رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جـديـد ^^

(( الفصل الأول ))

سارت بخطى مستقيمة غير متثنية نحو شرفة غرفتها الرقيقة.. فاقدة للإشتهاء، ورغم كون الأجواء خريفية باردة.. إلا أن صدرها يعج بنيران مستعرة.
وقفت أمام الدرابزون الحديدي تتأمل حديقة البناية الصغيرة التي تقطن بها، كانت تحوي أشكالًا وألوانًا من الزهور والمزروعات التي اهتمت بها بنفسها.. وسط محيط من الكلأ الأخضر اليانع، وأشجارًا تساقطت أوراقها وأصبحت الأغصان يابسة گقلبها..
أحنت كاهلها ونظرت أرضًـا، ثم عادت تدخل حجرتها مرة أخرى عقب أن ضاق صدرها واختنق.. اعتلت فراشها، واحتضنت وسادتها وهي تذكر وداعهُ المؤلم لها..
لم يبوح بمكنونات قلبهُ ولا بمدى تألمهُ لفراقها، ولكن عيناه باحتا وأفاضت، ترقرقت عبرتين من طرفيها لتجد والدتها تلج عليها عقب أن قرعت بهدوء على الباب :

  • ياسمين، إنتي صاحية؟

وقفت عن جلستها وتقدمت منها وهي تردف بصوت متحشرج :
– ماما، أنا مخنوقة أوي أوي

احتوتها ” حور ” بين أحضانها ومسحت على خصلات شعرها الأشقر ثم أردفت :
– أنا عارفه ياحببتي، بس اللي بابا عملهُ كان في مصلحتك انتي وأنس
ياسمين وهي تهز رأسها برفض : لأ ياماما، كان ممكن يعاقبهُ بعقاب تاني غير دا
حور وهي تسحبها معها نحو الفراش : طب تعالي

أجلستها أمامها، ثم مسحت عنها عبراتها وأردفت :
– ياسمين، أنس غلط واتسرع في تصرفهُ
– دا مش معناه بابا يحكم عليه بالنفي

عقدت ” حور ” ما حاجبيها بإستعجاب وهي تكرر :
– نـفي!
ياسمين وهي تشدد على كلمتها قاصدة نفس التعبير : آه نفي، أمال اللي حصل دا أسمهُ إيه؟

تنهدت ” حور ” وتابعت :
– بابا أدرى بمصلحتهُ ومصلحتك، وبعدين أنس هيكمل دراسة بـرا زيك بالظبط
ياسمين وهي تُكتف ساعديها بتبرم شديد : أنس مخلص جامعة من زمان
– ياحببتي هيكمل دراسات، هو التعليم لحد الجامعة بس! .. يلا قومي معايا عشان ننزل نتعشـى سوا

أدارت وجهها للجهة الأخرى وهتفت بإمتعاض :
– ماليش نفس، ومن فضلك متضغطيش عليا عشان مش هنزل

وجدت من الحكمة ألا تضغط عليها حاليًا، وتترك لها مساحة من الحرية..
هي أم تتعامل بإستراتيچيات مختلفة، دارسة لتفاصيل أبنائها وتعي كيفية التعامل مع كُل منهم.
تركتها بمفردها وتحركت لتبرح الحجرة وتهبط لأسفل.

هُــنا..
حيـث منزل ” قاسـم صفـوت رسـلان ” القابع وسط تجمع سكني راقي وهائـل ( كـومباوند ) ، متكون من طابقين متداخلين بخلاف الطابق الأسفل.. ليصبح المجموع ثلاث طوابق، گقصر صغير تم تأسيسهُ ليغطي عائلتهُ.
ترأس ” قاسم ” مائدة الطعام متأهبًا لحضور زوجتهُ وابنتهُ الكبرى ” ياسمين ”..
ولكن گالمتوقع، لم تهبط”ياسمين” عن حجرتها منذ ذهاب ” أنس ” بالأمس..
ولجت ” حور ” لغرفة الطعام وحدها وعلى وجهها تقاسيم الفشل، فأومأ ” قاسم ” رأسه بتفهم وهتف :

  • برضو مش عايزة تاكل
  • البنت مفطورة من العياط من امبارح ياقاسم، يرضيك يعني الحالة اللي هي فيها

انقبضت ملامحهُ وانكمشت المساحة ما بين حاجبيه وهو يردد بلهجة خشنة :
– متهيألي أكلمنا كتير والنتيجة واحدة، ملهوش لزوم نعيد ونزيد في الكلام

جاورتهُ في جلستهُ، ولانت نبرتها وكأنها تستعطفهُ :
– طب شهر شهرين وكلمهُ يرجع

كانت أجابتهُ صارمة لا تقبل نقاش :
– لأ، المرة دي فتح دماغ مدرس وكان هيروح في داهية لولا إني ادخلت وتكفلت بعلاج الراجل وكمان قبل على نفسه تعويض مالي عشان يتنازل عن المحضر، والمرة اللي قبلها حلينا المشكلة في قلب القسم بالعافية بعد ما عجن العيال وعمل لواحد فيهم كسر مضاعف في رجلهُ

ابتسم بإزدراء وتابع :
– عايزاني استنى لما يقتل حد في إيده عشان اتصرف!

أسبلت ” حور ” جفونها ورددت بقلة حيلة :
– المدرس كان بيضايق ياسمين وبيعاكسها، أنس لما عرف مقدرش يمسك أعصابهُ واتهور عليه
– فاكر نفسهُ بلطجي! ميت مرة أقول في حساب أقوى مليون مرة من الضرب بس يشغل دماغهُ، وطالما مشي براسهُ هو ومسمعش كلامي، يبقى هربيه من أول وجديد

ارتفع حاجبي ” حور ” بإندهاش :
– تربيه دا إيه؟ خلاص بقى راجل وتقول هربيه!

ضرب بكفهُ سطح المائدة وزعق بـ :
– مكبـرش على خالهُ

تشنجت تعابير وجهها وظهر صوتها مرتفعًا وهي تقول :
– من الآخر ياقاسم ، هتحكم عليه يفضل سايب البيت لحد أمتى؟

فأجاب بفتور يناقض هياج صدرهُ :
– سنة أتنين عشرة، مش مهم قد إيه
– ياقاسم الغربة وحشة، وانت حدفت الواد في آخر بلاد المسلمين وتقولي عشر سنين! حرام عليك!

لم تتخيل أن يُجيبها بهذه البلادة :
– مش آخر بلاد المسلمين ولا حاجة، سويسرا مش بعيد أوي
– بس آ……

التفت لينظر حيث حدقتي عينيها مباشرة، ثم جأر وهو يقاطعها بـ :
– هنتعشى ولا اسيبك تتعشي لوحدك؟!

تعمقت النظر إليه ثم رددت بخنوع :
– حاضر ياقاسم، سكت

وبرغم من فقدانهُ شهيتهُ إلا إنه أجبر حالهُ على تناول عدة لقيمات وكأنه جائع..
يخفى عنها ثورتهُ ولكنها تشعر به، داخلهُ گالبركان.. بينما وجهه صفحة من جليد..
هو لم يعتاد فراق ” أنس ”، والذي يعتبرهُ بمثابة أبن حقيقي لهُ، ولكنهُ يرى أن لفعلتهُ مردودًا .. ستكلفهُ فعلتهُ شقاء الفراق، ولكنه يود أن يضرب على عظامهُ بيد من حديد، فتـقوى.. ويتنازل عن تهور تصرفاتهُ الهوجاء والطائشة في بعض الأحيان.
………………………………………………………..

_ في هذا الصباح الدافئ، انتهت ” حور ” من ارتداء ثيابها الكلاسيكية استعدادًا للذهاب إلى عملها بالمدرسة ..
فقد أصبحت مُعلمة أولى للغة العربية عقب سنوات الكد والعمل والكفاح.. التقطت حقيبتها وانتقلت نحو غرفة ابنتها ” أفنان ”.. البالغة من العمر ستة عشر ربيعًا، أحتفظت”أفنان ” بأغلب ملامح والدتها حتى أن قاسم كان يحبذ النظر إليها.. الشعر الأسود الناعم والعينان العميقتان، بجانب بشرتها البيضاء وشفتاها المكتنزتين.. وقوام متوسط، عكس أختها ” ياسمين ” ذات الشعر الأشقر والعيون العسلية الفاتحة، بجانب بشرة أكثر بياضًا وشفتين مُحمرتين وكأنهما تلطختا بطلاء الشفاه.
_ فتحت باب الغرفة لتجدها انتهت للتو من ضبّ أغراضها للذهاب إلى المدرسة الثانوية الخاصة، رمقتها بسخط ثم نظرت لساعة اليد وهى تهتف :

  • الساعة بقت سبعة وربع ياأفنان! المفروض سبعة تكوني مخلصة وفي طريقك للمدرسة
  • خلصت يامامتي خلاص، شوفي ياسمين عشان ننزل سوا زمان عم محمد السواق مستنينا

تركتها ” حور ” وانتقلت لغرفة ابنتها الثانية والأكبر ” ياسمين ”.. كانت تجلس بثياب المدرسة الرسمية أمام المنضدة تحاول تضفير خصيلات شعرها، ولكنها في الأخير فشلت گالعادة..
قذفت المشط بتذمر وهتفت :

  • مفيش فايدة برضو

ولجت” حور ” إليها وهي تردد :
– فعلًا مفيش فايدة، أنس كان شايل عني حمل الضفيرة دي
تلوت شفتيها بإستنكار وراحت تردد :
– هو فين أنس دلوقتي!.. هو اللي كان بيعملي الضفيرة كل يوم قبل ماانزل

قامت هي بتضفير شعرها بضفيرة سميكة ذات شكل أنيق، ثم ابتسمت بإعجاب ورفعتها لأعلى حتى ترى ” ياسمين ” إنعكاسها في المرآة :
– أديني خلصتها ياستي، يلا عشان أفنان مستنياكي

سحبت ” ياسمين ” حقيبتها الوردية ثم توجهت للخارج وفي أعقابها ” حور ”.

كان يومًا صاخبًا ملئ بالحكائات في تلك المدرسة التابع لها الفتيات، حيث تم أكتشاف حادثة خطيرة.. ألا وهي محاولة أحد أعضاء هيئة التدريس التحرش لفظيًا وجنسيًا بأحدى زميلاتهُ من المعلمات.. والتي قامت بتشهير الأمر وإبلاغ الجهات المتخصصة بجانب رفع شكوى مهنية ضدهُ..
أصبح الموضوع سيرة للحديث بين فتيات المدرسة اللاتي يعشقن تلك النوعية من القصص للحديث عنها..
أنفردت ” رهف ” برفيقتها الغالية ” ياسمين ” يتبادلان الحديث حول هذه الشائعات الصادقة أثناء فترة الإستراحة، فكان رأي ” رهف ” :

  • يستاهل ألف مرة، مش هنسى أبدًا نظراتهُ الزبالة ليا.. ولا لما فكر يحط إيدهُ عليكي ويقولك كلام زفت من كلامهُ، يارب يعدموه

تلوت شفتي ” ياسمين ” بعدم رضا :
مش هيتعدم ولا حاجة، كام سنة وخلاص
– هو إبن عمتك عرف؟

أطرقت ” ياسمين ” رأسها بتحسر :
– أنس سافر من يومين، بابا حكم عليه يسيب مصر بعد اللي حصل
رهف وقد اتسعت عيناها بعدم تصديق :
– لـيه!
ياسمين وهي تتنهد بقنوط :
– انتي ناسية إنه مسك مستر هاني وعجنهُ ضرب وفتح دماغه بعد ما عرف اللي عملهُ! مستر هاني راح عمل محضر وصمم يسجن أنس.. بس بابا أدخل وحل المشكلة بعد دفع فلوس كتير لمستر هاني عشان يتنازل عن المحضر، ومن بعدها حكم أن أنس يسيب مصر

قرعت الأجراس گتنبيه عن انتهاء فترة الإستراحة التي تتوسط اليوم الدراسي، فتوجهت جميع الفتيات نحو الدرج للصعود حيث الفصول الدراسية، وأثناء ذلك :

  • يعني باباكي عاجبهُ اللي حصل

هزت ” ياسمين ” رأسها بالرفض وهتفت :
– لأ، بابا مش بيسيب حقهُ ومعودنا منسيبش حقنا.. بس معترض على طريقة أنس وبيقول إنه متسرع
– طب وهتعملي إيه؟

أسبلت جفونها وقالت :
– ولا حاجة، أنس بيقدس كلام بابا جدًا ومستحيل يعارضهُ.. لدرجة إنه قفل تليفونه من يومها ومكلمنيش
– لو بيحبك مش هيقدر يبعد كتير، إنما بقى لـو….

وبترت عبارتها هنا، مما جعل ” ياسمين ” تضطرب وتتسائل بتلهف :
– لو إيه! أنا متأكدة إنه بيحبني، بس برضو مش هيكسر كلمة بابا

زاغت أبصارها وهي تختخت لحالها :
– مش معقول ينساني!

……………………………………………………………
جلجلت ضحكة ” قاسم ” وترنح بمقعدهُ بحبور شديد وردد متباهيًا :
– يعني كدا المدرس دا أتحول للتحقيق وتقريبًا مستقبلهُ ضاع

أعتلى رائف المقعد المقابل للمكتب، أثناء حديثهُ :
– المُدرسة اللي اتفقنا معاها عملت اللي أطلب منها بالحرف، وبعد ما استدرجتهُ فضحتهُ في المدرسة والكل صدقها.. وكمان فهمتها مفيش تنازل عن المحضر
– المهم يارائف تكون قبضتها كويس
– متقلقش أديتها اللي عيزاه وزيادة

زادت ابتسامتهُ اتساعًا عقب هذا الخبر السعيد، فقد ثأر لحق ابنتهُ عقب أن حاول أحد أشباه الرجال بالتحرش اللفظي والجسدي بها..
فقام بتلقينهُ درسًا قاسيًا لن ينساه طوال حياتهُ، وحرمهُ من ممارسة المهنة ما حيا..تأديبًا له.
اعتدل ” قاسم ” في وضعيتهُ، وما زادت ملامحهُ إلا إحتدامًا وهو يستطرد :
– عايز الخبر دا ينتشر بسرعة البرق في الجرايد وعلى أكبر مواقع أخبارية، الكل يحكي عن الـ *** دا
رائف وهو يشير بإتجاه عيناه :
– اعتبرهُ حصل

وهنا فقط وجد راحتهُ .
………………………………………………………….
في هذه الأمسية اللطيفة..
غرفة واحدة فسيحة المساحة، جمعت كل أفراد الأسرة عدا ” قاسم ”..
جلستا” ياسمين، أفنان ” تستذكرا دروسهما عقب إنصراف المعلم الخاص الذي يدرس لهن مادة الـ ” اللغة الألمانية ” على حدا، حيث أن ” ياسمين ” تكبر عن ” أفنان بسنة تعليمية واحدة.. بينما جلست ” حور ” لمراجعة بعض المعلومات الدراسية قبيل أن تُدرسها لتلاميذها في الغد.. وبجوارها الصغير ” آسـر ”.. العضو الأصغر في عائلة” قاسم رسلان ”، والبالغ من العمر خمس سنوات ..
وأثناء تلاهي الجميع في شأنهُ، دلف” قاسم ” حاملًا بيدهُ عدد من الصحف التابعة لأكثر من جريدة.. شمل الجميع بنظراتهُ قبل أن يهتف :

  • مساء الخير
  • مساء النور

كانت إجابة جماعية، في حين ركض إليه ” آسر ” وهو يهتف :
– بابا، عايز موبايل جديد.. أشمعنا فنان ” أفنان ”؟

فهمست أفنان بصوت خفيض :
– هو القر دا اللي جايبني ورا!

انحنى” قاسم ” ليمسح على شعر ” آسر ” وردد :
– لما تدخل المدرسة وتجيب درجات عالية زيها هجيبلك

ثم انتصب في وقفتهُ، رفع الصحف في الهواء وقال :
– ياسمين، خدي بصي في دول كدا

نهضت لتلتقطهم منهُ، وأسرعت إليها ” أفنان ” أيضًا والفضول يملأها.. وبمجرد أن فتحت الصحيفة الأولى حتى تفاجئت بهذا الخبر گعنوان رئيسي للعدد القادم.. أنفرجت أساريرها وهي تتطلع على قلب الأحداث..
في حين تسائلت ” حور ” بربية :
– في إيه ياقاسم؟
– بصي ياماما، بصي مستر هاني حصلهُ إيه؟

قرأت ” حور ” سريعًا تفاصيل الخبر، فطافت بسمة صغيرة على ثغرها وهي تردد :
– يستاهل أسخن من كدا كمان

ثم رفعت ” حور ” بصرها الماكر نحو قاسم وتسائلت :
– إنت اللي عملت كدا!؟
فأجاب متباهيًا :
– طبعًا، أمال اسيب حق بنتي يضيع

عبست ” ياسمين ” بوجهها قبل أن تردف :
– طب وأنس؟
تنهد ” قاسم ” قبل أن يجيب بضجر :
– متفكريش في أنس دلوقتي خالص، أنس مش هيرجع مصر دلوقتي ياريت تتعودي على كدا.. انتي في تانية ثانوي دلوقتي ومحتاجة تركيز

ثم ولاها ظهرهُ وانصرف، تقلصت تعابير وجه ” حور ”، وعنفتها على رد فعلها السلبي :
– دا بدل ما تقولي شكرًا يابابا! رجعتلي حقي من الحيوان دا؟ كل اللي همك أنس!.. ماهو هيرجع هيرجع

ثم نهضت لتلحق بـ ” قاسم ” وفي أعقابها ” آسر ” .. بينما جلست ” ياسمين ” تعاتب حالها على عدم انتباهها للأمر، وفكرت في كيفية إصلاحهُ.

…………………………………………………………..
كانت الساعة مبكرة للغاية، تقريبًا السادسة والنصف صباحًا..
لملم ” قاسم ” هذه الملفات عن سطح المكتب وراح يضعها في حقيبتهُ، حيث كان هاجدًا من أجلها طوال الليل ولم ينعم بالنوم.. فرك عينيهِ بإرهاق وقرر أن يصعد للنوم، ولكنهُ وجد الباب ينفتح ولا يوجد من وراءهُ.. أخفض بصرهُ قليلًا فوجد الصغير ” آسر ” يسير بإتجاهه، ابتسم وهو يراه يجتهد كي يصعد أعلى ساقيه بدون مساعدة..
ثم طبع قُبلة على صدغ والدهُ وقال :
– ثباح الخير يابابا

قبلهُ ” قاسم ” وضبط وضعية جلوسهُ وقال :
– صباح الخير ياأسد
– أنا جاي أقولك على حاجة
– أمــمم

تأكد ” قاسم ” أن وجود الصغير أمامهُ الآن بدافع أن ينقل له أحد الأخبار الهامة.. فاستمع له وهو يردد :
– قول إيه اللي حصل، سمعني
– ياسمين عمالة تعيط تعيط، ولما دخلت عليها مسحت عينها وقالت اطلع برا ياآسر.. طردتني

قهقه ” قاسم ” على أسلوب ولدهُ في الأعتراض، ثم سأل :
– زعلان إنها طردتك؟
– لأ عادي، زعلان عشان بتعيط

تضايق ” قاسم ” كثيرًا، ولكنهُ متيقنًا إنها فترة وستمر .. فـ ابنتهُ شديدة التعلق بـ ” أنس ”، كانت لا تفعل شيئًا بدونهُ، وحتى أبسط الأشياء..
أينعت برعايتهُ واهتمامهُ، حتى إنه لم يكن يخشى عليها شيئًا في حال وجودهُ.. عكس الآن، ولكنهُ يرغب في ردع تصرفات” أنس ” الطائشة.. فيعود رجلًا عاقلًا متريسًا في قرارتهُ..
ربت ” قاسم ” على ظهر الصغير وهتف :
– شوية وهتكون كويسة ياآسر

عدة قرعات خافتة على الباب، سمح ” قاسم ” بدخول الطارق.. فظهرت ” ياسمين ” من خلف الباب، ببسمتها الوديعة، هبط ” آسر ” عن ساقي والدهُ وهو يهتف :
– أنا هروح ألبس عشان اروح الحضانة

وخرج تاركًا إياهم..
وقف ” قاسم ” فاتحًا ذراعيهِ لضمها وهو يقول :
– أمـيرة أبوها

أستكانت في أحضانهُ الأبوية الحانية، ثم أردفت بنبرة يشوبها الندم :
– أنا مقصدتش أزعلك مني امبارح يابابا، sorry

مسح على شعرها الطليق الحر ونطق :
– محصلش حاجة ياحبيبتي
– وكمان جيت اشكرك عشان رجعتلي حقي من مستر هاني، بجد شكرًا
– طول ماانا عايش محدش يتجرأ يمسك بكلمة واحدة، ولا انتي ولا اختك.. انتي بنت قاسم رسلان، فاهماني!

أومأت رأسها بصمت.. واستشعرت صدق حديثهُ ووعيدهُ بنفس الآن، هي لها جدارًا من الفولاذ تستند عليه فلا يقوَ أحدهم على كسرها.

……………………………………………………………

عامين متتاليين على هذا الحدث..
مر العام وكأنهُ دهرًا كاملًا، اجتهدت ” ياسمين ” أثناء مرحلة الثانوية العامة حتى أنهتها.. وكان المجموع الكلي لها مشرفًا بحق..
اعتادت على خطابات ” أنس ” التي كان يرسلها من الحين للآخر، مرفقة بأبهظ الهدايا من المدينة الساحرة التي مكث بها طوال عامين ” سويسرا ”، تشجيعًا منهُ لها.
ولكنه تأخر هذه المرة، ظهرت النتيجة وقامت بإختيار رغبات التنسيق أيضًا ولم يرسل لها خطاب تهنئة أو ما شابه.. تعلم إنه بخير عن طريق إتصالاتهُ بـ خالهُ، ولكن لماذا لم يعيرها اهتمامًا!
مضت أيامًا وهي تنتظر أي مراسلة منه ولكن لم يحدث.. حتى أصابها بخيبة أمل.
قررت أن لا تغفر له تأخيرهُ عنها كُل ذلك، وما أن تراه ستبرحهُ بسياط كلماتها الحادة التي يبغضها منها..
استمعت لصخب بالخارج، حتى انفتح باب حجرتها وظهرت منهُ ” أفنان ” وهي تصيح بجأر :
– ياسمينــا، ياسمين.. ألحقي بسرعة

هتفت بسأم وبدون اهتمام لها :
– في إيه ياأفنان؟
– أنس

عقدت ذراعيها بتبرم، واعتقدت بإنه يتصل هاتفيًا.. قالت :
– كلميه انتي، مش هكلمهُ

وثبت ” أفنان ” في الهواء وقد تحمس داخلها وهي تقول :
– لالا، ده جيه تحت.. تعالي بسرعة

واستبقتها للأسفل.. بينما انتفضت ” ياسمين ” من جلستها وقد دبت الحياة بداخلها عقب أن استمعت لهذا الخبر المبهج..
هل آتى حقًا! أم إنها هواجس أمنياتها؟
ركضت للخارج بتحمس شديد، حتى ترضي جوع عيناها برؤيتهُ و…………………………………………

error: