لم أكن دميمة يوماً 2..بقلم \شيماء علي
الفصل الواحد والعشرون.. الجزء الثاني
كان الصراخ يزداد فأرتعش جسد الصغير وهو يحتمي برقية قائل بنبرة مذعورة :-
-مين آآ بيصرخ كده يارقية!!..
لاتختلف حالتها عن حال الصغير فهي أيضاً تسرب الخوف لها، فأبت أن تظهر ذالك أمام الصغير وتصنعت الثبات وهي تجذب الصغير بحرص وتسير به نحو مصدر الصوت، والذي كان يأتي من داخل أحدي البيوت الصغيرة ،كلما اقتربت كلما زاد وزاد الصوت أبتلعت ريقها ووقفت أمام باب البيت الخشبي والذي كان غير مغلق بعناية، فعندما دفعته برفق فُتح علي الفور، أتسعت عينها بذهول وهي تري إمرأة تجلس على الأرضية وتسند ظهرها علي الحائط وأحشائها منتفخة و تصرخ بأعلى صوتها، فهيئتها تدل انها تحضر ألم المخاض..
أسرعت لها وجثت علي ركبتيها أمامها بهلع قائلة :-
-م م مااااالك!!..
المرأة وكأنها وجدت طوق النجاة قائلة من بين صراخها :-
_ س آآآآ ساعديني ب آآبووووولد!!..
وجدت رقية نفسها في مأزق وهي تبحث بعينها في المنزل الصغير عن أي شخص فهتفت :-
-مفيش حد معاكي هنا طيب!!..
هزت المرأة رأسها بنفي وهي تعض علي شفتيها بألم، رقية بنبرة مواساة علي عجالة :-
-متقلقيش أنا هتصرف!!..
نطقت بذالك وهي لاتعلم مالذي عليها فعله، نهضت وسارت نحو الصغير وإنحنت لمستوى قائلة بجدية :-
-يوسف خليك هنا معاها ياحبيبي، وأنا هاجي بسرعة..
يوسف وهو يري حالة المرأة الصعبة قائل بخوف واضح في نبرته :-
– لالا يارقية خديني معاكي!!..
رقية بنفاذ صبر :-
-حبيبي لازم نجبلها دكتور، ماينفعش نسيبها كده ،متخافش مش هتأخر ، !!…
ثم تابعت بتحذير وهي ترحل :-
-أوعى تتحرك من هنا أوعى!!..
أنهت جملتها وغادرت المنزل سريعاً، لاتعلم أين ستذهب فهي تائهة من البداية أستمرت في السير سريعاً وهي تلتفت حولها لعل وعسى تجد شئ ولكن بدون جدوي وبينما هي تسير لمحت بناء متوسط الحجم علي بعد مسافة قريبة منها ومدون أعلاه بالخط الظاهر “الوحدة الصحية الخاصة بعاملين المزرعة” تشكلت الابتسامة على ثغرها لوجود مرادها فركضت سريعاً نحو هذا البناء..
-داخل الوحدة الصحية..
وقف أشرف مع أحد العاملين ليتحدث معه في شئ، ليتفأجئ بها تدلف وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة قائلة :-
-س آآ ساعدني أرجوك ف آآ واحده بتولد!!..
تعجب أشرف من هيئتها وتبدو غريبة عليه ولكنه تحدث بجدية :-
-أهدي بس أنتي مين ومين دي اللي بتولد؟؟!..
رقية قائلة برجاء:-
– مش وقته، تعالى معايا وانا هاوريهالك دي تعبانة اووي !!..
أومأ أشرف برأسه حتي قام بنداء طبيبة النساء وطلب منها الذهاب مع رقية لتقوم بعملها، وتعجب وذهول أشرف دفعه إلى الذهاب معهم..
-في القاهرة…
كانت شهد تستقل إحدى وسائل المواصلات الشهيرة بما يسمي “الميكروباص” فكانت عائدة من نزهة مع رفيقاتها، وبالطبع لم تخلو هذه النزهة من نظرات السخرية والشفقة التي ترسل لها، مما جعل شهد تترك رفيقاتها وتعود إلى منزلها مكسورة الخاطر فهي تعودت علي هذا لم تحظى بلحظة استمتاع كغيرها.. كانت جالسة في الاريكة الخلفية تعبث في هاتفها بلا هدف فهدفها الأساسي إبعاد وجهها عن الناس لاأكثر، ولكن يأتي لها الألم رغم محاولاتها الحصينة في صده، فقد أستمعت إلي طفلة صغيرة بدأ عليها الخوف والهلع منذ أن أستقلت السيارة فتحدثت مع والدتها بخفوت :-
– ما آإماما هي دي وشها عامل كده ليه!!..
ألقت السيدة نظرة جانبية علي شهد ثم مصمصت شفتيها بشفقة و همست لإبنتها بنبرة قاسية :-
-عشان ماكانتش بتسمع الكلام، شوفي أمها عملت فيها أيه، لسعتها بالمعلقة في وشها كله عشان تبقي كده!!..
شهقت الصغيرة مذعورة وهي تنظر إلى تلك العلامة الحمراء المتواجدة بكفها والتي سببتها لها والدتها بواسطة المعلقة الساخنة لأنها بللت نفسها دون قصد..عندما رأت السيدة علامات الفزع علي وجه إبنتها إبتسمت بخبث لأنها حققت مرادها بتلك الكذبة بضرب مثال مزيف علي الجالسة بجوارها “شهد”..
كالخندق المسموم دلف هذا الحديث أذنها وقلبها، حاولت السيطرة علي دموعها التي لمعت في عينها فتحدثت بخفوت وهي ترفع رأسها من هاتفها بأنكسار:-
-ع آآ علي جمب ياسطي!!..
…………………………………………..
-في المزرعة..
وقفت أمام باب المنزل تستمع لصيحات المرأة التي تقوم بولادة جنيها بالداخل، فحقاً كما هو ألم صعب تمر به النساء ولكن قد يكون أحب وأعظم ألم في العالم!!..
كانت تقرأ بعض السور الصغيرة في نفسها وتطلب من الله نجاة تلك المرأة وأن تضع جنينها بسلامة، دنت منها بإبتسامة حزينة وهي تتذكر جنينها المفقود، التى حرمت منه قبل أن تصرخ صرخة واحدة قبل أن تضمه لصدرها
إنتشلها من شرودها الصغير وهو يهتف بإمتعاض :-
-أنا زهقت يله نمشي!!..
رمقته بهدوء قائلة :-
-أستني نطمن عليها الأول!!..
زفر الصغير بضيق وهو يدب قدمه في الأرض، إقترب منهما أشرف قائل بتسائل :-
-هو أنتي قريبتها!!..
رقية وهي تشيح وجهها بضيق :-
-لاااااااااا..
ضيق عينه وهو يردف :-
-أومال!! بتعملي أيه هنااا..
وقبل أن تستدير وتتحدث بنبرة متهكمة، سمعت صوت صراخ صغيرة ك إشارة أنه جاء علي هذه الدنيا، أبتسمت رقية بفرح وهي تصفق بكلتا يديها كطفلة صغيرة :-
-ولدت ولدت!!..
قطب مابين حاجبيه بتعجب، لتخرج الطبية بإبتسامة قائلة :-
-مبرووووك جابت ولد زي القمر!!..
“يا إلهي!! كما إنه شعور جميل ”
هتفت بتلك الجملة رقية وهي تحمل المولود علي يدها وقد ترقرقت في عينها الدموع لرؤية هذا الجسد الصغير الملاكي، كان عاري الجسد لايستره إلا منشفة قطنية بيضاء صغيرالحجم يحرك كفيه في الهواء بطريقة تجذب القلوب قبل الأعين ،ظلت تدور به في الغرفة وبعدها جلست بجوار المرأة علي الفرأش قائلة بإبتسامة :-
-حمد الله على سلامتك مبرووك!!..
إبتلعت المرأة ريقها قائلة بإجهاد :-
-آآ الله يسلمك، جميلك ده فى رقبتي، عمري ماهنساه!!..
انكمشت ملامح رقية قائلة بعتاب :-
-هو أنا يعني عملت أيه!! ده أي حد مكاني كان هيعمل كده!!..
فتابعت بنبرة تعجب :-
-هو أنتي عايشه لوحدك!!
هزت المرأة رأسها بنفي قائلة بوهن :-
-عايشة مع جوزي بس هو في شغل بره المزرعة!!..
ثم أبتسمت وهي تنظر لمولودها قائلة :-
-ماكانش يعرف إن أبنه هيعملها معايا النهارده..
أبتسمت رقية لها قائلة :-
-ربنا يحفظه ليكي!!..
هتف يوسف بفرح وهو يتأمل المولود :-
-هتسموه أيه!!
رقية بتأكيد وهي تنظر لها :-
-ايوة صح هتسموه إيه!!..
رمقتها المرأة قائلة بإبتسامة ود :-
-ساميه أنتي!!..
ظهر الأرتباك علي وجهها قائلة :-
-ازاي آآ انا لالا ماينفعش!!..
المرأة بنبرة جادة :-
-أنا وابوه اصلا ماقررناش هنسميه إيه يعني أنتي هتنقذينا وتعملي فينا جميل تاني!!..
ظلت حائرة ومع إلحاح المرأة عليها، أبتسمت لتترتجف شفتيها وهي تتأمل ملامح الصغير هاتفة بنعومة :-
-ج جااااسم هنسميه جاسم!!!..
………………………………………….. .
“الفطار جهز ياجاسم بيه”..
هتفت بها فتاة تقيم في المزرعة وتكون بنت أحد العاملين في المرحلة الثانوية في العام الثالث لها وتدرس في إحدى المدارس القريبة من المزرعة والذي ينفق علي تعليمها منذ الصغر جااااسم، حتي أصبحت متيمة به تنتظر زيارته بكل لهفة حتي تفك جديلتها وتترك العنان لشعرها وتضع أحمر شفاه وترتدي ثوبها المنقوش بالورود فهذا اليوم تجهز وكأنها عروس سوف تزف له!!..
أشتمت رائحة عطره فعلمت أنه قادم إليها، تأكدت أنها في كامل زينتها ففركت كفيها معا بتوتر وهي تنتظره، حتي أطل بطالته المتميزة حتي أبتسمت بسعادة ليقترب منها قائل بجدية :-
-أزيك يامهجة!!..
أسبلت عينها وهي تقول بنبرة إشتياق :-
-بخير طول ماانت بخير ياجاسم بيه!!..
لاحظ جاسم تغير هيئتها ونضوجها فتحدث بحسن نية :-
-كبرتي وبقيتي عروسة يامهجة!!..
انشرح قلبها لهذا الإطراء والذي ظنته أنه يتغزل بها فهتفت بفرح ودون وعي :-
-بجد!! يعني عجبتك ياجاسم بيه!!..
عجبتك!! كلمة وضع أسفلها مليوون خط!!
جلس على الطاولة يتناول فطوره بصمت فأدركت خطائها قائلة بتلعثم :-
-أنا آآآآ قصدي إنى شبه بنات الجامعة!!..
جاسم وهو يضع الطعام في فمه :-
-وأشمعنا بنات الجامعة يعني !!..
جذبت مقعد وجلست بجواره قائلة بإبتسامة :-
-انت ناسي أن دي هتبقي أخر سنة ليا وبعدين ادخل الجامعة!!..
جاسم وهو يرمقها بجدية :-
-وناوية علي أيه بقاا!!..
مهجة بخيبة أمل :-
-كنت ناوية على إعلام بس الظاهر كده مش هينفع!!..
جاسم بتعجب :-
-ومش هينفع ليه!!..
زفرت بحزن قائلة بتنهيدة :-
-ابويا عاوز يجوزني!!..
رد بإستنكار :-
-يجوزك!! أزاي انا ليا كلام مع أبوكي ده!!..
فرحت بجملته هذه ولكن تحطمت أماليها عندما قال بدون إهتمام :-
-أنتي لسه صغيرة تركزي في تعليمك أحسن!!..
تنهدت بحزن ،لتجده ينهض وهو ينهي طعامه، فنهضت قائلة علي عجالة :-
-ايه هو الاكل مش عاجبك!! ده انا قايمة من الفجر عشان أخبزلك الفطير اللي أنت بتحبه!!..
جاسم بجدية :-
-تسلم إيديك، أنا الحمدلله شبعت!!..
ثم تابع بعملية :-
-أنا هتابع حاجات في المزرعة عشان أرجع القاهرة..
مهجة بصدمة :-
-هتمشي بدري كده!!
رمقها بجمود وهو يهندم سترته قائل بنبرة ذات مغزى :-
-أصل مراتي مستنياني ومقدرش أبعد عنها أكتر من كده!!..
شعرت بالغيرة تنهش بجسدها وإختفت من أمامه بعدما قالت بنبرة غيرة واضحة :-
-ترجعلها بألف سلامة!!..
تنهد هو بإرتياح لإنه قضي علي أحلامها، فهو يخشى عليها من حب نهايته سراب!!!..
…………………………………………
هتفت جيهان بقلق :-
-هيكونوا راحوا فين بس!!..
كان نضال يسير ذهاباً وإياباً وهو يضع سيجارته في فمه بملامح جامدة ينتظر وصول عامله الذي أرسله للبحث عنهما، فإلقي سيجارته سريعاً عندما رأي العامل قادم وخلفه رقية والصغير دنا منهم بغضب موجه حديثه للعامل :-
-كانوا فين!!..
العامل بلهجة تقرير :-
-كانوا في منطقة المساكن يابيه، في بيت عرفة..
نضال وهو ينظر لها قائل بتعجب :-
-بيعملوا إيه هناك؟!..
جاءته الإجابة من الصغير الذي ركض إليه قائل بطفولية :-
-طنط ولدت وجابت ولد رقية سميته جاسم!!..
نظر نضال لجيهان ولها وهو يردد :-
-جاسم!!..
،شعرت رقية بالحرج ثم تقدمت من جيهان قائلة بخفوت :-
-هطلع اجهز حاجاتي عشان ارجع!!
نظرت جيهان لنضال بتوتر، وقبل أن تتحرك سمعت صوته الصارم :-
-السواق هيوديكي مشوارك ويرجعك هنا تاني!!
……………………………
عبرت السيارة أبواب المزرعة متجهها نحو العاصمة، تنفست الصعداء وهي تهرب من هنا ولكنها حزنت لأنها لم تذهب لتوديع جاسم الصغير، شعرت وهو في أحضانه أنه ولدها قطعة منها ومن الجاسم…
وعندما خرجت السيارة للطريق العمومي، صادفت خروج سيارة جاسم من مزرعته، وبينما تسير سيارة نضال علي الطريق سمعت صوت إحتكاك إطارات السيارة وكإنه حدث فرقعات..
رقية متسائلة بهلع :-
-ه آآ هو حصل أيه؟!..
هبط السائق من السيارة ليفحص الإطارات ثم زفر بصوت مسموع قائل بضجر :-
-كاوتش العربية فرقع!!..
بدأ الضيق ظاهر على ملامحها وهي تقول :-
-استغفر الله العظيم، بانت من أولها..
فتح السائق حقيبة السيارة ليخرج الإطار الأضافي للسيارة، شعرت رقية بالملل ففتحت الباب وخرجت لتقف بجوار السيارة، والسيارات تمر وتعبر حولهم في الطريق..
اقتربت سيارة جاسم منهما، وهو يقود بسرعة متوسطة وبينما هو يدقق في زجاج السيارة، لفتت إنتباهه تلك الواقفة بجوار السيارة دقق النظر بها وهو يتوهم أنها طيفها حتي اقترب أكثر لتتأكد شكوكه وهو يهتف :-
-ررررقية!!!