رواية عهد جديد للكاتبة ياسمين عادل

^^ عـهد جـديـد ^^

(( الفصل الثالث ))

تلوت بإنفعال وهي تشعر بالخطر يحوم حولها.. وتشكل أمام عينها مصيرًا مؤسفًا سيلحق بها ، بعنف شديد ضربت بمرفقها لتصيب جوف معدتهُ.. فـ صاح متألمًا وهو يدفعها بعيدًا عنه :

  • آآه، إيـه الغـباوة دي

كان صوتًا مألوفًا لفؤادها، تصلبت ساقيها بمحلها وما زالت متأثرة بالصدمة.. إنهُ هو، فقد حضر أخيرًا عقب عذاب ليالٍ قاسية.
تدفقت الدماء في شرايينها وكأنها عادت للحياه، ضمت ذراعيها لصدرها تتـوق نفسها لرؤياه، حتى وجدتهُ يضغط على زر الإضاءة لتضح إليها رؤيتهُ..
كان مُكفهر الوجه على أثر ضربتها العنيفة، ولكن سرعان ما لانت ملامحهُ وهو يتأمل جمالها الذي ازداد.. فقد تركها طفلة وعاد ليجدها فتاة في عُنفُوان شبابها وأبهى صورها.. تلك النظرة المشتاقة التي تغلغلت بقرنيتيها جعلتهُ يُقدم على فعله مجترئة.. عانقها عناقًا طويلًا، وكأن عناقهُ ممحـاه لذنب الغياب الطويـل.. شُفيت جروح روحها التي إلتاعت بفراقهُ، وتعلقت برقبتهُ گالتائهة التي اهتدت توًا للطريق.. أشتمت عبقهُ الذي لم يفارق أنفها منذ عامين، ولم تجد حديثًا ذا قيمة لتتفوه به الآن.. فقط إستسلامًا إراديًا، وكأنها تناولت حـلوى النسيان.
……………………………………………………………
_ كان هذا البُساط القاتم مُزين بحبات متلألأة تزيد من بهجتهُ .. تسطح جسديهما على الكلأ، وأسفل سماء تحتضن نصف قرص القمر، مازالت بسمتها تُزين محياها منذ رؤيتهُ.. وتقريبًا لم يتحدثا حتى الآن، فقد اشتاقت لإستشعار قربهُ فقط.
أستدارت رأسها لتجدهُ ناظرًا إليها، مستندًا برأسهُ على كفهُ، فـ اعتدلت وهي تقول :
– بتبصلي كدا ليه؟

كانت إجابتهُ صادمة لها :
– عادي أبص براحتي، البرنسيس عندها مانع؟
– تــؤ

_ تـوًا تذكرت كيف عانت طوال اليوم بسببهُ، فـ غابت إبتسامتها واحتدت نظراتها قبل أن تعتدل في جلستها على الأرضية.. ثم تسائلت بلهجة حازمة :
– إنت كنت فين طول اليوم ياأنس؟
– عند نينة، كانت تعبانة جدًا عشان كدا نزلت مصر مخصوص

أنكمش الفراغ ما بين حاجبيها وهي تتسائل :
– تعبانة مالها
أنس وهو يتنهد بضيق :
– عندها إنسداد في الشرايين ، ودا مخلي الدم مش بيوصل للقلب بسهولة.. عشان كدا على طول بتنهج ومش بتقدر تاخد نفسها
– ألف سلامة عليها، لو كنت قولتلي كنت جيت معاك بدل ما سيبتني مش فاهمة حاجة طول النهار

هز رأسهُ بالرفض واستطرد :
– مكنش ينفع، كان لازم اوديها المستشفى وأفضل معاها لحد ما تخلص فحوصات وآشعة.. وجودك كان هيعطلني

ضاقت عيناها بحنق وهي تردف :
– أنا بعطلك!
– دا العادي بتاعك يابرنسيس

مازالت محدقة فيه بغير رضا، حتى ابتسم وهو يتابع :
– يعني لو كنتي جيتي معايا بعنيكي دي، كنت هعرف اركز إزاي؟

راق لها إطراءهُ، فـ أحادت بصرها عنه وهي تواري بسمة كادت تطفو على سطح وجهها.. أبسط الأعذار منهُ كفيلة بأن تجعلها تعفو وتصفح بكل سهولة.
عادت تسترخي فوق الحشائش الباردة، حيث ظلت تنعم بوجوده جوارها.. فقد طال الإنتظـار.

……………………………………………………………

صباحًا حيويًا، ورغم إنها الأجازة الصيفية إلا أن ” حور ” اعتادت الإستيقاظ مبكرًا بحكم عملها، حيث تمت ترقيتها لتكون مديرة إحدى المدارس الحكومية الثانوية للبنات.. ومنذ هذا الحين وقد أصبح الحمل على عاتقها أعظم من ذي قبل.
أعدت ” حور ” أكواب الشاي المُخمر بجانب شطائر الجبن الأبيض خالي الدسم من أجل ” قاسم ”.. وانتقلت إلى حديقة المنزل حيث يجلس زوجها لمتابعة أخبار الصحف اليوم.
رافقتهُ الجلوس، وتبادلت الأحاديث بينهما في مواضيع شتى، حتى حضر الصغير ” آسر ” ذا السبع أعوام وهو يركض.. قذف الكرة بعيدًا وانتقل لجلسة والديهِ، كُل ذلك و”قاسم ” مراقبًا لحركاتهُ..
أقترب الصغير من الطاولة والتقط قدح الشاي الأخضر الخاص بوالدهُ، أرتشف جرعة واحدة.. ثم تمطق بإشمئزاز وهو يشعر بمذاقهُ السئ بالنسبة له، أعتقد ” قاسم ” إنه سيتركهُ.. ولكن ” آسر ” أقدم على تكرار فعلتهُ مما جعل ” قاسم ” يقهقه عاليًا..
أثار الموقف تعجب ” حور ” مما دفعها لتسأل صغيرها :

  • آسر، عجبك الشاي بتاع بابا
    آسر وقد تقلصت تعابير وجهه :
    -لأ وحش، وحش أوي
  • أمال مصمم تشرب منهُ ليه؟

فأشار نحو والدهُ بتباهي وردد :
– عشان أبقى زي بابا

حملهُ ” قاسم ” فرحًا من إجابتهُ التي كانت گالموسيقى التي وقعت على مسامعهُ، وأجلسهُ على فخذيهِ وهو يقول :
– إبني حبيبي، جـدع
– ياخـوفـي!

خرج ” أنس ” من الباب الرئيسي مستعدًا للخروج، مرتديًا قميص من اللون الأزرق القاتم وبنطال أبيض ناصع البياض.. وأعطتهُ نظارتهُ ذات الزجاج السماوي الهادئ هيئة مكتملة.
إنتقل نحوهم، وأول ما افتعلهُ هو تقبيل رأس ” حور ”، ثم هتف بإشتياق جلي:

  • وحشتيني جدًا
  • إنت اللي وحشتني أوي ياأنس، يعني كان لازم وجيدة تتعب عشان تنزل مصر تاني!

نظر لساعة يدهُ، ثم أردف :
– معلش، كل شئ بأوانهُ.. أنا لازم أخرج دلوقتي عايزين حاجة
فأجاب”قاسم ” :
– آه، عايزك تعلم ياسمين السواقة، عشان هجيبلها عربية جديدة

ارتفع حاجبيه بذهول، ثم نطق معترضًا :
– أفنـدم! مين دي اللي هتسوق؟
– مقولتش هتسوق، قولت تتعلم السواقة بس

تلقائيًا ارتفعت أبصار ” أنس ” نحو شرفة غرفتها، فقد أخفت هذا الأمر عنهُ لعلمها ماذا سيكون رد فعلهُ.. ثم أخفض بصرهُ وهتف بإقتضاب :
– ماشي ياخالي، أعلمها.. بس سيبني أشوف مكان مناسب وبعدها أبلغك
– ماشي، يلا شوف انت وراك إيه
– سلام
– سلام

وما أن اختفى حتى تسائلت ” حور ” بإرتياب :
– طالما مش هتسوق تتعلم ليه؟ ياسمين طايشة وتصرفاتها متسرعة

ترك ” قاسم ” الصغير يهبط عن ساقيه، ثم تابع :
– عشان هي نفسها تتعلم، أنا رايح المجموعة عايزة حاجة؟
– لأ، ترجع بالسلامة
…………………………………………………………..

_ طال انتظارهُ بالخارج متوقعًا أن يُبشرهُ الطبيب بخبر سعيد يخص حالة جدتهُ العجوز ” وجيدة ”.. حتى إن القنوط تملك منهُ ولم يطيق انتظارًا، استمع لرنين هاتفهُ فقام بالإجابة عليه متعجلًا :

  • ألو
  • أيوة ياأنس، أنا رائف
  • عارف ياعمي، رقمك لسه متسجل عندي
  • طب كويس، في موضوع قاسم بيه قالي اعرضهُ عليك.. هتيجي أمتى الشركة

نظر لساعة يدهُ، ثم تجهم وجههُ بإنزعاج وهو يردد :
– مش النهاردة خالص، واحتمال اسافر يومين كدا.. خليها لما ارجع ياعمي
– بس متتأخرش عليا ياأنس، ده مشروع مهم ولازم تدي قرارك فيه
– خلاص هعدي عليك النهاردة استلمهُ منك عشان ننجز الوقت وبعدين هشوفهُ

خرج الطبيب توًا من غرفة الكشف، فـ اضطرب ” أنس ” بقلق بيّن ثم هتف :
– طب معلش هقفل دلوقتي

ثم أغلق ونظر للطبيب وهو يسأل :
– طمني يادكتور، الآشعة والتحاليل أخبارها إيه؟

ذمّ الطبيب على شفتيهِ متبرمًا قبيل أن يسرد :
– الحجة عندها إنسداد في الشرايين زي ما قولتلك، ودا ناتج عن اللغبطة في الأكل اللي أدت لتراكم الدهون في الآخر، السكر والكوليسترول مش مظبوطين خالص ودا هيعقد العلاج أكتر

فرك ” أنس ” بصيلات ذقنهُ بضيق وسأل :
– وبعدين!
– لازم نمشي على نظام غذائي معين، بجانب العلاج اللي هتستمر عليه شهرين وهنرجع نعمل تحاليل تاني ونشوف الفرق، بعدها هنقرر هي محتاجة عملية ولا هنكمل في خطة العلاج.. بس في حاجة
– إيه؟
– لازم الدكتور اللي متابعة معاه عشان مرض السكر هو كمان يديعا التعليمات المطلوبة عشان نظبط نسبة السكر لإنها عالية جدًا ودا غلط

أومأ برأسهُ موافقًا وهو يقول :
– حاضر

_ هي الوحيدة المتبقية من أسرة والدهُ الذي لم يعرفهُ، وتحتفظ بمكانة غالية في قلبهُ.. فهو أيضًا الحفيد الوحيد لديها، والذي اعتنى بما يخصها طوال السنوات السابقة قبيل سفرهُ..
قام بنقلها لمنزلها، ومازال مزعوجًا من تدهور صحتها المفاجئ، وعقب أن دثرها في فراشها.. نظر حولهُ ليجد العديد من الأدوية والأقراص العلاجية المتنوعة.. فقوس شفتيهِ قبل أن يردد :

  • أنا حجزتلك عند دكتور تاني خالص غير اللي متابعة معاه عشان نظبط السكر.. ومن بكرة الصبح هتيجي خدامة باعتها مكتب التوظيف تقعد معاكي طول اليوم وتمشي بالليل، هديها قايمة بالأكل والدوا وكل حاجة

جلس على مقربة منها، وطغى الحزن على وجههُ وهو يقول :
– ليه مش عايزة تيجي تعيشي معايا يانينة؟

كان صوتها متحشرجًا ضعيفًا، ولكنها كافحت من أجل أن يظهر :
– بيتي أولى بيا ياحبيبي، متقلقش عليا هكون بخير.. بس بلاش موضوع الخدامة و….
– لأ، لأ يانينة مش هسمع كلامك المرة دي.. خلاص البنت جاية بكرة وانا واثق فيها، صاحب المكتب صديق قديم وهو بنفسهُ رشحهالي

أصدر هاتفهُ رنات عديدة قبل أن يخرجهُ من جيبهُ.. فوجد أسم حبيبتهُ يضئ شاشة هاتفهُ، ابتسم بسمة طفيفة وهو يجيب :
– أيوة يابرنسيس

تبخترت ” ياسمين ” في مشيتها بالحديقة وهي تسأله بإهتمام شديد :
– إنت فين وسايبني لوحدي من أول اليوم ياأنس؟
– عند نينة، شوية كدا لما اخلص هجيلك
– طب بسرعة بقى
– حاضر، باي

أغلقت هاتفها ووضعتهُ في جيب بنطالها القرمذي القصير، ثم تابعت سيرها وسط الزهور بسعادة شديدة.. منذ عودتهُ بالأمس وقد انتعش داخلها، وكأن عامين من عمرها لم تعيش بهما..
سكبت المياه عبر الأبريق لتسقي زهورها، ثم انحنت لتشتم عبير إحداهن حتى انتشت.. ثم اعتدلت وتابعت عملها المفضل، فقد عهدت لزراعة أشكالًا شتى منها.. حتى أصبحت گوظيفة لا يمكن الإستغناء عنها.

……………………………………………………………
ليس صباحًا عاديًا.. فقد استيقظ ” أنس ” بساعة مبكرة للغاية، وتأنق في ثيابهُ گعادتهُ.. وانتظر أن تستيقظ هي الأخرى، ولكنها لم تفعل..
حتى إنه سئم إنتظارها أكثر من ذلك، قرع على باب حجرتها فلم تجيب.. فـ امتعضت ملامحهُ وهو يفتح الباب، ليجد الغرفة شبه مظلمة، على أثر الستائر القاتمة التي تحجب الضوء الخارجي، توجه نحو الستائر لإزالتها، فـ اخترقت أشعة الشمس ساحة الغرفة..
ثم اقترب من ” المنبه ” الموجود بجانبها، وتلاعب في مؤشراتهُ حتى أصدر رنينًا صاخبًا بجوار أذنيها.. فـ انتفضت من نومها وما زالت عيناها مغلقتين، وصاحت بصوت مرتفع :
– في إيه ياماما؟! في إيــه؟

ولكنها تفاجئت بصوتهُ الخشن يقول :
– كل دا نوم! دا احنا نايمين مع بعض امبارح وانا صاحي من بدري

رمشت بعيناها عدة مرات، ومسحت أهدابها قبل أن ترفع بصرها المشوش نحوه، ثم أردفت بتهكم :
– أنس! حرام عليك عايزة انام

ثم التقطت هاتفها من أسفل الوسادة ونظرت للساعة من خلالهُ.. جحظت عيناها بذهول ثم عادت تنظر إليه وهي تهتف بإستنكار :
– ينهار أزرق! الساعة ٩ ونص الصبح وبتصحيني!

انحنى قليلًا ليقابل عيناها البندقية وهو يقول بإحتدام :
– مش الهانم عايزة تتعلم السواقة! يبقى تصحى بدري
ياسمين وقد ارتفع حاجبيها بإندهاش :
– بابا لحق يقولك؟
– طبعـًا، وهو مين هيعلم البرنسيس غيري

أستقام في وقفتهُ، ثم ثم نظر لساعة يدهُ وقال :
– معاكي نص ساعة بس تغيري هدومك وتنزلي ، انا مستنيكي تحت.. يلا عشان ورانا سـفر
– سفر!

_ وقبيل أن تداهمهُ بثرثرتها وتساؤلاتها الغير منتهية برح مكانهُ وتركها تنفرد بنفسها.. عضت على شفتيها بنزق، ثم تمتمت :
– يعني ملقيتش غير أنس يعلمني يابابا! دا هيطلع عيني

أنهى ” أنس ” مشروبهُ المفضل ” شاي بالحليب ”، ثم ترك القدح وهو يتحدث لـ” قاسم ” :
– ملحقتش أقراه كله، بس مبدأيا المشروع ممتاز

ترك ” قاسم ” جهاز الـ ( التابلت) خاصتهُ، ثم رمق الأخير بتركيز وهو يردف :
– سيبك من الشغل وقولي هنا، أشمعنا هتروح المزرعة
– بصراحة ملقيتش جو هادي أكتر من هناك، ويعتبر تغيير برضو
قاسم وقد ضاقت عيناه :
– أنس، مش عايز أي حاجة تحصل.. وافتكر ان ياسمين معاك
– عيب ياخـالي

_ هبطت ” ياسمين ” بضع درجات حتى وصلت لمجلسهم على مائدة الطعام.. وعلى وجهها تعبيرات متذمرة قليلًا، نظر ” أنس ” لهذه الحقيبة التي تأخذ محلها بين يديها، وتسائل بفضول :
– إيه الشنطة دي؟

لتأتي ” حور ” من خلفها وتقول نيابة عنها:
– دي سندوتشات وعصاير وميا، حجات كدا تكفيكم في السفر ياحبيبي

قهقه ” أنس ” ثم تابع :
– هي رحلة ياطنط؟
ياسمين وهي توضح سبب تذمرها :
– ماانا قولت كدا! بس ماما محدش يقولها لأ طبعًا

لوحت ” حور ” بكفها گتعبير عن عدم اكتراثها لهم، ثم رددت :
– مش أحسن من أكل الشوارع
أنس وهو يلتقط الحقيبة عنها :
– طب يلا بقـى
حور :
– خلي بالك منها ياأنس هه
– حاضر

وأجلسها في المقعد الأمامي في سيارتهُ قبل أن يستقر في موضعهُ خلف المقود..
لم تكف عن تناول الطعام بشهية مفتوحة للغاية، كما إنه قام بشراء الحلوى خصيصًا من أجلها عقب أن ألحت عليه.. حتى أصيبت بشعور التُخمة.
نظر حيالها بذهول مرددًا :
– إنتي واخدة فاتح شهية ولا إيه! كفاية أكل تخنتي

تمطقت قبل ينعقد حاجبيها بإنزعاج:
– أنا تـخنــت!

سحب منها الحقيبة الحاوية للطعام، ثم ألقاها بالخلف وهو يردد :
– خليكي خفيفة عشان لما تقعدي مكاني تسوقي

أخفض بصرهُ وهو يقول :
– شايفة التلات دواسات دول

اقتربت ” ياسمين ” لتستند على ذراعهُ الممسكة بعجلة القيادة، وأحنت بصرها وهي تقول:
– آه، بتوع إيه بقا؟
– اليمين دي دواسة البنزين، الشمال دواسة الدبرياج، واللي في النص الفرامل

طرق على عجلة القيادة بأصابعهُ وتابع :
– دا الدريكسيون، الحركة كلها من هنا

تابع تعريفها على الأدوات الأساسية ووظائفها، بينما هي هائمة فيهِ.. تراقب كيف تغيرت ملامحهُ للأحـلى، لم تستطع التركيز في كُل ما قاله فقد انشغلت بما هو أهم.
دقائق وأخرى، حتى انتبه إنها شاردة في ملكوت آخر.. فلوح بكفهُ أمامها وهو يقول :
– ياســــمــين!
– هــه ، معـاك
– ركزي، خلاص إحنا دخلنا القرية.. تقريبًا فاضل ٦٠٠ متر على مزرعة خالي، هسيبك انتي تسوقيهم

صف سيارتهُ جانبًا، وأمرها بتبديل المقاعد.. ثم بدأ يلقي عليها الأوامر :
– حطي الحزام الأول، وبعدين شغلي العربية

إنصاعت لآمرهُ، فـ انتقل للخطوة التالية وهو مرتكزًا ببصرهُ على حركة أقدامها :
– دلوقتي هتدوسي بنزين ودبرياج وتبدلي الضغط بالتزامن بينهم براحة خالص، هتسرعي لما أقولك وتخفي ضغط عن الدبرياج.. تمام

سحبت شهيقًا وهي تتأهب لذلك، ثم بدأت بالتنفيذ بالتتابع.. ورغم توتر أعصابها إلا إنها تظاهرت الشجاعة والإقدام، شعر بإرتجافتها.. فبث داخلها الطمأنينة بقولهُ :
– أهدي، الموضوع سهل

كان الطريق مستقيمًا مما سهل عليها الأمر، أسرعت قليلًا وبدأت ترتاح عقب توتر ملحوظ أظهرتهُ.. ولكن ظهر أمامها على بعد محدود رجلًا يسحب بهيمتهُ خلفهُ..
فـ أثار ” أنس ” انتباهها :
– حاسبي الراجل والجاموسة، هدي السرعة وتعالى يمين شوية

وبدلًا من أن تُهدئ السرعة فعلت العكس وأسرعت في القيادة.. فـ صاح بها ” أنس ” :
– بقـول هدي الســرعة مش تــزوديها! حــاسبي
– عااااا أعمل إيه العربية مش عايزة تقف؟
– يخرب بيـتك انتي دايسة على البنزين مش الفرامل!! شيلي رجلك هتشلـيني

تدارك الأمر سريعًا وتولى عنها مهمة التحكم في عجلة القيادة، وفي اللحظة الأخيرة أبتعد عن هذا الرجل الذي كاد يخسر إما حياتهُ أو بهيمتهُ، وجعلها تضغط فجأة على الفرامل لتتوقف السيارة نهائيًا .. وعقب فعلتهم المتهورة أطلق الرجل سبابًا نابيًا وهو يجأر فيهم..
تحكم ” أنس ” في انفعالاتهُ قبل أن يترجل فـ يبطح رأس الرجل أو يكسر أحد عظامهُ.. حدجها بنظرات كادت تفتك بها في مكانها، فـ انزوت على حالها وهي تهمس :

  • آ.. انا…
    أنس وهو يصيح فيها :
    أنتي تسكتي خالص، مشوفتش غباء كدا في حياتي! بقـول فــرامل.. فــرامل
    ياسمين وهي تصيح في وجهه :
    على فكرة انت لسه بتعلمني، مش هبقى سوبر ومحترفة من أول مرة
  • ومتبقيش غبية من أول مرة برضو!

ترجل ” أنس ” ليتفاجأ بأن عجلة السيارة أنغمست في بركة من الوحل سيصعب عليه أن يخرج بها منها.. فـ زاد تقلص عضلات وجههُ وهو يغمغم بسخط :
– هي كانت ناقصة فعلًا

ترجلت ” ياسمين ” هي الأخرى لتقف بجوارهُ وترى هذه النائبة التي حلّت بهم.. وقبل أن تسقط في فخ الضحك، كتمت صوتها حتى لا تثير أعصابهُ أكثر

في نفس الحين اقتـربت سيارة سوداء كانت تخلفهم، تقريبًا تابعت ما حدث بعيون مترصدة..
دقق ” سليم ” نظرهُ في هذا الشاب الأشعب ” عريض المنكبين ”، ثم قال بلهجة صعيدية لولدهُ الذي يقود السيارة بجواره :

  • مش ده أنس واد أخت قاسم؟!

  • تجريبًا أكدهِ يابوي

  • طب وجف، وجف

وبدأت السيارة تقترب بحركة متهادية منهم لتتوقف على مقربة منهم.. ظهر ” سليم ” أمام أنظار ” أنس ” وهو يخطو نحوهم ..
فظهر إحتقانًا بعيني” أنس ” وهو يقول بإنزعاج شديد :
– كدا يبقى اليوم الأسود كمــل
………………………………………………………………

error: