ثم صاح منادياً علي العسكري ليصطحب محمود إلى الحجز!!..
…………………
جلس أمام الطبيب وهو مطرق الرأس فالأول مرة في حياته يشعر بمدى دنائته، كان الطبيب يقرأ التحاليل التي أمامه بملامح جامدة حتى انتهي منها وتنهد بأسي!!..
تحدث الأخير بلهفة :-
-طمني يادكتور التحاليل فيها أيه؟!..
أغلق الطبيب ملف التحاليل وأردف بأسف :-
-للأسف شكنا طلع في محله وطلع عندك الإيدز!!!..
أتسعت عيناه بصدمة كالذي سقطت عليه صخره فوق رأسه فتمتم بألم :-
-إيدز؟!..
… يتبع