رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عهد جديد ^^

(( الفصل الرابع والثلاثين ))

جلس “قاسم” على الأريكة العتيقة ذات الطراز القديم.. أمامهُ منضدة مستطيلة عليها أكواب الشاي المُخمر بجانب طبق كامل من حلوى البسكويت المنزلي الشهير في هذه القرى..
نظر “سليم” لهذه الحقائب الكرتونية الراقية التي تحمل الكثير من الهدايا، ثم تلوت شفتيهِ مستنكرًا وهو يقول :
– مكنش لهُ لازمة الحچات دي، تعبت نفسك

تراجع “قاسم” بظهرهُ للخلف، ثم قال بتملق :
– دي هدية رجوع ياسمين بالسلامة

ثم نقل نظراتهُ لـ “سراج” الجالس بجوار والدهُ، ونطق بإمتنان :
– أنا جاي النهاردة عشان اشكر سراج على وقفتهُ مع أنس

أخفض “سراج” بصرهُ للأسفل ضاربًا برأسهُ على صدرهُ وهو يقول :
– ده الواچب ياقاسم بيه، حمدالله على سلامة بنت حضرتك

تغيرت نظرتهُ إليه في هذه اللحظة وهو يقول :
– الله يسلمك

حانت التفاته من رأس “قاسم” نحو “أنس” وقال :
– إحنا كمان جايين نقف جمبكم في ضيقتكم.. سمعت إن التجار سابوكم وراحو لولاد جرير عشان السعر أقل، والموسم عندكم تقريبًا أتضرب

وضع كفهُ على صدرهُ وتابع :
– أنا جاي اشترى منكم محصول السنة كلهُ، وبالسعر اللي انتوا عايزينهُ

ارتفع حاجبي “سليم” بإندهاش لهذا العرض المغري الذي لم يكن يتخيلهُ.. بينما تتدخل “أنس” ليقول :
– إحنا كلمتنا عقد، واليوم اللي هنتفق فيه على المبلغ هنحمل المحاصيل على العربيات وندفعلكم الدفعة كاش

فبادر “سراج” بتحمس :
– موافقين

فحدجهُ “سليم” بنظرات متسعة عن آخرها وقال :
– سـراچ!

“قاسم” وقد استنبط ترددهُ :
– مصلحتك معانا ياسليم، وافق وكل حاجة هتتصلح ووضعكم المادي هيتحسن وانا هستفيد، ولو قصدك سلمان فـ انت تقدر تقنعهُ.. أنت عارف إن مفيش بينا عمار ولا هيكون، ها إيه رأيك؟

فكر بشكل منطقي عقلاني أكثر، فلم يجد سوى هذا الحل لإستعادة مكانتهُ وتعويض خسارتهُ من المحاصيل التي عطمت نظرًا لطول فترة تخزينها بدون مشتري يشتريها.. أومأ رأسهُ بالموافقة وقال :
– على بركة الله، نجروا ( نقروا) الفاتحة

رفع الجميع أكفهم للسماء، لقراءة سورة الفاتحة.. وما أن انتهوا، حتى نهض “قاسم” عن جلستهُ ووقف منتصبًا وهو يقول :
– دلوقتي هستأذن، وبكرة هيجيلك المحامي يخلص معاك كل حاجة وبعدها نبدأ التحميل
– ماشي كلامك

انتقل نحو الباب، حينما كان “سليم” يقول :
– المرة دي ما هتتحسبش زيارة، انت مدوقتش الزاد عندنا
– الجايات أكتر

وقبل أن يهمّ “سراج” لفتح الباب، انفتح ظاهرًا من خلفهُ “سلمان”.. رمقهم بنظرات مُسعّرة، ثم قال مستهزئًا :
– على اجده الكلام اللي سمعتهُ صوح؟ عيال رسلان في بيتنا؟!

لم يعقب “قاسم” نظرًا لإضطراب الأوضاع بينهم، في حين قال “سليم” :
– مش وجتهُ “وقته” ياسلمان

فقال بإحتدام ونظراتهُ عالقة على “قاسم” :
– لاه وجتهُ، بيعملوا إيه دول في دارنا؟

فطن “قاسم” إنهُ لا يدري بفعلة شقيقهُ وولدهُ “سراج” من التدخل لإنقاذ ابنتهُ.. فأراد إشعال فتيل القنبلة وزرع الكلمة التي ستنفجر لا محالة في وجهه وهو يقول بفتور أثار غيظهُ :
– كان عليا واجب وبردّهُ ياسلمان، وياريت تتعود على الوضع الجديد عشان هتشوفني كتير

التفت “قاسم” لإلقاء السلام الأخير :
– عن أذنك ياسليم

ثم اقترب رويدًا رويدًا، ربت على ذراع “سلمان” المبتور منذ سنوات بفضلهُ والذي وضع مكانهُ ذراع صناعية متعمدًا تذكيرهُ وهو يقول بجفاء امتزج ببسمة باردة :
– سلام ياسلمان

وانصرف من خلفهُ “أنس” الذي كان ينظر لـ “سلمان” بنظرات محتقنة.. فهو الرجل الذي أطلق عليه الرصاص عندما كان في الثانية عشر من عمرهُ وأصابهُ إصابة ما زالت تاركة أثرها في صدرهُ..
في حين كان “سلمان” قد وصل لذروة غضبهُ وتأجج الحقد بداخلهُ ، فصرخ صرخة وصلت أصدائها لـ “قاسم” الذي مازال بالخارج :
– بيهبب إيه دا في دارنا، وواچب إيه اللي بيناتكم ومعرفهوش ياسليم؟ چاوبني

تنهد “سليم” وهو يجيبهُ :
– سراچ أنقذ بتهُ ( بنته) من الموت، وچه يشكرنا

لمح “سلمان” الهدايا التي اكتظت بها الزاوية، ثم ابتسم بسخرية وتابع :
– هي بجت اجده؟ طب بكيفك ياأخوي، بكيفك.. أني بقا عمري ما هرضى عنهُ.. ولو أطول أولع في ناسهُ كلهم مش انقذ حد منيهم

فتدخل “سراج” وقد انزعج من هذا التفكير الحاقد القديم :
– خلصنا بقا ياعمي، الراچل چه بيتنا وخلصنا
– انت تسكت خالص، أنت اللي روحت وطلبت يد بتهُ ورچعت جفاك كيف العيش المحمص، چاتكم البلاوي كلكم

ثم غادر منزلهم وقد توقد صدرهُ بما يكفي، غير راضي عن هذه العلاقة التي ستجمع بين شقيقهُ وبين العدو اللدود لهُ.. ولكن يبدو إنه لا يملك سوى بضع كلمات قاسية يلقيها من فمهُ ثم ينصرف، فلم يعد كسابق عهدهُ يستطيع المجازفة ومجابهتهُ.

……………………………………………………………

لم يستطع “قاسم” المكوث في مزرعتهُ أكثر من بضع ساعات.. فـ آلام ظهرهُ تعاودهُ من حين لآخر، وعضلات ساقيه تتشنج فجأة وتتصلب فيبقى غير قادرًا على تحريكهما.. لذلك أصرّ على التحرك مع طلوع الشمس مقررًا العودة للقاهرة، وحينما وصل لحدود العاصمة كانت الساعة العاشرة والنصف صباحًا.. نظر في ساعة يدهُ قبل أن يسأل “أنس” :
– هتعمل إيه مع ياسمين؟

طرق “أنس” بأصابعهُ على المقود وقال بسخط :
– بنتك عايزة تجنني ياخالي.. واللي هي طلباه مش نمطي ومش هيكون

ابتسم “قاسم” وقال بإفتخار :
– راسها ناشفة زي ابوها

رمقهُ “أنس” بإستغراب وقال :
– أنا شايف إنك مبسوط من اللي بيحصل ياخالي، انت عمرك عملت كدا ما طنط حور؟

تذكرها الآن، تذكر كيف اشتاق لها ورغبتهُ جامحة في استنشاق عبقها وتغليف وجهها وكفيها بقُبلاتهُ المشتاقة.. تنهد وهو يطرد تلك الأفكار من عقلهُ، في حين كرر “أنس” سؤالهُ :
– خالي سامعني؟
– في اختلاف ياأنس، حور دماغها ناشفة صحيح.. لكن مكنتش دلوعة زي ياسمين

ثم التفت ينظر إليه وقال :
– وبعدين أميرة أبوها تدلع براحتها، فكر وشوف هتعملها اللي هي عيزاه إزاي

ابتسم بتهكم من زاوية فمهُ وهمس بصوت خفيض :
– لازم طبعًا تقول كدا ياخالي، وربنا لو كنت مكاني مكنتش حركت شعرة منك حتى!

وصلت السيارة أمام المنزل تحديدًا في الحادية عشر صباحًا وخمس دقائق.. ترجل “قاسم” عن السيارة ببطء، ثم وقف قليلًا لتعتاد ساقهُ.. ثم تحرك للداخل متأدًا، ليجد “أفنان” في استقبالهُ مستعدة للخروج :

  • حمدالله على السلامة يابابا

ثم قبّلتهُ وابتعدت :
– الله يسلمك ياأفنان، فين ياسمين؟
– خرجت من شوية هي وماما عشان عندها محاضرة مهمة و……

توقفت حاسة السمع لديهِ عند علمهُ بخروجها، ضاقت عيناه بحدة وقاطعها وهو يسأل :
– أمك خرجت؟! أمتى؟
– من نص ساعة كدا تقريبًا

لم يوضح لها امتعاضهُ و :
– روحي انتي الدرس بتاعك وخلي السواق يستناكي لحد ما تخلصي ويرجعك
– حاضر

ثم التفت ليجد “أنس” مازال واقفًا بمحلهُ :
– أطلع انت ياأنس وسيبني لوحدي

ثم تحرك نحو باحة المنزل وجلس على الأريكة منتظرًا حضورها، والغيظ يغلي بداخلهُ لخروجها بدون استئذان منهُ معتبرًا ذلك تعدّي منها.. انتظر لأكثر من ساعة ونص كاملة في مكانهُ، والوقت يمر ببطء شديد.. حتى لمح ظلها على الباب الزجاجي قبل أن تفتحهُ وتدلف.. لم تراه، كادت تنتقل للدرج مباشرة ولكنهُ ناداها بصوتهُ الجهوري المرتفع :
– حـــور!

عيناها ذهبت لمصدر الصوت لتجدهُ.. خطت نحوهُ وهي تسأل :
– رجعت من السفر أمتى؟

وقف عن جلستهُ، لمحت هذا الغضب المتراقص في وميض عيناه الناريتين.. فـ استشفت عاصفة هوجاء ستعصف بها الآن، انتظرت أن يتحدث.. ولكنهُ أشار لها لتقترب :
– تعالي هنا

اقتربت خطوتين، فسألها بصرامة :
– كنتي فـين؟

فأجابت بشفافية شديدة :
– كنت عند وكيل الوزارة بخصوص إدارة المدرسة و…….

قاطعها بصوت أقوى من ذي قبل وهو يصيح فيها بإنفعال شديد :
– أســتأذنتــي مــني قبل ما تـخرجـي من البـيت؟

ابتلعت ريقها وقد اختنق صدرها وشعرت برغبة في البكاء كبحتها وهي تجيب :
– كنت هقولك وانت عملت نفسك نايم، والصبح سافرت قبل ما اشوفك
– أنتي اتجــننتي على كـبر ولا إيـه؟ من أمتـى بتخرجي من غير أذنـي؟! ولا عشان رقدت شوية افتكرتيني هفضل كدا على طول، لأ فوقي لنفسك واتعدلي زي ما كنتي بدل ما اعدلك انا

فصرخت فيه بلا هوادة :
– أنا مش معوجة عشان اتعدل، لو في حاجة عايزة تتعدل يبقى أسلوبك

كشّر عن أسنانهُ وهو يرفع قبضتهُ أمام وجهها وقال :
– مترديش عليا وصوتك يوطى وانتي بتكلميني

فقالت بنفس نبرتها العالية :
– وانت متحطنيش موضع المتعاقبة اللي بتذلها بعقابك.. إحنا مش صغيرين ولا لسه زوجين جداد

أراد الضغط عليها أكثر لإقتناعهُ الشديد بخطئها، فـ قال :
– الشغل اللي خرجتي النهاردة من غير أذني عشانهُ مش هتروحيه تاني ياسيادة المديرة، خلاص

صفق بكفيهِ بإنفعال و :
– بـح، مفيش شغل

تهدلت أكتافها بقنوط وهي تقول بإرتخاء:
– ريح نفسك أنا قدمت إستقالتي النهاردة من أي منصب حكومي في المدرسة

صمت مريب غطى على المكان، ونظراتهُ قليلة الحيلة ترمقها ببعض الدهشة لموقفها المفاجئ رغم تمسكها الشديد بمهنتها منذ سنوات طويلة.. بينما استطردت هي بصوت خالجهُ النحيب وقد سالت دموعها على وجنتيها رغمًا عنها :

  • لو عامل كل دا عشان كدبتي عليك بخصوص ياسمين، فـ انا كدبت عليك عشان حالتك الصحية مكنتش تتحمل أخبار وحشة.. أنا عمري ما هأذيها ولا ابعتها مصر عشان تتخطف، كل الحكاية إن دماغي كانت مشغولة بيك لدرجة إني مفكرتش في غيرك وسيبتها تسافر مع أنس وانا مطمنة.. انت مش هتخاف عليها أكتر مني

وتعالت نبرتها لتكون أشبه بالصراخ و :
– أنا اللي حميتها منك لما كنت عايز تنزلها وهي نطفة في بطن مامتها الله يرحمها، أنا اللي تكفلت بتربيتها زي بنتي بالظبط في الوقت اللي كنت عايز ترميها فيه بالشارع.. أنا اللي كبرتها وسهرت جمبها وعلمتها، مش انت.. أنا أمها وانت يـدوب أبوها، افتكر دا كويس.. سمـعتني ياقـاسم

ثم سحبت نفسها من أمامهُ وانطلقت صاعدة الدرج ومنهُ إلى غرفتها لتختلي بنفسها عقب أن انفجر البالون الذي انتفخ بداخلها منذ أن كانت بألمانيا.. وتركتهُ هو يستعيد ذكريات سنوات غابرة، منذ علمهُ بحمل زوجتهُ المتوفاه مرورًا بتمسك “حور” بالطفلة واختيار إسمها والعهود لتربيتها حتى صارت “أمـيرة والدها”.. كانت هي الشاهدة على تفاصيل كبرها وتعليمها ونشأتها، حتى وإن كان دورهُ بارز في حياة ابنتهُ.. فـ الأم دورها لا يُضاهى بدور آخر.. شعر بتأنيب ضميرهُ، هي لم تخطئ، فقد عانت من ضغط شديد طيلة الفترة الماضية.. هو كان شاغلها الأكبر، وهذا ليس ذنبـًا يحاسبها عليهِ.

……………………………………………………………

كان الليل قد زحف ليغطي السماء بستائرهُ المُظلمة، عندما كان “أنس” واقفـًا بجوار “عصام” أمام أحد المطاعم الشهيرة بتقديم الشطائر السريعة.. فرك “أنس” كفيهِ بتوتر ونظر لـ “عصام” وهو يسألهُ :
– أنا عايز اعرف انت عملت إيه بالظبط؟ عشان لو معجبتنيش الطريقة هلغيها فورًا

توقف “عصام” عن إصدار صوت صافرة بفمهُ، ثم زفر أنفاسهُ بسئم وقال :
– قولتلك متقلقش ياأنس، طريقة جديدة وفي نفس الوقت شيك.. هقولك عشان ترتاح، دلوقتي الـ writer ( نادل ) هيقدملها علبة فيها خاتم الـ promise يعني الوعد بالجواز.. في اللحظة دي أنت هتدخل تعمل اللي اتفقنا عليهِ ، وانا اتفقت مع أفنان على كل حاجة متقلقش خالص

_ داخل المطعم..
نظرت “ياسمين” لقائمة الطعام تشمل صفحة المشروبات بتحير، ثم مطت شفتيها بعدم رضا وقالت :
– مفيش هنا اسبريسو، هتشربي إيا يانوڨا بعد الأكل؟

نظرت “أفنان” لخارج المطعم بتوتر، ثم عادت تنظر إليها وقالت :
– أنا هاخد بيبسي أكيد
– مش مصدقة إن بابا سايبنا برا البيت لحد دلوقتي من غير ما يتصل ألف مرة عشان يطمن علينا
– ما السواق معانا ياياسمين

استندت بمرفقها على الطاولة ثم رددت :
– أنا جعانة أوي، هو الأوردر أتأخر كدا ليه؟

لحظة ورأت النادل مُقبلًا عليهم، فـ أفتر ثغرها بإبتسامة متحمسة و :
– أهو الأكل جاي

صفّ النادل الأطباق بتنسيق على الطاولة، ونظراتهُ عالقة على “أفنان” لتفهم إنهُ نفذ مطلبها.. فـ ابتسمت الأخيرة وبدأت في المراقبة، بينما كانت “ياسمين” تنزع الغلاف الفضي عن الشطيرة لتلتهمها.. ولكنها شعرت بشئ غير طبيعي داخل الشطيرة، تنغض جبينها بإستغراب و :

  • إيه دا؟

لتجد نهاية بحثها عُلبة مخملية صغيرة زهرية اللون على شكل تاج صغير.. انفرجت شفتيها غير مصدقة، والصدمة الأكبر اعترتها عندما وجدت هذا الخاتم الباهظ ذا الفص الماسي البراق.. شهقت وهي تكتم شهقتها، لتجد “أنس” يقتحم جلستهم فجأة ويجلس بجوارها تحديدًا.. علقت عليهِ بعينيها ومازالت منفرجة الشفاه، حمحم بتحرج.. ثم قال :
– عجبك؟

انشرح صدرها وهزت رأسها وهي تجيب :
– أوي أوي

فقال بدون مقدمات وقد تعمق النظر لحدقتيها :
– تتـجوزيني ياياسمين

ضحكت بسعادة شديدة وهي تقول :
– آه

ثم نهضت فجأة وجذبتهُ بدون حرج، عانقتهُ وتعلقت برقبتهُ ليضمها أكثر دون اهتمام بالمحيط المملوء بالناس.. بينما وقفت “أفنان” بجوار “عصام” وهي تتطلع لهذا المشهد الذي أسعدها، حينما همس “عصام” بتبرم :
– دا انا حفظتهُ موضوع تعبير قد كدا عشان يقولهُ ومفيش فايدة!.. إيه الدَخله المـيري دي! ؟

تجاوب الجميع معهم بالتصفيق والنظرات، والبعض قام بتصويرهم أيضًا.. ابتعدت “ياسمين” ونظرت للخاتم مرة أخرى، ثم ناولتهُ إياه وقالت :
– لبسني الخاتم

التقطهُ منها وشرع في زرعهُ بأصبع الخنصر اليميني.. ثم أقدم على تقبيل ظهر كفها قُبلة مطولة، وعاد يستقيم في وقفتهُ.. سحب مقعدها لتجلس عليه مرة أخرى ثم جلس الجميع، بينما أشار “عصام” بعينيه عدة مرات لـ “أنس”.. حتى تفهم الأخير و :
– آه صح

فـ أخرج من داخل سترتهُ زهرة حمراء ذات ساق أخضر طويل، وقدمها لها.. فضحكت غير مصدقة ذلك :
– كـمان! مش مصدقة

نظرت لشكل كفها عقب أن تزين بهذا الخاتم الرقيق، ثم ضمت يدها لصدرها ونظرت إليهِ بـ حُب وقالت :
– بحبك

نظر” أنس” لـ أولئك المشاركين في جلستهم.. ثم تنحنح وقال بصوت خفيض :
– بـعدين بقى أرد عليكي الرد المناسب

فضحك الجميع وامتلأت الأجواء بهجة، وبقيت السهرة الطويلة تجمعهم سويًا.. تاركين أي شئ آخر خلفهم.

……………………………………………………………

أنهت الكثير من الأعمال الروتينية اليومية، آخرها وضع “آسر” في فراشهُ وإخضاعهُ للنوم..
جلست بمفردها تقرأ كتاب على الأريكة مرتدية نظارة القراءة، ليدخل “قاسم” الغرفة بدون جلبة.. ثم اقترب منها وهي تشعر بحركتهُ ولكن لم توليهِ إهتمام، حتى جلس ملتصقًا بها وسحب الكتاب من بين يديها وتركهُ جانبًا.. رمقتهُ بإستهجان وهي تسأل بجفاء :
– عايز مني حاجة؟

ثم نظرت في لساعة الحائط وتابعت :
– معاد أدويتك لسه مجاش

ذمّ شفتيهِ وقال :
– متزعليش مني ياحور، أنتي أدرى الناس بالظروف اللي مريت بيها

فعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت :
– فعلًا أدرى، وانا مين يقدر الأيام اللي مريت بيها وانت في غيبوبة وحتى بعد ما فوقت؟

لم يجيب، فقالت :
– محدش، المفروض انا بس اللي أحس.. صح!!

اعتدلت لتنهض عن جلستها، فلحق بها.. أمسك ذراعيها وثبتها أمامهُ وهو يقول :
– عارف، بس محبتش كذبك عليا.. من أمتى وانتي بتداري عني حاجة؟
– الظروف أجبرتني، استنيت تقدرني لكن محصلش

مسح على وجنتها بإبهامهُ وقال :
– مقدرش مقدركيش.. أنتي حياتي ياحورية، نفسي، أنتي أنا

نزع عن وجهها هذه النظارة التي تحجب عنهُ رؤية عينيها، ثم قال :
– خلينا نشيل النضارة دي عشان أشوف عنيكي الأول وبعدين نكمل

ثم قبّل جبهتها وقال :
– سامحيني
– حاضر

وانسلت من بين يديه لتمضي في طريقها.. لتجدهُ يصرخ فجأة وهو يمسك بساقهُ اليسرى، فـ عادت إليه بهلع وهي تسأل بخوف تملكها :
– في إيه، حاسس بإيه؟! .. أتصل بالدكتور ولا آ……….

أنقطع صوتها بين شفتيهِ مع أول قُبلة يلتهمها، لم تقاوم حتى ذراعيهِ اللاتي طوقانها وقُبلاتهُ التي زحفت وزخفت مرورًا بنحرها يمينًا ويسارًا،ووجهها الذي غرق بثمالة شفتيهِ المتعطشتين لها.. حتى أصابها الخـدر، فصارت متجاوبة لرغبتها أيضًا، توقف فجأة، ومقدمة رأسهُ ملتصقة بمقدمة رأسها.. ثم ابتعد، جازف بدون إكتراث لإصابتهُ.. وانحنى ليحملها عن الأرض، فـ نهرتهُ لعدم إهتمامهُ بجرحهُ :
– قـاسم انت لسه آ……
– ششش

ثم غمز لها وقال بعبث وعيناه تتجول على وجهها :
– لسه شباب وفينا صحة متقلقيش

فـ كركرت بضحكة عالية وهي تتشبث بعنقهُ أثناء سيرهُ نحو الفراش و………………………………..
……………………………………………………………..

error: