رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جديد ^^

(( الفـصل السـابع عشـر ))

التفت برأسها يمينًا ويسارًا لا تستطيع التفكير بشئ حاليًا.. المسيطر على ذهنها هو التوتر الذي اعتراها جراء هذا الصوت، وإذ فجأة.. يظهر “آسر” وهو يزحف من أسفل فراشها، فـ التقطت أنفاسها أخيرًا وهي تردد بذعر جلي :
– حرام عليك ياآسر خضيتني

ثم طردت زفيرًا مختنقًا أعقبتهُ بـ :
– أنت بتعمل إيه ياولد تحت السرير؟

مضى نحوها وهو ينطق بصوت طفولي برئ :
– استخبيت لما أنس قال إنكوا جايين عشان خوفت انام لوحدي

وقف جوارها بقصر طولهُ وهو يقول :
– هو بابا زعقلك كدا ليه ياماما.. أول مرة يزعق ليكي!؟

تنهدت “حور” وهي تنحني بجسدها عليه، ثم مسحت على بشرتهُ بلطف وقالت :
– عشان مسمعتش كلامهُ

ارتفع حاجبي الصغير بعدم تصديق وهو يردد :
– حتى انتي بابا بيزعقلك هو مش سايب حد فينا خالص

أمسك بكفها وسحبها معهُ نحو الأريكة التي تحتل جانب الحجرة اليميني، وقال أثناء ذلك :
– متزعليش ياماما، أنا هنام معاكي النهاردة مش هسيبك متقلقيش

قهقهت بضحكات من صميم قلبها وهي تحملهُ ليجلس في أحضانها.. وأغرقتهُ تقبيلًا حتى اكتفت، ضمتهُ إليها وقد تناست بعض من التوتر الذي عايشتهُ اليوم، فـرائحتهُ كافية لتنعش قلبها.. اصطحبتهُ للفراش كي يشاركها النوم في هذه الليلة الطويلة المملة، ولكنها لم تحظى بنوم مريح وهادئ.. فـ عقلها لم يتوقف عن التفكير حتى في أثناء غفوتها التي اختطفتها من ساعات الليل.
……………………………………………………………

الحقيقة إنهُ لم يكن عقابًا فرديًا لها فحسب، وإنما عقابًا أكبر لهُ.. فقد غاب عنهُ النوم في تلك الليلة وقضى ساعاتهُ يتحرك ما بين الأريكة والمقعد محاولًا النوم لبعض الوقت، ولكنهُ لم يستطع.. حتى غلبهُ النعاس وتفوق عليهِ.

وغفى جالسًا على الأريكة.. ساعات قليلة وأشرقت شمس صيفية جديدة، انتشرت أشعتها في الغرفة لتوقظهُ.. تمطأ بجسدهُ ليصدر عنهُ طقطقات عالية آلمتهُ قليلًا، ثم وقف متصلبًا وهو ينظر لحالهُ.. تأفف بضجر عندما تذكر إنهُ نام بثيابهُ.. ثم خرج من غرفة المكتب منتقلًا لغرفة الصغير آسر.. تفاجأ بعدم وجودهُ في حجرتهُ، بجانب نظافة الفراش وترتيبهُ والتي لا توحي بإنهُ قضى الليل عليهِ.. جنّ جنونهُ وهو يبحث عنهُ في الغرف الأخرى ولدى شقيقاتهُ، ولكنهُ لم يكن موجودًا.. فوقف بمنتصف الرواق وهو يصيح في جميعهم بصوت مرتفع أفزعهم :

  • يعني إيــه؟ الأرض أتشقت وبلعتهُ!

توترت “ياسمين” وهي تنظر حيال أختها، ثم رددت :
– والله ما شوفتهُ من امبارح يابابا

فركت “أفنان” كفيها وهي مطرقة رأسها بخوف وعقبت بـ :
– ولا انا شوفتهُ

نفض “أنس” شعر رأسهُ المبعثر وقال وهو يغالب النوم المسيطر على عينيهِ :
– طب ما يمكن مع طنط حور ولا حاجة ياخالي!
– لأ مستحيل يكون عندها، أنا آ……

بتر كلمتهُ فجأة، وتدحرجت كلمات أنس بعقلهُ هنيهه قبل أن ينطق بحزم :
– كل واحد على أوضتهُ حـالًا

فتحرك الجميع من أمامهُ قبل أن يطيح بهم جميعًا، في حين سلك هو الطريق المعاكس منتقلًا نحو غرفتهُ.. أخرج المفتاح من جيب سروالهُ ثم فتح الباب ليتفاجئ بنوم “آسر” بين ذراعي والدتهُ على الفراش.. امتعض وجهه وضاقت نظراتهُ بحدة بينّة، فقد عانى ويلات النوم بالأمس والآن هي تنعم بالفراش بجوار فلذة كبدها الصغير.. صفق الباب بعنف ليدوي صوتهُ، وتتحرك “حور” حركة منفعلة على أثر فزعها من هذا الصوت.. فتحت عيناها لتجدهُ واقفًا گلوح من الثلج المجمد، رمشت عدة مرات وهي تستقيم في جلستها.. ثم قالت بصوت ناعس :
– في إيه على الصبح تاني ياقاسم، مش حبستني بالليل وكأني حيوانة عندك؟ جاي دلوقتي عايز إيه؟

أشار بعينيهِ نحو الصغير وتسائل بحزم :
– الواد دا دخل إزاي هنا وانا قافل الباب بنفسي!

تنهدت بحنق ثم أردفت :
– كان مستخبي هنا قبل ما نيجي، إبقى حاسبهُ بعدين مش معقول هتصحيهِ من النوم يعني!

لم يكترث لحديثها، وتقدم نحو خزانة ملابسهُ ينتقي ثيابًا نظيفة.. ثم توجه للمرحاض والعبوس يكسو وجههُ، في حين تابعت هي نومها المتقطع بدون اهتمام بهِ كما اعتادت كل صباح.. لم تهتم بثيابهِ ومشروبهُ الصباحي وسوارهُ النحاسي وساعتهُ الفضية.. لم تهتم بأي شئ، وقد اعتبرت نفسها بداخل حلقة العقاب.. في حين لاحظ هو الفرق ما بين إهتمامهُ بنفسهُ واهتمام زوجتهُ بهِ، بحث عن ساعاتهُ لم يجد أي منهم، حتي رابطة العنق الرمادية لم يجدها.. وجواربهُ القاتمة لا يدري أين مكانها، سئم حالة البحث التي استمر فيها منذ الصباح، فـ صاح بصوت أفزع الصغير وجعلهُ ينتفض من نومتهُ :

  • فـــين الشـرابات!

فـ تنحنحت ليصدر صوتها عنها :
– في الدرج التالت على الشمال في الحمام

فسأل مرة أخرى بصوت أعلى :
– والســاعات بتاعتي فين ياهـانم؟

ابتسمت بسخرية وهي ترد بـ :
– ومن أمتى بشيل الساعات في الحمام!

نهضت عن نومتها وأخرجت لهُ اثنتين منها، ثم وضعتهم على سطح منضدة الزينة وقالت :
– في اتنين أهم على التسريحة خد منهم، ومتزعقش عشان الولد نايم

نظرت بإتجاه صغيرها، فوجدتهُ يغالب رغبتهُ في الإستيقاظ.. مددت جوارهُ وداعبت خصلات شعرهُ حتى غفى مرة أخرى، بينما خرج “قاسم” عن المرحاض مرتديًا ثيابهُ كاملة عدا الحذاء.. واتجه نحو الباب بدون أن ينبث كلمة، حتى إنهُ لم يرتدي ساعة يدهُ لأول مرة منذ سنوات طويلة.. ابتسمت “حور” من زواية فمها وهمست :
– محدش في البيت دا يسوى حاجة من غيري! ولا حتى انت ياقاسم

ثم عادت تتخذ وضعيتها في النوم من جديد، وقد قررت إتباع خطوات “الزوجة النكدية الأصيلة “.

……………………………………………………………

تأنقت “ياسمين” على غير عادتها.. وعندما عجزت عن تضفير شعرها الطويل، عقصتهُ لأعلى في شكل كعكة، وتركت بعض القصقوصات تتدلى على نحرها الجانبي ورقبتها الخلفية، وأثناء الإهتمام بوضع طبقة من الدهان الواقي من حرارة الشمس.. ولج إليها “أنس” وهو ينطق بـ :
– ياسمين، مشوفتيش خالي؟

فأجابت ومازالت عيناها على إنعكاسها بالمرآه :
– لأ، بس شكلهُ خرج بدري

التفتت لتواجه نظراتهُ، فإذ بالأعجاب يظهر في بؤبؤيهِ اللامعين بوميضًا غريبًا جراء تأثيرها الطاغي عليه.. ابتسم بتفاؤل، وقبل أن يلقي على مسامعها إطراءًا لمح ما بقى من باقة زهور الأمس على سطح الكومود المجاور لفراشها، فتحولت نظراتهُ لأخرى محتدمة وقد اختفت البسمة عن شفتيهِ.. وأشار نحوهُ أثناء القول :
– إيه اللي جاب الزفت دا هنا؟ مش انا قطعتهُ امبارح؟

نظرت حيث يشير، ثم قالت :
– انا أخدت الورد السليم بس عشان عجبني

فـ انتقل بخطوات واسعة متهجمة نحو تلك الباقة المبعثرة ولملم ما تبقى منها، وانتقل للخارج وهو يردد :

  • والله ما هيقعد في البيت دقيقة واحدة عشان ترتاحي

كبحت ضحكاتها حتى غادر الغرفة، ثم انفجرت ضاحكة على مشهدهُ.. وبصوت منخفض تمتمت :
– هو انت لسه شوفت حاجة؟

نفذ القسم الذي أقسمهُ منذ لحظات، وقام بالتخلص من تلك الورود عن طريق إلقائها في صندوق النفايات الموجود بجوار بوابة المنزل الخارجية، أثناء ذلك حضر “عصام” بسيارتهُ أمام المنزل ولمح الباقة قبل أن تنضم للمهملات.. تنحنح بإستمتاع وهو يردد :
– شكل الورد عمل شغل عالي أوي

ثم ترجل عن سيارتهُ واقترب منهُ وهو يقول :
– Güten tag (صباح الخير)

عقد “أنس” حاجبيهِ بعدم فهم، بينما بادر “عصام” قائلًا :
– صباح الخير
– صباح النور

انتقل اثنتاهم نحو الداخل أثناء الحديث.. في نفس اللحظة التي كانت “ياسمين” تخطو أولى خطواتها لخارج محيط المنزل..
“عصام” :
– أنا مستعد نشوف المكتب اللي قولتلي عليهِ قبل كدا، ولو معجبنيش نشوف غيرهُ

“أنس” :
– أنا متأكد إنه هيعجبك، وكمان موقعهُ ممتاز بالنسبة لمكتب سياحة
– صـباح الخير

قالتها “ياسمين” وهي تنضم لوقفتهم، استدار “أنس” ليراها.. بينما أسرع “عصام” بمصافحتها بشكل حميمي زائد :
– صباح الياسمين، عاملة إيه النهاردة

فأجابت بلطف :
– كويسة وانت؟

فأبتسم وقال :
– أنا بقيت أحسن

تنحنح “أنس” بخشونة وهو يبعد بكفيهم عن بعضهما البعض، ثم سألها بصرامة وهو ينظر لثيابها الأنيقة :
– خير رايحة على فين؟

اعتراها الذهول وهي تجيب :
– أنت ناسي إننا رايحين نشتري حجات للجامعة بتاعتي؟

نظر في ساعة يدهُ بعدم إكتراث، ثم قال :
– نسيت فعلًا، بس النهاردة صعب جدًا ورايا حجات كتير و….

فتدخل “عصام” على الفور وهو يعرض رغبتهُ الشديدة في مرافقتها :
– أنا ممكن أوديكي ونروح سوا لو تحبي

“أنس” وهو يلحق بالأمر قبيل أن يتطور :
– آآ… لالا متتعبش نفسك ياعصام، أنا هخلص كام حاجة كدا واعدي اخدها

“عصام” وهو يتعمد إثارة غيرتهُ :
– يابني أنا وانت واحد مفيهاش حاجة لما انا أوديها

فـ حزم قولهُ وقد بدأ الغضب يتمكن من نبرتهُ :
– لأ مش واحد، قصدي ملهوش لزوم تعبك

ثم نظر حيالها وقال :
– اتفضلي انتي اطلعي دلوقتي وانا لما اخلص هكلمك.. سلام

ثم سحب “عصام” فجأة لئلا يصافحها أو يحادثها من جديد.. وانطلق للخارج وهو يردد :
– دلوقتي هنروح المكتب نشوفهُ وبعدين انا هطلع على الشركة وانت تعدي على نينة تطمن عليها
– طب يابني نشوف حاجة البنت اللي محتجاها الأول و ……

فـ صاح بهِ “أنس” :
– ياعم انا هتصرف شاغل بالك ليـه، أمشي بقى وخلي اليوم يعدي احسن الدنيا اتقفلت في وشي

فضّل “عصام” ألا يضغط عليهِ أكثر من ذلك، فقد وصل لذروة عصبيتهُ والتي لم يصل إليها أمامهُ من قبل.. ومضى معهُ بصمت ملاحظًا تغييرًا جذريًا بهِ، ولكنهُ لم يبالي، فهذا مقصدهُ من البداية.
……………………………………………………………

كان الوقت على مشارف الغروب، عندما كان “سراج” ينتهي من حزم أمتعتهُ البسيطة للسفر إلى القاهرة.. نظر في هذه الورقة المطوية التي تحوي عنوانًا، ثم دسها في جيبهُ مرة أخرى وهو يزفر أنفاسهُ بتفكير عميق.. ليقطع عليهِ والدهُ خلوتهُ و :

  • إياك مفكر إن واد رسلان هيعطيك بنتهُ ويجولك خدها ياسراچ واتچوزها! لو آخر راچل في الدنيا ما هيرضاش

نفخ “سراج” بإختناق ثم أردف :
– ريح روحك يابوي، أني مسافر يعني مسافر وهجابلهُ (هقابله).. ولو طلب مني لبن العصفور هچيبهُ، يبجى يرفضني ليه؟

ضرب “سليم” كفًا بكف وقد قنط من تفكير ولدهُ المتعند :
– ياولدي ماانت عارف حكاوينا الجديمة، عمرهُ ما هيرضى بنسبنا.. وإحنا مش عايزين بت قاسم كمان
– يــابــوي بجولك حـــبيتـها ، يعني معدتش رايد غيرها

ثم أشار نحو جيب بنطالهُ وقال :
– العنوان في چيبي وما صدجت چيبتهُ، سيبني اسافر بجى ياأبو سراچ ومتعطلنيش

ثم حمل حقيبتهُ واقترب ليُقبل يد والدهُ أولًا :
– سلام يابوي

لم يجيب، بل إنه تابع خطواتهُ نحو الخارج وعينا والدهُ يتبعانهُ حتى اختفى.. ثم همس بإستهجان شديد :
– ياويل السلمانية كلهم من عمايلك ياسراچ، لو ستك رابحة عايشة ولا أمك.. كانت دفنتك حيّ ولا تناسب العيلة الشـوم دي

……………………………………………………………

ظلت “حور” ملتزمة بحجرتها طوال اليوم، بالرغم من أن الباب مفتوحًا ولكنها لم ترغب في الخروج.. ورافقها “آسر” أغلب ساعات اليوم، وأثناء مكوثها أمام التلفاز لمتابعة أحد المسلسلات العربية القديمة.. استمعت لأصوات شجار قريبة من غرفتها، عقدت حاجبيها بذهول وتحركت نحو الخارج لتستكشف ما يحدث.. لتجد “ياسمين، أنس” يتشاجران بالردهة وقد تعالى صوتهم :

“أنس” :
– دا اللي موجود، لو مش عجبك متنزليش الجامعة خالص وريحيني

“ياسمين” وقد أحمر وجهها من فرط العصبية :
– يعني إيـه متروحيش الجامعة دي! دا انت مستفز جدًا

اقتربت “حور” منهما وهي تردد :
– في إيه ياولاد، مالك ياياسمين

فأشارت نحوهُ مغتاظة وهي تقول :
– الأستاذ دا مش راضي يجيبلي أي حاجة من اللي عجبتني.. وفي الآخر راح مزعقلي قدام صاحب المحل
– أعملك إيه ما الهانم فاكرة نفسها رايحة party مع صحابها مش رايحة جامعة، وبعدين محدش قالك تضحكي بمرقعة قدام ابن ال*** دا وتهزري معاه وانا واقف!

فأجابت بتبجح :
– مكنتش بتمرقع على فكرة، قال حاجة ضحكتني فـ ضحكت

تنهدت “حور” وهي تسأل :
– يعني في الآخر مجبتوش حاجة؟

فاابتسمت “ياسمين” بسخرية وقالت :
– مش لما تعجبهُ حاجة الأول! ، أصل هو اللي هيلبس مش انا

فقال بفتور شديد :
– إذا كان عجبك، ولو مش عاجبك قولتلك الحل

ثم تركهم وانصرف بإتجاه غرفتهُ.. ضربت “ياسمين” الأرضية بقدميها وهي تتذمر قائلة :
– شايفة ياماما، شايفة!

ربتت على ذراعها وهي تقول بصوت حكيم :
– الراجل العنيد اللي زي أنس مش بييجي بالعند ياياسمين وقولتلك قبل كدا

فعقدت ذراعيها بإنزعاج وهي تقول :
– ماهو بابا عنيد برضو بس بياخد رأيك ويسمع كلامك.. وكمان سمعتهُ بيقولك بحبك، إشمعنا بقى

ارتفع حاجبي “حور” بإندهاش شديد، ثم ابتسمت وهي تقول :
– صحيح أنس واخد كتير من خالهُ، بس انتي كمان مش عارفه تتعاملي زيي

ثم تلوت شفتيها وهي تهمس بصوت منخفض :
– وبعدين هو مش بيسمع كلامي أوي يعني!
– بتقولي إيه ياماما؟

انتبهت “حور” لحديثها و :
– هـه! ولا حاجة ياحببتي.. تعالي وبعدين نتكلم

حانت ساعة الغداء، والمفترض ومن قواعد هذا المنزل.. تجمع أفراد الأسرة في ساعة محددة بغرفة الطعام لتناول الغداء، كان “قاسم” أول الحضور ليترأس الطاولة.. ومن بعدهُ “أنس” والفتيات، مرّ أكثر من عشر دقائق ولم تظهر “حور” بعد.. طرق “قاسم” بأصابعهُ على المائدة وهو يردد :
– فين أمك ياياسمين !؟
– كانت نازلة يابابا بس معرفش أتأخرت ليه

ثم التفتت برأسها لتجد نظرات “أنس” الحانقة تكاد تفترسها.. في هذه اللحظة ولج “آسر” عليهم وهو يحمل صحن كبير من البطاطس المقلية، ثم شملهم قبل أن يردد :
– ماما بتقولكم هي ملهاش نفس ومفيش أكل النهاردة وهي مش هتعمل أكل

قذف “قاسم” منشفتهُ البيضاء الصغيرة على المائدة وهو ينهض عن جلستهُ.. ثم قال بصوت حازم :
– أحسن برضو، والله ماانا واكـل حتى لو عملت

ثم برح مكانهُ وقد اشتعل صدرهُ بتصرفاتها الغير عاقلة.. بينما نظرت “ياسمين” بإشتهاء لصحن البطاطس الموجود بين كفي “آسر” وقالت :
– طب هات شوية بطاطس ياآسر، شوية صغيرين

ركض الصغير وهو يقول :
– لأ دا بتاعي، قومي انتي اعملي ليكي

وفـرّ هاربًا من أمامهم قبل أن يلتهموا طعامهُ..
صعد “قاسم” لغرفتهُ وقد اشتط غضبًا من رد فعلها برغم ما فعلتهُ بالأمس، فوجدها تجلس على الأريكة وتتناول الذرة “فشار” أثناء مشاهدة التلفاز، حتى إنها لم تلتفت لوجودهُ، سحب ملابسًا وملاءة نظيفة.. ثم خرج وصفع الباب صفعة أفزعتها، تنهدت بضيق شديد، وتركت الذرة من يديها لتجلس وحيدة غرفتها عقب أن سكن هو غرفة الضيوف واستخدمها للنوم وقضاء الليل..خرجت إلى الشرفة لتراقب الغرفة السفلية التي يسكنها، فإذ بالأضواء مفتوحة والأصوات تصدر عنها.. ثم فجأة أنغلقت الأضواء وسكنت الأجواء للغاية، أطرقت رأسها بضيق من هذا الوضع الذي تعايشهُ مع زوجها.. ولكنها تأبى التنازل هذه المرة، رأسها گالحجر الذي لن يلين، تُرى هل سيلين هو!

……………………………………………………………

راودتها فكرة زيارتهُ ليلًا كثيرًا، ولكنها كانت تتراجع في كل مرة.. حتى أصبح الصباح، ولم تستطع منع نفسها من اقتحام الغرفة التي قضى فيها الليل.. ولكنها لم تجدهُ، هرعت تبحث عنهُ گالمجنونة، ولكنهُ كان قد غادر المنزل مبكرًا عن كل يوم، فـ ثبطت عزيمتها على الفور.. وعادت تحبس نفسها في غرفتها.

……………………………………………………………

ظل “أنس” واقفًا بتوتر شديد، في انتظار مكالمة هاتفية من الولاية الأمريكية نيويورك .. في حين كان “قاسم” هادئًا، متوقعًا كافة التخمينات الخبيثة من أولئك الذين كذبوا عليهِ، دوى صوت رنين الهاتف، فرفع “أنس” السماعة مسرعًا ليرد بـ :

  • طيب حوليه بسرعة

ثم ناول الهاتف لـ “قاسم” لينتظر بضع ثواني أولًا ثم :
– أيوة يارائف!

فأجاب رائف بصوت مرتعب للغاية :
– أنا اكتشفت حاجة مرعبة ياقاسم، مرعبة.. إحنا دخلنا لعبة قـذرة

انقبض داخلهُ وهو يسأل بصوت مرتفع :
– ما تنطق يارائف في إيــه؟

تنفس “رائف” بصعوبة، ثم تابع حديثهُ :
– الجماعة اللي مضينا معاهم عقود، كلهم يــهود.. يهود ياقاسم

تقريبًا توقفت الكلمات في حلق “قاسم” فلم يعد قادرًا على الرد، في حين تابع “رائف” :
– مش كدا وبس، دول صهاينة أبًا عن جد كمان

وقف “قاسم” عن جلستهُ وقد توهجت رأسهُ وارتفعت حرارة جسدهُ ليبدأ بالتعرق المفرط فجأة وهو ينطق :

  • إســرائيلـيين!!………………………………..
    ………………………………………………………..
error: