رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل التاسع والعشرون (الجزء الثانى)
……………………..…………………….
ضربة ثم اثنان ثم تلتها الثالثة ..والعديد من الضربات على ذلك الحائط المتين الذى لولا متانته لتصدعت جدرانه من قوة الضربة … يضرب الكرة الصغيرة بالحاءط فى صالة الاسكواش المغلقة بكل قوة لديه … يحاول أن يفرغ كل طاقته السلبية بها … وقف للحظات محاولا أخذ أنفاسه … وهو يراقب كاسر الذى لم يتعب بعد ما زال يضرب بمضربه الكرة التى كانت تعود إليه بقوة مماثلة لقوة ضربته …
” فلناخذ استراحة ” اقترح سيف … و جلس على أحد المقاعد الموجودة خارج الصالة الزجاجية … تبعه كاسر الذى التقط إحدى زجاجات المياه المعدنية … وجلس على الطرف الآخر من المقعد …
” لا يوجد أفضل من هذا المكان لتفرغ به كل طاقتك السلبية وتريح نفسك من الأفكار ”
قالها سيف وهو يتنهد براحة
أطلق كاسر ضحكة مجلجلة على تعليق سيف وقال بتهكم من بين ضحكاته
” أنا أفكر بزوجتى او بالأحرى زوجتى السابقة التى تركتني … لكن أنت بماذا تفكر؟؟! .. وما الذى يشغلك حتى يجعلك تترك زوجتك مع والدتها وتأتى معى ؟!”
هز سيف برأسه بسخرية وهو يتشدق بابتسامة كاذبة يتساءل بنبرة غريبة جعلت كاسر يعقد ما بين حاجبيه
” نعم ما الذى أتى بى؟!! … هل تعلم !!… انت فعلا على حق ما الذى جعلنى أترك زوجتى .. وأتى معك لكى أبكى على الأطلال مثلك … ثم نظر إليه يسأله … هل توصلت إلى اى شئ عنها!!؟ .. هل عرفت أين هى؟؟! ”
” لا ” هز كاسر رأسه وتابع ساخرا محاولا إبعاد محور الحديث عن زوجته السابقة …
” يبدو ان جدك … ربما قد ذهب إلى أخيه عزت ”
“هل تعتقد هذا؟؟! ” ساله سيف بتمعن وتفكير
” لا أعلم!! ” رد عليه كاسر بضيق
نظر إليه سيف بحزن فهو يعلم أن كاسر ما زال يتألم لفقدانه قمر والانفصال عنها … يعلم جيدا أكثر من غيره ان كاسر ما زال يحب قمر … تزوجها رغم رفض الكثير له … لعدة أسباب وكانت ان قمر أصغر بكثير من كاسر والأخرى لانه عرف عنه عدم جديته وأنه كان دائما شخص مستهتر كثير المشاكل لن يعتمد عليه فى إنشاء منزل او عائلة يوما … ولكنه رغم كل هذا تزوجها رغم أنف الجميع وهى كانت متمسكة به أكثر منه .. لكن سبب تركها له بقى غامضا حتى الآن …
… غامت ملامح سيف وهو يرى عينا صديقه التائهة… كاسر كان صديقا له منذ ان كان صغيرا رغم فارق العمر الذى بينهما … إلا انه كان دائما يقف بجواره ولم يشعر يوما بأنه شخص منبوذ من قبله بل عامله كاخ أصغر له مثلما يعامل أخاه الأصغر حمزة ….
تابع كلامه وهو يتحرك مبتعدا عن مقعده … ألقى الزجاجة التى كان يحملها هو الآخر بإهمال وتحرك مبتعدا عنه …
وهو يقول بصوت عميق
” انسى أمر قمر يا كاسر … ستنتظر طويلا وهى لن تعود ”
القليل من المشاعر ظهرت على وجه كاسر … ما ان ذكر سيف قمر وتركه وحيدا بمشاعره المتخبطة هل يستطيع نسيانها … المرأة الوحيدة التى أحبها حقا … المرأة الوحيدة التى شعر بأنها ملكه … معها فقط شعر وكأنه طفل صغير وهى والدته الحنونة ووطنه الذى كان دائما يركض إليه ليحتمى به من اى شئ وكل شئ قد يزعجه …
تركته هكذا بدون سبب … بدون ان تتكلم … او تبرر او حتى تخبره بماذا أخطأ معها لكى تذهب ؟؟!….
أرجع رأسه على الحائط وهو مغمض العينان يتذكر آخر شئ تكلمت فيه معه …
بعدما جلس مع جدها عزت … ووافق أخيرا على أن يقابلها لمرة واحدة قبل أن يتم الطلاق …
تشدق بسخرية وهو يتذكر حديثه معها الذى تم من وراء الباب … حدثته من وراء باب الغرفة التى كانت تجلس بها … رفضت ان تواجهه وجها لوجه .. رفضت ان تتقابل اعينهما ولو للمرة الأخيرة …
فقط كلمة واحدة نطقتها ولم تقل غيرها
” طلقنى ”
هاج وأصبح كالثور وكاد ان يكسر الباب التى تحتمى به منه وهو يضرب بقبضة يده على خشب الباب الذى تأكد من ضرباته القوية له انه تم أحكام غلقه من الداخل جيدا … غضب وصرخ بالرفض ولكنها ترجته بطريقة ألمت قلبه وهو يستمع لشهقاتها المتلاحقة … يعلم انه أخطأ بفعلته معها عندما أخذ حقوقه الزوجية منها بطريقة هو نفسه كره نفسه بسببها … لكن ماذا يفعل هى من اضطرته لهذا؟؟! … وهى كان يجب عليها ان تتحمله … لا أن تتركه مع أول خطأ حدث بينهما … لماذا لا تسامحه لهذا الخطأ؟؟!!! … وهو ألم يسامحها رغم أنها قامت بقتل ابنه الذى أنتظره طويلا كسرت قلبه … غضبه أحرق كل شى حوله هدم حصون هدوءه… وحطمها معه …
كلماتها التى كسرت ظهره و كانت كالسكين التى غرست فى قلبه …
وهى تقول بكل أنانية وبرود
” أنا لم أحبك يوما يا كاسر … زواجى منك كان فقط مجرد طوق نجاة حتى يخرجنى من هذا المنزل … حتى أستطيع أن اكون حرة بعيدة عن سيطرة وتحكمات والدى … وعالم والدتى الضعيف … أردت أن أكون قوية معك ولكنك اضعفتنى والمتنى… اخبرتنى بطريقتك ان أحلامي الوردية التى تمنيتها لن أصل إليها ابدا وأنها مجرد وهم وأحلام سخيفة … هراء …كل شئ هراء … كل ما تمنيته هراء … كل ما حلمت به معك هراء … حتى وعدك لى كسرته …. عشت معك … وكل يوم تثبت لى انك نسخة مصغرة منه … انك مثله وأنا لن أستطيع العيش مع شخص مثل والدى … لأننى لن أكون والدتى … لن أكون ضعيفة … هل فهمت انا لن أكون ضعيفة … لذا طلقنى … وابتعد عنى.. طلقنى ”
شعر بسقوطها منهارة على ارضية الغرفة … تمنى كسر هذا الباب وضمها إلى صدره حتى يخبرها … انه أحمق … أخطأ وهى يجب ان تسامحه …
فهمس بصوت مختنق وهو يرجوها
” سامحينى ”
نطقت بصوت محطم ضعيف من بين شهقاتها
“لا أستطيع … طلقنى ”
“انتى طالق ”
كبرياءه اللعين منعه من التذلل لها أكثر حتى تسامحه … حقق طلبها بقلب يبكى ألما … وهو يستمع لشهقاتها التى حاولت كتمها…
وقالت بقوة هو حتى لا يعلم كيف وصلت إليها
” بالثلاثة ”
” لا أستطيع … لا أستطيع … اتركى لى حبل واحد يمكنى من الوصول إليك مرة أخرى ”
قال كلمته وتركها … فى نفس اليوم وقع أوراق الطلاق بعد ان أصر ان يعطيها كل حقوقها التى هى نفسها رفضتها … ومن يومها وهو لم يعلم عنها شى ….
دمعة واحدة خائنة نزلت من عيناه مسحها بقوة … فهو لن يستسلم … وسيظل يبحث عنها … سيبحث حتى لو اضطر ان يجوب هذا العالم … سيبحث حتى يجدها وحينها لن يتركها ابدا ولن يمنعها أحدا منه … مهما كانت الطريقة والثمن ….
أمسك بقبضة مشددة بمضربه وتحرك يكمل ما بدأه … فهو لا يريد العودة إلى منزله البارد الآن الذى لا يذكره إلا بها … بعد ان ضغط على زر التشغيل بالمسجل الصغير يستمع إلى أغنيته المفضلة التى لا تعبر إلا عن شوقه لها … سمراءه التى تركته متخبط بمشاعره لها …
اه يا اسمرانى اللون حبيبى يا الاسمرانى …
يا عيونى نسيانى عيون ..حبيبى الاسمرانى
آه..تحت الرمش عتاب وحنين..وعذاب وعيون ما تنام
آه.. دوقت معاك طعم الأيام .. والوقت تغيب ياسلام
جونى سألوني … جاوبتهم عنى دموع عينى
علشانك امشيها بلاد … حبيبى يا اسمرانى
من غير ولا مياه ولا زاد …يا حبيبى يا اسمرانى
آه… يا اسمرانى اللون …. حبيبى الاسمرانى
آه… ياللى عيونك شمعة
وضحكة وبحر ونسمة صيف
آه… أنت رسيت وأنا وسط الشوق
حيران من غير مجاديف
جونى … و سالونى …جاوبتهم عنى دموع عينى
يا طير يا مسافر لبعيد
روح قول للاسمرانى
ليه سافر ونسى المواعيد
يا حبيبى يا اسمرانى
آه.. يا اسمرانى اللون …. حبيبى يا الاسمرانى
********************************************
اقترب منها بخطوات مدروسة وهو يراقب جسدها المتصلب و يديها التى تشتد قبضتها …ركضت حيث غرفتهما مع خروج آخر شخص من المدعوين … يعلم انها فى أوج غضبها وأن ما رأته اليوم لن يمر بسهولة … ولكنه يجب عليه ان يمر … دنا منها حتى وقف خلفها مباشرة وهو يشعر بتنفسها المضطرب …. قرب يده وما ان لامست أصابعه ذراعيها حتى ابتعدت عنه كالمصعوقة ونظرت إليه نظرة احرقت قلبه … نظرة خوف …
” نورا…!!” همس بها برجاء
لكنها ابتعدت عنه أكثر وهى تنظر إليه بحذر وخوف …
قال بصوت هادئ يحاول إبعاد تلك النظرة عن عيناها
” نورا … ما حدث اننى فقط …”
” ما حدث إننى أصبحت أخاف منك !… ما حدث إننى لم أعد أعرفك!! … من تكون ؟؟!… لماذا كل فترة اعرف عنك شيئا مختلفا عن سابقه؟؟! … هتفت بها نورا وهى تتراجع للخلف مع كل جملة تقولها وعيناها تهتزان رعبا …
اقترب منها محاولا تهدءتها حتى يستطيع الحديث معها ولكنها صرخت بقوة وهى تبكى بحرقة
” لماذاااا ؟!!… لماذا تفعل أشياء تجعلنى اخافك!! … لماذا تثبت لى إننى دائما على صواب فيما أشعر به واحساسى بعدم الأمان نحوك !؟؟… أصبحت اخافك!! … قالتها وهى تضع يديها على ذراعيها وهى تنظر إليه بحيرة تحاول البحث فى وجهه عن اى شى .. اى شى يجعلها تشعر بالأمان .. لكنها لم تجد غير نظراته الصلبة التى يحاول جعلها لطيفة ولينة معها … ولكنه مهما فعل سيظل … مراد السيوفى … الرجل الذى رغم عشقها له إلا أنها تخافه … سلطته وهالته… عدم وجود أحد يستطيع الوقوف أمامه يجعلها ضعيفة خائفة…. اتخذت قرارها منذ بداية فترة زواجهما أمر الانفصال عنه ولكنها لم تستطع … كبلها … وارغمها على البقاء معه … تحملت .. تحملت فقط من أجل حازم … وشعرت ببعض الراحة ما ان أقسم لها أنه سيبدأ من جديد معها … لكن المحامى النذل ما زال يسكنه … سيظل كما هو لن يتغير … الكذب والخداع والمؤامرات ما زالت فى دماءه… لن تختفى إلا باختفاءه …
بلع ريقه .. وأخذ نفسا عميقا وقال بثبات ولم يطرف له جفن …
” ما الذى فعلته؟! … أمر روز وياسين لا شأن لكى بهما … وكل ما حدث من أمر وفاة روز وأخذ نور من والدتها كلها كان بتعلمات من ياسين … نحن لم نقل له … حتى لو … هتف بها بصوتا عالى … حتى لو نحن الذين اقترحنا عليه هذا … لماذا انتى منزعجة … لا شأن لكى بما يحدث … هل فهمتى ”
عيناها اهتزتا مقلتيها وهى تنظر إليه مشدوهة …
وقالت بصوت متحشرج عالى ومتقطع بسبب رجفة جسدها التى لم تستطع التحكم بها
” نعم … لا شأن لى .. أخذ طفلة وحرمانها من والدتها ليست جريمة لكى أتحدث … انها مجرد خطة من خطط زوجى أمير الدهاء … قالتها بسخرية جعلته ينظر اليها بوحشية … تابعت … تابعت بقوة أكثر وكأنها كانت تنتظر كل هذا ان يحدث …
” مراد يجب ان ننفصل ”
” بمعنى ” سألها وعيناه تلتمع غضبا
ردت بثبات وقوة
” بمعنى طلقنى … انا لم أتحمل كل ما مضى إلا من أجل حازم فقط .. وأبنى كبر وتزوج إذا لا داعى من استمرارنا هكذا …
فى ثانية كان يقبض على ذراعيها بقوة وهو يصتك على اسنانه …وينظر إليها لتصمت ولكنها لم تفعل ولن تفعل …
” بينى وبينك شرخ كبير … منذ اليوم الذى استمعت فيه إلى والدتك وتزوجت … تزوجت من دون علمى … و أتيت إلى المكان الذى اعتقدت انه جنتى ومملكتى انا فقط … مع زوجتك … بعد ان كنت ترى معاملة والدتك لى وتصمت … بعد ان كنت أرى احتقار الجميع … لأننى غير مناسبة للمحامى الكبير مراد السيوفى … بعد ان كنت أرى صديقتى الوحيدة تسقط أوراقها وتذبل بسبب ترك سليم لها لمجرد انها أرادت أن تكون ام …بدلا من ان يكون بجوارها ويساندها تركها .. تركها وهى ماتت حتى لم يلتفت إلى طفله … وعندما أرى تعاونكم أنتم الأربعة عندما تضعون فقط أحد ما براسكم… تسحقوه بأقدامكم وكأنه ليس بشرا … وعندما أدخلت الرجل الذى فكر فى الزواج بى فقط الى السجن لتتزوجنى …. والآن عندما وجدت وعرفت كم أنا اكرهكم أنتم الأربعة ”
تركها وهو ينظر اليها بذهول
” كل هذا فى قلبك يا نورا ”
” نعم ” صرخت ثم تابعت وعيناها حمراء من البكاء ومن أوج غضبها
“تعلم إننى لم أكن أحبك … من أجل ابنى فقط تحملت ورضيت من أجل حازم فقط قبلت بكل شئ ”
” كاذبة … كاذبة يا نورا انتى لم تحبى رجلا مثلما احببتى مراد … انه والد ابنك الوحيد هل يوجد أفضل من هذا … لكنه كاذب … دهاءه وذكاءه أصبح يخيفنى… ما زال ماضيه وما فعله سابقا يطاردها يمنعها السلام … فيتسرب الخوف والرعب إليها … تخافه .. تهابه… رغم أنها تحبه .. إلا أنها تخافه …” حدثت نورا نفسها بذلك وهى تغلق عيناها بقوة ودموعها تسقط على وجنتيها تحرقهما….
” لن اطلقك” همس باختناق
ثم تابع بتبرير يحاول أن يفهمها كل ما فعله ….
” لماذا تظلين تتحدثين عن الماضى زواجى السابق تعلمين سببه .. أما بما حدث بين فيروز وسليم انا لا شأن لى به … وما فعله ياسين وأخذه لابنته فأنا لست مضطرا لكى أخبرك عن السبب …قالها بثبات … ثم تابع ببرود … أما طلاق فلن أطلق يا نورا … لا شئ سيفصلنى عنك غير الموت ”
هتف بها وخرج … وهى تركت العنان أكثر لدموعها ….
*********************************************
وقفت بجسد واهن فى وسط الجناح ما ان دلفا إليه وراسها منخفض تستمع برعب إلى صوت تنفسه من شدة الصمت والسكون بينهما … نظر حازم إليها للحظات … ثم همس بخفوت
” يمكنك ان تجلسى علينا أن نتحدث ”
ثبتت فى مكانها للحظات لكنها سرعان ما جلست على الأريكة التى كانت خلفها مباشرة … وكان سماحه لها بالجلوس أتى مناسبا فهى لا تكاد تشعر بقدميها وتقسم بانها ربما تسقط على الأرض فى اى وقت … جلست وهى تفرك يديها بتوتر واضح وضيق جلى على وجهها العابس و الخائف فى آن واحد تحارب رغبة قوية لديها فى إغماض عيناها والهروب من ما هى به الآن
… تنهد بخفوت وحاول أن يزدرد ريقه وهو يراقب حسنها أمامه … الفستان الأبيض الذى علم من والدته انها صمتت على اختياره هكذا رغم رفض الجميع و دهشتهم لاختيار ثوب كهذا عكس الذى تتمناه اى عروس … هو ليس سيءا ولكنه ليس بالروعة … ابيض كحال اى فساتين الزفاف … ولكنه خالى من اى شى قد يجعله لامعا… يشبه ربما فساتين الزفاف التى كان يشاهدها فى الأفلام القديمة … فستان بحملات عريضة على الكتفان … قصير إلى ما بعد الركبة… ضيق و ملتف حول جسدها وكأنه جلد ثان لها … لولا قماش الثوب الثقيل نوعا ما لكان أظهر الكثير … بالإضافة إلى قطعة القماش الطويلة المخرمة التى تلتف حول خصرها مفتوحة من الإمام … ومن الخلف تشبه الذيل بسبب طولها وافتراشها الأرض …
هل صح بوصفه لهذا الثوب ام انه مخطئ … تساءل حازم فى نفسه …
ضيق عيناه وهو لا يعلم من أين وكيف يبدأ الحديث معها … هل يؤدى دوره فى هذا اليوم وينهى الأمر؟؟!… ام ينتظر!! … لا يعلم ماذا يفعل؟؟! … لو كان تحدث معها قبل الزفاف لكان أفضل … تبا … تبا … هتف بها فى نفسه … وهو يشعر بالحيرة والتساؤل …. لأول مرة يشعر بأنه فى مأزق لا يعرف كيف يخرج منه … او كيف يتصرف … تنهد بضعف وهو يمرر يديه على وجهه يحاول تجميع كلمات مناسبة …
شعر بتصلبها المبالغ به أثناء جلوسها … جلست وكأنها تمثال للشمع لم تتحرك مطلقا … فقط ضمت قدميها الممشوقة… ووضعت يديها اللتان تقبضانهما ببعضهما بتوتر فى حجرها …
جلس بجوارها على بعد مسافة بينهما وقال بنبرة حاول عدم إخراجها مضطربة
” ما رأيك ان تذهبى وتبدلى هذا الفستان أولا ” اقترح
همت من وقفتها بسرعة وبخطوات حاولت جعلها ثابتة تحركت … اقتربت من الغرفة التى عرفت بحدسها انها غرفة النوم … وما كادت تضع يديها على المقبض حتى لم تعد تشعر بنفسها أكثر وقدميها تحولتا لهلام … ابتسمت بخفوت وهى ترحب بتلك الغمامة التى اجتاحت رأسها … وسقطت مغشيا عليها ….
ركض نحوها وجثى بركتيه إليها برعب وهو ينظر إلى ملامحها الشاحبة …
” تبا ..” صرخ بها حازم وهو يحملها ويسب ببعض الألفاظ التى خرجت دون قصدا منه …
******************************************
دلف إلى غرفة النوم بخطى متعبة خالعا سترة بذلته .. أنار الأضواء … بحث بعيناه عنها فى أنحاء الغرفة لكنه وجدها خالية منها … ضيق ما بين حاجبيه … دلف إلى الحمام مباشرة لكنه وجده خاليا أيضا … اجفل عندما سمع صوت هاتفه يرن … أخرجه من جيبه … فتحه وهو يقراء محتوى الرسالة التى وصلت إليها بوجه محتقن
” آسفة … والدتى مرضة فجأة وأنا معها الآن ”
” حسنا ساتى لاخذك حالا ” أرسلها … ولم ينتظر ردها وخرج من الغرفة بخطى سريعة متعجلة….
وقف بسيارته أمام منزل عمته … وما ان ترجل منها حتى أرسل لها رسالة مختصرة …
” اخرجى انا أمام المنزل ”
وقف وهو يستند باحدى يديه على مقدمة السيارة …لمحها وهى تخرج من المنزل ببيجامة النوم وواضعة على كتفيها شال من الصوف كبير … حدق بها لثوانى … وهو يلاحظ شحوب وجهها وعيناها المتعبة …
” كيف حال عمتى؟!… هل أصبحت أفصل!! ” سألها سيف …
” بخير ” أجابت بخفوت
ضيق ما بين عيناه وهو يراقب محاولتها حتى تبعد عيناها من النظر إليه وكأنها تحاول إخفاء شئ …
فقال مستغربا
” هل بها شى ؟!!”
” لا .. لا ..انها فقط تحتاج للراحة لعدة ايام … قالتها اروى ثم صمتت قليلا قائلة بخفوت … وكما تعلم انا ابنتها الوحيدة … ولا يجب ان أتركها … لذا سأبقى معها حتى تشفى تماما …”
” إلى متى؟؟@ ” سألها وهو يرفع أحد حاجبيه
” لعدة ايام فقط ” قالتها بسرعة
حدق بها بقوة وهو يشعر بشئ غريب بها …وكأنها تخفى شيئا… او ربما زوجته كاذبة … تكذب عليه .. لكن لماذا قد تكذب؟؟ …
نظر إليها بتمعن … وهو يراقب توترها وحركة يديها التى تعبر عن ارتباكها… تنهد بقوة وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره البنية بنفاذ صبر …
وقال بهدوء رغم ضيقه
” ادخلى يا اروى … وعندما تريدين العودة انتى تعريفين جيدا عنوان منزلك ”
قالها وهو ينظر اليها بحدة … رفعت رأسها بسرعة نحوه …ناظرة إليه تستجديه ان يستمع إليها بعد نبرته تلك التى تعبر عن نفاذ صبره
” سيف … انا .. فقط ..”
قاطعها بسرعة بنبرة متزنة تحمل بعضا من العصيبة
” انتى لا تعرفين الكذب … لقد أصبحت أعرفك أكثر مما تعرفين انتى نفسك … ادخلى يا اروى .. عدة ايام فقط .. وساتى لاخذك .. ربما انتى حقا بحاجة إليهم … ولكن بعدها انا لن أسمح بصمتك … يجب ان اعرف كل شى .. هل فهمتى ”
” سيف .. فقط ” قالتها برجاء
ولكنه قاطعها مرة أخرى قائلا بتبرة لا تحمل الجدال تعبر عن غضبه
” ادخلى يا اروى .. الجو بارد … اذهبى … حتى أستطيع الذهاب انا أيضا ”
نظرت إليه بأعين دامعة لكنه تجاهلها … وأعطاها ظهره … فابتعدت عنه بخطوات بطيئة للغاية … وما ان كادت تقترب من باب المنزل حتى استدار بجسده ينظر إليه بخيبة كبيرة … وفمه يتشدق بابتسامة ساخرة
” يبدو أن عائلة السيوفى بأكملها لديها عادة الهرب … لكننى لن أسمح لك .. لقد اصبحتى منى وانتهى الأمر … عدة ايام فقط وسأعود …”
ما ان دلفت إلى غرفتها حتى تهاوت على السرير وهى تلتف بذراعيها حول كتفيها … وهى تبكى بقوة وجسدها يهتز من شهقاتها المتتالية … هل أخطأت بقرارها بالابتعاد لعدة ايام فقط … حتى تستطيع ان تجمع شتات نفسها … و ترتب كلماتها … رغم اهتمامه بها إلا انها ما زالت لا تشعر بحبه … ما زال كما هو … خائفة من ان يكون بقائها معه مجرد ورقة حتى يستطيع الوصول إلى ما يريده … أفكارها تكاد تسلبها عقلها من التفكير … انزلقت بجسدها تحت الغطاء وهى ترتجف من البرد …
وقف لدقائق وهو ينظر إلى نافذة غرفتها وما ان وجد ان الأنوار أغلقت حتى صعد لسيارته … منطلقا بسرعة أحدثت سحابة من الغبار خلفه …..
دلف عادل إلى غرفته وهو يفك ربطة عنقه بتافف واختناق وعيناه شبه مغمضة … لقد كان هذا اليوم اسطوريا بحق اولا بحضور روز المفاجئ الذى لم يتوقعه ولا واحدا منهم … وفوق كل هذا معرفة نورا بأنها ما زالت على قيد الحياة ولم تمت وان ما قالوه للجميع كانت مجرد أكاذيب … بالتأكيد ستقوم بحرقنا نحن الأربعة قريبا … بعد ان كانت تنظر إلينا بكره وكأننا عصابة او مجموعة من مصاصين الدماء … تمتص دماء البشر … ألم تنعتنا بالفعل روز بهذا .. عصابة حمتها ابنتها … لن يبرر أخطائهم ولكنه أيضا لن يقول أنهم أخطأوا … احيانا كثيرة كانت بعض المشاكل التى يواجهوها كانت تحتاج منهم إلى الدهاء وربما أيضا بعض المكر والقسوة … لكنهم تعهدوا الا يفعلوا اى شى قد يؤذى من حولهم منذ ان عاد سليم … وعادوا جميعا بنور …
خلع سترته والقاها بإهمال على كرسى الزينة .. وما ان دار بجسده حتى فزع … وهو يجد زوجته فريدة تجلس على السرير مستندة بظهرها على ظهر السرير … وتجلس وكأنها كانت بانتظاره…
” ما هذا يا فريدة ما زلتى مستيقظة !!؟… لماذا لم تقولى شيئا لقد فزعت من جلستك؟؟! ”
رفعت إحدى حاجبيها وقالت بهدوء
” أنت من كنت شاردا ماذا بك ؟!… بماذا تفكر؟؟ ” سألته بمكر
حدق بها من خلف نظارته الطبية وهو ينظر اليها بتفحص فهو يشعر بأن جلوسها هذا وراءه شئ .. فقال محاولا تغير الموضوع
“لقد رأيت سيارة زوجة ابنتك بالخارج … ويبدو وكأنه منزعج ”
” ربما لأن اروى أخبرته انها ستبقى هنا لعدة ايام ” ردت بنفس هدوءها
” هل تشاجرا؟؟!!” سألها
” لا …لا أعتقد هذا ” إجابته بخفوت رغم أنها تشعر ببعض التوتر بين ابنتها وزوجها … لكنها ستدع أمر اروى الآن وغدا ستتصرف … والآن يجب عليها ان تعلم بشئ سيمنعها النوم ان لم تتوصل إليه
” لقد رأيت روز ” قالتها بسرعة
التفتت إليها وهو يبلع ريقها بتوتر سرعان ما اخفاه … وقال بنبرة متزنة وهو يضحك بسخرية ..
” نعم رأيتها … ربما فى أحلامك … نامى يا فريدة لكى تستيقظى وتتحدثى مع ابنتك فربما كان بينها وبين زوجها شيئا مهما.. صمت ثم تابع بتركيز … ام أخبرك ..اذهبى إليها الآن ”
همت من السرير غاضبة وهى تهتفت بحدة
” عادل .. لا تحاول تغير الموضوع …أخبرك لقد رأيت روز بأم عينى كما أراك الآن ”
ضحك بخفوت وقال بنفس السخرية …مما ازعجتها
“نعم … لماذا لم تتحدثى إليها إذا ؟!”
” لقد كانت تمشى بسرعة … ثم تابعت بهدوء … روز لم تمت صحيح ”
نظر إلى عيناها لثوانى ثم قال باتزان وهو يدلف إلى الحمام …
” نامى يا فريدة انا متعب ”
حدقت بظهره وهى تهتف بأعين متسعة
” أقسم إننى رأيتها … انها هى .. انا لم أكن أحلم ”
ظلت ترددها وهى تجلس على السرير … إلى أن خرج عادل من الحمام … وهو يظهر مدى تعبه … وانزلق تحت الغطاء بسرعة … ونام بعد أن طبع قبلة على جبهتها…. وهو ما زال يرى جلوسها وشرودها. .. متمنيا ان يغط فى نومه بسرعة … ويخرج من حلقة تسالتها لليوم فهو غير قادر على مواجهة غضبها او التحدث معها فى اى شى فى هذه اللحظة …
تنهدت بضعف وأغلقت إضاءة المصباح الصغير بجوارها على الكومود…. وهى تعتزم على معرفة كل شئ
*********************************************
ينفث من سيجارته مرة ثم الثانية … ثم لم يعد يحتمل أكثر والقاها على الأرض بتململ و ضغط عليها بقدميه …شعر ببرودة الطقس الشديدة لهذا اليوم … وتنهد بضعف وهو يتذكر كل حركاتها المغرية وهى تسير ذهابا وعودة امامه طوال فترة الحفل … التى تكاد تجعله يهيم كالمجنون فى الطرقات وافعالها التى تجعله على وشك شد شعره … حبيبته مدللة وطفلة .. وتحتاج إلى التأديب …نعم … حدث مالك نفسه بذلك وهو يهم واقفا مبتعدا عن كرسيه … عازما على الصعود إليها وحينها فليحدث ما يحدث … فهو لا يستطيع مخاصمتها او الإدعاء بالانزعاج والغضب منها أكثر من هذا … سيذهب … نعم سيذهب .. ويجب أن يحصل منها على اعترافها بحبها له اليوم مهما كان الثمن والطريقة وهو يعرف جيدا ما هى الطريقة … صعد درجات السلم بسرعة ووقف أمام الغرفة وما كاد يدير المقبض … واحدة ثم اثنان … ومع محاولاته المتكررة وجد الباب يرفض ان يفتح … ظل يديره بغضب … حتى وجد صوتها يخرج ناعما وهى تسأل بدلال مقصود
” من؟؟!”
تشدق بسخرية … وكأنها لا تعلم من هو
” افتحى يا ريم انا مالك ”
” مالك من ؟؟!!!!!!..” قالتها بادعاء كاذب وهى تحاول استفزازه…. لكنه حافظ على رباطة جاشه …وقال بهدوء
” افتحى يا ريم … كفاكى أفعالا صبيانية انا متعب واحتاج إلى النوم ”
” لماذا أين كنت ؟؟!!!!!.. سألته لكنها سرعان ما قالت ببراءة
” آه لقد كنت مع هؤلاء القبيحات … فلتذهب إلى واحدة منهن … بالتأكيد منازلهن مفتوحة لأجلك فى اى وقت ومهما كانت الساعة ”
” ريم … افتحى .. وكفاكى… غيرتك هذه غير مقبولة انا لم أكن مع أحد ” هتف بها بحدة وقد نفذ صبره منها ومن أفعالها …
” لا …” قالتها وهو يستمع لصوت خطواتها التى تبتعد عن باب الغرفة …
شدد من قبضته ثم ضربها بقوة على الباب … مما جعلها تجفل فى مكانها …
” حسنا انتى من بداتى ” همس بها مالك من بين اسنانه
دلفت إلى الحمام وفمها يتشدق بابتسامة واسعة … فهى ستحقق انتقامها منه لتجاهله لها طوال اليوم .. بالإضافة لرؤيتها لهؤلاء الفتيات حوله وكأنه شهرايار وهن جواريه … طوال الحفل كانت تراقبه من بعيد وهى تكاد تميد من الغيظ .. لولا انها حافظت على الجزء المتبقى من عقلها لركضة إلى هولاء القبيحات وكانت شوهت وجه كل واحدة منهن باظافرها…. لكنها ستنتقم منه هو فقط … وهذا بالنسبة لها خير انتقام … ستجعله هكذا عدة ايام … حتى يعرف من هى ريم .. وبعدها ستفكر ان كانت ستسامحه ام لا … وما زاد غيظها هو عودتها مع والدته … بدلا من ان يعودا لكنه رحل بسيارته أولا … وعندما عادت لم تجده … فازداد قلبها اشتعالا …وهى تفكر انه قد ذهب مع إحداهن …
خرجت من الحمام …وهى ملتفة بمنشفة قطنية حول جسدها الأبيض … وهى تتحرك بخلاء وغنج … وتمتم باغنيتها المفضلة وتلحنها بدلال …
” إللى شوفته قبل ما تشوفك عنيا عمرى ضايع … يحسبوه ازاى عليا … إللى شوفته … ”
” الله عليك يا سيدتى الجميلة ”
اجفلت عندما استمعت إلى الصوت الاتى من خلفها … التفتت وصعقت عندما وجدت مالك جالسا على السرير بكل أريحية … وضعت يديها بسرعة حول خصرها غير ملاحظة لتلك المنشفة التى تلتف على جسدها كاشفة الكثير منه … وقالت بحدة
” كيف دخلت؟؟!! .. كيف تجرؤ على الدخول هكذا!! ”
ضحك بسخرية وهو يصفق بيديه بقوة …
” نكتة رائعة…. سيدتى… لكنها غرفتى ”
فضربت بقدميها على الأرض بقوة وهى ما تزال واضعة يديها حول خصرها
” تبا لك … كيف دخلت ”
تحرك مبتعدا عن السرير و بدأ فى فك أزرار قميصه …قائلا وهو يقترب منها بخطوات مدروسة وهادئة للغاية
” أخبرك بمكانى السرى الذى ادخل منه وحينها ستمنعينى من الدخول … لا هذا ليس عدلا … إلا إذا … صمت وهو ينظر اليها بمكر … ففرغت فاها وسألته ببلاهة..
” إلا إذا ماذا؟؟!! ”
فتابع وعيناه تلتمع مكرا وهو ينظر لكتفيها العاريان وشعرها الاحمر الهائج باغراء
” إلا إذا قمتى برشوتى… قالها وهو يقترب منها للغاية لكنها وضعت يديها حاجزا بينهما … فتابع بهمس أكثر … أقبل بجميع الرشاوى أيا كانت … ربما … قالها ثم صمت وهو يحدق ب المرآة التى خلفها … وعيناه تتسع ذهولا … فعقدت حاجبيها بقوة وسألته بسرعة تحثه على المتابعة …
” ماذا ؟؟!…”
” هناك ” قالها ثم صمت وعيناه ما زالت متسعة …
” ماذا هناك ؟؟!!!” هتفت بها بنفاذ صبر
” لا … لا تتحركى… هناك … هناك .. شيئا اسود على كتفك ”
قالها وهو يبلع ريقه بتوتر وخوف ظهر جلى على وجهه … فارتبكت وتسرب إليها هى الاخرى وهى تراقب عيناه المحدقة للمرآة …
” ما هو؟؟!! ”
” انه شى … اسود وكبير … إياك ان تتحركى .. حتى ابعده عنك ”
” لكننى لا أشعر بشئ ”
” انه …لا يتحرك … ابقى فقط حتى ابعده ”
” حسنا ” قالتها بسرعة
فوضع يده على كتفها وهى تغلق عيناها بقوة تشعر بلمسات يديه التى وصلت إلى ظهرها … انتظرت وانتظرت …
حتى قالت بنفاذ صبر …
” هل ابعدته ؟؟!!!!”
” انتظرى فقط انه يتحرك إلى أسفل ظهرك … لا تتحركى ” حثها بنبرة ناعمة
شعرت بأنفاسه عند رقبتها … و قبلته التى طبعها على كتفها … جعلتها تنتفض من مكانها و موجهة نظرة حارقة إليه قائلة بغضب
” كاذب … لقد كنت تخدعنى ”
احتقنت ملامحه وقال بهدوء
” انا لا أكذب هناك فعلا شيئا اسود اللون عند أعلى ظهرك ”
دارت براسها محاولة ان تنظر أعلى كتفيها لعلها ترى ما يقصد … حتى وضعت يديها بسرعة على وجهها من الخجل قائلة بهمس … ما أن تذكرت الرسمة التى رسمتها على ظهرها ليلة أمس …
” هل رايتها؟؟؟!! ”
ضحك بقوة من خجلها …
” نعم …جميلة … ” قالها باغراء …ثم تابع …
” هل هى لى؟؟!!! ”
أحمر وجهها خجلا … وهى تتذكر مصيبتها الأكبر المنشفة التى تكاد لا تغطى شيئا ونظراته السابقة لها … فلتنشق الأرض .. دعت فى نفسها … نعم فلتختفى او فلتقع ويغمى عليها حتى تستطيع الهرب من نظراته …
دنا منها … حتى حاوط جسدها بذراعيه… قائلا بصوتا اذابها
” هل هذا من أجل مصالحتى… أخبرك لقد فزتى انا دائما خاسرا أمامك … لا أستطيع أن اهزمك سحرك هو نقطة ضعفى…أحبك ” همس بها بصوت أشبع غرورها… لكنها قالت بدلال وهى تخفض رأسها التى لامست صدره
” لا انا لن اصالحك… اذهب إلى هولاء الحمقاوات … أنهن حتى لسنا جميلات … أذهب إليهن ألم تقضى معهن الوقت بأكمله … إذا اذهب إليهن ”
ضحك بخفوت وهو يراقب غيرتها الجلية على وجهها لكنه بالتأكيد لن يخبرها بغيرتها تلك لانه يعلم انها ستكابر وتنكر غيرتها …
فهمس بنعومة واغراء
” وهل يوجد من هن أجمل منك؟؟!!! .. انتى فقط ولا أحد غيرك .. يستطيع أن يملئ عيناى هاتان .. انتى فقط ” وتبع كلامه وهو يلتقط شفتيها ويعانقها بحنان جعلتها تذوب بين يديه … تخبره انه هو فقط ولا يوجد غيره من يستطيع ان يجعلها طفلة صغيرة بين يديه … تحتمى بصدره هو فقط … كما هى فقط من تستطيع ان تملئ عيناه ….
**************************************************
تسللت أشعة الشمس الذهبية إلى غرفة النوم فى الفندق الذى قضى به ليلته يراقبها وهى ما زالت نائمة وكأنها اتخذت من هذا النوم مكانا للهرب منه ومن العالم … لم تفتح عيناها منذ ان سقطت مغشيا عليها … حاول أن يجعلها تفيق لكنه فشل … فسارع بسرعة بطلب الطبيب … الذى أخبره انه مجرد إرهاق … وتحتاج فقط إلى الراحة والنوم … وأخبره انه من الأفضل أن يحاول أن يرفه عنها قليلا … استمع حازم إلى كلمات الطبيب بانصات شديد واهتمام … تنهد بضعف وهو يقف يراقب حركة صدرها التى تعلو وتنخفض …
رفرفت بجفونها… وهى تحاول أن تستوعب مكان تواجدها … تدعو فى نفسها ان يكون كل ما حدث لها مجرد حلم وهى اخيرا استفاقت منه … لكنها وجدت رجل واقفا بثبات ومرتديا بذلة سوداء …. انتقلت عيناها إلى وجهه … وصدمتها نظرته وعيناه السوداء المحدقة بها … وحينها تذكرت ان كل ما حدث لم يكن حلما … بل هى فى الحقيقة … و المسمى زوجها يقف بجسده أمامها …
” هل انتى بخير؟؟!! ” سألها بنبرة ناعمة … ناعمة للغاية وبها بعض القلق …
بلعت ريقها وظلت تنظر إليه لثوانى حتى استطاعت تحريك لسانها وشفتيها اخيرا وقالت بهمس وتعب
” نعم .. انا ..و ”
قاطعها بنظراته ثم دار بجسده ناظرا إلى النافذة التى خلفه … محاولا الابتعاد عن نظراتها …
” نور .. ما حدث البارحة انسيه… و يجب ان تعلمى شيئا واحدا .. انا على علم بأن هذا الزواج كان ضغطا عليكى … صمت للحظات ثم تابع ببرود … وأنا لن اضغط عليكى بالمقابل .. لن تكونى زوجتى إلا عندما تريدين انتى ذلك … الزواج أتى مفاجأة لكى انا أعلم … و لن تكون بين يدى أى امرأة لا ترغب بى … انا وانتى لا نعرف بعضنا بشكل كافا إذا فلنعطى لكل منا فرصة لكى تعرفينى واعرفك جيدا … وحينها تستطيعين البقاء او تستطيعين الرحيل …
نظرت إلى ظهره مشدوهة وهى تستمع إلى كلماته حتى التفت اليها وتابع وهو ينظر اليها باهتمام …
ومقابل هذا انا لا أريدك إلا أن تكونى بخير …”
نطق بكلماته وخرج من الغرفة وهى تنظر إلى أثره مشدوهة مما سمعت ….
***********************************************
نهاية الفصل التاسع والعشرون
……………
 

error: