رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جـديـد ^^

(( الفصل السادس ))

سرعان ما تحرك ” أنس ” من خلف المكتب عقب أن أدرك ما قيل له، وانتقل لجوار السكرتيرة وهو يسأل بإحتدام بيّن :

  • مين الموظفة دي! أسمهـا إيه؟

السكرتيرة وهي تفرك أصابع كفها بتوتر :
– نهى، قسم العلاقات العامة
– والإشاعة دي وصلت لحد فين؟
– تقريبًا قسم العلاقات كلهُ سمع بالموضوع

ثمة نيران تعالت ألسنتها في صدرهُ غيظًا.. تمنى لو إنه ذهب الآن فأمسك بخصلات شعرها لإجتثائها من جذورها عقابًا رادعًا لفعلتها المشينة، ولكنها إمرأة..
لوهلة تذكر نصائح خالهُ المتكررة بالتفكير بتعقل والتخلي عن التهور، فـ قرر أن يُلقنها درسًا لن تنساه طيلة حياتها.. أسبل بصرهُ للأسفل، وطرد زفيرًا ساخنًا من صدرهُ وهو يردد بلهجة خشنة:

  • طب اسمعي بقى اللي هقولك عليه وتنفيذيه بالحرف دلوقتي
  • أمرك يافندم

……………………………………………………………

صاح ” سلمان ” بأعلى صوت لديه لكي يحضر ” سليم ” في الحال.. عدة لحظات وكان ” سليم ” يلبي النداء مهرولًا على الدرج، وجأر بـ :
– فيه إيه؟
– تعالى شوف ولدك بيخرف بيجول إيه، صحيح من شبه أباه فما ظلم

تأفف ” سراج ” مختنقًا من أسلوب عمهُ، فلم يستطيع منع حالهُ من الحديث :
– عمي، أنا أدرى بمصلحتي

سلمان وقد ضاق صدرهُ بإنزعاج :
– مصلحة إيه اللي مع العيلة النجسة دي!!
سليم وهو يقترب من جلستهم :
– عملت إيه ياسراچ؟
سلمان عقب أن ابتسم بسخرية :
– عايز يتچوز من بيت رسلان، وكأن الدنيا ضـاجت بيه ملجاش غير بت قـاسم! .. كيف ما عملت انت زمان وفتحت على راسنا مصايب چديدة من واد المحروج ده

اتسعت عيناه بذهول وراح يحدج ولدهُ بنظرات مُقيتة، قبل أن يردف بإحتجاج صريح :
– إيه الحديت الماسخ ده ياسراچ! وانت ميته شوفت بتهُ ولا عرفتها

فأجاب بحذر :
– النهاردة، ودخلت راسي مطلعتش منها من الصبح
سليم بنبرة جادة لا تحمل إمكانية النقاش :
– لاه هتطلعها، دي آخر واحدة تتچوزها في الدنيا
– يابا أنا آ….

فقاطعهُ ” سلمان ” وقد احتدم داخلهُ :
– مفيش حديت تاني، مفكر إيه!؟ قاسم هيفتح درعاتهُ وياخدك في باطهُ ويجول يامرحب بيك؟.. ورحمة كل الغاليين اللي خسرتهم السلمانية ماانت متچوزها

وتركهم صاعدًا لغرفتهُ قبيل أن تنفلت أعصابهُ.. بينما رمقهُ والدهُ بإزدراء قبل أن يلحق بشقيقهُ، فأصبح وحيدًا في مكانهُ.. جال بخاطرهُ إنه قد تسرع في الأمر، ربما كان عليه أن يتريث قليلًا قبل أن يفتتح هذا الحديث الخطير ذا العواقب الوخيمة .. حقًا لم يفكر فيما سيقولهُ ” قاسم ” بشأن هذا الأمر، حتمًا ستقوم القيامة باكرًا عن موعدها إن خاطر وحدثهُ.. ولكنهُ انتوى تأجيل تلك الفكرة قليلًا حتى يحين موعد طرحها للجميع من جديد.. فـ لن يسأم أو يستسلم.

……………………………………………………………

كانت مُنكبة على هذا المستند الضخم تعمل عليه.. حينما دلف ” أنس ” للقسم مُتجهم الوجه عاقدًا حاجبيهِ گالمسطرة ذات الخط المستقيم، شمل الجميع بنظرة محتقرة قبل أن يخرج عن صمتهُ بصوت صادح :

  • مين فيكوا نهى؟!

أرتعدت أوصالها، وارتجفت أطرافها وهي تنظر لملامح وجهه الغير مبشرة بالمرة.. وخرج صوتها متلعثمًا ضعيفًا وهي تقول :

  • آ.. أنا!
    أنس وهو يحدجها بنظرات مزدرية :
  • أقفي وانا بكلمك ياآنسه

بدأت الهمهمات تظهر في الوسط، ونظرات زميلاتها في القسم تأكل منها أكلًا.. لملمت شتات نفسها وهي تجبر ساقيها على الصمود لتقف، أجفلت بصرها بحرج شديد.. بينما رفع هو تلك الورقة في الهواء وهو يهتف :

  • إزاي تمضي على ورقة زي دي؟

رفعت بصرها إليه، فلم تستطع رؤية هذه الحروف الصغيرة.. ارتدت نظارتها وتحركت من خلف مكتبها لتكون أقرب إليه.. دققت النظر فيما هو مكتوب بالورقة، رمشت بعيناها أكثر من مرة وزادت ضربات قلبها وهي تقول :

  • مش انا، قصدي مش عارفه إزاي دا حصل

أنس وقد ارتفع حاجبيه بإستنكار :
– يعني إيه مش عارفه؟

وفجأة صاح بها لترتجف أكثر :
– يعنــي إيـــه ؟!

الصدمة التي غلفت عقلها منعتها من القدرة على الدفاع عن نفسها.. وظل الصمت مسيطرًا عليها لا تدري ماذا يقال في ظل هذه الكارثة التي وقعت، بينما تابع هو وقد اهتزت عضلات وجهه من فرط العصبية :
– أنتي خسرتي المجموعة ٢ مليون جنيه! غلطة زي دي أتصرف فيها إزاي؟

كادت تذرف دموعًا على أثر هذا الموقف السخيف الذي حشرها به، ولكنها تماسكت وهي تحاول التفوه بـ :
– والله يافندم آ…..

أشار ” أنس ” لزميلاتها الجالسة على المكتب المقابل وهو يأمرها بـ :
– ناديلي على مسؤل الشئون القانونية

تحركت ” سامية ” وهي تردد :
– حاضر يافندم

خرجت ” سامية ” وهي تقضم شفتيها السفلى قائلة بتهامس :
– هو ازاي يعمل معاها كدا؟ معقول عايز يخلع منها بعد ما عشمها!

تابعت ” نهى ” ما يحدث بنظرات زائغة، وما أن تأكدت من وجود شيئًا ما سيبصيبها قالت :
– يافندم أنا والله….

قاطعها بحزم :
– شـشـش، أنتي تخرسي خالص

ثم نظر للجميع ليجد النظرات منصبة عليه، فصاح بهم :
– كـلـوا يبص في شغلــه، احنا مش فاتحين مؤسسة خيرية!

دقيقتين تقريبًا وحضر المسؤول عن الشئون القانونية ليكون بين يديه، أخفض رأسهُ بتهذيب وهو يردد :
– أوامرك يامستر أنس
– الأستاذة تتحول للتحقيق، وحسابها يتصفى مش عايز أشوف وشها مرة تانية هنا

شهقت بذعر غير مصدقة هذا العقاب القاسي الذي أمر به عليها.. أنقبض قلبها وبدأت سخونة متوهجة تتسرب لبشرتها التي احمرت بتأثير ما يحدث، بينما انصرف هو وتركها تغرق في دموعها التي انسالت خيوط متواصلة لتغمر وجهها..
تجمع زملائها في القسم حولها لمواستها في هذه الكارثة التي ستضاف لملفها الشخصي، كادت تسقط فاقدة وعيها إلا أنهم أجلسوها .. أجهشت ببكاء مسموع وهي تقول بتحشرج :

  • والله ما عارفه حصل ازاي، والله مااعرف

سامية وهي تمسح على ظهرها بتعاطف :
– أهدي يانهى، مش عارفه ازاي يتصرف بالطريقة دي معاكي وكمان قدامنا

حضرت السكرتيرة الخاصة بمكتب ” قاسم ” لتقطع حديث الجميع بقولها :
– آنسه نهى، ممكن تيجي معايا دقيقة
نهى وهي تنزح عبراتها :
– في حاجة تاني يامس أماني؟
– مفيش، عايزاكي في كلمتين بس

تحاملت ” نهى ” على نفسها ونهضت لتخرج معها خارج القسم برمتهُ.. وتوجهت بها نحو المصعد، مسحت ” نهى ” مخاط أنفها بالمنديل الورقي ثم استطردت :
– رايحين فين يامس أماني

فأجابت بإقتضاب :
– مستر أنس عايزك

انتفض قلبها بمجرد سماع أسمهُ، وفطنت إنه سيستكمل مسيرة إهانتها وتوبيخها عقب أن شعر بعدم الإكتفاء مما قام به..
كانت أشد اللحظات صعوبة هي تلك التي كانت تقترب فيها من غرفة مكتبهُ، وما أن عبرت تلك العتبة الجرانيتية حتى تثلجت قدماها وكأنها تثبتت على الأرضية.. نهض ” أنس ” عن جلستهُ وراح يتقدم منها بفتور، رمشت بعيناها أكثر من مرة وهي تهتف :

  • والله والله ما عملت حاجة، في حاجة غلط و….
  • عارف

تخفزت حواسها، ظنت إنه اكتشف الثغرة الموجودة وقام بعلاجها وتيقن من برائتها.. ولكنه كان يكنّ لها الأسوأ، فقد أظلمت نظراتهُ وهو يلقي على مسامعها سؤالهُ :

  • أنا ليا علاقة شخصية بيكي انتي؟ أمتى وازاي وفين؟

تجمد عقلها فلم يعد بمقدورها التفكير، وظل الصمت مخيمًا عليها، بينما تابع هو بلهجة أشد قسوة :
– ردي، أنا عمري عرفتـك قبل كدا؟

فأسرعت بالإجابة :
– لأ

ضاقت نظراتهُ بغضب دفين وسأل :
– أمال كدبتي ليـه؟ نشرتي إشاعات تخصني ليه؟

لم تجيب.. فـ ابتعد للخلف وهو يتوعدها بـ :
– أنا هوديكي في ستين داهية، مفيش ولا شركة هتقبل تشغلك بعد ما تخرجي من هنا

شحذت تعاطفهُ وتوسلتهُ قائلة :
– أرجوك يامستر أنس، أنا أسفة والله وهصلح الغلطة دي.. لو عايزني أسيب الشركة هسيبها بس بلاش الفضايح دي، أنا كدا مش هعرف ألاقي شغل تاني
– ولما انتي عارفه إنها فضـايح، بتكذبي لـيه من الأول!

أرتعشت أصابعها وتناثرت حبات العرق على جبينها وهي تقول :
– مكنتش في وعيي، أرجوك تسيبني أمشي بهدوء

لم يكن بقادر على إذلالها أكثر من ذلك، فقد بدت حالتها مثيرة للشفقة بـ حد كبير.. رمقها بإستحقار ثم أردف :
– هتصلحي كل الكلام اللي قولتيهِ، وتاخدي حسابك وتمشي من هنا فورًا

هزت رأسها بهيستريا قائلة :
– آ… حاضر حاضر.. عن أذنك

وبرحت مكانها غير مصدقة إنه حقًا صفح عنها وتركها تغادر شركتهُ دون أن يقحمها في المشكلات جراء فعلتها.. لو سجدت للّه شكرًا لـ كان قليلًا عقب أن نجحت في التخلص من هذا العبء الذي أقتحم كاهلها.
بينما جلس هو في مقعدهُ مرتاحًا عقب أن تخلص من هذه الشائعة بدبلوماسية شديدة قبيل أن تتطور وتصل أصدائها لمكان لا يحبذ أن تصل إليهِ، فقد نفعتهُ نصائح خالهُ وتيقن من وجوب استخدام عقلهُ قبل قوتهُ الجسمانية.
……………………………………………………………

انتهت ” أفنان ” من سكب مشروب الشاي الأخضر خاصتها وخاصة والدها.. جلست قبالتهُ عقب أن قدمتهُ له، ليقول ” قاسم ” بتباهي :
– أنتي الوحيدة اللي بتشربي من الشاي ده معايا، أمك بتكره ريحتهُ كره العمى

ابتسمت ” أفنان ” وهي تردد :
– ماانا بنت قاسم، طبيعي يعني أطلعلهُ في حاجة واحدة على الأقل

هذه البسمة التي أبرزت وغزتيها الجذابتين ذكرتهُ كثيرًا ببسمة والدتها.. أخفض بصرهُ وهو يستذكر متى تضحك هذه الضحكة تحديدًا، أجل إنها البسمة التي يجدها أمامهُ عقب إطراءهُ لها.. وما لبث أن وضع طرف الكوب على فمهُ حتى وجد النسخة الأصلية تحضر لمجلسهم وتضع أصابع كفها على كتفهُ، فـ التفت برأسهُ وهو يقول :

  • لسه كنت هسأل عليكي
  • من القلب للقلب رسول

جلست بجوارهُ بـ حبور أعلى هذا المحيط المغلف بالكلأ والحشائش الصغيرة.. تنهدت قبل أن تهتف :
– ياسمين قافلة على نفسها مش راضية تقولي حصل إيه، قولت أكيد انت مش هتخبي عني حاجة

حافظ على ثبات تقاسيم وجهه وهو يهتف :
– مفيش حاجة حصلت، انا بس اديتها كلمتين عشان خرجت قبل ما تبلغني

تعمقت ” حور ” في نظراتها له، فلاحظت هروبهُ المتكرر من مجابهة عيناها اللاتي تأسرانهُ.. فتفهمت إنه لن يبوح بشئ مهما افتلعت، فـ أظهرت عدم اهتمامها بالأمر :

  • أوكي، مش لازم تقولي

استدارت رأسها لتجد ابنتها ” أفنان ” محدقة بها، فتنغض جبينها بتعجب وهي تسأل :
– بتبصيلي كدا ليه ياأفنان؟
– بصراحة مشوفتش زوجين متفاهمين زيك انتي وبابا، دايمًا بسمع عن مشاكل ودايمًا في خناقات.. إلا بيتنا

ترك ” قاسم ” كوب الشاي خاصتهُ وهو يهتف :
– دا عشان أمك ست متتعوضش، الوحيدة اللي فهماني ومعاها كل مفاتيحي.. منكرش إنها تعبتني جدًا عشان توصل للمرحلة اللي انتي شيفاها دي، لكن أي حاجة معاها تستاهل التعب

رمقتهُ بإحتجاج وهي تردد :
– دا أنا اللي تعبتك؟ تقريبًا مش واخد بالك إن انت اللي طلعت عيني عشان نقدر نتعامل مع بعض أصلًا

فقاطعتهم ” أفنان ” بفضول شديد :
– صحيح انتوا اتقابلتوا ازاي ياماما؟

نظرت ” حور ” من طرفها لـ ” قاسم ”، ثم قالت :
– صدفة
قاسم :
– صدفة غيرت كل حاجة

استمعت” أفنان ” لصوت رنين هاتفها، فأمسكت به قبل أن تنهض و :
– عن أذنكم

انصرفت بعيدًا عنهم لتجيب على هذا الإتصال الهاتفي، فنظرت ” حور ” بإستنكار لزوجها وهتفت بنبرة مشاكسة :
– مرضيتش أقول إنك خطفتني

طفت بسمة خفيفة برزت من أسفل لحيتهُ وهو يقول :
– متأكدة إن أنا اللي خطفتك؟
مش يمكن انتي اللي بدأتي وخطفتيني!

إجابة جعلت الكلمات تفّـر من أعلى لسانها، جعلت الذكريات القديمة تداهمها وكأنها عروس جديدة تتباهى بزيجتها.. لا تعرف ما السبب الذي دفعها لفعل ذلك، ولكنهُ نبع من داخلها.. نهضت عن جلستها وراحت تُقبل رأسهُ، مسحت على خصلات شعرهُ وهمست :
– مش مهم البداية كانت فين، المهم إنك معايا دلوقتي

قُبلتهُ طُبعت على ناصيتها، ثم أقتادها لداخل القصر وهو يقول :
– تعالي وأنا هفهمك البداية كانت فين

كركرت بصوت خفيض وهي تسير بجوارهُ، منسجمة بهذه البرودة التي تسللت لقدميها أثر ملامسة كاحلها للعشب.
………………………………………………………..
مـرّ يومًا وهذا الثاني.. كان ” أنس ” متأهبًا للذهاب إلى العقار الذي تقطن به ” رهف ” لإصطحابها إلى محل المزرعة، حيث حفل عيد الميلاد بـ الغدّ..
ظل ” أنس ” جالسًا بسيارتهُ قرابة النصف ساعة منتظرًا حضورها حتى نفذ صبرهُ، فـ اتصل بـ ” ياسمين ” للمرة العاشرة وهو يصيح :

  • البتاعة دي هتنزل أمتى أنا زهقت!
  • معلش يابيبي والله زمانها نازلة

تنغض جبينهُ بإستغراب وهو يردد :
– بـ.. إيه؟ بيبي! إيه بيبي دي

عضت على شفتيها بحرج ثم قالت بدلال :
– بدلعك ياحبيبي
أشتط داخلهُ وهتف :
– أقفلي وروحي خدي شاور ساقع، جو المزرعة لحس دماغك.. سلام

ثم أغلق الهاتف، ليجد فتاه يبدو عليها إنها عشرينية العمر، أو قاربت على اكتمال العشرين ربيعًا.. تأمل ملابسها القصيرة التي لم تروق له البتة، ثم تنهد بإنفعال وهو يترجل عن سيارتهُ.. نظر لحقيبتها الكبيرتين اللاتي تجرّهن خلفها من أسفل نظارتهُ، وما أن اقتربت حتى تسائل بإقتضاب :
– هو في حد قالك إن دي رحلة؟ هما يومين بس

رفعت نظارتها لأعلى وهي تتأمل ملامح وجههُ الوسيمة رغم الغضب الذي يكسوها.. ثم هبطت بنظرها على تفاصيل جسدهُ الرياضي، تعرف على نظراتها على الفور.. فصاح بها :

  • أركبي ياآنسـه، عجباكي الشمس ولا إيه؟
  • أحم، طب مش هتحط الشنط في العربية؟

تهكم عليها بقولهُ :
– سلامة دراعك مشلولة ولا إيه؟.. هفتحلك الشنطة وانتي حطيهم

عاد يستقل مقعدهُ خلف المقود وهو يلعن بداخلهُ هذا اليوم الذي بدأهُ بها.. راقب حركاتها المتثنية في المرآه الأمامية، فـ تجهم وجهه أكثر.. هو يعلم تلك النوعية من الفتيات وكيف يعاملهن، المانع الوحيد الذي يحمي مثيلتها من لسانهُ السليط هو ” ياسمين ” فلا يرغب في إحزانها..
أغلقت ” رهف ” مؤخرة السيارة وراحت تدنو من المقعد الأمامي بجوارهُ، ولكنها وجدتهُ يضع حقيبتهُ الشخصية ليمنعها من مجاورتهُ في الجلوس.. وأتمم ذلك بقولهُ :
– أركبي ورا

صفعت باب السيارة بضيق شديد، واتخذت محلها في الجلوس بالخلف.. كانت تختلس نظرات من أسفل نظارتها إليه، متمنية أن يتحدث معها كلمة واحدة.. ولكنه لم يفعل، فـ بدأت هي بالحديث :
– ياسمين كانت بتحكيلي عنك كتير أوي، بس مكنتش متخيلة ان عندها حق بصراحة

تجاهلها وكأن ذرة من الغبار مرت من أمام أنفهُ وذهبت.. ذمّت شفتيها بحنق وعادت تستطرد :
– شكلك سرحان ومش سامعني، صح؟

ضغط على المكابح لكي تزداد سرعة سيارتهُ، فـ أصبح يطير على الأسفلت.. اضطرب داخلها خوفًا وهي تراه يتسارع مع السيارات وعربات النقل الضخمة على الطريق.. وفجأة صاحت به :

  • ممكن تهدي السرعة

لم يهتم بشأنها، فـ صاحت بنبرة أعلى تكاد تشبه الصراخ :
– هدي الســرعة انا خايفة!

وفجأة خرج عن صمتهُ وهو يصيح :
– هتبطلي رغي عشان وجعتي دماغي ولا لأ؟

فقالت والخوف مسيطرًا عليها :
– حاضر حـاضر

رويدًا رويدًا هدأت سرعة السيارة.. فـ ارتاح داخلها قليلًا والتزمت الصمت ما بقى من الطريق، على صخب رنين هاتفها.. فـ أجابت بصوت متمايع قليلًا :

  • أيوة يابيبـي، عاملة إيه وحشـاني جدًا

تقوست شفتي ” أنس ” بإزدراء وهو يهمس بين خلجات نفسهُ :
– بيبي! أنا عرفت دلوقتي مين بيلعب في دماغ ياسمين .. بس اصبري عليا دا انا هروقك في اليومين دول

عدة خطط يعدها من أجل التخلص من هذه الفتاه التي مقتها منذ النظرة الأولى، فـ أراد أن ينتشلها من طريقهُ.. و تقريبًا توصل للطريقة المثلى لذلك.

وصل أخيرًا للمزرعة.. ترجل عن سيارتهُ وترك مفاتيحها للحارس وهو يأمرهُ بـ :
– حط العربية في الجراچ وساعد الآنسة تطلع الشنط بتاعتها

وتركها متوجهًا للداخل، واجه ” حور ” في طريقه بداخل القصر.. فـ :

  • أزيك ياحور
  • الحمد لله بخير ياحبيبي، وانت؟
  • كويس

نظر حولهُ قبل أن يهتف :
– عايزك في موضوع كدا بس مش هنا

تنغض جبينها بفضول وهي تسأل :
– في حاجة ولا إيه؟

نظر بإتجاه المطبخ و :
– تعالي ندخل المطبخ

أقتادها نحو المطبخ، أستأذن الخادم بالإنصراف.. ثم أخرج هاتفهُ وعبث به قليلًا وهي تقف ملتاعة من الإنتظار.. حتى ناولها الهاتف وهو يردد :
– بصي كدا، دا الشريك الأجنبي اللي داخل معانا مشروع الأغذية المعلبة

أومأت برأسها بتفهم وهي تقول :
– خالك كلمني عن المشروع دا وقالي إنه مهم جدًا بالنسباله، بس مش فاهمة بتوريني صورتهُ ليه
– عشان عايزك تحضري عشاء العمل بعد ٩ أيام من دلوقتي

تقلص وجهها وهي تهز رأسها برفض قائلة :
– المقابلات دي تقيلة على قلبي أوي ياأنس مش بـ استلطفها

عاد يعبث في هاتفهُ مرة أخرى وهو يردد :
– بس مرات الشريك هتكون موجودة

فعادت تقول بعدم إكتراث:
– إيه المشكلة؟
– بصي وانتي تفهميني

نظرت ” حور ” لتلك الصورة التي تحمل فتاه في عنفوان شبابها، جمالها فتنة للناظرين.. حتى إنها فُتنت.. عينان زرقاوتين گشاطئ جزيرة ساحلية، وخصلات شعر طويل مُصفر گخيوط الحرير الصافي.. بشرتها شديدة البياض، قوامها كما ينبغي أن يكون، گعارضة أزياء لن تراها سوى في مجلات المشاهير..
تناست ” حور ” أن تسأل من تلك الفاتنة :
– مين دي؟

فقال بترقب :
– مرات الشريك، اللي هتحضر عشاء العمل
– إيـــــه………………………….

 

error: