رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

 

^^ عهـد جـديـد ^^

(( الفصل الحادي عشر ))

وصلت أصداء تلك الحادثة المثيرة لمكاتب الموظفين والموظفات بالشركة، حتى أصبحت سيرة ” زريـن” تتردد على ألسنة الجميع، والأغلب كان شامتًا بها لعجرفتها المتزايدة وغطرستها الشديدة في التعامل..
كانت تلك الفعله المتوحشة تنفيث عن طاقة ” ياسمين” السلبية منذ أمس، الآن أصبحت أكثر راحة وحيوية.. أصطحبها ” أنس” لداخل مكتبهُ عقب أن أنهت فقرتها العنيفة، طردت زفيرًا مرتاحًا من داخلها.. وأتبعتهُ بقولها :

  • الجو بقى حلو فجأة سبحان الله
  • ياريت تكوني ارتاحتي دلوقتي

ثم جلست بأريحية على المقعد المقابل للمكتب، رفعت ساقًا أعلى أخرى واستطردت :
– جـدًا

كادت تستدير برأسها كي تراه، ولكنهُ استبق ذلك.. استشعرت تغلغل أصابعهُ بين خصلات شعرها يمشطهُ، فـ انسجمت بهدوء وقطعت صوتها .. وما أن تساوى شعرها قليلًا بدأ في تضفيرهُ گعادتهُ القديمة، تذكر عندما كانت طفلة في مهدها وليس سواه يعتني بها، حتى إنه كان يختطفها من ” حور” ولا يتركها لها إلا وقتًا قليلًا.. ابتسم بسرور قبل أن يردد :
– في حاجات مينفعش تكبري عليها

وما أن أنهى صنيعهُ ترك ضفيرتها الطويلة، وجلس قبالتها يسألها :
– ناوية تعملي إيه في جامعتك؟ ، باب التقديم فتح خلاص
– هروح الأسبوع دا عشان أخلص ورقي وادفع المصاريف

تلوت شفتيها بسخط، ثم قالت :
– طبعًا حضرتك مش فاضيلي
نظر لساعة يدهُ أولًا قبل أن يردد :
– لو هتستني يومين هاجي معاكي، غير كدا مفيش
– يعنـي؟
فأكمل بجدية :
– يعني مش هتروحي لوحدك، إجباري هاجي معاكي

أرادت أن تُعرب عن سعادتها لذلك الخبر السار، ولكنها أخفت سعادتها وردت بإقتضاب :
– ماشي
” أنس ” وهو يغلق زر سترتهُ عقب أن نهض :
– طب يلا بينا، هنروح نفطر برا وبعدين أرجعك البيت قبل مااجي هنا تاني

وسرعان ما نهضت وسبقت خطواتهُ بتحمس شديد وهي تردد :
– يلا بينا يـلا

_ في نفس الآن
كانت ” حور” تقدم إعتذارًا جافًا لـ ” زرين” بحجرة المكتب الخاصة بـ “قاسم”.. بينما داخلها مبتهج گفراشة تطير فرحًا بحلول الربيع :
– حصل خير، ياريت متكونيش زعلانة ولا حاجة

حدجتها بإستعلاء من زاوية عينيها، ورددت :
– حسنًا

فركت رأسها بتألم شديد، ثم نهضت عن جلستها وهي تلتقط حقيبتها الصغيرة ورددت :
– عزيزي قاسم، أراك غدًا

ومدت يدها لتصافحهُ، فلمس ” قاسم” أطراف أصابعها.. ولكنه تفاجأ بإقتحامها لكفهُ لتحتويه كُله ، حمحم بتحرج وهو ينتشل يدهُ.. ثم هتف :
– مع السلامه

بينما لوحت بأصابعها لـ ” حور” ورددت :
– Bay bay ( باي باي )

فـ ردت إليها بتلويحًا دون أن تنبس بكلمة، وما أن خرجت حتى تبدلت ملامح ” حور” وهي تتسائل بحدة :
– دي جاية لوحدها تعمل إيه هنا
– جاية تبلغني إن استيڨان هيسافر مباشرة بعد ما نمضي العقود، وهتكون هي مكانهُ لحد ما يرجع
– نـعـم !

استدار ” قاسم” حول مكتبهُ، ألتقط يُمناها.. ثم سأل بنبرة متعقلة :
– مش واثقة فيـا؟
توترت وهي تخفي بصرها عنهُ قائلة :
– آآ… قاسم أنا؛ واثقة فيك لدرجة العمى، لكن مش واثقة في الحيّـة دي .. أنت مشوفتش نظراتها ليك عاملة إزاي!

ضغط على أصابعها المختفية بين قبضتهُ متفهمًا شعورها، ثم قال :
– أنا ملاحظ كل حاجة، وهعرف ألزمها حدودها.. خصوصًا لما جوزها يسافر

تنفست بصوت مسموع، ثم أومأت رأسها بإستسلام وقالت :
– اللي تشوفهُ ياقاسم
– عظيم

……………………………………………………………

حتى الآن تكاد لا تصدق نفسها، لقد قصّت تفاصيل حكائتها مع “عمر” كاملة لوالدتها، دون أن تخفي شيئًا عنها.. وما أذهلها هو الهدوء الذي طغى على حال ” حور ” ، ظنت إنها سـ تُنزل بها عقابًا يسحقها.. ولكنها وجدت مرونة في المعاملة لم تلقاها من قبل، تميزت” حور” بسعة الصدر كي تستمع لكل ما روتهُ ” أفنـان” ، ولم تُظهر أيًا من مشاعرها العدائية حيال ابنتها.. بل إنها مسحت على رأسها بعطف أمومي بالغ، وبدأت ترد على حديثها :

  • أنا مستعدة أنسى اللي حصل، بس بشرط ياأفنان
    فأسرعت ” أفنان بالسؤال :
  • شرط إيه ياماما؟ ، انا هوافق على كل حاجة هتقوليها

وبسبابتها أشارت مُحذرة :
– هتوعديني متعرفيش الولد دا تاني، وكمان صحبتك دي متعرفيهاش تاني
فتسائلت ببعض الضيق :
– طب ورضوى مالها بس؟
– دي لو صحبتك بجد وبتحب ليكي الخير، مكنتش هتسمح تكون سكة توصلك لأخوها.. مش هتشوفك بتعملي الغلط وتداري عليكي، لو صحبتك كانت نصحتك.. إنما دي شجعتك ودارت عليكي

” أفنان ” وهي تهز رأسها مؤيدة حديث والدتها :
– صح، حاضر ياماما

ثم ارتمت بأحضان والدتها و :
– ربنا يخليكي ليا دايمًا، الحياه من غيرك ولا حاجة
” حور ” وهي تمسد على شعرها :
– ويخليكي ليا يانور عينيا

ثم ابتعدت عنها وراحت تنظر لهيئتها المختلفة بعض الشئ عقب أن قصقصت شعرها لمستوى أقصر وذا شكل مميز ومختلف.. نفضتهُ وهي تتأمل مظهرهُ الذي لاق بها، ثم ابتسمت بسرور وهي تردد :
– حلوة؟

فأجابتها” حور ” وهي تبدي أعجابها :
– تحفة عليكي

وعقب التجمع الأسري حول مائدة العشاء، تجمع الغالبية منهم أمام التلفاز لمتابعة أحد المسلسلات المصرية الشهيرة.. بينما كان” قاسم ” يعمل بغرفتهُ، ولجت” حور ” إليه وقد أشرق وجهها بسعادة.. اقتربت منهُ وهي تردد بصوت خفيض :

  • عايزة أقولك حاجة
    فقال وهو ينظر لجهاز الحاسوب متمعنًا :
  • قولي حجات مش حاجة واحدة
  • أفنان

فـ انتبهت حواس” قاسم ” كليًا لها، تنفض جبينهُ بضيق وسأل :
– مالها؟
– قطعت علاقتها بالشاب اللي كانت تعرفهُ

ارتفع حاجبيه غير مصدقًا علاج الأمر في غضون فترة وجيزة للغاية، اعتقد أن الأمر معقدًا.. وربما سترفض ابنتهُ ترك الأمر أو نسيان هذا الأحمق، ولكنهُ تفاجأ بذلك..
نهض عن جلستهُ، تقدم منها وسأل بإستغراب :

  • إنتي متأكدة؟
    فكانت تُجيبهُ بإفتخار جلّ في عيناها :
  • طبعًا، وهي اللي عملت كدا من نفسها كمان
    ضاقت عيناه بفضول شديد وهو يسأل :
  • أنتي عملتي إيه بالظبط

طوقت بذراعيها كتفيهِ، ووقفت على أطراف أصابعها كي تقترب من طولهُ.. وقالت بثقة شديدة :
– دي حاجة بتاعتي، المهم تعرف إن بنتي متربية أحسن تربية.. ودي كانت مجرد اضطرابات طبيعية في سنها مش أكتر

فـ لمس ناصيتها بشفتيه ليطبع قُبلة صغيرة، أتبعها بقولهُ :
– طبعًا متربية
……………………………………………………………
انتهت ” زريـن” للتو من جلسة التدليك ” مساچ” بأحد المراكز الشهيرة.. حاوطت جسدها بالمنشفة البيضاء، ووقفت تتأمل نضارة بشرتها البيضاء في المرآه عقب هذه اللحظات الإستجمامية المُنعشة.. نفضت شعرها المبتل وتحسست موضع الألم وهي تردد بحقد شديد :

  • الحمقـاء اللعينة، تظن إنني لم أفهم تصرفها الأرعن! قطعًا كانت تقصد ما فعلت

تأففت بتذمر وتابعت :
– لن أنسى فعلتها تلك، ولكن لها وقت تُرد فيهِ

استمعت لرنين هاتفها الصاخب، فـ التفت بجسدها لتتناولهُ عن الطاولة الصغيرة.. نظرت لأسم المتصل، لتحتل بسمة ماكرة ثغرها وهي تلمسهُ لتجيب :

  • مرحبًا، انتظرت إتصالك طويلًا

جلست على الطرف للمغطس، انتظرت حتى أنهى المتصل حديثهُ، ثم نطقت بـ :
– أوه، عزيزي لا تقلق.. ستكون البشرى غدًا عقب توقيع هذه الوثيقة، ولكن علينا الحذر

وبعد عدة ثوانٍ :
– أتمنى ذلك، فـ هذا المدعو ” قاسم” ليس بـ رجلًا ستنطلي عليه ألاعيب الصغار، عليك إتخاذ حطاطك لئلا ينكشف أمرنا في وقت غير مناسب.. حسنًا، إلى اللقاء

ثم أغلقت الهاتف ونهضت لتبرح هذا المكان الذي أصبحت درجة حرارتهُ مرتفعة زيادة عن اللازم.. وبخطى مختالة سارت نحو الباب لتفتحهُ و ….
……………………………………………………………

مـر يومًا فـ الثاني، الأمور تسير بشكل طبيعي للغاية .. تم توقيع عقود الشراكة المزدوجة بين كلا الشريكين الأمريكي والمصري، وغادر ” إستيڨان” أرض مصر من بعد ذلك ليتابع أعمالهُ..
وفي هذه الأمسية الرطبة، جلس ” قاسم” بصحبة ” أنس” في غرفة المكتب لإنهاء بعض الأعمال.. وعقب ساعات من العمل الجاد، قرر ” قاسم” قضاء بعض الوقت الترفيهي.. فلم يجد أفضل من رُقعة الشطرنج المُسلية كي يُصفي ذهنهُ قليلًا..
دقق بصرهُ في قطع الشطرنج البيضاء والسوداء، وزع أبصارهُ على كُل القطع ثم رفع بصرهُ نحو ” خالهُ ” ومثلهُ الأعلى الذي يقتدي بهِ .. مد يدهُ يسحب قطعة ( الوزير ) لـ يغير مكانها .. قوس ” قاسم ” شفتيهِ بإستهجان ،
فقد كانت حركة خطيرة من ” أنس ” داهمهُ بها..
سلط عينيه على القطع ومرر أنظارهُ عليها، في حين بادر أنس بقولهُ :
– مش هينفع ياخالي، أنا رأيي تستنى مستر إستيڨان لما يرجع من بـرا ونكمل شغل

_ قام ” قاسم ” بإتخاذ خطوة وتحريك إحدى القطع، ومازال عقلهُ مشغولًا بذلك الأمر المُريب :
– مش هينفع، إستيڨان بنفسهُ بلغني قبل ما يسافر إن كل حاجة هتكون في أيد مراتهُ.. وإن معاها توكيل بكدا

_ هز ” أنس ” رأسهُ بعدم إقتناع، ثم ردد :
– الست دي مش برتاح ليها، شكلها كدا سككها كلها شمال

قاسم وهو يقوم بتحريك قطعة بدورهُ :
– ولا انا مرتاح، لكن لو وقفت الشغل في شرط جزائي علينا
أنس :
– ولو ياخالي! سيبني أتصرف وانا هلاقي مخرج .. لكن منتورطش مع الحرباية دي

قام ” أنس ” بحركة مباغتة أعقبها بقولهُ :
– كـش ملك ياخالي

قلب ” قاسم ” رُقعة الشطرنج في الهواء وأمتعض وجهه بحدة وهو يصيح :
– في إيه ياأنس! دي تالت مرة تكسبني النهاردة!!
قولتلك ١٠٠ مرة مبتكلمش في الشغل وانا بلعب

لم يُصدم ” أنس ” من رد فعل خالهُ المتهور، بل إنه كبح ضحكة توقفت على طرف فمهُ وهو يقول :
– أهدا ياخالي، ماانت طول عمرك كسبان

ثم غمز له وتابع :
– وبعدين أنا التلميذ برضو!

نظر له ” قاسم ” من زاوية عينيه، ثم نهض واقفًا مستقيمًا وهو يردف :
– وهتفضل تلميذ ياض، أوعى تنسى!

سار ” قاسم ” نحو الشرفة، لمح إبنتهُ ” ياسمين ” تلهو مع شقيقها الأصغر ” آسر” .. إبتسم بعفوية وهو ينظر لهذا الصغير الذي يشبههُ ، فذاك الشبل من هذا الأسد ..
ثم عاد ينظر لـ ” أنس ” وهو يقول :
– أطلع نام، مش لازم تسهر انت وياسمين لوش الصبح زي أمبارح

زاغت عيني ” أنس ” قبل أن يُجيب :
– والله مظلوم، بنتك دي رئيسة عصابة ياخالي، مش بتسيبني حتى أتهنى على النوم.. تصدق لقيتها على دماغي ٧ الصبح طالبة معاها تاكل شاورما؟
– أعملها اللي هي عيزاه! تصبح على خير

قوس ” أنس ” شفتيهِ بإزدراء، فـ يبدو إنه وجه شكواه للجهة الخاطئة.. ماذا سيفعل ” قاسم ” له؟
فـ هي مُدللتهُ الأولى ” يـاسمين ” .
……………………………………………………………

أشتعلت حجرة ” أفنان ” بأصوات الأغاني الصاخبة، وقفت أمام مرآتها الطويلة ترقص بحركات حيوية دبت داخلها النشاط ودبتّ فيها بعضًا من البهجة، حتى إنها لم تستمع لصوت هاتفها الذي أصدر رنينًا مستمرًا..
انتهت الأغنية فـ تمكنت من سماع هاتفها، اقتربت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة على أثر المجهود الذي بذلتهُ مؤخرًا، سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها ثم لمست الهاتف لتجيب على هذا الرقم الغريب.. فـ إذا بها تستمع لصوتهُ المعروف إليها :

  • مش معقول نسيتي صوتي
    زفرت بضيق وقالت :
  • هتفضل تتصل من أرقام غريبة كدا كتير؟
  • أفتحي الواتساب وشيلي الحظر، عايز أوريكي حاجة
    ” أفنان ” وقد تنغض جبينها بإندهاش :
  • مش هينفع ياعمر، آ……
    فقال بلهجة هجومية :
  • أحسن ليكي افتحي وشوفي بنفسك بدل ما أجيلك قدام بيتك دلوقتي

توترت وتلعثمت وهي ترضخ لتوعدهُ :
– آ.. حاضر

أيقنت وجود أمرًا لن يُحمد عُقباه، نفذت مطلبهُ وبداخلها رعب ناتج عن شعورها بالقلق.. كانت أصابعها مرتعشة وقد أصابها العرق المفرط.. فتحت نافذة الدردشة الخاصة به، وانتظرت بعض الوقت، فوجدتهُ قد أرسل إليها بعض الصور الفوتوغرافية التي تخصها، ولكنهُ أضفى عليها تعديلات خطيرة.. فقد صمم صورًا كاذبة لوجهها على أجساد فتيات عاريات ماجنات، بأشكال مختلفة متعددة.. شهقت بفزع وقد تحجرت الدموع في عينيها فلم تستطع ذرفها، وكتبت له بإرتباك متملك من حواسها :

  • ليه بتعمل معايا كدا، انا معملتش معاك حاجة وحشة؟
  • انتي اللي جبتيه لنفسك، أنا مفيش واحدة تقدر تسيبني كدا بسهولة.. أنا أسيب ومتسابش
  • حرام عليك، أهلي لو عرفوا مش هيحصل كويس
  • ماانا عايزهم يعرفو ويشوفو بنتهم
  • دي مش انا وانت عارف كدا كويس
  • مش مشكلتي
  • انت عايز إيه مني
  • ترجعيلي
  • مش هينفع، أرجوك تتقي الله انا عمري ما أذيتك
  • دا آخر كلام عندك.. طب خلي الكلام دا ينفعك ياقطة لما أفرج أهلك على الصور دي وانشرها في كل حتة وهفضحك
    انتي وأهلك اللي فرحانة بيهم

ثم قام بحظر جهة إتصالها، حاولت الإتصال به عدة مرات لإقامة المفاوضات معهُ.. ولكنها فشلت عقب أن قام بحظرها وتجاهل إتصالاتها.. أغرورقت عيناها بالدموع وضاقت أنفاسها حتى كاد صدرها لا يتسع مكانًا للتنفس، رمت جسدها على الفراش وكأن رياح عاتية عصفت بها.. صدر أنينها الذي تحول لصرخات مكتومة تخشى ظهورها، حتى وجدت الباب ينفتح، وولج عبرهُ ” ياسمين، آسر” .. ركضت ” ياسمين” إليها عقب أن رأت تلك الحالة التي أصبحت عليها.. وسألتها بفزع :
– أفنـان! مالك بتعيطي ليـه ؟

فقالت من بين شهقاتها التي تُمزع القلوب :
– هيفضحني، هينشر صوري عريانة ويفضحني ياياسمين آآآه

وارتمت بين أحضان أختها، ربتت ” ياسمين ” على ظهرها وهي تلعن هذا الملعون و :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيه، إزاي دا حصل؟ فهميني

ابتعدت عنها ونزحت عبراتها وهي تقول بصوت متقطع :
– مش هعرف احكيلك دلوقتي، بس آ.. انا في مصيبة ومش عارفه أعمل إيـه
فـ اقترحت ” ياسمين” :
– مفيش غير بابا، هو الوحيد اللي هيحميكي

جحظت عيناها بفزع لمجرد فكرة أن يعلم والدها ما حُشرت هي فيه، وسرعان ما نطقت برعب حقيقي :
– لأ لأ، بابا مينفعش يعرف حاجة عن الموضوع دا.. دا ممكن يموتني فيها
– لأ يافنان بابا يعرف

كان ذلك تدخلًا من الصغير ” آسر” المدرك للخطر الذي يحاوط شقيقتهُ.. توقفت دموع ” أفنان” وهي تستوعب عبارة ” آسر”، نظرت إليه بعض الوقت ثم سألت بإرتياب :
– بابا يعرف!

فـ تهرب الصغير من نظراتها وهو يقول :
– آ.. آه ، أنا قولتله من زمان

وكأن الزمن توقفت ساعتهُ في هذه اللحظة الفاصلة.. تسلطت عيناها على الفراغ، فلم تجد ملجئًا تلجأ إليهِ ودرعًا تحتمي به سوى والدها.. نهضت عن جلستها وركضت للخارج مهرولة إلى غرفة مكتبهُ، كاد الصغير يلحق بها ليتابع ما يحدث بفضول شديد، ولكن استوقفتهُ “ياسمين” وهي ترمقهُ بنظرات حادة و :
– تعالى هنا ياسوسة البيت انت، رايح فين

فأجابها بزمجره طفولية :
– ياسمين تعالى نتفرج إيه هيحصل
فضاقت نظراتها وتأففت قبل أن تردد :
– تموت انت في الفضايح والخناقات

فجأة ودون سابق إنذار، وجد ابنتهُ تقتحم غرفة المكتب وهي تبكي بكاءًا مفرطًا أفزع قلبهُ.. فـ انتفض واقفًا وهو يسأل :
– أفنان مالك، في إيه؟
فأجابت بصوت متقطع خالجهُ أنين بكائها :
– ألحقني يابابا، أنا في ورطة وماليش غيرك

أوفض نحوها متعجلًا وقال بلهجة مرتاعة :
– في إيــه؟ أنطقــي !…………………….

error: