لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي
الفصل الرابع والثلاثون..الجزء الأول
كادت الفرأشاة تسقط من يدها وإستدرت ببطء لتصبح في مقابلة رقية قائلة بتوتر واضح في نبرتها فقد خشت أن تكون علمت بشئ :-
-آآآآ وهو جاسم حصله ايه!!..
نظرت لها بحزن وهى تتجول في الغرفة :
-يعني اي حاجة بقت تحصله مع تمارا النجدي انتي مش كنتِ بتخبي مني الجرايد عشان ماشوفش صورهم!!..
تنهدت دنيا بداخلها بأرتياح لعدم معرفتها شئ ودنت منها بعدما تركت الفرشاة قائلة بنبرة هادئة :-
– رقية انا عايزاكي تنسى كل حاجة، ربنا عطانا النسيان عشان نقدر نعيش ده النسيان نعمه!!..
أبتسمت بمرارة :-
-أنسي؟! ببساطة كده عاوزاني انسي أجمل أيام حياتي، انسي الدنيا التانية اللي عيشتها معاه ده النور الوحيد اللي في حياتي!!..
ثم تابعت بألم :-
-ده انا يادنيا معرفتش طعم الحياة غير معاه، ماحسيتش اني ست غير وانا في حضنه!!..
ربتت دنيا علي كتفها قائلة :-
-ربنا هيعوضك خير، وهيجي اليوم اللي هتفرحي فيه من قلبك بجد !!، ..
داوي وجعك يارقية اللى رزقك بجاسم قادر يرزقك باللى أحسن منه، وربنا يسهله حاله ويكرمك!!..
أغمضت عينها وفتحتها مجدداً لتسقط العبرات على وجنتيها وتحدثت بصوت غلبه البكاء :-
-أنا والله بتمني سعادته بتمني ربنا يرزقه جزاءة انه فرحني، بدعيله من قلبي يكون مبسوط ب آآآآ آ..
ثم اندفعت بقوة بصوت مختنق به ضعف الأنثي وكإنها تصرخ :-
-بس مايكونش مبسوط مع واحدة غيري!!..
أنهت جملتها لتجذبها دنيا لأحضانها، وهي في مباراة تأنيب الضمير تخبرها ام لا؟!.
………….
وفي ذات يوم كانت تنطر من شرفة غرفتهما فرأت والد جاسم تلهفت بشدة لسماع أخبار عن الصغير، فأسرعت تضع الحجاب علي رأسها وركضت سريعاً إلى الخارج!!..
كان متجه نحو مكتب نضال فقد جاء للتحدث معه في أمر ما، وأثناء سيره أستمع صوت نداء يتكرر عدة مرات، فوقف مكانه وإلتفت ليرى من صاحبة الصوت!!؟؟
وقفت أمامه وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها المضطربة ثم قالت بتسائل :-
-طمني على جاسم؟! بقا بخير ولا لسه!!..
رمقها بجمود ونظرات غريبة لم تفهم معناها، فأردف بلهجة جامدة :-
-يعني ماتعرفيش؟! .
قطبت مابين حاجبيها بتعجب قائلة :-
-اعرف ايه؟!..
فقبض على ذراعها بقوة ألمتها صارخ بها :-
-أبني مات!! ابني مات وانتى عيشتي ابني اللي عيشت طول عمري بتمناه مات!!..
اتسعت عيناها بصدمة وهي تجاهد للحديث :-
-م آآآآ مات انت بتقول أيه؟! جاسم مات؟!..
اجابها بتهكم :-
-استعبطي ،استعبطي تقتلي القتيل وتمشي في جنازته!!..
حركت عدسة عينها بذهول قائلة بعدم :-:-س
-أنت بتقول أيه ؟! وأنا ذنبي أيه!!..
قبض علي ذراعها أكثر حتي أصدرت وتحدث بحده :-
-مش يمكن تكوني انتي السبب في الحريق ده، طبعاً غيرانه وعايزة كل الناس تتحرق زيك!!..
هزت رأسها بالنفي بعنف بعدما لمعت مقلتيها بالعبرات، ارتجفقت شفتاها قائلة بتبرير :-
-أنا آآآآ مليش ذنب دي م آآ مراتك هي اللي آآآ..
قاطعها بأسلوبه الفظ :-
-ليه ماموتيش أنتي، هااا ليه ابني كان لازم يعيش وانتي كان مفروض تموتي أبني لسه مشافش حاجة فى الدنيا !!..
ظل يحركها بيده بعنف وهو يصرخ بها حتي تجمع الناس حولهم، كانت تقف كالصنم دموعها تجري علي وجنتيها بصمت وهي تستمع أهانتها وسبها …
وبينما هو يصرخ بها تفاجئ بنضال الذي ظهر فجأة وقام بلكمه في وجهه عدة مرات ثم أردف بصرامة :-
-خد باقية حسابك ومش عايز اشوفك وشك هنا تاني لإي سبب من الأسباب !!..
مسح دماء فمه وحاول التحدث ولكن أوقفه نضال بحركة من يده، فتحرك الرجل وغادر!!..
تجمدت أناملها بل تجمد جسدها بالكامل ارتجفت شفتاها بشدة ونقلت بصرها بخوف بين الحشد المتفرج!!..
أقترب منها ومد كفه لها فلم تستجب فكانت تتراجع حتي ركضت لغرفتها وهي مازلت تبكي وترتجف ثم اتجهت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها وسقطت على الإرضية وظلت تصرخ وتبكي وتقوم بضرب نفسها حتي أحمر وجهها من كثرة الضرب عليه واقترب رأسها علي الإنفتاح من كثرة اصطدامه بباب المرحاض، ظلت هكذا لساعات طويلة حتي انخفض صوت بكائها تدريجياً..
……………..
-في شركة الراوي..
هتفت تمارا بجدية قائلة :-
-ميعاد الجلسه خلاص اتحدد!!..
أومأ معتز برأسه قائل بتنهيدة:-
-اهاا أخر الشهر ده ،ربنا يستر القضية متعقدة جداً ..
تمارا بثقة :_
-متقلقش المحامين شايفين شغلهم كويس، وجاسم هيطلع براءة الجلسة الجاية يعني هيطلع براءة ..
معتز بتأكيد علي حديثها :-
-كلنا نتمني ده!!..
صمت الإثنان لمدة دقائق ثم تحدثت تمارا بلهجة مصطنعة :-
-قولي يامعنز!! أنت ليه مسمحتش للراجل اللي كان حمي جاسم يدخل!!.
معتز بإختصار :-
-جاسم مش عايز حد جمبه!!..
تمارا بتلقائية :-
-حتي طليقته!! مش كانت المفروض سألت عليه وهو في الظروف دي!!
معتز بضيق :-
-تسأل أو متسائلش مش هتفرق مع جاسم!!..
تمارا بخبث :-
-اصلي استغربت انها ماجتش كنت فاكراها بتحبه زي ماهو بيحبها!!..
غمز لها معتز نافياً قائل :-
-حتي لو جات جاسم مبقاش عايز وجودها أصلاً دورها انتهي من حياته!!..
تسألت بحذر وهي تمني نفسها :-
-يعني هو قالك كده!!..
معتز وقد أسند رأسه على المكتب قائلة بإبتسامة مسلية علي ثغره :-
-لا قالي لو جات مشيها!!..
لم تنكر شعور الفرحة الذي نمت بداخلها فحاولت السيطرة علي مشاعرها حتي لاتفضح أمام معتز الذي يبتسم وكأنه خمن شئ!!..
تابع معتز بنفس الإبتسامة ولكن بلهجة جادة :-
-انتي عايزة ايه من جاسم ياتمارا!!..
ألقت عليه نظرة عابرة ثم أمسكت علبة سجائرها وخرجت واحدة وضعتها بين شفتاها اللتان يزينهما أحمر الشفاه المثير أخذت نفس من سيجارتها ثم نفثت دخانها في الهواء وأردفت بجدية تامة :-
-عايزاه!!..
رفع معتز حاجبيه قائل بذهول :-
-ببساطة كده!!..
رفعت كتفيها معاً مبتسمة بثقة وهي تعقد حاجبيها معاً:-
-وابسط من كده بكتير!!..
معتز محذراً :-
-خلي بالك مش بالسهولة دي!!..
ابتسمت ثم نهضت وأطفأت سيجارتها وتناولت حقيبتها وعلقتها في كتفها وأردفت :-
-مش بعرف احكم علي أي حاجة صعبة اوسهلة غير لما اخوض التجربة بنفسي!!..
ثم سارت نحو الباب وقبل أن تغادر نهض معتز من مكتبه وحذرها أخيراً :-
-جايز عقل جاسم هو اللي رافض رقية، لكن قلبه لاااا!!..
وقفت تمارا بعدما أمسكت مقبض الباب وهتفت بقوة بنبرة شبه ساخرة دون أن تستدير :-
-مسكين يامعتز!! لأنك معتقد أن رقية عقبة في وصولي لجاسم!!..
فألقت نظرة بطرف عينها وأردفت بتهكم من زاوية فمها :-..
-رقية أقل من كده بكتيير؟!!..
ثم فتحت الباب وسارت بثقة، تسير بخطوات إمرأة تضمن الفوز امام غريمتها الغائبة!!..
……………
حالتها أصبحت اسوء من حالتها الي كانت عليها سابقاً، فقد تعودت بشدة علي الاقراص المهدئة فوجدت بها وسيلة للهروب من العالم ومن كم الضغوطات، خسرت وزنها سحب وجهها أكثر وأكثر وأصبحت سحابتها البيضاء دائماً ذات تجمعات دموية، بل تكونت خطوط سوداء أسفل عينها فأصبحت تنتظر الموت بفارغ الصبر، كما تراودها كوابيس حياتها المزعجة..
وفي يوم كانت جمجمتها سوف تتدمر من أثر الصداع فبحث عن ادمانها في كل زاوية ولم تجده، رفعت الوسادة والغطاء وفي الكومود ولم تجد شئ، كانت تضغط بسبابتها علي جانبي دماغها باحثة كالمجنونة عنه في شتي النواحي!!..
اتجهت نحو الخزانة وافرغت جميع الثياب وألقتهم أرضاً فلم تجد شئ أيضا، كانت تراقبها دنيا بأسف وهي تعمل في ملفات خاصة بالمزرعة..
فأتجهت نحوها رقية قائلة بإعياء وهي تضغط على صدغها:-
-دنيا ماشوفتيش شريط برشام كان هناا؟!..
رفعت دنيا عينها م الملفت قائلة بتفحص:-
-برشام بتاع أيه ؟!..
صرخت بها :-
-اهو برشام وخلاص، فينه؟!!..
دنيا :-
-أنتي بتزعقي كده ليه؟!..
رقية بضيق:-
-يووه بقاا شوفتيه ولالا ؟!
دنيا ببرود :-
-ماشوفتهوش!!..
ضربت قدمها بالأرض ثم تابعت بحثها، فوضعت دنيا يدها في جيب بنطالها وخرجت تلك الشريط الغائب عن الأخري ونهضت من مكتبها واتجهت نحوها فوقفت خلفها وأمسكت الشريط بيدها قائلة بعتاب :-
-ليه كده يارقية ؟!..
إستدارت رقية لتجد مفقودها في يد زميلتها فأبتسمت وتقدمت لكي تأخذه فأبعدت دنيا يدها سريعاً قائلة :-
-ردي عليا ليه كده؟!..
أغلقت كفها ثم قالت بألم :-
-ماهو الإنتحار حرام؟!..
دنيا بإستنكار وهى تنظر لشريط الاقراص :-
-وده مش انتحار، انتي كده بضري نفسك بتموتي نفسك بالبطئ!!..
هزت رأسها رافضة ذالك قائلة بنبرة منخفض :-
-لا ده بيخليني اقدر أعيش واستحمل!!..
ثم تابعت بتوسل :-
-ادهولي يادنيا ،عشان خاطري عندى صداع جامد هيفرتك دماغي!!..
دنيا بجمود :-
-لا مش هتاخدي حاجه! مش هسيبك تضري نفسك لاااا..
ثم صرخت بها :-
-حرام عليكي نفسك ياشيخة بصي لشكلك بقا عامل ازاي؟!..
رقية بنبرة أشبه للبكاء :-
-واللي بيحصل فيا ده مش حرام!! حرام عليكم انتو مش عايزيني لا أعيش ولا اموت كفايه بقاا..
هاتي البرشام يادنيا لو بتحبيني بجد وخايفه عليا هاتيه!!..
هزت دنيا رأسها بالنفي عدة مرات ثم أسرعت نحو النافذة وقذفته، ونظرت لرقية بإنتصار وتحدي!!..
تحدثت رقية بغضب وحده :-
-انتي مالك بياا، خايفة عليا اووي ،وانا من امتا أصلا حد بيحبني ولا حد بيهتم بيا!!..
فأختنقت نبرتها وشعرت بمرارة دموعها في حلقها :-
-محدش بيحبني كلكم شفقنين عليا، كلكم حبكم شفقة عليا، صعبانة عليكم اووي، وانا كمان كانت صعبانة عليا نفسي اووي!!..
لكن خلاص مبقتش اشفق علي نفسي، خلاص مش هبكي علي نفسي تاني..
ثم أسرعت وفتحت الباب وهبطت باحثة عن شريط الاقراص، مرت نصف ساعة علي دنيا حتي وجدت الباب ينفتح وتدلف منه رقية وقد وجدته، أسرعت الي زجاجة المياة وارتشفت بعض القطرات بعدما دست الأقراص بفهما، أمسكت رأسها بقوة وجلست علي الأرضية تصدر أنين منخفض، تردت دنيا في أمرها وفي الاخير جلست بجوارها وملست علي شعرها بحنان :-
-مش ده الحل؟! تعبانه روحي للدكتورة بتاعتك اتكلمي معاها، أو روحي ليمني مش انتي قولتيلي بتحبي الكلام معاها وبترتاحي..
رمقتها رقية بجمود قائلة :-
-معنديش كلام اقوله لأي حد، عندي وجع مايهمش أي حد!!!
…………….
-في مكتب نضال!!..
دلفت جيهان لتجده جالس علي مكتبه يدخن بشرود وهو ينظر لشاشة الحاسوب امامه، فمطت شفتيها بإستيتاء ودلفت بخطوات هادئة وسبق حديثها تنهيدة لتبدء بالحديث بنبرة جادة :-
-عرفت بموضوع البرشام اللي رقية بتاخده؟! دنيا قالتلي عشان نتصرف ونقف جمبها البنت بتضيع وهي مش حاسه..
ثم تابعت بحزن :-
-مسكينة اووي نهايتها قربت بتقضي علي نفسها بنفسها ، بقت عايشة جسم من غير روح!!..
ثم اقتربت من شقيقها قائلة بإستعطاف :-
-رقية هضيع خلاص، اعمل حاجة يانضال ورحمة بنتك ومراتك انقذها قبل ماتغرق!!..
لم يجاوبها بل ظل محدقاً في شاشة الحاسوب، قطبت مابين حاجبيه بتعجب واستدارت قليلاً لترى مالذي يشغله، فأتفرج فمها بدهشة عندما رأت شاشة الحاسوب فدهشة ممزوجة بفرحة فوضعت يدها علي فمها من هول المفاجأة التى غير مصدقة، فشقيقها يراسل المستشفي الخارجية التي كان يعمل بها سابقاً، فأبعدت يدها وارتجفت شفتيها بفرحة قائلة بعدم تصديق :-
-نضال آآ..
ففاق من شروده ونظر لها قائلة قراره الحاسم :-
-بلغيها تجهز نفسها هنسافر أنا وهي في أقرب وقت..
.. يتبع