رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جديـد ^^

(( الفصل الثامن عشر ))

مليون ظن هاجم عقلهُ في لحظة واحدة عقب علمهُ بالجنسية الحقيقية لهؤلاء الأمريكان المتهجنين.. لم يستطع حتى ثني ساقيهِ للجلوس، تصلب جسدهُ في محلهُ، وعبارة واحدة تشكلت على لسانهُ :

  • تعالى في أول طيارة يارائف، متقعدش عندك أكتر من كدا

ثم أغلق سماعة الهاتف وما زال في حالة لا يمكن وصفها، ولم يقل عنهُ “أنس” في شئ.. بل إنهُ فاق صدمتهُ.. تحرك “قاسم” ودار حول مكتبهُ وهو يفكر مليًا في الأسباب التي دعتهم لشراكتهُ هو تحديدًا، الآن وضحت الرؤية ولماذا يحوم حولهم الغموض، إعتقاد “إستيڨان” بأن زوجتهُ ستستطيع التأثير على “قاسم” بسحر جمالها وطباعها الأنثوية المثيرة والجذابة هو ما دفعهُ لذلك.. وخوفهم من إكتشاف كذبتهم جعلهم يسعون لضمان أمان مشاريعهم عبر رفع القيمة الجزائية.
وأثناء تفكير “قاسم” في كُل ذلك، قطع “أنس” إنتباههُ وهو يسأل بصوت ممتعض :

  • هتعمل إيه معاهم ياخالي!
  • هنفسخ العقود والشراكة، مش عايز اسمع حاجة تخص المشروع دا مرة تانية، حتى لو هيجيلي من وراه مال قارون

تنهد “أنس” وهو يردد :
– أنا معاك، بس في حاجة.. هتدفع الشرط الجزائي؟

صمت “قاسم” قليلًا قبل أن يقرر :
– هندفعهُ، المهم نخلص من المشروع دا

ضرب بقبضتهُ علي سطح المكتب وهو يبتسم إبتسامة إستهزائية.. ثم حك كفيهِ إحتكاكًا عنيفًا وهو يقول :
– أنا أحط إيدي في أيد إسرائيلي إبن ***** !
دا لو آخر يوم في عمري مش هيحصل

……………………………………………………………

نهارًا كئيبًا قضتهُ “حور” في منزلها منذ انصراف زوجها، حتى إنهُ لم يعد يتصل بها هاتفيًا گعادتهُ اليومية مما أثار ضيقها أكثر .. دلفت لغرفة مكتبهُ، حركت الأشياء من مكانها وعبثت بكل محتويات الغرفة بملل شديد، حتى جاء الدور على إطارهم العائلي الذي يجمع صورة لهم.. هنا جاءت أصوات أبواق السيارة من الخارج، فـ هرولت نحو النافذة لتجد سيارتهُ تعبر بوابة المنزل الرئيسية.. فـ ابتهجت وأشرق وجهها وهي تترك الإطار على الأريكة ثم خرجت لإستقبالهُ، وكانت أول من رأى تعابير وجههُ التائهة.. فـ اضطرب داخلها وهي تسألهُ بنبرة قلقة :
– في إيـه ياقاسم؟ مالك؟!

زفر أنفاسًا محترقة من صدرهُ المُسعّر، ثم نطق بصوت خافت :
– عايز أتكلم معاكي ياحور

اصطحبتهُ لغرفتهم كي تستمع لأحاديث طويلة عن حروب علي وشك خوضها، وألاعيب سيكون هو فيها الحاوي.. أصغت إليه جيدًا، واستطاعت أن تستشف من حديثهُ أن رغبتهُ في البقاء على هذا المشروع هو لكشف الذريعة التي تُحاك من خلفهُ.. مدد جسدهُ على الأريكة ونظر على سقفية الحجرة وهو يتكلم بثرثرة لم تعهدها منهُ، بينما كانت هي جوارهُ تحديدًا على الأرضية لتكون أقرب أليهِ.. حتى انتهى من مواصلة حديثهُ الذي دام لأكثر من نصف ساعة ما بين حديث تفهمتهُ واستشعرتهُ أيضًا وأحاديث لن يفهمها سوى رجال الأعمال.
التفت برأسهُ ليرى نظرات الحُب الذي لم يذبل في عيناها البنيتين العميقتين، فـ أحاد بصرهُ عنها وتابع :

  • فهمتي ياحور؟
    أومأت رأسها بتفهم :
  • فهمت

ثم سحبت كف يدهُ الكبير ووضعتهُ أسفل رأسها وهي تستند بهِ على الأريكة، ثم قالت :
– أنت عملت الصح، مشروع زي دا زيهِ زي الخيانة لمبدأ التضامن مع القضية الفلسطينية
– مش القضية الفلسطينية بس! ده خيانة ليا أنا ذات نفسي

صوت قرعات يد صغيرة على باب الغرفة، فـ اعتدلت “حور” وهي تسمح لصغيرها بالدخول :
– تعالى ياآسر

ولج الصغير وهو يوزع نظراتهُ الدقيقة عليهم، ثم اقترب من والدتهُ وانحنى عليها يسألها بصوت خافت :
– هو بابا قالك آسف ياماما؟ أوعى تكوني صالحتيه كدا من غير اعتذار، عشان زعقلك و ………
– آســـر

اعتدل الصغير على الفور وهو ينظر لوالدهُ ويرد عليهِ :
– نعم!
– تعالى

استقام “جاسر” في جلستهُ ليأتي الصغير بجوارهُ، حتى أصبح بين يديهِ، فسألهُ والدهُ ببعض من الحزم قليل المفعول :
– كنت بتقول إيه؟

تشتت نظرات الصغير بعيون والدهُ الغامضة، ثم قال فجأة :
– ولا حاجة يابابا متاخدش في بالك

تلوت شفتي “قاسم” وهو يقول :
– تمام ياأسد، روح حضر الشطرنج وانا نازلك

قفز الصغير في مكانهُ بتحمس وهو يردد :
– بجـد! هنزل اعملها على طول دلوقتي

ثم ركض نحو الخارج وقد شعر الحماسة تزيد من سرعة ضربات قلبهُ ليستعد للعب مع والدهُ، بينما نهض “قاسم” عن جلستهُ وتبعتهُ هي بوقوفها.. دفنت وجهها في صدرهُ أولًا، وتشبثت بهِ گصغيرتهُ وهي تردد بصوت خفيض :
– أنا منمتش بقالي يومين ياقاسم، أوعى تسيب الأوضة تاني وتنام بعيد عني

كانت يداه تمسحان على ظهرها بمسحات محتوية دافئة خالية من معاني الشهوة الرجولية.. فقط يحتاج لهذه الطاقة الحرارية المنبعثة منها في تطييب روحهُ التي عانت يومان وثالثهما، عاد يجلس مرة أخرى ومازال محتضن إياها، ثم قال :
– ولا انا نمت وانتي مش جمبي، بلاش العند ياحور.. العند معايا أخرتهُ مش حلوة

طرق الصغير مرة أخرى على الباب، فتأفف “قاسم” بإنزعاج شديد وهو يردف بـ :
– يـــوه بقى! أسـربهُ إزاي يعني؟

ابتعدت “حور” بصعوبة عنهُ لتمسكهُ المحكم بها، ثم نطقت :
– إيـه تاني ياآسـر

ولج الصغير عابس الوجه وهو يردد بتذمر بيّن :
– مش هينفع نلعب دلوقتي عشان عصام جه تحت ومستنيك يابابا

تذكر “قاسم” دعوتهُ لـ “عصام” ترحيبًا برجوعهُ لأرض مصر ولمناقشة بعض أعمال “عصام” التي ينوي أن يعمل بها في مصر، سحب “قاسم” شهيقًا أعقبه بزفيرًا.. ثم قال بصوت متعقل :
– طيب
أنزل وانا هغير هدومي وجاي ياآسر
……………………………………………………………
وقف “أنس” في المطبخ بصحبة “ياسمين” وهي تصنع كؤوس مشروب ( الميلك شيك)، تذوق “أنس” رشفة واحدة واستشعر طعمًا لم يروق لهُ البتة، فـ انكمش جلد بشرتهُ وانقبضت معدتهُ وهو يقول :
– إيه اللي انتي عملاه دا ياياسمين! انتي بتجربي فينا؟ وبعدين دا مش هيعجب عصام خالص بلاش تقدمي منهُ وهاتي أي حاجة تانية

رمقتهُ ” ياسمين ” بإستنكار قبل أن تنطق بـ :
– أنت عمرك ما شكرت في حاجة عملتها أصلًا، بس انا هدوق عصام منهُ ونشوف رأيه فيه

أزمعت “ياسمين” على تقديم المشروب خاصتها لـ “عصام”.. كي تجري مضاهاه بين الأثنين في حضور” أنس “..
قدمت “ياسمين” مشروب الـ ( ميلك شيك) البارد لـ “عصام” وهي تبستسم بسمة عريضة، ثم قالت :
– جرب كدا وقولي رأيك، دي أول مرة أعمل ميلك شيك في البيت
– أكيد مش هيختلف عن اللي عملتهُ

راقبهُ “أنس” مبتسمًا بتشفي، منتظرًا اللحظة التي سيبصق فيها “عصام” المشروب ويعلن عن فشل صاحبة الفكرة.. ولكنهُ تفاجأ بتعابير الإستمتاع والإعجاب في آنٍ على وجه “عصام” مما دفعهِ ليتسائل :
– عجبك اللي بتشربهُ دا ياعصام!

فـ أجاب الأخير :
– جدًا

ثم نظر حيال “ياسمين” وهو يتحدث بـ :
– تسلم إيدك بجد، لازم تقوليلي على الطريقة

تحمست “ياسمين” وإزدادت ابتسامتها إتساعًا وهي تجيبهُ بسعادة تجلت على وجهها :
– هجيبلك الطريقة حالًا، أنا كتباها في الـ notes بتاعتي.. ثواني

ثم ركضت سالكة الدرج لتكون في غرفتها، بينما التفت “عصام” ليقول إليه :
– عسولة أوي ياسمين، الواحد محتاج يرتبط ببنوتة بريئة زيها في وسط عك البنات اللي شوفتهُ في مصر من ساعة ما جيت.. تخيل الموضة اتغيرت والبنات هي اللي بتعاكس الشباب دلوقتي.. اللّه يرحم أيام زمان!

ثم ابتسم هائمًا وقال :
– إنما بنوتة زي ياسمين كدا آ…..

“أنس” وقد بدأت نيران الغيرة تتآكل بداخلهُ:
– هبقى أشوفلك عروسة زيها بالظبط يمكن تعدل حالك وتنسيك بنات أوروبا
– لأ متتعبش نفسك، أنا لقيت اللي بدور عليه هنا

ثم نظر بإتجاه الأعلى، فـ انتقل “أنس” بخطواتهُ نحوهُ وقد بدا عليه بوادر التهجم :
– أسمع ياعصام، لو مبعدتش عن يـ……
– مساء الخير

قالها “قاسم” وهو يقطع جلستهم، ليعود “أنس” للوراء وهو يتمتم :
– هي غلطتي ولازم أصلحها، إزاي أنا بنفسي أعرفهم على بعض إزاي!

  • أقعد ياعصام

قالها “قاسم” وهو يجلس على المقعد المبطن، وتابعهُ “عصام” أثناء قولهُ :
– تسلم ياعمي، أول ما أنس بلغني إنك تعرف صاحب مكتب كويس وعايز يبيع فرحت جدًا

أومأ “قاسم” برأسهُ مؤكدًا وهو يقول :
– صح، أنا هكلمهُ بكرة واخليه يظبط معاد تروح تشوف فيه المكتب ومتقلقش من حكاية المصاريف.. هو بيصفي عشان مهاجر وكدا كدا مش هيتعبك في نقطة الفلوس
– طب كويس جدًا، وانا مستعد في أي وقت

في هذا التوقيت، ولجت “أفنان” وهي تحمل على ظهرها حقيبة ظهر ليست بكبيرة الحجم.. انقبضت ملامح “قاسم” وهو يقف عن جلستهُ، ثم سألها بحزم جليًا للعيان :
– كنتي فين؟

فأجابت وهي مطرقة رأسها :
– كنت في الدرس، وعم محمد هو اللي وصلني وجابني

منع نفسهُ من الإطالة في الحوار أمام “عصام”، فـ قرر الإنسحاب من بينهم و :
– ماشي، تعالى ياأنس عشان تاخد أرقام تليفون المكتب وتديها لعصام

ثم انصرف ومن خلفهُ” أنس”.. لاحظ “عصام” هذا الجفاء بين الأب وابنتهُ.. بينما وقفت دمعة على أهداب “أفنان” تأبى ترك جفونها، فقط رآها “عصام” فخفق قلبهُ سريعًا وهو يقترب منها قائلًا :

  • لأ لأ أرجوكي أوعي تعيطي، أرجوكي

سقطت عبرة ألتقطها إبهامهُ، ثم مسح على وجهها وقال متعاطفًا مع حالتها :
– طب مالك في إيه؟

دفعت ذراعهُ عنها وحدجتهُ بنظرات تطايرت منها شرر نارية حانقة وكأنها تنفث فيهِ غضبها :
– وانت مالك أصــلًا إيه اللي دخلك!

فـ حملقت عيناه بذهول وهو ينطق بعصبية جليّة :
– دا غلطان واستاهل ضرب الجزم أقسم باللّه، إزاي واحدة لسانها مترين زيك تصعب عليا

غادرت مكانها، ودّ لو إنها ردت عليه بأثقل الكلمات، تخانقهُ وتماطل معهُ في الحديث، أهون من تركهُ هكذا.. راقبها حتى غابت من أمامهُ، ثم جلس حائرًا وهو ينطق بهمس :
– بنت غريبة جدًا، عندها طاقة عدائية مش طبيعية أبدًا

أحتلت حيزًا كبيرًا من تفكيرهُ، وطاردهُ الفضول ليتعرف على القصة المختفية وراء غياب إبتسامتها وعبوسها الدائم.. وردودها المندفعة معهُ تحديدًا في كل مرة يراها فيها، هي لُـغز يريد حلّهُ في أسرع وقت.. وإلا بالكاد سيصاب بالجنون.

……………………………………………………………

صباحًا جديدًا، لم يشهد راحة لـ “قاسم” عقب الأحداث الأخيرة التي أحدثت طفرة في مخططاتهُ المستقبلية ومشاريعهُ الرائدة التي يعدّ لها.
كان يُلملم الأوراق المتناثرة على سطح المكتب ، عقب أن انتهى من جلسة عمل وكـدّ طويلة أرقت عضلات جسدهُ.. بينما كانت هي جالسة قبالتهُ على المقعد المقابل.. يبدو عليها الإنزعاج، وقد طغى العبس على وجهها ..
لم يلتفت إليها، فقد كان عقلهُ منشغلًا بهذا الصخب الذي يدور بداخلهُ ..
توجه نحو الخزانة ليضع تلك الأوراق، ثم أغلقها وعاد يقف بمحلهُ لـ يُعد حقيبتهُ الجلدية حتى يلحق بالإجتماع ..
رفع بصرهُ نحوها ليجدها على هذه الحالة..
قطب جبينهُ وهو يسألها بفضول :

  • حـور، مالك في إيه ؟

تنهدت وهي تفرك غُرة رأسها، ثم قالت :
-ياسمين

أنتبه سريعًا لها وهو يلتفت حول المكتب ليكون أمامها، ثم تسائل بشئ من القلق :
– مالها ياسمين؟ في إيـه ما تكلمي!

حدجتهُ بنظرات مغزية ورددت بتذمر :
– أنس على طول مزعقلها، طالع لـ خالهُ

أرتخت عضلات وجههُ وهو يشيح بوجهه عنها، ثم ردد بلهجة باردة :
– هو ده اللي مخليكي قالبة وشك!

سار ليكون أقرب من مقعدهُ الوثير، ثم أغلق حقيبتهُ وهو يتابع :
– متدخليش بينهم وسيبيها تاخد على طبعهُ
– نعم!! ده مش بيكلف خاطرهُ يراضيها ولا يقولها كلمة حلوة

أرتفع حاجبيهِ بإندهاش وهو يُعيد كلمتها :
– كلمة حلوة! وانتي عايزاه يقولها كلام حلو ليه ان شاء الله؟
– وميقولهاش ليه؟ مش بيحبها!
– بلاش كلام فاضي، ومتزرعيش الكلام ده في ودن البنت

قوست شفتيها بإستهجان لحديثهُ، ثم تابعت :
– كلمة بحبك تحل كُل مشكلة، وهي نفسها تسمعها منهُ.. ما تكلم معاه ياقاسم !

سحب حقيبتهُ بحركة منفعلة وهمّ ليخرج عن حجرة مكتبهُ وقد كسى الحنق ملامحهُ .. فـ تبعتهُ بعجالة وهي تصيح :

  • أستنى بس رايح فين، انت مشربتش الشاي بتاعك

فقال أثناء ذهابهُ :
– هشربهُ في المكتب متقلقيش، وبعدين أنا هرجع بدري النهاردة.. وياريت تعقلي بنتك شوية، خلاص كلها يومين وتنزل جامعتها وحياتها كلها هتتغير

صحبتهُ للخارج حتى استقل سيارتهُ وانصرف بها، مستعدًا للقاء السيدة “زريـن” عقب أن استدعتها مديرة مكتبهُ شخصيًا للحضور إليهِ..
لم يرغب في الإنفراد بها عقب الحادثة الأخيرة التي اختلقتها، فقام بإنتظارها برفقة محامي الشركة و “أنس” في غرفة الإجتماعات..
تأخرت عن موعدها ما يقرب من خمسة عشر دقيقة، ولكنها في النهاية حضرت، ترتدي ثيابًا كلاسيكية تتماشى مع أجواء العمل النهارية، رغم كونها قصيرة وتكشف أجزاءًا حساسة في جسدها، وتحمل حقيبة جلدية ذات ماركة شهيرة عسلية اللون.. كانت ملامحها على غير العادة، لم تتغنج في مشيتها أو تبتسم إبتسامتها المعهودة مما جعل “قاسم” يتشكك في أمرها ولكنهُ وارى ذلك..
جلست على يسارهُ وشملتهم بنظراتها المتفحصة قبيل أن تردف :

  • وصلتني أخبار بموافقة رئيس مجلس الإدارة على رفع قيمة الشرط الجزائي؟

ثم نظرت حيال “أنس” بنظرات ذات مغزى معين تفهمهُ الأخير سريعًا، بينما أجاب “قاسم” بجديتهُ المعروفة :
– دا صحيح، لكن في شرط

قامت “زرين” بفتح حقيبتها الجلدية وأخرجت بعض مستنداتها، ثم قالت بتحمس :
– لك ما تريد عزيزي قاسم، وأنا أحضرت كافة المستندات المطلوبة لإنهاء الإجراءات في أسرع وقت
– أنتي فهمتي غلط، أنا مطلبتش أشوفك عشان نعدل العقد النهاردة

عقدت حاجبيها بإندهاش وقالت :
– لم أفهم !

رمقها بنظرات غامضة وهو يردد :
– الشرط هو إن وفدكم اللي جه المرة الأولى هيحضر تعديل العقود كامل، بما فيهم مستر إستيڨان طبعًا

برز إضطرابها علي حركة أصابع كفها الأيمن ونظرات عيناها الزائغة وهي تقول :
ولكن لن يستطيع إستيڨان الحضور لمصر مرة أخرى في ظل التوترات التي تعايشها شركاتنا في الولايات المتحدة

وقف “قاسم” عن جلستهُ و :
– دا شرطي، من غيرهُ مفيش تعديل عقود، ولا في تنفيذ عقود قديمة حتى.. أنا محتاج أشوف شريكي الأساسي مش مراتهُ، وبعدين متعودتش أتعامل مع…..

بتر عبارتهُ، ولكنهُ أستطرد وهو يرمقها بإستخفاف :
– مع سيدات زيك، عن أذنك

ثم برح مكانهُ غير راغبًا في رؤيتها عقب كشف حقيقتها اللعينة.. انسحب الجميع واحدًا تلو الآخر حتى بقيت بمفردها.. يغلي الحميم بداخلها، لملمت أوراقها، ثم برحت الغرفة والشركة بأكملها وهي تتوعدهم بليالٍ لم يروها قبلًا.
……………………………………………………………

كان موعدهُ الإجباري مع “زرين” سببًا كافيًا لتبديل مزاجهُ للأسوأ.. فقرر العودة للمنزل مبكرًا عقب أن فسد يومهُ، بينما تابع “أنس” أحوال العمل ولحق بهِ مساءًا..
أنفرد بهِ خالهُ لمناقشة هذا الأمر الذي لم يعد لديهم أهم منهم، فقد وضع خطة مراقبة شاملة عبر طاقم كامل موكل برصد كل خطوات “زرين” و “إستيڨان”.. جلس “قاسم” على المقعد وفي مقابلتهُ “أنس” حول منضدة صغيرة، ترك “قاسم” كوب الشاي الأخضر خاصتهُ على طرف المنضدة وهو يردد :

  • مفيش قدامهم غير إنهم يظهروا تاني قدامي، وإلا كل حاجة هتقف
  • أنا مش مطمن ياخالي

فقال لهُ “قاسم” غير مباليًا بأي نتائج :
– ولا يهمني، اللي عندهم يعملوه

استمع “قاسم” لصوت رنين الجرس، فتنغض جبينهُ بإستغراب وهو ينظر لساعة يدهُ.. ثم قال :
– مين هييجي دلوقتي!
– هشوف مين وارجع

واتجه نحو الخارج وهو يفتح زر من أزرار قميصهُ وقد أصابهُ الإختناق، كانت الأرق باديًا على وجههُ وهو يتطلع لوجه الزائر الليلي.. استغرق الأمر منهُ بضع لحظات حتى تذكر هذا الوجه الذي انحفر في ذهنهُ منذ المقابلة الأولى.. أكفهرت ملامحهُ وهو ينطق بإزدراء لم يقوَ على إخفاءهُ :
– خير؟

فقال “سراج” بنفس لهجتهُ القاتمة :
– ممكن أقابل أستاذ قاسم؟

فردد “أنس” بحنق :
– لـيه ؟
– في إيه ياأنس؟

قالها “قاسم” وهو يقترب منهما.. حتى تبينت لهُ ملامح الزائر، قطب جبينهُ وهو يقول :
– أنت؟!

نظر “سراج” حولهُ قبل أن يردف :
– هنتكلم على الباب كدا؟

فسمح له “قاسم” بالدخول :
– أتفضل

ثم قادهُ نحو غرفة المكتب، عقب أن أوصى “حور” بحسن ضيافتهُ.. أعدت “حور” مشروبات باردة طازجة وقامت بتقديمها بنفسها، ثم انسحبت من جلستهم وتلصصت عليهم من الخارج خوفًا من تطور الأمر ليتحول إلى مشاجرة بين الأطراف..
ترك “سراج” كأس المشروب، ليسألهُ “قاسم” :

  • عرفت العنوان هنا إزاي؟
  • اللي يسأل ميتوهش ياقاسم بيه

كان “أنس” متحكمًا بإنفعالاتهُ قسرًا ، ولكنهُ لم يمنع أسلوبهُ الذي يؤكد مدى كراهيتهُ لهُ وهو يقول :
– ياترى إيه الموضوع المهم اللي خلاك تدور على العنوان وتيجي فجأة من غير مواعيد

لم ينظر “سراج” بإتجاهه البتة، بل ارتكز بعينيهِ على “قاسم” الذي راقبهُ جيدًا وبصمت :
– أنا جاي في موضوع حساس ومش هينفع أجله في نفس الوقت

“أنس” :
– اللي هو إيه؟
– أنا جاي طالب نسبك ياقاسم بيه

تهيأ “أنس” واستعد لإستقبال المفاجأة التي توقعها منذ وقت طويل ولكنها تأخرت عن موعدها.. تحرك ليكون على طرف مقعدهُ، بينما سأل “قاسم” بهدوء يسبق عاصفة غضبهُ :
– وانت بقى استأذنت أبوك وعمك قبل ما تيجي بيتي وتطلب نسبي؟

فكانت الإجابة مباشرة واثقة :
– طبعًا

ضم “قاسم” أصابعهُ وهو يسأل :
– وطالب نسبي في مين بقى!؟
– بنت حضرتك الكبيرة، ياسمين

وفي طرفة عين، أنقلبت الطاولة بما تحمل من منفضة وحامل المشروبات وكوب الشاي الأخضر وكل شئ، وتناثرت قطع الزجاج في كل مكان عقب ركلة “أنس” للطاولة بأقوى عزم لديهِ و………………

error: