رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جـديـد ^^

(( الفصل السابع ))

خاب ظنها، أعتقدت في البداية أن رجلًا بهذا العمر ستكون زوجتهُ قريبة منهُ عمريًا.. ولكنها تفاجئت بتلك الفتاه التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، بل إنها أتمتهم قريبًا..
فغرت فاهها غير مصدقة هذه النائبة التي تقترب منها ومن زوجها، أبعدت ناظريها عن هذه الصورة وهي تُختخت :

  • ودي جاية مصر ليه؟
  • شريكة جوزها في كل حاجة بالنص

أستقرت ” حور ” على أحد المقاعد الموجودة بالمطبخ حول طاولة دائرية صغيرة، وعادت تنظر إليها مرة أخرى وهي تقول :
– شكلها مش مريح

ثم رفعت بصرها صوب ” أنس ” وتابعت :
– قاسم شافها قبل كدا؟
– لأ، ولا يعرف شكلها.. أنا بالصدفة كنت بعمل search ووصلتلها

تركت الهاتف وأخذ عقلها يتجول برأسها.. فيما ستفعلهُ بهذه التي ستطأ مصر بعد أيام، هي تثق بزوجها ثقة غير قابلة للشك.. ولكنها لا تثق بالغير، وخاصة هذه التي ستكون من حضارة وثقافة مختلفة عنهم، مُحال أن تكون طقوسها غير ملائمة لشخصية زوجها.. فركت أصابعها ورددت :
– ماشي، هحضر العشا وهفضل على قلب خالك لحد ما المشروع دا يخلص

أتسعت ابتسامتهُ وهو يردد :
– صح كدا

ولجت ” أفنان ” إليهم ببسمتها الواسعة وهي تسأل :
– بتكلموا في إيه!

فأجاب أنس :
– كويس انك جيتي، عايزك في موضوع مهم جدًا ياأفنان

ثم تحرك نحو الخارج وهي بجوارهُ أثناء قولهُ :
– أنا عايز منك حاجة
– إيه هي ياأنوس ؟

أظلمت عيناه فجأة وهو يتذكر :
– صاحبة ياسمين اللي جت من مصر النهاردة، عايزك متسيبهاش لوحدها نهائي

ضاقت عيناها بعدم فهم :
– يعني إيه، ماهي ياسمين معاها!
– أنا بقى مش عايز ياسمين معاها.. عايزك تشغليها عن ياسمين بأي شكل، يعني تقريبًا تبعديها عنها
– أنت شوفت حاجة ومش عايز تقولها؟

دس يُسراه في جيب بنطالهُ وهو يقول :
– أنا ليا نظرة في اللي قدامي والبنت دي مش مرتاح لوجودها جمب ياسمين طول الوقت

تحمست ” أفنان ” بشدة وهي تقول :
– طب كويس والله لقيت حد عنده نفس نظرتي.. عمومًا سيب الموضوع دا عليا

عيناها العميقة گبحر قعرهُ بعيدًا عن السطح.. تغرق فيهما، ابتسم ” أنس ” وهو يستطرد :
– مش عارف ازاي حد زي عمر يجيلهُ قلب يزعل بنوتة زيك

جحظت عيناها بإستغراب وتوتر بنفس الآن، تجمدت ساقيها برعب حقيقي عقب أن كشف لها معرفتهُ بـ سرها العظيم.. فـ هي ساقطة بداخل بئر الحُب ولم ينقذها أيهم حتى الآن..
رمشت بعيناها واهتزت أهدابها الكثيفة بإرتباك وهي تردد :
– عـ.. عمر مين؟

كانت نظراتهُ الخبيثة تتأمل هذه الطبقة المرتجفة التي تشكلت على بشرتها، أشار إليها لتسبق خطواتهُ نحو الحديقة وهو يقول :
– تعالي ياأفنان، المفروض أنا أسألك مين عمر دا؟

كانت رجفة نبرتها تتزايد عن كل مرة تتكلم بها :
– انت جيبت الكلام دا منين ياأنس آ….
– بصي، أنا معرفش إيه القصة بالظبط.. اللي اعرفهُ إنك مخبيه سر كبير أوي

أشار نحو الطاولة وهو يتابع :
– أقعدي
جلست وجلس أمامها، ثم سأل :
– حور تعرف حاجة؟

أومأت رأسها بالرفض، فقال :
– غلط، أنتي عندك أم مش هتلاقي زيها أبدًا.. ياريت تكسبيها

كان حديثهُ عن واقع تجربة مؤلمة عاش بها، تذكر إنه تعايش سنوات بدون أحضان تحتويه وتكتنفهُ.. فقد شعورهُ بالحنان منذ وفاة أمهُ، ولم يجدهُ سوى بهذه المرأه المعطائة ” حور ”.. التي غمرتهُ بدفء حنانها وكانت لهُ أمًا.
تنهد” أنس ” وهو يتابع :
– عارفه، أمك دي الوحيدة اللي بتتمنالك الخير بجد.. هي الوحيدة اللي مش هتنفسن عليكي ولا هتغير منك، مش هتعجبها حاجة في أيدك وتحسدك عليها أو تتمنى تبقى ليها هي مش ليكي، عمرها ما هتفكر غير في ازاي تسعدك، ممكن متشوفيش دا لكن هتحسي بيه قدام.. في سنك دا بنعتبر أراء الأمهات تحكم، لكن الحقيقة إنها بتكون نتاج خبرة وأحساس.. الأم هي الوحيدة اللي أول ما تشوف الشخص تقدر تحكم عليه من نظرة واحدة، نصيحتي إنك تلجئي ليها.. هي أحسن واحدة تنصحك وتقولك تعملي إيه

ثمة شعور بالراحة تخلل صدرها.. تلاه إبتسامة واسعة أبرزت أسنانها، وقالت :
– حاضر، هعمل بنصيحتك

ثم ضاقت عيناها بفضول شديد وهي تتسائل :
– أنس، عرفت منين؟

أبتسم بتهكم وهو يردد :
– أنا ليا مصادري الخاصة
– آسـر

قهقه ” أنس ” قهقهه عالية وأجاب :
– أشمعنا آسر؟
– عشان دخل عليا الأوضة وانا بتكلم في التليفون، أكيد عقبال ما خرجتهُ كان سمعني
– آسر دا وجودهُ نعمة معاكم

أنتوت له شرًا وهي تتوعد :
– وربنا هوريه

فكان صوت ” أنس ” جاد :
– لأ، متكلميش معاه .. عشان ميخافش يتكلم معايا تاني
– ماشي

……………………………………………………………

كان ” قاسم ” يراقب هذه الجلسة البعيدة عن الآذان عبر الشرفة الملحقة بغرفة المكتب.. وداخلهُ نيران مستعرة، حتى نهض ” أنس ”.. فـ ولج” قاسم ” للداخل منتظرًا دخول ” أنس”، وبالفعل دقائق وكان موجودًا أمامهُ بوجههُ الممتعض..
وقبل أن يتحدث ” قاسم ” بادر ” أنس ” بـ :

  • مش قادر استوعب ياخالي، انت جايب الصبر دا منين! أنا لو مكانك كنت هديت القصر على دماغها ودماغهُ

بصوت مستكين يناقض الحروب الناشبة بداخلهُ :
– عشان انت مش أب بتقول كدا ، بكرة لما تخلف بنات هتفهم موقفي.. المهم عرفت مين ابن الـو **** دا؟
– لأ، بس انا متأكد إنها هتلجأ لـ حور بعد كلامي ليها

ضغط ” قاسم ” على أصابعهُ المتكورة بداخل قبضتهُ ونطق بحقد شديد :
– عايزك تجيب قرارهُ، ابن مين وساكن فين وكل حاجة تخصهُ.. وأفنان عرفتهُ ازاي
– حاضر

وكأن صدرهُ لا يتسع مكانًا للتنفس عقب أن ضاق :
– عيب آسر بقى ميزة، لولاه مكنتش هعرف إن بنتي على علاقة بشاب معرفوش

تردد ” أنس ” قبل أن يتسائل :
– ناوي على إيه بعد ما اجيب أخبارهُ؟
– ولا حاجة

وتابع أثناء كزهُ على أسنانهُ :
– هـفعصهُ وبس
أنس وقد ارتفع حاجبيهِ بتعجب :
– وأفنان ؟!

لم يجد ” قاسم ” ردًا على هذا السؤال، فلم يفكر قط فيما سيفعلهُ إتجاه ابنتهُ.. شعورًا شديد الصعوبة، قاب قوسين أو أدنى.. لا يمكنهُ التصرف بطريقة بربرية، ونفس الحال لا يقوَ على التصرف بـ لين.. إذًا ماذا سيفعل!

……………………………………………………………

كان اليوم التالي مزدحمًا للغاية.. كُل مشغول في عملهُ من أجل حفل عيد الميـلاد، حاولت ” رهف ” أن تجتمع بـ ” ياسمين ” منذ أتت للمزرعة ولكنها كانت گـ المُحاصرة، من ناحية ” أفنان ” ومن ناحية أخرى ” آسر ”، بجانب الأم التي عاونت” أنس ” ونفذت مطلبهُ بشغل وقت ” رهف ” وإسناد مسؤلية تجهيز أدوات الزينة والبالونات المطاطية من أجل الحفل.. شعرت ” رهف ” بتكاتف الجميع عليها، بحثت عن صديقتها التي حضرت هنا لأجلها.. ولكنها لم تجدها، سألت الخادم فـ أفاض بـ :
– الست الصغيرة في المطبخ هي وأنس بيه
– طب فين المطبخ لو سمحت

فأشار الخادم لأقصى اليمين وهو يقول :
– آخر الطرقة شمال

كادت ” رهف ” تتحرك من مكانها لولا وجود ” حور ” التي نادت عليها و :
– ريري، خلصتي الزينة وعلقتيها ياحببتي

تأففت ” رهف ” قبيل أن تلتفت و :
– لسه ياطنط، رايحة أشرب وراجعة
– ماشي ياحببتي

وأخيرًا تخلصت ” رهف ” من هذا الحصار.. توجهت نحو المطبخ متأدة، حتى استمعت لصخب صوتهم.. فـ أسرعت لتقف على باب المطبخ وتراقبهم بإختلاس.
كانت ” ياسمين ” تنظر لهذه الكعكة الطازجة بإشتهاء، اقتربت لتشتم رائحتها الذكية.. ثم رددت بتفاخر :

  • ياسلام عليكي ياساسو، محدش يعرف يعمل الكيكة زيك أبدًا

أمسك ” أنس ” بالصحن المملوء بالكريمة المتماسكة، ثم هتف وهو يقترب منها:
– وسعي كدا

ياسمين وهي تحدجه بغرابة :
– أنت هتعمل إيه؟
– هنحط الكريمة على الكيكة
– لالا أستنى آ……

لم تكمل عبارتها، حيث تفاجئت به يسكب محتوى الصحن على سطح الكعكة.. وقد إلتوى ثغره ببسمة عابثة وهو يقول :
– هتاكلي تورتة مكالتيش زيها في حياتك

تأملت كيف كان يخرب كعكتها بأفعالهُ.. تخيلت إنه يقوم بتزيينها، ولكنهُ كان يُفسدها، وما أن غلفها بطبقة سميكة من الكريمة وبات شكلها غريب الأطوار.. قام بنثر بضع حبات من الكرز بالأعلى بشكل فوضوي..
منذ الوهله الأولى كانت متيقنة إن وجودهُ لن يكون مبشرًا، رفعت نظراتها المصدومة إليه ونطقت بصوت متقطع :
– إ.. إيه اللي عـ عملتهُ دا!

فكانت إجابتهُ صادمة لها :
– الحقيقة الكيكة بتاعتك متتاكلش، دي تضربيها في الحيطة تتردلك على طول

أتسعت مقلتيها وهي تهتف :
– إيــه!
– أيوة، قولتلك قبل كدا أنتي والمطبخ دونت ميكس

كركرت ” رهف ” بصوت خفيض كتمتهُ سريعًا لئلا يظهر في الوسط.. ولكن كانت أذني ” أنس ” أسرع في التقاط صوتها، أظهر عدم استماعهُ.. وسرعان ما تغير مزاجهُ للأفضل، أبتسم.. أقترب من ” ياسمين ”، مسح على خدها بعاطفة وهو يقول :
– أنا طلبت لك أحلى وأغلى تورت، هتكون هنا أخر النهار.. مش عايزك تتعبي نفسك، بس سيبتك تجربي اختراعاتك للآخر

أرتفع حاجبيها بإستغراب :
– أنس!
كان صوتهُ هائمًا وهو يجيب :
– عيون أنس

رمشت عدة مرات وهي تهمس :
– أنت عندك شيزوفرنيا ( إنفصام في الشخصية)

قهقه على أثر تعبيرات وجهها التي أثارت ضحكهُ.. ثم جذبها لتكون بين أحضانهُ بالأخير، ورفع بصرهُ إتجاه الباب ليلمح طرف عين ” رهف ”.. تأكدت الأخيرة إنه رآها، فلم ترغب بالفرار أو الهروب.. بل ابتسمت قبل أن تنصرف واكتفت ..
وبالرغم من داخلها الذي يعج بلهيب الغيظ، إلا إنها وارت ذلك..
ساعات مرت على هذه اللحظة التي بدأت فيها الإحتفالات، كما حضرن بعض رفيقات وصديقات” ياسمين، أفنان ” عن طريق سيارات مخصصة تابعة لوالدهم..

_ بداخل حجـرة ياسمين _
أسبلت ثوبها الأخضر للخلف، وتركت خصلات شعرها الطويل مُسبلة خلف ظهرها.. فظهرت أقراطها الزيتونية التي راقت مع لون شعرها الأشقر، لم تكن بحاجة لمساحيق التجميل.. فقط اكتحلت باللون الأخضر الزيتوني وأظهرت إحمرار وجنتيها عبر مورد البشرة، أستدارت لتتفحص خلفية فستانها.. بدت گالخيزرانة وهي تتمايل يمينًا ويسارًا ليتمايل فستانها أيضًا، فـ استمعت لطرقات تعرفها على الباب.. فقامت بنفسها بفتح الباب ليكون وجهها أول ما يراه، زينت البسمة محياه وهو يتأملها.. للحظة شرد وتناسى إنه أمام باب غرفتها، لا يفقه من لغات الحُب سوى لغة العيون.. والمثير للإندهاش إنها تفهم هذه اللغة الصعبة، أجفلت بصرها بإستحياء وسألت :
– الفستان حلو!

لم ينظر حتى إليه وإنما ردد على الفور :
– حلو

مد كفهُ لها، فشبكت أصابعها بهِ وخرجت برفقتهُ..
تجمعت حولها الفتيات، كانت ضحكاتهن تملأ الأجواء مرحًا.. ولكن أذنيه لا تلتقط سوى ضحكتها من بينهن، لاحظ أن تلك التي يبغضها ” رهف ” أقربهن إليها، ورغم إنها منشغلة بالأحاديث الجانبية معهن إلا إنها كانت تسرق النظرات إليه من الحين للآخر، حينًا تراه عالقًا عليها، وحينًا منشغل عنها.
وقف ” أنس ” يراقبها وهو يُحدث ” أفنان ” :
– طب وبعدين في اللزقة دي!

أفنان وهي تصطنع تناول الحلوى :
– مش عارفه! حاولت ألهيها لكن فشلت

نظر ” أنس ” للردهة المؤدية للمطبخ، فوجد الخادم قادمًا وهو يحمل قالب الكعك المصنوع خصيصًا لأجلها .. أشار له كي يتوقف في مكانهُ، ثم بحث في عقلهُ عن حيلة ينتشل بها ” رهف ” من وسطهن..
وفجأة، لمح الصغير ” آسر ” وهو يركض بثيابهُ الأنيقة المتمثلة في قميص أبيض وبنطال أسود بجانب سُترة سوداء، وكأنهُ رجل أعمال صغير.. فأشار له ” أنس ” ليحضر بين يديه و :

  • تعالى ياآسر

حضر ” آسر ”، فـ انحنى عليه” أنس ” وقال :
– هطلب منك طلب
– قول

تقدم ” أنس ” من الطاولة التي حوت أشكالًا متنوعة من الحلوى والمشروبات.. والتقط عُلبة معدنية من مشروب المياه الغازية، قام بـ رجها رجة عنيفة.. ثم ناولها للصغير وقال :
– روح ودي الكانز دي لرهف وقولها افتحيها ياطنط

عقد ” آسر ” ما بين حاجبيهِ بعدم فهم، ثم سأل بتلقائية :
– أنت كبير كدا ومش عارف تفتحها !
– أسمع الكلام بس وتعالى على طول متستناش
– حاضر

انتقل ” آسر ” نحو وقفتهن، ثم ناول ” رهف ” المشروب المعلب و :
– أفتحيلي دي يارهف

التقطتها ” رهف ” منهُ دون تفكير، وسرعان ما جذبت مقبسها لتنفجر في وجهها ويتناثر محتواها على ثيابها ويتلوث وجهها.. أنفزعت الفتيات وابتعدن عنها، منهن من ضحكت ومنهن من قامت بإسعاف الموقف عن طريق إستخدام المناديل الورقية ولكن هيهات قد تلوث ثوبها تمامًا..
كاد ” أنس ” أن ينفجر ضاحكًا على هذا المشهد المثير، ولكنه تحكم في إنفعالاتهُ ليجد ” حور ” تقترب منه وهي تهمس :
– يخرب عقلك ياأنس! البنت اتبهدلت خالص

حمحم ” أنس ” ونطق :
– نصيبها كدا ياحور
– نصيبها برضو!!

ركضت ” رهف ” للأعلى لتبديل ثوبها، وكادت ” ياسمين ” تلحق بها، ولكن استوقفها صوت ” أنس ” :
– ياسمـين!

ألتفتت لتقول :
– أيوة
– تعالي ثواني

ترددت ما بين اللحاق برفيقتها، وبين الذهاب إليه.. ولكنها قررت أخيرًا وراحت تتقدم منهُ، وسألت :
– نعم!

تقدم الخادم من الطاولة المستطيلة، ووضع قالب الحلوى الذي يحمل اسمها وصورتها في المنتصف.. تجمع أفراد العائلة حول الطاولة، ورفيقاتها أيضًا.. حتى إنها تناست أمر ” رهف ” عقب رؤية الكعكة خاصتها التي بُهرت بها..
إنطفأت الأنوار، وبدأ الجميع في الغناء.. بينما تطلع ” قاسم ” لهذه الأجواء عن بُعد بجوارهُ زوجتهُ الحبيبة ” حور ” ، مر على هذه اللحظة تسعة عشر عامًا.. داعب لحيتهُ بأطراف أناملهُ، ثم ابتسم بسعادة وهو يراها تكبر يومًا بعد يوم.. أنتهى الجميع من الغناء، فكانت القُبلة الأولى من نصيب ” أنس ”، حيث قبّل ناصيتها و :

  • كل سنة وانتي أحلى
    فأجابت بنبرة ساحرة :
  • وانت معايا

تلقت المعايدات من رفيقاتها، بجانب الحوز على العديد من الهدايا اللطيفة في مثل هذه المناسبات.. إلى أن اقترب والدها منها، فتح ذراعيهِ لترتمي بين أحضانهُ.. هذا العناق الأبوي العاطفي الذي لا يُعوض، مسح على وجنتيها وقال :
– عيد ميلاد سعيد ياأميرة أبوها

ثم أخرج عُلبة مخملية سوداء اللون وناولها إياها، تجمعت الفتيات حولها وهي تفتتحها، لتجد مفتاح سيارة جديدة.. شهقت بسعادة جليّة، وقفزت في الهواء عدة قفزات من فرط سعادتها، وشاركها زميلاتها الفرحة.. بينما قطع والدها ذلك قائلًا :
– أنس اللي اختار عربيتك بنفسهُ، هو صمم على كدا

في هذه اللحظة التي كان الجميع فرحًا متحمسًا، هبطت ” رهف ” لتجد أن أهم اللحظات قد فوتتها.. وقفت تتطلع لما يحدث من أعلى الدرج، فلم يهتم أحدهم لغيابها ولا حتى صديقتها ” ياسمين ”.. وكأنها صفرًا على يسار الرقم الصحيح، ليس له قيمة.
في هذه اللحظة التي انشغل بها الجميع، فقط لاحظ” قاسم ” إختفاء ” أفنان ” الغير مُبرر.. بحث عنها بعينيه في المحيط، حتى وجدها في أحد الزوايا تتحدث بهاتفها الجوال..
ضاقت نظراتهُ وقد فطن لهوية المتحدث، ولم يطق إنتظارًا.. حيث أكل الخطوات التي بينهما ليذهب إليها ويداهمها،
في نفس التوقيت الذي ولج فيه الحارس الخاص ودنى من ” أنس ” وهو يخبره بـ :
– أنس بيه، في صندوق برا وصل بأسم ياسمين هانم

أنعقد حاجبيهِ وهو يكرر :
– صندوق!
– آه

خرج ” أنس ” برفقتهُ للخارج، توجه نحو البوابة الرئيسية، حيث وقف أمام ساعي البريد وسأله بجدية :
– إيه دا؟
– دا طرد بأسم الآنسه ياسمين رسلان، هي موجودة؟
– من مين؟

مد الساعي يدهُ بالطرد وهو يردد :
– في كارت مع الطرد تقدر تطلع عليه، ممكن تمضي هنا

نظر ” أنس ” أولًا لهذا الظرف الذي يحوي بطاقة صغيرة مدون عليها أسم الراسل..
أحتدت نظراتهُ وقست تعابير وجهه وهو يقرأ الأسم أكثر من مرة متتالية علهُ أساء القراءة، ولكنهُ قرأ جيدًا :
– ” سـراج السلمانـي ”!…………………………….

error: