رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جـديد ^^

(( الفصل الثلاثون ))

تفرس أحدهم النظر لملامحها المذعورة بإنتشاء غريب.. ثم أردف بلهجة أشبه للوعيد :

  • أسمعي يابت، لو قعدتي ساكتة وفي حالك هتخرجي من هنا بسلام.. إنما بقى لو غلبتينا معاكي هتزعلي أوي

التصق ظهرها بجدار الحائط وشملتهم بنظرات زائغة.. ثم هزت رأسها برعب بيّن والتزمت الصمت، فـ انصرف ثلاثتهم للخارج وتم إغلاق الباب جيدًا عليها، ورغمًا عنها لم تستطيع أن تمنع نفسها من البكاء.. فهي لا تملك مفاتيح الخلاص لنفسها، ولا تعرف هل سيتم إنقاذها أم ستموت هنا؟
دققت بصرها في المكان من حولها لتشعر بالإشمئزاز، جدران غير مطلية وأرضية غير نظيفة.. بجانب الرائحة التي تدل على إغلاق المكان لفترة طويلة.. حتى إنها ظلت واقفة على قدميها وقت طويل ترفض الجلوس في هذا المكان.

……………………………………………………………

رغم صعوبة الأمر ومقاومة “قاسم” المستميتة، إلا إنهم نجحوا في الأخير.. وتم إخضاعهُ لسلطة المُهدئات المخدرة للأعصاب كي ينام طويلًا ويغيب عن الوعي بعض الوقت لحين إستعادة “ياسمين”.. خرجت” حور” عن غرفتهُ عقب أن اطمئنت على سكون الوضع، وأول ما فعلتهُ هو البحث عن هذا الصغير الذي تسبب في كارثة كادت تقع.. لتجدهُ يختبئ خلف ساقي شقيقتهِ ويستغيث :
– أفــنان ، خبيني من مــامـا

حاولت “أفنان” أن تحميه ولكنها فشلت، حيث انتزعتهُ “حور” بإنفعال وانحنت لتكون قريبة منهُ وهي تعنفهُ :
– مش قولت ألف مرة متنقلش الكلام اللي نسمعهُ، مش قــولــت؟

رمش “آسر” بخوف وهو يبرر :
– آ.. انا آسف ياماما مكنتش اقصد

ضغطت على رسغهِ وقد تشنجت عضلات وجهها وهي تتابع :
– عاجبك كدا لما بابا اتعصب والجرح تعبهُ؟! ، المرة الجاية والله ياآسر لأكون معقباك عقاب كبير جدًا ومن دلوقتي ملكش كلام معايا خالص، انت سامع

ثم دفعتهُ بحركة خفيفة ومضت بإتجاه دورة المياه.. وبقى هو حزينًا منكسًا رأسه لأسفل، جلست “أفنان” بموضع القرفصاء ومسحت على وجههُ برفق وهي تقول :
– متزعلش ياآسر ، ماما مش عيزاك تبقى bad boy ( ولد سئ )

لم يجيبها وظل محتفظًا بحزنهُ، بينما اعتدلت هي في وقفتها عندما رأت “عصام” يتقدم منهم.. وأول ما سألت عنهُ :
– أنس عامل إيه؟

أطرق رأسه آسفًا وأجاب :
– مش كويس، حالتهُ وحشة جدًا.. بس انا حاولت اهديهِ عشان يقدر يتصرف من غير تهور

كانت لمحة الحزن تُغلف عيناها، فخلل أصابعهُ بكفها وضغط عليه بإحتواء وهو يردد :
– متخافيش، كل حاجة هتتصلح وترجع أحسن من الأول

ترددت هل تترك نفسها تنجرف مع هذا التيار الذي يسحبها إليه أم تعود لتصد قربهُ المتعمد منها.. هي تشعر براحة في وجودهُ، وكأنهُ جدارًا حاميًا لها، ولكنها تخشى أن تؤثر عليها قصة عاشتها.. هو فرصة جديدة للحُب، تُرى ستفوز بها أم ستكون خسارة جديدة.

……………………………………………………………

كانت نتيجة المعمل الجنائي واضحة للغاية حين تم فحص ماكينات ومُعدات المصنع التي طالتها نيران الحريق.. حيث أفادت النتيجة بأن ثمة سائل سريع الإشتعال قوي المفعول قد تم سكبهُ بغزارة في كُل أنحاء المصنع.. مما نتج عن ذلك حريق هائل تسبب في خسارة فادحة، نقل “رائف” هذه النتيجة لـ “أنس” كي يكون على علم بما يحدث و :
– أنا تفاهمت مع الشركات اللي كانت هتستلم مننا، كلهم قدروا الموقف وهيصبروا علينا لحد ما نعوض الخسارة دي ونسلمهم شغلهم متأخر شوية

لاحظ “رائف” شرودهُ وعدم الإنصات لهُ.. فقال بنبرة مواسية :
– أنا عارف إن في مصيبة أكبر من كدا فوق دماغنا، بس انا حبيت ابلغك بكل اللي حصل

نظر “أنس” لساعة الحائط، فإذا بها تدق العاشرة والنصف صباحًا.. نهض عن جلستهُ وبدأ يصعد الدرجات وهو يقول :
– أنا هلبس وانزل عشان عندي معاد في الأمن الوطني

لم يستغرق الأمر منهُ سوى بضع دقائق وهبط مرة أخرى متعجلًا لهذه المقابلة الفارقة.. صاحبهُ “رائف” للخارج وهو يسألهُ بإهتمام :
– هتعمل إيه هناك؟
– هقابل رتبة عالية ، خالي قالي إنه هيحل الموضوع من جذورهُ

ابتسم بسخرية مما يعيشهُ؛ ثم استطرد :
– الكلام دا قبل ما ياسمين تتخطف، وملحقتش اتصرف طبعًا

استقل “أنس” سيارتهُ و :
– لما اخلص هكلمك

وشق الطريق لهذا الجهاز الأمني لكي يكون عونًا له في استردادها.. كانت الأجواء هادئة بالداخل، ومع ذلك كان مرتبكًا، كانت الأوامر واضحة بنقل شكوتهُ وتصعيدها لجهاز المخابرات للتقصي عن الأمر وملابساتهُ..
طوال اليوم كان مجتهدًا لتصعيد الأمر ونجح في ذلك، حيث أصبحت قضية العثور على “إستيڨان” وتسليمهُ للسفارة شاغلهم الأكبر.. ومن ثم إيجاد المفقودة وإعادتها للديار سالمة.
……………………………………………………………

الضواحي والشوارع الألمانية ليلًا گقطعة فيروزية فريدة من نوعها.. جولها “عصام” قليلًا لكي تتخلص من طاقتها السلبية، ثم ابتاع لها حلوى مثلجة مذاقها لا تستطيع وصفهُ.. كانت تخشى أن تنهيه من كثرة لذتهُ، نظرت فجأة لتجدهُ انتهى بالفعل.. عبس وجهها وهي تردد بصوت طفولي لا يعود لفتاة بالغة :
– دا خلص!؟

كركر بصوت مرتفع ثم قال :
– ما هو لازم يخلص مش خالد هو يعني

تنهدت “أفنان” بضيق ورددت :
– ممكن تتصل بـ أنس تشوفه عمل إيه؟
– آخر مرة قالي إنه خلص مع المخابرات وهيرجع البيت، متقلقيش

ارتكزت نظراتهُ عليها لحظات.. ثم قال بصوت اخترق قلبها بسهولة :
– انتي ازاي كدا؟

لم تفهم مقصدهُ في البداية :
– مش فاهمة؟

ابتسم ابتسامة عشقتها وهو يردف بصوته العذب :
– يعني ازاي بتكوني حلوة في كل وقت، حتى وانتي زعلانة

اضطربت على الفور وتوهجت بشرتها بسخونة لطيفة، أسرعت خطواتها لتسبقهُ هربًا و :
– إحنا اتأخرنا و….
– خدي هنا

قالها وهو يستوقفها عن السير، وبكلتا يديهِ تمسك بذراعيها وتعمق النظر إليها وهو يقول :
– أنا بـــحـبك

توقفت الأنفاس في هذه اللحظة.. لم تعد تستمع للضجيج من حولها، وكأن الشارع قد أصبح خاويًا في لحظة.. فقط صوت ضربات قلبها المرتفعة، وصوت أنفاسهُ الساخنة.. فحسب.

……………………………………………………………

وصل “أنس” أمام منزلهُ.. ولكنهُ بقى بداخل سيارتهُ يأبى الدخول لهذا المكان بمفردهُ، استند برأسهُ على المقود يفكر فيها.. كيف حالها الآن؟ ماذا تفعل بمفردها بينهم، تأفف بإنزعاج شديد وهو يتضرع للّه قائلًا :
– يارب تكون بخير، يـارب

استمع لصوت رنين هاتفهُ، فبحث عنهُ بتلهف ليجد رقم أحد رجالهُ.. فأجاب عليه مسرعًا و :
– ها عملت إيه؟
– حددنا مكان العربية اللي معانا رقمها ياأنس بيه، واحنا دلوقتي وراها

أدار “أنس” المحرك وهو ينطق بعجالة :
– ابعتلي location بمكانك حالًا

ثم أغلق الهاتف وتركهُ بعدم اهتمام، وقبل أن يتحرك وجد أحد أفراد أمن التجمع السكني يقترب منهُ ويقول :
– أستاذ أنس، في ناس على البوابة جايين لحضرتك واحنا اتصلنا كتير عشان نبلغكم بس محدش بيرد

قطب جبينهُ وهو يسأل بفضول :
– حد مين؟
– منعرفش يافندم رفضوا يقولوا حاجة

قاد سيارتهُ نحو البوابة وعبرها نحو الخارج لتقع عيناه على “سراج”.. ضاقت عيناه بإستغراب وترجل عن السيارة ليتقدم منهُ وهو يسأل :
– نعم ياسراج؟

فكان الجواب مباشر :
– أنا جاي اساعدك، إيدنا في إيدك وهنرجعها

مرر” أنس” للأمام ليرى سيارتين مملؤتين بالرجال في انتظار إشارة واحدة منهُ ليتحركوا.. فغر فمهُ غير مصدقًا وهو يقول بإندهاش :
– والسلمانية عارفين اللي بتعمله دا ياسراج؟

فكانت إجابتهُ صاعقة حقيقية ضربت رأس “أنس” :
– عارفين وكانوا جايين بنفسهم بس الظروف حكمت.. بنتكم بنتنا ياأنس، وانا واخويا على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب

امتعضت ملامح “سراج” وهو يتابع :
– ما بالك بشوية صهاينة و***** ولاد ******، أنا عرفت كل حاجة لما سمعتك بتكلم السكرتير بتاعك في الموبايل آخر مرة

أمتن “أنس” لموقفهُ و :
– شكرًا ياسراج، بس انا هتصرف متشغلش بالك

رفض الآخر بشدة و :
– وربي ما يحصل، يلا امشي وانا وراك

وتركهُ مستقلًا سيارتهُ وفي انتظار حركتهُ كي يتعقب أثرهُ.. لم يرفض “أنس” فهو بحاجة إلى دعم بشري بالفعل لإستعادتها، وبدأ تكاتفهم وتحركهم سويًا لإسترادها و………………
……………………………………………………

error: