رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل الثالث والثلاثون (الجزء الثالث)
……………………..……………………..…………………..
القمر ساطع والهواء بارد كبرود السقيع.. وقفت نور أمام النافذة الكبيرة فى غرفتها وهى تراقب السماء بأعين لامعة ..
تتذكر كلمات عمتها لها اليوم عندما اتصلت بها على هاتف المنزل ..وكم سعدت بحديثها معها اليوم .. اطمأنت عليها وحدثتها كثيرا وهى تخبرها انها يجب ان تكون زوجة صالحة .. أن تكون قريبة من زوجها تحاوطه. . فما رأته وسمعته عن حازم .. يجعلها تخاف عليه من التفاف النساء حوله ..
وكم ضحكت نور من كلمات عمتها تلك .. وكأنها قد وقعت فى حب حازم .. وتقول كل صفاته .. بداية من وسامته وبشرته السمراء وصولا إلى أخلاقه التى حدثها بها خالد .. و رجولته اللامتناهية .. وحسن تصريفه للأمور بالإضافة إلى ذكائه فقد عرفت انه محامى مشهور وناجح .. استطاع أن يبنى اسمه من دون مساعدة والده ..
نعم انه حقا كما تصفه عمتها.. فهى اختبرت كل هذا فهو لم يجبرها على شئ .. بل كان أيضا يحترم خصصياتها ولم يقتحمها منذ اليوم الذى أصبحت فيه زوجته ..
لم تكن ترى جوانبه المراعية تلك أثناء عملها معه ابدا .. عملها لقد نسيته تماما .. ولم تعد تفكر به كما كانت تفعل سابقا مع مناقشاتها السابقة مع والدها وخوفه عليها وعدم رغبته لها لكى تعمل ..
انها تفكر حقا بالعودة إلى عملها لكن هل هو سيسمح لها ؟؟!.. فمهما كان هو زوجها ومن واجبها ان تحترم رأيه .. كما أخبرتها عمتها اليوم .. رغم شعور نور طوال فترة المكالمة مع عمتها انها تريد التطرق إلى مواضيع أكثر تعمقا لكنها توقفت عند البعض فقط واخبرتها انها ستتحدث معها أكثر عندما تأتى إليها فى أقرب وقت ..
تنهدت نور بخفوت .. واجفلت ما ان سمعت صوت إغلاق الباب .. ووقوف حازم أمامها ..
” هل بك شئ؟؟!! .. ”
قالتها نور بلهفة هى نفسها لم تفهمها ما ان لاحظت شحوب وجهه ..
أبتسم داخله وهو يرى لهفتها فقال بهدوء
” لا .. لكن ما سبب سؤالك هذا!؟؟ ”
فركت يديها بتوتر وقالت بخجل و تلقائية
“هذه أول مرة تصعد مبكرا هكذا .. فلطالما كنت تتأخر فى الصعود حتى تتأكد إننى نمت ”
نظر إليها مطولا .. و شبه ابتسامة مرتسمة على ثغره .. فقال بمكر و نبرة منخفضة
” كنت تشعرين بوجودى.. لماذا اذا كنت تدعين النوم؟؟!! ”
نظرت إليه بحدة .. بعد ان شعرت بنبرته المتلاعبة وقالت بحدة لم تقصدها و طفولية
” لم أكن مستيقظة .. لقد كنت فعلا أستيقظ على صوتك ”
التوى فمه بشبه ابتسامة .. ومر بجانبها حتى وصل إلى السرير .. خلع حذائه والقاه بإهمال بعيدا .. ثم استلقى بجسده على السرير بملابسه .. يرتدى قميصا اسودا كعادته ازاره العلوية مفتوحة بفوضوية.. وبنطال يطابق لون القميص ..
” بملابسك!!”
هتفت بها بتعجب وهى تضيق عيناها
صدر منه ضحكة منخفضة تعبر عن تعبه وقال بصوت منخفض و سخرية ربما من نفسه
” الحقيقة .. انا متعب وغير قادر على تبديل ملابسى.. راسى تؤلمني .. وجسدى منهك وكاننى تلقيت ضرب مبرح .. وتم كسر عظام جسدى ”
ظهر القلق والخوف جلى على وجهها وهى تجلس على طرف السرير على مسافة منه قائلة بعتاب
” بالتأكيد ستتعب… بل وستشعر بالمرض أيضا .. فأنت تنام متأخرا وتستيقظ مبكرا .. ولا تكف عن العمل .. جسدك له حق عليك أيضا ”
اخفضت اهدابها ما ان نطقت بكلماتها .. حدق بها ببرود مخالف لما يعتمل فى عقله وقلبه وقال بسخرية وتنهيد
” وهل أحد يجد الراحة ويقول لها لا ”
” بالطبع .. كل شخص مسئول عن راحة ذاته ”
قالتها باندفاع وسرعة
” وهل مسئول أيضا عن إيقاف هذا .. وأشار إلى عقله .. من التفكير … وهذا وأشار إلى قلبه .. من الخفقان والشوق .. ”
الجمتها طريقته بالكلام .. هذه اول مرة تراه يتحدث هكذا …
ارتبكت من كلماته .. صمتت .. حتى طال صمتها وهو ما زال محدقا بها .. ينتظر كلماتها التالية .. هل ستستطيع الرد .. ام انه استطاع لجم لسانها .. وإيقاف كلماتها من الاسترسال أكثر …
وضع ذراعه على عيناه وقال بصوت منخفض
” اغلقى الضوء اذا سامحتى ”
وباصابع مضطربة ومرتجفة ضغطت على زر المصباح الذى على الكومود بجوار السرير .. وفردت جسدها بجواره بحركة بطيئة هادئة …
دقائق و كلا منهم لم يحاول التحرك من مكانه .. حتى شهقت نور ما ان شعرت بحركته الفجاءية وتحركه بسرعة وجلوسه على السرير وكأنه مسه جان .. أو انه رأى شئ أقلق منامه ..
دفن حازم وجهه بين يديه .. يحاول السيطرة على دقات قلبه التى تكاد تصم أذنيه .. من قربها المستمر منه .. وهو كالاحمق لا يعرف كيف يقترب؟؟.. او متى يقترب ؟؟.. خائف من الاقتراب … ويتألم أكثر من الابتعاد عنها .. لا يعلم إلى متى يستطيع الإنتظار ؟؟!!.. لقد عرف عن نفسه شيئا لم يكن يتوقعه ابدا .. انه صبور .. صبور للغاية معها فقط .. ولا مع أحد آخر غيرها ..
لكن إلى متى سيظل هكذا؟؟ .. يمنحها الطمأنينة وهى بعيدة عنه .. فى حين هو يشتعل من هذا الابتعاد .. لقد كان ماهرا فى كل شئ .. إلا شئ واحد كان احمقا به .. هو الحب .. وكيف يعبر عن حبه لامرأة لا تشعر به رغم انه يكاد يصرخ من عشقه لها .. لكن كيف يعبر ويظهر هذا الحب ..
أبعد يديه عن وجهه وخرج مسرعا من الغرفة .. تاركا نور فارغة العين والفم .. من تصرفاته ..
“هل به شئ !!.. لماذا أصبح يتصرف بغرابة اليوم هكذا ؟؟!!.. لقد كان هادئا وباردا الأيام الماضية!! .. ”
همست نور لنفسها بذلك
………………..
نزل درجات السلم بسرعة غافلا عن والده الذى يقف فى أسفل السلم .. وما كاد يتخطاه حتى ناده والده بصرامة
” حازم .. ماذا بك؟؟!! .. لماذا تركض هكذا وكان هناك من يركض خلفك ؟؟ ”
توقف حازم مكانه ما ان استمع إلى صوت والده الأمر وقال بهدوء
” لا شئ .. لقد كنت ذاهب إلى المكتب ”
نظر والده إلى الساعة التى تلتف حول رسغه وقال بتعجب
” فى هذا الوقت !!.. ثم غمز له بمكر متابعا .. هل هناك رجل عاقل يترك زوجته فى هذا الوقت ”
فرغ حازم شفتاه قليلا واسبل اهدافه من شكل والده وهو يغمز له بهذه الطريقة ..
وقال بصوت متزن يعبر عن عقليته العملية
” لدى بعض الأعمال التى يجب عليا انهاءها لذلك يجب عليا الذهاب ”
لوى مراد فمه بتشكك وقال وعيناه شبه مغلقة .. وإحدى حاجبيه مرفوعان
” أعمال فى هذا الوقت .. أيا كانت الأعمال فعليك إلا تترك زوجتك فى هذا الوقت بمفردها ..
ثم تابع بهدوء وهو يلاحظ صمت ابنه قائلا بهدوء
” حسنا .. انهيها وأذهب للنوم ولا تتأخر .. وهناك شئ أريد الحديث به معك أيضا ..لكى لا أنسى ”
” تفضل ..انا استمع ..هل هو يخص العمل؟؟!! ”
سأله حازم
” نعم .. هناك فتاة كانت قريبة لشخص اعرفه وسمعت انك قمت بطردها هى و زوجها من الشركة.. وأنا بحثت فى الأمر ولم أجد سبب لطردهم وخصوصا أنهما محامان جيدان ”
ضيق حازم ما بين حاجبيه يحاول معرفة عمن يقصدهما والده .. حرك فمه وقال بهدوء ..
” لا أتذكر أحد.. هل تعرف اسم اى منهم!! .. ربما أتذكر ما حدث ”
” الفتاة اسمها هايدى وزوجها مازن ”
تجمد حازم فى مكانه ما ان أنطق والده باسمهما .. واتسعت عيناه .. وهتف بحدة وصوت عالى
” ماذا !!!؟؟؟.. هذان الاثنان لا ”
أغمض حازم عيناه .. ما ان أنتبه إلى نبرة صوته بالإضافة إلى نظرة والده الصارمة .. و هو مرتعب من أن تكون نور قد استمعت إلى حديثهما.. يدعو فى نفسه إلا تكون قد سمعت شئ. .او تكون نائمة. .
حاول حازم تهدئة أعصابه وهو يشتد على قبضة يده إلى جانبه ويضغط على أسنانه بشدة ..
وقال بصوت منخفض للغاية محاولا تمثيل البرود
” انا من قمت بطردهما.. ولا أريد عودتهما ”
” لماذا؟؟!! ..هل هناك سبب؟؟!! ”
سأله والده مشككا وهو يرى تعابير وجه حازم .. وهو على يقين ان ابنه يحاول ضبط أعصابه .. وعدم رغبته فى افلاتها فى الوقت الحالى ..
شعر حازم .. من نبرة والده التشككية.. فمهما كان والده محامى .. ومحاما كبير أيضا .. لن يجعل الأمر يمر بسهولة من دون ان يضع فيه أنفه البولسى.. ولا يعلمه
فرد بهدوء يخفى به ارتباكه وربما غضبه
” لم يعجبنى عملهما ”
” كيف؟؟!! .. انا لم أفهم!! .. كيف لم يعجباك!!!. . الفتاة ماهرة فى عملها .. والفتى كذلك أثبت تفانيه فى عمله منذ ان بدأ العمل معنا ولولا مهارته ما كنت قمت بتعينه فى الشركة ”
قال والده ..
” حسنا .. يا أبى يمكنهما العودة”
هتف بها حازم بنفاذ صبر فهو لا يريد أن يحتدم النقاش بينه وبين والده .. لكنه تابع بهدوء
” تصبح على خير يا أبى ”
قالها بسرعة ثم انصرف من أمام والده .. الذى تابع تحركه بأعين متعمقة.. ربما بصفته محامى فلديه شكوك حول الأمر .. وربما لأنه أب لا تريحه نبرة ابنه او حتى طريقته فى التعامل مع الأمور ..
…………………
مرر حازم يده على وجهه ما ان دلف إلى المكتب وهو يزفر بقوة .. لقد نفذ صبره ولم يتحمل أكثر .. هذه البلد اصبحت تضيق به بطريقة تخنقه ..
لقد كان يفكر بالفعل فى أمر السفر .. لكن رؤيته لوالدته وهى سعيدة ببقاءه هو ونور معها ..جعله يصرف هذا الأمر عن رأسه ..
لكن الآن هو يفكر جديا فى السفر ..فهو لا يريد اى أشباح للماضي ان تطارده مع نور ..
يريد جعلها تبتعد عن كل هذا ويبدأ من جديد …
جلس على كرسى مكتبه وهو يحرك ويهز قدمه بعصبية مفرطة يحاول أن يهدأ من نفسه قليلا .. لكن عبثا لقد ازداد قلبه اشتعالا وغضبا ..
وبغضب عاصف أمسك بالفازة الكرستالية من على مكتبه والقاها بغضب على الحائط حتى تكسرت و سقطت محطمة إلى أجزاء صغيرة على الأرض ..
صرف نظره عن أمر الزجاج الذى تكسر .. وحاول أن يشغل رأسه باى شئ .. وبدأ ينظر إلى الأوراق التى أمام ناظريه…
بعد ما يقارب الساعتان
وقفت نور بتوتر أمام باب مكتب حازم .. وهى تعض اناملها من التوتر والخجل .. لا تعلم هل تدق على الباب وتدخل .. ام تنصرف ولا تهتم للأمر .. لكنها قلقة ولا تستطيع ان تمنع قلقها عليه .. فمهما كان فهو زوجها وأيضا أظهر احترامه لها منذ اليوم الأول الذى دخلت فيه إلى منزله ..
نهرت نور نفسها بشدة .. وهى تتساءل .. أ هى حقا تريد أن تطمان عليه بدافع الواجب؟؟ .. ام لأنها فعليا تفكر فيما قالته لها عمتها صباحا ان تحاوط على زوجها وأن تظهر اهتمامها به فهى لن تجد مثله .. ام لأنها تشعر بشئ آخر !!.. يجعلها تشعر بالاضطراب من أفكارها تلك .. هل أصبحت معجبة به!! .. ألم تكن صفاته التى عددتها لها عمتها صباحا هى حقا كانت صفات فارس أحلامها .. وهو .. هل هو حقا هذا الفارس .. ام انها ستخدع كما خدعت فى مازن الذى تلاعب بها وبمشاعرها.. هل تقتحم عزلته .. وتقترب منه وترى حقا أن كان هو هذا الفارس .. ام تبتعد وحينها سيكون قد افلتت رجل مثل حازم من حياتها ..
لكنها أخيرا قررت الاقتراب .. فمهما اقتربت هى لن تخسر شيئا فهو وعدها بالا يجبرها على شئ ..
ذهبت إلى المطبخ و خرجت و هى تحمل بين يديها فنجان من الشاى بالزنجبيل تتمنى حقا ان يحبه .. وألا يضيع تعبها سدى ..
دقت دقات خفيفة على الباب .. و رفعت اهدابها إليه ما ان فتح لها باب المكتب مطلا عليها بطوله الفارع… وهى تنظر إلى شعره المشعث بهيام .. وقلبها يكاد يخرج من بين اضلعها وهى تراه هكذا ..
لاحظت تعابيره التى كانت فى البداية مصدومة ثم تحولت إلى باردة وهو ينظر اليها بتعجب ..
فتنحنحت اخيرا وقالت بنبرة منخفضة
“لقد رأيتك ساهرا.. لذلك فكرت فى ان اصنع لك فنجان من الشاى بالزنجبيل .. ”
قالتها وهى تنظر إليه لعله يبتعد ويجعلها تدخل إلى الغرفة .. لا .. بل الجلف لم يتزحزح من مكانه .. وظل واقفا وكأنه ما زال مصدوما من مجيءها إليه فى هذا الوقت .. تبا هى الحمقاء .. وهو أكثر منها حماقة وغبى … ويحتاج إلى ضربة على رأسه تفقده الوعى .. لكى لا ينظر اليها هكذا مرة أخرى ..
صدم حازم ما ان راءها أمامه .. تقف بتلك الهيئة أمامه وتحمل بين يديها فنجان من الشاى .. وماذا بالزنجبيل الذى هو أكثر شئ يكرهه فى هذا العالم .. هل تمثل وتريد أن تظهر انها زوجة مراعية ام ماذا؟؟!!! ..
تنهد بخفوت .. وقال بصوت هادى وهو يتناول منها الفنجان والطبق الموضوع عليه ..
” شكرا لك .. وشكرا على اهتمامك”
ظهرت شبه ابتسامة على ثغر نور .. وهى تردد فى نفسها .. انه أحمق كبير .. هل هو خائف من ان تدخل محرابه المقدس ام ماذا. . ولماذا هو لا يريدها ان تدخل ..
وقالت من بين أسنانها
” عفوا ”
نظرت إليه ونظر إليها .. وكأنها كلمات بينهما .. هو ينتظرها ان تنصرف .. وهى تنتظره ان يرتشف من فنجان الشاى بالزنجبيل حتى تتأكد انه أعجبه .. فهى لم تتذوقه. . وتريد أن تعرف ان كانت نجحت فى إعداده ام لا ..
أخرجها من نظراتها صوته البارد قائلا
” شكرا لك .. يمكنك الانصراف ”
هل تعلموا ما الذى ارادته الآن .. أرادت أن تقوم بلكمه على أنفه .. لا على أسنانه البيضاء تلك .. رغم أنها متأكدة أن يدها ستولمها من الضربة .. لكنها تريد أن تجرب .. انه يستفذها بالتأكيد ..
فقالت بخجل بعد ان اسبلت اهدابها ..
” هل يمكنك أن تخبرنى برأيك به .. قبل أن اذهب ”
وبحركة سريعة منه بدأ يرتشف الشاى .. وهو يقاوم رغبة قوية فى بصق ما دخل فمه ..ابتلعه بهدوء .. يحاول أن ينسى أن ما يشربه هو زنجبيل ..
” ما رأيك؟؟!!”
سألته بلمعان التمع بين مقلتيها
” رائع ”
لم يستطع أن يقول كلمة أقل من هذه وهو يراقب ابتسامتها ..قالها وتناسى تماما أمر ذلك الزنجبيل ..
” أن له فوائد عظيمة لبعض الأمراض .. مثل الصداع النصفى.. والتهاب المفاصل ”
سعل حازم وهو يرتشف قائلا بتحشرج
” التهاب مفاصل .. فليبشرك الله بالخير ”
ضحكت وهى ترى وجهه الممتعض. . ناولها الطبق الصغير الذى عليه فنجان الشاى وشكرها بخفوت ..
فقالت بخفوت وخجل ..
” إلا يكفى عمل حتى الآن الوقت قد تأخر .. وأنت لا تكف عن الاستمرار فى العمل ..”
تهللت اسارير حازم .. والتمعت عيناه وهو يشعر باهتمامها هذا به .. وقال بهدوء وسرور حاول مدارته ..
” حسنا يكفى عملا ”
ابتسمت هى الأخرى وتحركت تمشى أمامه بخلاء و ببط ما ان رأته يخرج من الغرفة ويغلق بابها وراءه .. صعدت السلم وهو خلفها ..
دلفت إلى الغرفة .. واستلقى على السرير ما ان بدل ملابسه بأخرى مريحة ..
انزلقت بجواره وهى تحارب شئ من الخجل والارتكاب داخلها رغم أنها قد نامت بجواره لعدة ليالى إلا أن هذه المرة هى تشعر بشعور غريب من الخجل والتوتر ..
ولأول مرة وضعت رأسها على الوسادة و هى لا تفكر فى شئ ابدا قد يزعجها. . فعليها أن تستمتع بحياتها وألا تتركها للألم .. فوالدها لو كان على قيد الحياة لتمنى لها حياة سعيدة هادءة .. وهى لا تريد او تتمنى أكثر من ذلك ..
************************************************
فى اليوم التالى صباحا ..
استغلت نور فرصة عرض السيدة نورا عليها لتدخل إلى غرفة المكتب لتحضر لها أحد الكتب الموجودة هناك وبدأت رحلة استكشافها لمحراب زوجها الذى يجلس فيها .. أكثر مما يجلس مع الجميع ..
ولجت إلى الغرفة المتوحشة .. نعم متوحشة فقد سار فى جسدها قشعريرة ما ان دلفت إليها ..
غرفة متوحشة بالسواد بدءا من نوافذها القاتمة إلى ارضيتها التى تماثلها سوادا.. مكتب ضخم فاحم اللون يقبع خلفه كرسى جلدى..
كنبة عريضة فى أحد جوانب الغرفة .. أمامها منضدة تقديم زجاجية .. لم يخفف من هذا السواد الا الإنارة المنبعثة من المصابيح المعلقة فى السقف ..
ستائر قاتمة تمنع مرور الضوء إلى الغرفة ..
مررت اصابع يديها بهدوء على جوانب المكتب .. المرصوص عليه بإهمال .. عدد من الأوراق .. والكتب الخاصة بالقانون ..
تنهدت نور بضعف .. ثم بخطوات هادئة اتجهت نحو المكتبة التى احتلت إحدى جوانب الغرفة .. عليها العديد من الكتب .. اقتربت غير منتبها لقطع الزجاج التى توجد على الأرض ..
بحثت فى الارفف الأولى عن الكتاب الذى أخبرته بها السيدة نورا .. لكنها لم تجده … فبحثت فى الغرفة عن اى شئ تستطيع التسلق عليه والبحث فى الارفف العلوية .. فوجدت سلما صغيرا وقصيرا بجوار المكتبة ..
سحبته ووقفت عليه .. ظلت تبحث .. فلمحت اسم الكتاب المنشود .. على رف عالى بعيدا عنها .. فشبت بقدميها .. حتى وقفت على أطراف أصابعها ..
ابتسمت بانتصار ما ان تمسكت به وما كادت تسحبه ..حتى اختل توازنها و تراجعت للخلف .. وسقط جسدها على قطع الزجاج التى كانت على الأرض سابقا ..
خرجت آه وصرخة متالمة وعالية منها وهى غير قادرة على تحريك جسدها من الألم .. ومن وخز الزجاج فى ظهرها ..
……………………..……
دلف حازم إلى المنزل وهو يرتدى ملابس رياضية بعد جريه لعدد من الساعات بالخارج .. بحث بعيناه عنها ما ان دخل .. فى المكان الذى كانت تجلس فيه هى ووالدته قبل خروجه .. لكنه لم يجد غير والدته فقط الجالسة تحتسى كوبا من القهوة ..
اقترب منها .. قبل رأسها …
ابتسمت والدته ما ان لاحظت نظراته وقالت بهدوء
” نور فى غرفة المكتب .. تحضر لى كتابا ما ”
عقد حازم ما بين حاجبيه .. ثم ابتعد من دون أن يردف بكلمة ..
وما كاد يخرج من الغرفة حتى سمع صوت ارتطام وسقوط شيئا ما بقوة .. ركض نحو الصوت .. حتى سمع صوت صرخة آتية من غرفة المكتب ..
ولج إلى الغرفة مصدوما من شكلها القابع على الأرض .. وقطرات من الدماء حولها ..
اقترب منها مسرعا .. وقد توقف عقله عن التفكير للحظات وهو يراها أمامه هكذا .. أثنى ركبتيه ومال نحوها .. فرأى عيناها شبه مغلقة
” نور ” هتف باسمها
فتاوهت بخفوت و دموعها تسقط على جانبى وجهها من الألم وقالت بصوت متالم
” ظهرى .. انا أتألم .. زجاج ”
صدرت منه لعنة ومن ثم وضع يده على رأسها ليتأكد ان كان هناك اى قطع من الزجاج قد دخلت إلى رأسها .. حمد الله بخفوت .. ما لم يجد اى زجاج …
ثم وضع يد أسفل رأسها فتاوهت بقوة ..
” آسف ”
هتف بها بخوف … ثم حملها وخرج مسرعا ..
رأته والدته .. فقالت بفزع
” ما هذا ما الذى حدث لها؟؟!! .. كيف ؟؟!!!!”
” سأذهب إلى المشفى .. ”
هتف بها وهو يركض حاملا إياها مسرعا .. فتحت والدته باب السيارة له .. وضعها فى المقعد الخلفى على بطنها .. وما ان جلست والدته بجواره .. حتى انطلق مسرعا ..
********************************************
وقفت فى المطبخ وهى تنظر إلى الأطباق التى أعدتها منذ ان استيقظت صباحا له هو فقط .. وضعت الأطباق على أحد الصوانى الكبيرة .. وخرجت من الغرفة وهى تحملها بين يديها بابتسامة واسعة على شفتيها ..
وما كادت تصعد درجات السلم .. حتى أتاها صوت حماتها .. الذى جعل ابتسامتها تختفى .
.
” ألم يستيقظ .. مالك حتى الآن ؟!!.. الوقت تأخر ”
قالتها كوثر بحدة
التفتت ريم إليها وهى تنظر لها وتحاول رسم ابتسامة على وجهها فهى لن تسمح لأحد أن يعكر صفو حياتها ..
” لا لم يستيقظ بعد .. ”
قالتها ثم تابعت صعودها للدرج ما ان لمحت تعابير وجه حماتها الغريبة والذى أصبح هادئا فجأة ..
دلفت إلى الغرفة .. وهى تكاد تختفى من خجلها فلو أخبرها أحد ما سابقا انها ستقوم بفعل هذا فى يوم من الأيام .. لكانت قامت بضربه لتفوهه بهذه التفاهات ..
وضعت الصينية الكبيرة على طاولة منخفضة قريبة من السرير .. وبدلال بدأت فى إيقاظ مالك .. الذى أبتسم ملئ فاهه وهو يراها أمامه ما ان أستيقظ ..
قائلة له بصوت ناعم
” صباح الخير .. ”
فغر مالك فمه من الدهشة ومن نبرتها التحببية تلك .. و بتلقائية وضع راحة يده على جبهتها.. وهو يزم شفتاه بتفكير
قائلا بقلق
” ريم هل بك شئ حبيبتى اخبرينى؟؟!! .. انتى لستى بخير هذه الأيام ”
امتعض وجهها وقالت من بين أسنانها تحاول أن تكون لبقة ورومانسية إلى النهاية ..
فيجب أن يتم ما فى رأسها إلى النهاية .. فلاول مرة ستجرب الحياة السعيدة .. وستفعل كما تفعل الزوجة المحبة الأصيلة .. وتعد له كل يوم فطور رائع تعبر فيه عن حبها له .. لقد كان صبورا ومحبا معها اذا هى يجب ان تظهر انها تحبه أيضا ..
“هيا أنهض الطعام جاهز .. اريدك أن تلتهمه بأكمله ”
قالتها وهى تحمل الصينية بين يديها ووضعتها على طرف السرير ..
ارتفع حاجبه دهشة وتهللت اساريره بابتسامة عذبة تعبر عن فرحته وقال بمكر
” فى السرير!! .. سنتناول الطعام فى السرير!!.. ”
فردت عليه بسرعة
” نعم .. وما المشكلة .. اذهب أولا لغسل وجهك ”
تحرك مبتعدا عن السرير .. متوجها نحو الحمام ..
وما ان خرج حتى نظر إليها بتفحص .. تنحنحت فى مكانها وهى تلمح نظراته المتفحصة والمستغربة فى آن واحد وهو يستند بجسده على إطار باب الحمام ..اقترب منها ببط و جلس بهدوء قبالتها ..
وبدأت هى نفسها باطعامه بيديها وهو يكاد يسعل ويجن من حنانها المفاجئ ..
وهى تطعمه بيضة تلو الاخرى داخل فمه .. سعل بقوة ما ان تذكر تلك المسرحية الكوميدية الشهيرة والمشهد الأشهر .. عندما قامت الزوجة باطعام زوجها البيض بنفس الطريقة ..
ناولته بسرعة كوب من الماء .. شربه دفعة واحدة .. ثم هم مبتعدا عن السرير وهو يضع إحدى يديه فى خصره قائلا بحدة
” ريم .. هذا الأمر لا يسكت عليه .. ماذا بك ؟؟!!.. هل قام أحد ما باجبارك على شرب شى ما!! .. حنيتك هذه لا يمكن أن يسكت عليها ”
اسبلت اهدابها وقالت بخجل ..
” إلا يمكننى أن أعد الطعام !!.. وأكون لطيفة ”
رفع إحدى حاجبيه وقال من بين أسنانه بتعجب
” لطيفة .. لا أعتقد ذلك ”
احتقن وجهها شرا .. وهى تسأله بغضب مكتوم
“ألا يمكننى ان أكون لطيفة؟ ؟!! .. ”
لاحظ مالك وجهها المحتقن وقال بارتباك وهو يحاول أن يشيح بوجهه بعيدا عنها حتى يامن من غضبها
” لا أقصد هذا … لكن … ”
صمت … ف همت من مكانها غاضبة
” لكن ماذا سيد مالك .. هل انا سيئة لتلك الدرجة .. ”
حاول تهدءتها والتقرب منها ولكنها كانت تبتعد عنه ..
حتى قالت بغضب
” ساريك يا مالك .. انا المخطاة لأننى فعلت كل هذا من أجلك .. وفى النهاية تقول لى .. انتى لستى لطيفة .. ”
لوى فمه وقد عادت ريم لسابق عهدها وقال بهدوء
” انا لم أقل هذا .. وانظرى. . انظري إلى نفسك لا يمكنك أن تكونى لطيفة لمدة قصيرة حتى ”
حملت صينية الطعام .. وقالت قبل أن تهم بالخروج من الغرفة بها ..
” ساريك .. الوجه القديم .. ولن أقوم بتكملة ما كنت أفكر بفعله لك اليوم .. انا المخطاة .. ساريك ..
وما ان خرجت حتى عادت بسرعة
” لن أبقى معك لحظة بعد الذى قلته .. سأذهب عند نور ..
ثم تابعت مفكرة مغيظة إياه
ولكن لماذا أخبرك .. فأنا لست لطيفة ”
مرر يديه على وجهه ثم قال بخفوت
“ها هى وقد عادت ريما لعادتها القديمة .. لن تتغير ابدا .. مجنونة
أبتسم ابتسامة جانبية متابعا ..
” لكننى أفضل جنونها هذا ”
******************************************
فى المشفى
أخذ حازم ردهة المشفى ذهابا وايابا بغير هدى .. وهو ينتظر خروج أحد الأطباء ليخبره بحالتها ..
وهو يسب ويلعن بخفوت .. فهو من كسر هذا الزجاج ليلة أمس .. ونسى تماما ان يطلب من أحد ما تجميع الزجاج ..
تنهد بقوة .. وعيناه على الباب القابعة خلفه زوجته .. ما كان سيخرج لولا غضب الأطباء على ضرورة خروجه ..
أمسكت والدته بيديه ما ان لاحظت الخدوش الصغيرة التى على ظهر يده .. تقطر منها بعض الدماء ..
وقالت بحنان
” حازم يدك أيضا مصابة اذهب لتطهيرها ”
رفع حازم يده وهو يرى يده المصابة بالقليل فيبدو انه قد خدش وهو يقوم بحملها من لهفته عليها ..
هز راسه ببط ثم ابتعد عن والدته .. متجاهلا خدوش يده
انتظروا لما يقرب الساعة .. وهو يزفر بنفاذ صبر .. غير قادر على الانتظار أكثر ..يقف وهو يستند بجسده على الحائط..
ركض نحو أول طبيب لمحه يخرج من الغرفة ..
والذى قال من قبل أن ينطق حازم
” الحمد لله .. اخرجنا الزجاج من ظهرها وقمنا بتقطيب الجروح .. ولم تتوغل اى قطعة زجاج إلى منطقة خطرة من العمود الفقرى ”
” هل هى بخير ”
سألت نورا الطبيب وهى ترى عدم قدرة ابنها على النطق ..
” ستكون بخير ..لكنها بحاجة ان تبقى بالمشفى لعدة ايام ”
قالها الطبيب ثم انصرف من أمامهم ..
تنهد حازم .. وأغلق عيناه بقوة يعبر عن ارتياحه ..
ربتت والدته على كتفه وقالت بخفوت
” سأذهب إلى المنزل وأحضر لها بعض الأغراض التى قد تحتاج إليها .. وأخبر والدك أيضا ”
هز رأسه ببط .. ثم قال بهدوء
” ساوصلك ”
” لا داعى .. ابقى مع زوجتك .. وأنا ساحضر بعض الأغراض و ساتى إليك ”
قالتها والدته بهدوء
……………………..………….
ما ان ترجلت السيدة نورا من سيارة الأجرة .. حتى لمحت ريم واقفة بجوار سيارتها وبجوارها اروى .. اللتان ركضتا إليها …
” مرحبا عمتى .. كيف حالك؟ ”
قالتها اروى بهدوء ..
” بخير .. حبيبتى .. كيف حالك انتى؟؟ ”
ردت عليها نورا
“أين نور؟؟ .. لقد أتينا منذ دقائق والحارس أخبرنا بأنه لا يوجد أحد فى المنزل ”
سألتها ريم
“انها بالمشفى ..”
” ماذا؟؟!! ..”هتفت بها كلا من ريم واروى
ثم تابعت ريم
” لماذا هل بها شئ ؟؟!! ”
” سقطت .. وأصيبت فى ظهرها ببعض الزجاج ”
ردت نورا بارهاق. . ثم تابعت بهدوء
“سآخذ بعض الأغراض وأذهب إليها يمكنكما المجى معى ”
وبعد ذلك دخلت نورا إلى المنزل .. و بعدها بقليل خرجت وهى تحمل بين يديها حقيبة وبعض الأعراض ساعدتها كلا من ريم واروى فى حملها .. ثم صعدوا إلى السيارة وانطلقوا بها …
……………………..……..
فى المشفى بالتحديد فى الغرفة التى تجلس بها نور …
وقف حازم بوجه مرهق .. بجوار سريرها يراقب جسدها الراقد على السرير بدون حول ولا قوة وهى نائمة على بطنها بسبب إصابات ظهرها .. و بجوارها معلق محلول ما متصل بيدها بخرطوم شفاف .. لتغذيتها بعد ما تعرضت له اليوم ..
بعد حقنها بعدد من الحقن لتسكين حدة الألم عليها …
مرر أصابعه بين خصلات شعرها وهو يزفر بقوة .. وكان تلك الصغيرة قد كتب عليها الألم طيلة عمرها .. فما ان تنخلص من شئ حتى ياتى غيره ..
اقترب منها و ببط مال عليها وطبع قبلة على جبهتها التى تصبب عرقا .. ثم مسح قطرات العرق بيده بهدوء حتى لا يؤلمها .. وأدخل بعض من خصلات شعرها داخل غطاء الرأس الموضوع على رأسها وهى ترتدى لباس المشفى الأبيض ..
اجفل حازم وتوجه بنظره نحو الباب .. تبعه دخول تلك المجنونة باندفاع داخل الغرفة .. وخلفها والدته واروى .. التى نظرت إليه بعطف ما ان رأته أمامها واقف بتلك الهيئة…
ووالدته وضعت الحقيبة على أحد الكراسى و وقفت بجوار السريرمن الناحية الاخرى .. وسألته وهى تمرر يديها على وجه نور
” كيف حالها الآن؟؟!! ”
” بخير .. والطبيب قال لا يسمح لها بالزيارات الآن فهى تحتاج إلى الراحة ..
قالها وهو ينظر إلى ريم بشر متابعا بحدة ..
” هناك بشر مجانين .. يحتاجون إلى تعلم الذوق قبل ان يدخلوا إلى غرفة أحد ما ”
رفعت ريم إحدى حاجبيها ما ان علمت أن الكلام موجه اليها فهى من اندفعت بالدخول وقالت متجاهلة كلامه ..
” يجب علينا أن نقوم بتغير ملابسها .. ف رائحة المخدر شديدة للغاية ..”
” نعم عندك حق ”
ردت نورا بهدوء .. ووجهت نظرها نحو حازم لثوانى .. وريم هى الأخرى تنظر إليه وهى تقول بسخرية
” يبدو .. أن السيد حازم لم يفهم نظرات والدته التى تخبره ان يخرج .. ام انه يريد أن يراقب بدون خجل ”
اصتك حازم على أسنانه بغضب .. ونظر إليها بشر يحاول ان يجمع رباطة جاشه..
و تحرك ببط خارجا من الغرفة لكنه قبل ان يغلق الباب .. وجد لسان ريم يخرج بانتصار مغيظا إياها …
فقال من بين أسنانه
” مجنونة ”
اتسعت عيناها وردت هى الأخرى بسرعة وغضب من بين أسنانها
” طفل ”
……………………..
ولج حازم إلى الغرفة .. بعد ما يقرب الساعة .. ورأى نور قد افاقت قليلا من المخدر .. ولكنها ما تزال تنام على بطنها .. وريم تجلس بجوارها والأخرى تبتسم لكلامها .. وهى تحاول اطعامها القليل من الطعام الذى احضرته الممرضة لها ..
واروى تجلس على أحد الكراسى فى الغرفة تبتسم لدعابات ريم .. و والدته تجلس بجوارها على الكرسى ..
تنحنح فى وقفته غير قادر على إخراج كلماته فى حضور الثلاثة نساء الذين زادوا من ارتباكه من نظراتهن له ..
اقترب منها بخطوات وءيدة.. رفعت نظرها نحوه وهى تقول بخفوت و ابتسامة على وجهها
” لا تقلق انا بخير ”
قالتها قبل ان يسألها حتى وكأنها رأت .. قلقه وخوفه بين عيناه ..
هز رأسه ثم جلس بجوار والدته ..
رفعت ريم إحدى حاجبيها وهى ترى تصرفاته التى تماثل السقيع فى برودته وقالت بخفوت من بين أسنانها
” إبن والدته ”
لم يستمع أحد إلى كلماتها غير نور التى ابتسمت وقالت بخفوت تنهرها
” ريم .. كونى عاقلة ”
فمالت الاخرى برأسها نحو نور قائلة قرب اذنيها .. وهى تبتسم بانتصار لنظرات حازم المغتاظة من قربها لنور ..
” أقسم أن لديه يد فيما حدث لك ”
” ريم.. لا تظلميه .. هو ليس له ذنب انا من وقعت ولولا انه انقذنى واتى بسرعة لربما حدث لى الاسوء ”
قالتها نور مدافعة عنه .. و عيناها لم تكف عن مراقبته وهو جالس .. فكان من حسن حظها انه يجلس من الجهة التى وجهها به ..
*****************************************
وقفت بثينة أمام المرآة وهى تتفحص ما ترتديه بعيناها .. ثوب من الحرير باللون الزيتونى قصير يصل إلى ما بعد الركبة ذراعين عاريان وذو حمالات رفيعة.. فلاول مرة يوافق حسام على أن ترتدى شئ كهذا .. رغم انه أظهر اعتراضه عدة مرات .. لكن هذه المرة وافق .. ولم يعترض ..وكم تعجبت من هذا
منذ ايام وبعد أن تصالحا.. تفاجأت به يطلب منها أن تعد الحقائب ليذهبا إلى أحد القرى السياحية ليقضيا بها بعض الوقت .. فهما بحاجة إلى التقرب أكثر من بعضهما سعدت بهذا الاقتراح .. وبدأت فعلا فى إعداد ملابسهم جميعا ..
وسافروا وها هم الثلاثة يجلسوا فى جناح واسع وراقى .. بالإضافة إلى تخصيص حسام مربية ل ميا .. حتى يستطيعا الخروج مع بعضهما فى بعض الأوقات ..
الأيام التى قضوها فى هذه القرية كانت هادئة واستمتعوا بكل لحظة وهم مع بعضهم .. وحسام أصبح يتقرب من ميا أكثر وأكثر .. حتى أصبحت الصغيرة تصرخ وتبكى ما ان يبتعد عنها ..
لكن اليوم أخبرها أنهما مدعوان للعشاء من أحد أصدقاءه القدامى .. وعليها ان تكون جميلة اليوم ..
” هل انتهيتى؟؟ ”
اجفلت بثينة وهى تستمع لصوت حسام من خلفها وردت بهدوء
” نعم ”
تقربت منه ما ان رأته واقفا ويحمل بين يديه رابطة عنقها .. منتظرا ان تأتى لتعقدها له ..
عقدت الرابطة حول عنقه ..
و سألته بهدوء
” من صديقك هذا ؟؟ .. وهل كان يعرف بحضورنا إلى هنا ؟؟!!”
” نعم بالطبع .. فهو صاحب تلك القرية ..
قالها ثم ابتعد عنها و تابع وهو يرتدى حذائه
” وأيضا أفكر بأن اشاركه بها .. ما رأيك ”
تفاجأت بثينة من كلامه .. لقد أتى اذا من أجل العمل .. حسام لن يتغير ابدا .. حتى وإن قال بنفسه انه تغير سيظل كل همه هو العمل ..
” انه عملك.. وما هو أفضل لك أفعله ”
قالتها بخفوت وانزعاج لم تستطع اخفاءه ووقفت أمام المرآة تكمل وضع زينتها ..
شعر حسام بتوتر الجو بينهما .. أراد الحديث معها لكنه فضل ان يتحدثا ما ان يعودا من هذا العشاء ..
تباطات ذراعه وهى تدلف إلى المطعم الفخم .. المجهز بطريقة حديثة .. حتى قادها حسام إلى أحد الطاولات ما ان لمح صديقه المقصود ..
كانت الطاولة يجلس عليها رجل وامراتان .. الأولى ذات ملامح هادءة وقد عرفت انها زوجة صديق حسام .. ام الثانية فملامحها لم تكن غريبة عليها وشعرت بانقباض حاد فى صدرها ما ان تصافحا.. عرفت أن اسمها عزة ..
جلست بهدوء و بجوارها حسام الذى لم يكف عن التحدث هو وصديقه .. بينما المرأة الاخرى ترمقها بتفحص وتكبر .. وكأنها لا شئ أمامها …
لم تشعر بثينة بالراحة طوال الأمسية وهى ترى نظرات المدعوة عزة إليها ..
” هل لديكم أطفال؟؟!! ”
سألت المدعوة عزة فجأة
فأجاب حسام بسرور
” نعم لدينا طفلة صغيرة رائعة ”
ابتسمت عزة ببرود و سألت مرة أخرى
” ما اسمها؟؟ ”
إجابها أيضا حسام
” ميا ..
عقد الجالسون كلا منهم حاجبيه من غرابة الاسم
فابتسم حسام وضحك بقوة قائلا
” حتى انا استغربت من الاسم .. انه اسم جميل وصغير ومعناه العظيمة ..
ثم تابع بتفاخر. . فالبطبع ابنة حسام .. يجب ان تكون اعظم امرأة فى هذا العالم ”
عبس وجه المرأة واحتقن وجهها .. فى حين الرجل والمرأة ابتسما لكلام حسام ..
وسألته زوجة صديقه بمراوغة وكأنها تسدد ضربة إلى عزة الغاضبة بجوارها
“وهل هى تشبهك ام تشبه والدتها؟؟!! ”
” ميا تشبه بثينة كثيرا.. بل تكاد تكون مطابقة لها ”
قالها حسام مبتسما وطبع قبلة طويلة على اصابع زوجته الصامتة .. التى لا تشعر بالاطمئنان ابدا من هذه الجلسة …
ابتسمت عزة شبه ابتسامة ثم وجهت نظرها نحو طبقها.. والغيرة والغل ينهش قلبها .. فالرجل الذى أحبته .. ووقفت معه .. وبدلا من تكون هى الجالسة الآن بجواره .. هناك امرأة أخرى غيرها معه ويمسك بيديها .. وما ان قهرها و ازعجها أكثر هو نظراته التى لم يكف عن رمقها لزوجته بدون خجل .. وكأنه يريد ان يعلن أمام الجميع ان هذه المرأة هى حبيبته وزوجته ..
آهة ..أرادت الصراخ بها لكنها كتمت كل هذا داخلها .. فهى لن تترك امرأة أخرى تكون معه غيرها
…………
بعد انتهاء الأمسية دلفت بثينة إلى جناحهما وخلفها حسام .. الذى حاوطها بذراعيه من الخلف قائلا قرب أذنيه
” لقد كنتى هادئة للغاية طوال العشاء .. هل هناك شئ يزعجك؟! ”
” هل تخبره حقا بما يزعجها .. ام لا تفعل .. ” قالتها فى نفسها
“لا شئ كنت متعبة فقط ”
همست بها بخفوت .. فبثينة كعادتها فضلت الكتمان … ثم أدارت جسدها ولفت ذراعيها حول رقبته .. وهى تقول بخفوت
” أحبك ”
أبتسم حسام وقهقه عاليا .. ثم ضمها إلى صدره وعانقها بقوة …
************************************************
خرجت نور بعد عدة ايام من المشفى .. بعد أن تحسنت حالتها ..
و جلست عدة أسابيع فى الغرفة لا تتحرك .. حتى التامت جروحها …
جلست نور على السرير تراقب حازم الواقف أمامها .. الذى لم يحاول التحدث إليها خلال الأيام السابقة طيلة مرضها .. يطمئن عليها بكلمات مقتضبة لا أكثر ثم يترك الغرفة .. غير مهتما بها .. رغم أنها تشعر بأنه يلوم نفسه على ما حدث لها .. وخصوصا بعدما أخبرها انه هو من ألقى بتلك الفازة الكرستالية .. وأنه نسى تماما أخبار شخصا ما بجمع تلك القطع .. أخبرته انه ليس لديه ذنب .. ولا يجب عليه ان يلوم نفسه .. لكنه لم يستمع إليها وها هو يحاول تجاهلها
” لقد مللت هل يمكننى أن أعود إلى العمل فى الشركة ”
قالتها نور بهدوء مخفضة رأسها
استدار بجسده نحوها ثم قال بهدوء يخفى به غضبه ..
” ما زلتى مريضة .. عليك البقاء مرتاحة لعدة ايام أخرى ”
ما كادت تجادله حتى سمعت صوت دقات على الباب ودخول الخادمة تخبرها .. بحضور كلا من السيدتان اروى وريم ..
وكأنه انتهز الفرصة لوجود الخادمة لكى يهرب من الحديث والجدال معها ..
وقال بهدوء
” سنتحدث فى وقت آخر ”
قالها وخرج وهى تكاد تتمزق من الغيظ .. من حظها العاثر فلا تستطيع ان تكمل كلامها معه لمرة واحدة ابدا ..
جلستا كلا من اروى وريم على الأريكة بتعب ما ان دلفا إلى غرفة الصالون الموجودة فى الطابق العلوى .. ونور تجلس قبالتهم
” أين كنتما تبدوان متعبتان؟؟ ”
سألتهم نور
” لقد كنا عند الطبيبة النسائية الخاصة باروى ”
ردت ريم
ابتسمت نور وسالتها باهتمام
” و بماذا اخبرتك؟؟!”
عبس وجه اروى وقالت بحزن
” هناك احتمال كبير ان أنجب خلال هذه الأيام ”
” ماذا لكنك ما زلتى فى شهرك السابع؟! .. كيف؟؟ ”
هتفت بها نور بقلق
” انه أمر عادى لا تقلقى هناك نساء كثر ينجبن فى الشهر السابع .. ويكون الأطفال اصحاء وبخير ”
طمانتها ريم
” انا لست خائفة من أن أنجب الآن .. لكننى حزينة انه لن يكون بجوارى .. لكى يمسك بيدى ويخبرنى إن

error: