رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جديد ^^

(( الفصل التاسع عشر ))

أنقلب كل شئ رأسًا على عقب بعد تصريح “سراج” بسبب حضورهُ، وإذ بـ “أنس” يقبض على عنقهُ قبضة عنيفة وجذبهُ من ياقتهُ وهو يصيح فيهِ بصوت أفزع كافة سكان المنزل :

  • ياسمين مين يا ******* اللي جاي تطلب إيدها، دا انا هدفنك انت وعيلتك وناسك كلهم

جاهد “سراج” ليتحرر من قبضتهُ وهو يزأر بصوتهُ قائلًا :
– تدفن مين ياض! دا انا احط عليك انت واللي يتشددلك.. أوعـــى

لم يشعر سوى بقبضتهُ تضرب فك “سراج” وتلكمهُ لكمة قاسية جعلت الدماء تتسرب بداخل فمهُ.. وانطرح بعدها أرضًا.. ليقول “أنس” بصوت هز أرجاء المنزل :
– أنتوا واخديني بالدور ولا إيه؟ جاي تطلب خطيبتي وبنت خالي وكمان بتطول لسانك عليا في مكاني يا *****

هنا وقف “قاسم” في مواجهة “أنس” وهو يردد بعقلانية :
– أهدا ياأنس، أهدا

فـ جأر “أنس” بصياح :
– مش سامع قال إيـه ياخـالي !

استجمع “سراج” قوتهُ لينهض عن وضعيتهُ، وقد اعتراه من الذهول ما جعلهُ غير شاعرًا بحجم الألم الذي تسبب فيه “أنس”.. حرك كفيهِ يمينًا ويسارًا قبل أن يردف بتلعثم :
– خـ.. خطيبتك !

رمقهُ”أنس” بإحتقار قبل أن يجيب :
– آه خطيبتي، في موانع عندك ولا حاجه؟!

هز رأسهُ ليستعيد جزءًا من نشاط عقلهُ، ثم أحنى بصرهُ بخجل وهو يقول :
– أنا آسف، مكنتش أعرف.. ولما سألت آ…..

لم يصمت “أنس” أو يترك في لهُ فرصة الدفاع عن نفسهُ، بل ردد مسرعًا :
– وتسأل ليه أساسًا، إحنا آخر ناس تفكر في نسبهم

تمنى لو أن الأرض تنشق لتبتلعهُ في التو واللحظة، عقب هذا الحرج الشديد الذي سببهُ لحالهُ بطلب خطبة فتاة مخطوبة بآخر.. توهجت بشرتهُ وانفرط انزعاجهُ من هذا الموقف السئ، حتى إنهُ أصبح عاجزًا لا يمتلك كلمات يتحدث بها.

……………………………………………………………

نظر “إستيڨان” في ساعة الحائط المعلقة أمامهُ قبل أن يقول باللغة العبرية :

  • ובכן, אני אתקשר אליך מאוחר יותר (حسنًا، سأتصل بك لاحقًا)

ترك هاتفهُ بعدم اهتمام علي الطاولة ثم سلط أنظارهُ على زوجتهُ وهو يقول بالعربية الفصحى :
– إذًا ماذا سنفعل عقب حادثة اليوم زرين؟

تنهدت قبل أن تردد :
– لا أشعر بالراحة بتاتًا، ولكننا مجبرين على ظهورك ثانيةً أمام هذا الرجل ذا العيون الواسعة

نفخت بضيق قبل أن تستطرد :
– لقد أعطيتك مشورتي منذ البداية بعدم التعامل مع هذا الرجل تحديدًا، لم آراه مناسبًا لهذا العمل.. كيف لك أن تراه أهلًا لذلك؟

أشعل “إستيڨان” سيجارتهُ البنية الرفيعة، ثم ألقى بالقداحة على الطاولة وقال :
– حبيبتي زرين، لا يهمني شخص هذا الرجل.. وإنما حجم أعمالهُ في مصر، إنهُ واحدًا من أكبر المستثمرين ورجال الأعمال هنا، إننا بحاجة ماسة إليه

وقف “إستيڨان” عن جلستهُ.. ووقف أمام الشرفة يتطلع لأحضان نهر النيل الراكد عبر الزجاج القاتم.. لمعت عيناه بحماسة شديدة قبل أن يتحدث بـ :
– هل تعلمين ماذا يعني فتح أسواق مصرية في قلب ( تل أبيب ) إسرائيل؟.. هل أنتِ مدركة حجم فاجعة العرب جميعًا بخبر صاعق گهذا؟

فتح ذراعيهِ عن آخرهما وكأنهُ يملك الهواء، ثم أفتر ثغرهُ بإبتسامة مرعبة وهو يتابع :
– مِــصر، حضن الوطن العربي.. تُباع إنتجاتها المحلية في إسرائيل، إنهُ عنوان رئيسي بالصفحات الأولى في صحف الأخبار العالمية.. حُـلمي على مشارف التحقيق زريـن

بدأت نظراتهُ تنتقل للعدائية وهو يستكمل :
– أيام قلائل ويمكنني دخول مصر عبر جواز السفر الإسرائيلي وليس الأمريكي

نظرت “زرين” لزوجها نظرات غير متأملة قبل أن تردف :
– عزيزي إستيڨان، دخولك مصر أمر عادي للغاية.. وأمر شراكتك قد تم أيضًا، ولكن لا تحلم بغير ذلك، فالأحلام العالية ستصيبك يومًا بالسقوط

زفر أنفاسًا مختنقة ثم أجاب :
– نعم أنهُ حُلم.. علهُ يتحقق

نظر لسطح نهر النيل وهو يتلألأ أسفل ضوء القمر الخافت.. ثم همس بتمني :
– دولة تجمع بين نهري النيل والفرات ( نهر في العراق ).. كم هو رائع

التفت لينظر لزوجتهُ وهو يتابع :
– سيتحقق ذات يوم، تذكري ذلك.. دولة تجمع بين نهري النيل والفرات

ثم تركها ودلف للغرفة الأخرى، بينما بقيت هي تفكر في نظرات “قاسم” لها في نهار اليوم.. ظنت إنها نتاج ما حدث مؤخرًا، ولكنها بدأت تستبعد هذا الظن وراودتها الشكوك حول كشف “قاسم” لمخططهم ولكنها لم تفكر طويلًا وانصرف ذهنها عن الأمر، تلوت شفتيها بسئم، ونهضت تعد مشروبًا مسكر لتقضي ليلها براحة.

……………………………………………………………

قدمّ إعتذارات مكثفة على هذا الخطأ الغير مقصود، ورغم عدم تقبل “قاسم” لهُ بأي شكل.. إلا إنهُ أجبر نفسهُ على عدم الإنشغال بالأمر طويلًا.. فـ عقلهُ يحمل الكثير والكثير، ولإيقاف هذه المهزلة التي تحدث في غرفة مكتبهُ ما بين شد وجذب.. قطع أصوات كلاهما وظهر صوتهُ فقط وهو يقول :
– خــلاص ياأنس سراج أعتذر واحنا تفهمنا الموقف

ثم نظر بإتجاه “سراج” وتابع :
– كفاية كدا

وقف “سراج” عن جلستهُ، تحسس موضع الكدمة التي تورمت بفكهُ.. ثم قال بلهجة مقيتة :
– عمومًا أنا عملت اللي عليا واعتذرت، عن أذنكم

لم يتحرك “أنس” من مكانهُ قيد أنملة.. في حين رافق “قاسم” الضيف حتى غادر منزلهم وعاد يدلف من جديد ليجد إنهُ أمام مواجهة “أنس” الذي صاح عاليًا :

  • أسمع ياخالي، أنا يمكن متكلمتش في الموضوع دا قبل كدا لكن كنت فاكر إن وقتهُ مجاش.. ياسمين مش هتكون لحد غيري

واحتدت نبرتهُ وهو يتابع بتوعد صادق :
– دا انا اقتل اللي يفكر بس فيها

هو مطمئن على ابنته بين أيادي رجلًا أمينًا عهد بنفسهُ لتربيتهُ ونشأتهُ.. ولم يفكر لها في زوجًا آخر، ولكنهُ لم يظهر نيتهُ تلك وتحمسهُ لإرتباطهم.. وتعمد أن يبدو جافًا غير مباليًا :
– أنا مفكرتش في الحكاية دي قبل كدا ياأنس، أ…
– لأ فـكر ياخالي، فكر كويس.. وأساسًا مفيش خيارات عشان تفكر، ياسمين مكتوبة على أسمي من يوم ما اتولدت ومحدش هيغير الحقيقة دي.. عن أذنك

وكأن الدخان يتطاير من أذنيهِ من فرط العصبية، رام مكانهُ منتقلًا لغرفتهُ يختلي بها.. بينما اجتمعن الفتيات بصحبة والدتهن التي استمعت للحوار كاملًا ونقلتهُ إليهن وبالأخص “ياسمين” التي كانت حتى الصباح تشكو جفائهُ وبرودة تعاملهُ معها.. تحمست “ياسمين” كثيرًا وهي تسأل والدتها للمرة الثالثة :
– يعني هو قال كدا فعلًا فعلًا

ثم قطبت جبينها بغرابة وهي تتسائل :
– أمال عامل فيها لوح تلج معايا ليه؟

فأجابتها :
– عشان طبعهُ كدا، أتعود ميحكيش اللي جواه ولا يفسره.. عايز اللي قدامهُ يكون فاهم ودارس من غير ما يتعب ويفسر نفسهُ، ودا غلط طبعًا

ثم انتقلت نظراتها لصغيرتها المكتئبة :
– ولا إيه رأيك ياأفنان؟

لم تنتبه لحديثها، بل كانت في وادٍ غير واديهم.. لوحت “حور” بكفها في الهواء وهي تثير بصرها نحوها :
– أفنان! أنتي مش معايا؟
– هـه! لأ معاكي ياماما

ثم نهضت عن جلستها و :
– أنا تعبانة وهدخل انام، عن أذنكوا

وتركتهم وهي في حالتها تلك، غير مدركة ما الذي أصابها منذ تلك الحادثة الأخيرة التي عايشت تفاصيلها المحزنة.. زفرت “حور” أنفاسها بضيق شديد ثم همست :
– إن شاء الله هشوف حل قريب، كدا مينفعش.

كان جالسًا في ظلام حجرتهُ الدامس، لا يرى سوى ضوءًا خافتًا منبعث من نافذة الحجرة حاول النوم وعدم التفكير فيما حدث، ولكن رأسهُ تغلي من فرط الغضب كلما تذكر ما حدث اليوم والبارحة وما قبل ذلك من تصرفات “عصام” المجهولة أيضًا.. استمع لصوت قرعات خفيفة على باب غرفتهُ، فـ سحب الوسادة من أسفل رأسهُ ودثر بها وجههُ متصنعًا النوم.. لينفتح باب غرفتهُ بهدوء وحرص شديدين، ويستمع لصوتها الخفيض وهي تقول :
– أنس! أنت نـمت

فكرّ هل ينهض يتحدث إليها حول أفعالها المتهورة أم إنهُ يلتزم الصمت.. لم يستغرق وقتًا طويلًا في التفكير، فقد تركتهُ وذهبت معتقدة إنهُ قد غاص في النوم، وظل هو في وحدتهُ طوال ساعات الليل.

……………………………………………………………
تقريبًِا بدأ يغفو مع شروق الشمس، فـ حصل على بضع ساعات قليلة قبيل أن يستيقظ من جديد.. أرتدى ملابسًا سوداء اللون، تعبر تمامًا عن مزاجهُ، وهبط للأسفل منتويًا مغادرة المنزل بدون إشعار أي من قاطنيهِ وخاصة “ياسمين”.
ولكن المفاجأة هي وجود “ياسمين” بالحديقة الملحقة بالمنزل ، وليس هذا فحسب.. بل وتقف مع “عصام” أيضًا وبين يديها باقة رقيقة من الورود البيضاء.. بدأ جسدهُ يسخن ويسخن، ويزداد سخونة، گالقدر المرفوع على الموقد وأوشك محتواه على الغليان.. لمحه “عصام” بأطراف بصرهُ، فقام بلفت إنتباه “ياسمين” وهو يبتسم :

  • خلي بالك أنس جاي ناحيتنا

فـ كركرت بضحكة عالية جلجل صوتها في الأرجاء وكأنها منسجمة تمامًا في الحديث معهُ.. لتجد نفسها تنجذب من ذراعها فجأة لتواجه تعابير وجه “أنس” التي أرعبتها :
– بتعملــي إيه هنا!؟

تلوت بتألم أثر أصابعهُ التي أنحفرت بجلدها :
– آه، أنس دراعي بيوجعني

شعر “عصام” ببداية غير مبشرة.. وإنه على وشك الإنفجار الآن، فتدخل قائلًا بلطف :
– أنس، أهـدا في إيه؟

فسألهُ الأخير بإحتدام :
– أنت بقى الأخ بتاع الورد الأبيض

تنحنح “عصام” قبل أن يردف :
– أه أنا

دفع “أنس” “ياسمين ” بإنفعال نحو الداخل وهو يجأر بـ :
– مع السلامة انتي بقى

وصحبها حتى الداخل وأوصد الباب، وانتقل إليه مرة أخرى وقد وصل الغضب لجذوتهُ :
– انت عايـز إيـه من ياسمين ياعصام!

فـ ابتسم”عصام” بسخافة وهو يجيب :
– بصراحة معجب بيها أوي ياأنس، بفكر آخد خطوة رسمية معاها

أهتز صدغيهِ أثر ضغطهُ المستمر على فكهُ.. وقال من بين أسنانهُ المغلقة :
– أقسم بالله، لولا الدم اللي رابطنا أنا كنت ساويتك بالأرض في اللحظة دي.. أبعد عن ياسمين نهائي وإلا……

تصنع “عصام” إنهُ حزن وبشدة من رد فعل “أنس” وقطع حديثهُ قائلًا :
– ليه كدا ياأنس، دا احنا ولاد عم ياراجل

فصاح بهِ بأعلى صوت لديه حتى إنهُ وصل لمن في الداخل :
– عشان دي حببتــي أنــا، وانا اللي بحـبهــا من ١٨ سنة

زقزق قلب “ياسمين” ورقص بين أضلعها وهي تستمع لتصريحهُ عبر شرفتها.. في حين اتسعت بسمة “عصام” ملء شدقيهِ، وقال من بعدها :
– طب مش تقول كدا من الأول، نشفت ريق البت معاك ياقاسي

أشار “عصام” للأعلى وقال :
– بص هناك كدا

رفع “أنس” بصرهُ المحتد حيثما يشير، ليجد “ياسمين” تلوح له وعيناها امتلأت بنظرات الظفز، حتى تفهم إنه سقط ضحية لفخ من صنعهما.. فعاد ينظر إليه وهو يسأل بعدم تصديق :
– أنتوا متفقين على كل دا؟؟!

فهز “عصام” رأسه بالإيجاب، ليقول “أنس” :
– طب ابعد عني دلوقتي، مش عايز أشوفك على الأقل أسبوع قدام

ثم تركهُ وانصرف، استشعر برودة لطيفة تلفح مؤخرة رأسه وكأنها مبللة بالمياه، بينما ظل “عصام” في مكانهُ.. وغمز لها بنصف عين أثناء قولهُ :
– أي خدمة

في هذه اللحظة، انفتح الباب لتظهر “أفنان” من خلفهُ.. فتبدلت ملامح “عصام” للعبوس فجأة واستدار كي ينصرف قبيل أي مواجهة بينهما.. ولكنها نادت عليهِ :
– آ… عصام!

اتسعت عينا “عصام” غير مصدقًا إنها نطقت إسمهُ الآن.. ظن إنها ستوبخهُ لأجل شئ ما گعادتها كلما تراه، فقطب جبينهُ بإنزعاج وانتظر حتى وقفت أمامهُ، لتقول بتحرج شديد وهي تنظر لأسفل :

  • أسفة على سخافتي معاك من كام يوم

أرتفع حاجبيهِ بإندهاش، فليست تلك هي المفترسة التي تتخذ موضع الدفاع والهجوم دائمًا.. أتضح إنها تعلم عن ثقافة الإعتذار أيضًا، ولكنهُ لم يبتهج، بل أظهر فتورًا وهو يردد :
– عادي انا اتعودت، عن أذنك

ثم برح مكانهُ مسرعًا.. لا يملك تبريرًا لموقفهُ معها، ولا يوجد إجابة لسبب إهتمامهُ بشأنها، ولكنهُ اكتشف سعادة كامنة في رؤيتها أيًا كانت حالتها.

……………………………………………………………

هذه الايام السابقة، والتي كان يعد فيها “إستيڨان” نفسهُ لهذا اللقاء من جديد.. كانت فرصة جيدة لـ “قاسم” كي يتجاوز صدمة شراكتهُ مع الصهيونيين، واليوم هو معاد تم تحديدهُ للقاء فريقي عمل الشركتين من جديد.. الجميع على أهبة الإستعداد، وفريق عمل شركة “قاسم” لا يعلم بالضبط ماهية الموضوعات التي ستتم مناقشتها خلال هذا الإجتماع..
الإعداد كامل، شاشة العرض جاهزة لتشغيل القرص المدمج الذي أمر “قاسم” بتشغيلهُ في أولى لحظات الإجتماع.. وجميع الحضور قد أتخذوا مواضعهم في الجلوس، عدا “قــاسم” الذي لم يحضر بعد.. وقد غاب لأكثر من عشرين دقيقة حتى شعر أعضاء الفريق الآخر بالضجر والإنزعاج..
رمقهم “رائف” بنظرات دقيقة قبل أن يحني رأسهُ قليلًا على “أنس” ليقول :
– هو قاسم فين؟
– قاعد مع محامين الشركة بقالهُ أكثر من ساعة إلا ربع
– ربنا يستر، شكل إستيڨان مش مريحني

_ على الجانب الآخر؛
تحدث الزوجان باللغة العبرية لعدم لفت الإنتباه إليهم وبصوت خافت ليقول :
– لقد بدأ القلق يتملكني زرين
– لا تقلق، بضع دقائق ويحضر هذا الضخم الغامض إلى هنا

في هذا الآن، ولج “قاسم” بـ طلتهُ المهيبة وحضورهُ الطاغي بصحبة المحامي المقرب لهُ.. أتخذ موضعهُ على رأس الطاولة بدون أن ينطق كلمة واحدة.. ثم أشار للمسؤل عن تشغيل الشاشة ، لتنخفض الأضواء أولًا.. ثم تنبثق شاشة سوداء مكتوب عليها بالإنجليزية :

Game is over ( اللعبة انتهـت )

بدأت أصوات الهمهمات تظهر بين الجميع، والنظرات تتوجه نحو “قاسم” و “أنس” في انتظار أن يبدأ أحدهم بالحديث والتفسير لما يحدث.. ليخرج “قاسم” عن صمتهُ أخيرًا ويقول بكل ثبات :

  • أنا سمعت إن مستر إستيڨان متقن للغة العربية كويس جدًا، عشان كدا مش هيحتاج للمترجم اللي قاعد جمبهُ

أنخفضت أبصار “إستيڨان” على الفور وقد بدأ يتفهم ما يحدث حوله.. بينما تابع “قاسم” :
– الشركة اللي دخلت معانا في المشروع طلبت زيادة الشرط الجزائي، إيـه رأيكم؟

وتحولت أنظارهُ لأعضاء الفريق التابع لهُ.. ليبدي الجميع إعتراضًا؛ فتابع “قاسم” :
– أنا كان ممكن أوافق على طلبهم.. لكن في طل محاولتهم الفاشلة في إنهم يخدعوني، أنا مش بس برفض طلبهم.. انا بقولهم إن مشروعهم أتحول لسلة المهملات، بالعربي كدا.. مفيش مشاريع بينا

وقف عن جلستهُ، وقال :
– أنا مش هحط إيدي في أيد صهاينه

الآن اتضحت الرؤية للجميع وأصبحت أوضح من بزوغ الشمس.. للحظة لم يصدق أحدًا ما قيل للتو، لولا وقوف “إستيڨان” وتحدثهُ بصراحة مطلقة :

  • سيد قاسم، it’s business .. والـ business لا يفرق بين الجنسيات

فأجاب بإقتضاب ونظراتهُ تعبر عن مدى بغضهُ ومقتهُ له :
– عندي بيفرق، أنا مش هشاركم والشرط الجزائي اللي علينا هندفعهُ والعقود هتتلغي.. خـلصت

فـ تدخلت “زرين” بالأمر وقد أوشك على التعقيد أكثر :

  • عزيزي قاسم، إننا ذوى جنسيات مزدوجة.. ونحمل الجنسية الأمريكية أيضًا، يمكنك التغاضي عن الجنسية الأخرى وكأنك لم تراها.. لقد أصبحنا في عالم واسع الآن ولا يفصلنا عن بعضنا البعض سوى بضع ساعات في طائرة

أشار إليها لتصمت وهو يقول :
– كل اللي قولتيهِ ميفرقش معايا سم (سنتيمتر) واحد، وياريت تتفضلوا عشان مش فاضي

  • التفت “قاسم” ليتركهم وينصرف، ولكن استوقفهُ “إستيڨان” بقوله الحازم :
  • سيد قاسم، حتمًا ستخسر.. فكر جيدًا، فسخ عقد مع شركاتنا ليس بالأمر الهيّن

لم يعيرهُ أدنى إهتمام، بل واصل السير حتى خرج.. بينما همس “إستيڨان” وقد برزت نواياه السيئة :
– سـتندم على فعلتك.. قريبًا جدًا
…………………………………………………

error: