رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل السادس والعشرون (الجزء الثانى)
قراءة ممتعة وشيقة …
دق دقات خفيفة على باب الغرفة ثم دلف مباشرة وجد اروى جالسة تستند بظهرها على السرير وبجوارها ريم ووالدتها تجلس على أحد الكراسى تحمل بين يديها أحد المجلات ….
فقال بهدوء ” سأخرج … و ربما أتأخر او أتى غدا صباحا …ثم تابع وهو ينظر لعمته. ..لذا هل يمكنك أن ان تبقى مع اروى اليوم لحين عودتى وسأحاول أن أعود مبكرا ”
حدقت به السيدة فريدة وهزت رأسها ب نعم
” نعم بالطبع ….لكن لعله خير ”
” خير …خير لا تقلقى ….هل يمكن ان ….” قالها وهو ينظر إلى اروى
ففهمته عمته وقالت بابتسامة لريم وهى تتوجه نحو الباب
” تعالى يا ريم …حتى نقوم بتحضير شيئا ما ”
تبعتها ريم ومن ثم أغلقت الباب
نظر إليها وسعل بخفوت محاولا أن يجلى حنجرته وقال بصوت اجش
” سأذهب ولن أتأخر ….اهتمى بنفسك جيدا …حسنا ”
هزت رأسها ب نعم
وقالت بنبرة هادئة
” حسنا ”
… وهى تحارب رغبة قوية لديها بأن تسأله إلى أين سيذهب….فراقبت دخوله إلى غرفة تبديل الملابس ….بعدها بدقائق خرج من الغرفة وهو يرتدى بذلة زرقاء وقميص بلون السماء ….ووضع وشاح صوفى حول رقبته …. بدى وسيما بطلته تلك شعرت معها بالغيرة تجتاح قلبها بلا هوادة ….فعقدت حاجبيها بضيق وهى تراه واقفا أمام المرآة….يمشط شعره البنى …ويرش رذاذ عطره المفضل فانتشرت رائحته فى أنحاء الغرفة جعلتها تشعر بانقباض فى معدتها حتى كادت تتلوى وتبكى من الألم الذى تشعر به …. أبتسم لها بشقاوة وهو يراقب نظراتها له من زجاج المرآة ….
فضغطت على شفتاها السفلى محاولة ألا تصرخ من غيظها. …وهى تفكر
“إلى أين سيذهب ”
وبدون ان تشعر قالتها بصوت مرتفع من بين اسنانها …فدار بجسده نحوها وهو ما زال يبتسم بشقاوة وقال وهو يغمز لها بعيناه اليسرى …..
” هل هذا اهتمام …ام انه …فضول الزوجة ”
ضغطت مرة أخرى على شفتاها و حدقت به بغضب هاتفة بعدم اهتمام ولامبالاة تحاول إظهارها
” لا هذا ولا ذاك ”
فظهرت ابتسامة جانبية على ثغره وقال باغراء وهو يدنو منها ببط حتى وقف أمامها مباشرة ويديه فى جيبى بنطاله
” لا تنزعجى ….أن تدللتى على سأخبرك ”
فعقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تقول بغرور
” إذا اذهب انا لن ارجو احد”
فضغط على شفتاه السفلى باسنانه وقال بابتسامة وهو يغمز بطرف عيناه لها
” انظرى إلى لقد أصبحت اضغط على شفتاى مثلك … وربما أحاول قضمهما المرة القادمة ….وتابع وهو يجلس بجوارها على السرير ….ومن قال لك أن ترجونى. …انا اقول …ت..د.ل.ل.ى ” قالها وهو يضغط على كل حرف يخرجه
ثم رفع رأسها نحوه باصابعه قائلا بانفاس ملتهبة
” ألا تعرفى كيف تتدللى ”
فابتسمت بنعومة …فنظر إليها مشدوها وهو يحاول بلع ريقه وهو يراقب ظهور غمازتيها التى تزين خديها عندما تبتسم ….
وقال بهيام
” يا الله …ساقع صريعا الآن …انطقى يا ابنة الحلال واريحينى ”
فصدرت منها ضحكة رنانة من كلماته وقالت وهى ترفع إحدى حاجبيها بكبرياء
” لقد سبق وقلت لك ….وقبل أن تتابع قطع كلماتها بقبلة خطفت أنفاسها …..رفعت ذراعيها حول رقبته وقربته منها أكثر ….وبهدوء بدأت فى أبعاد الوشاح الصوفى عنه ومن توقه ساعدها هو فى ذلك وألقى بالوشاح تحت قدميه والنار تتاجج فى جسده وصدره من شوقه لها ناسيا من ينتظره فى الأسفل …ومن ثم ألقى بالسترة التى لحقت بالوشاح على الأرض …وما كادت تصل إلى صدره العضلى وتفتح ازار قميصه حتى وجدا الباب يفتح
ووالدتها تهتف ” سيف …كاسر ..ين…” توقفت الكلمات بين شفتى فريدة ووقفت مشدوهة من الخجل ويدها على مقبض الباب
وما ان سمع صوت والدتها حتى أبتعد كلا منهما عن الآخر وعدل من وقفته … وبسرعة التقط الوشاح والسترة …وخرج من الغرفة مسرعا ….و أروى وضعت رأسها على الوسادة و غطت وجهها من الإحراج والخجل لما تعرضته له من مشاهدة والدتها لهما …متمنية أن تنشق الأرض وتبتلعها …..
……………………..……………………..………
نزل درجات السلم وهو يرتدى سترى البذلة ثم بعد ذلك وضع الوشاح حول رقبته …نظر إلى الصالون لم يجد أيا منهما …فخرج من المنزل وجد حازم يجلس فى سيارته متاففا وريم تقف إلى الجانب مع كاسر ويظهر على وجهها معالم الغضب ….و دنا منهما بخطوات واثقة
قائلا بتجهم
” هل هناك شيئا ما ”
فرفع كاسر وجهه إليه قائلا بحدة
” ريم تريد الذهاب معنا …بعد ان علمت بما حدث لصديقتها ”
” ماذا …هل جننتى. ..تذهبى مع من ..ريم كونى عاقلة …فى هذا الوقت وماذا عن زوجك ” هتف بها سيف بحدة وغضب
” ولماذا لا أستطيع الذهاب …قلت سأذهب معكما وانتهى الأمر ” قالتها وهى ترفع يديها بانتهاء الحديث
أخذ سيف نفسا طويلا ثم أخرجه بضيق قائلا
” أتركها تذهب ”
قالها ثم توجه نحو سيارة كاسر قائلا
” فلتقود انت …لن أخذ سيارتى ”
ركب كاسر فى مقعد السائق وسيف بجواره بينما ريم فى الخلف ….أشار كاسر إلى حازم وانطلقتا السيارتين …قام الأمن بفتح البوابة الكبيرة حتى تخرج السيارتان…. وما أن تحركت السيارة فى الطريق قليلا حتى وجدوا سيارة تقترب منهم بسرعة قصوى ….ودارت السيارة فى الطريق حتى استطاعت أن تكون أمامهم بمهارة وسرعة فائقة توقفتا السيارتين فى منتصف الطريق ….
خرج منها السائق بغضب عاصف ووجه متجهم. …وتوجه نحو مقعد السيارة الخلفى و فتح بابها
” مالك ” نطقت بها ريم وهى ترى مالك واقفا أمامها ووجهه محتقن من الغضب
” اخرجى ” هتف بها بصوتا قاطع
ارتجفت اوصالها وانتابها الذعر من تعابير وجهه المتوحشة ونظراته التى تكاد تخرج نارا من عيناه لها
مد يده وامسك ذراعها عندما لم يجد استجابة منها وبسرعة سحبها من السيارة بقوة وهو يقول من بين أسنانه وحفيف ينذر بالخطر
“اخرجى ”
سحبها خلفه وهو يمسك ذراعها بقوة وقبضة كالفلاذ جعلتها تشعر بالألم ….فتح باب سيارته …وادخلها إلى داخل السيارة بعنف ….وربط حزامها وانطلق مسرعا وكأنه رجل سباق مخلفا وراءه طيف من ضباب الأتربة
“ما كان هذا ” قالها كاسر مشدوها واعين متسعتان من الذهول
” تستحق ما حدث لها ….هيا انطلق ” قالها كاسر بصوت خشن…. سارت السيارة فى طريقها و سيارة حازم تتبعها الذى كان يشاهد هو الآخر ما حدث بذهول تام ……
*********************************************************
ضرب مقود سيارته بغضب غير ابه لنظراتها القلقة والخوف الظاهران فى عينيها …… اشتد بيده على مقود السيارة محاولا التماسك وعدم الصراخ فى وجهها …. اخطاءها أصبحت تكثر يوما بعد يوم معه …. عدم إخباره لذهابها إلى أروى اليوم رغم انه كان بجوارها صباحا فى السيارة وهى تتحدث مع أروى. …أخبرتها انها ستاتى إليها ….لكن المسمى زوجها لم تخبره او تستأذن منه حتى ….وفوق هذا كله تأخرها كل هذا الوقت …. وجلس كالجرو ينتظرها حتى تأتى لكنها لم تأتى او تتصل حتى …وعندما طفح الكيل به قرر الذهاب إلى منزل سيف واحضارها. …ويتفاجى وهو فى الطريق ان زوجته تجلس فى المقعد الخلفى مع سيف و كاسر ….وكأنه لا شئ بالنسبة لها …لكن لا …سيضع حدا لكل هذا اليوم تصرفاتها تلك … سيغيرها لها
ما ان وصلت السيارة أمام المنزل حتى ترجلت منها بسرعة ….ترجل من السيارة لاحقا بها بخطوات سريعة واعين تومض غضبا ….
وما كادت تقترب من باب غرفتها بعد أن صعدت سلالم المنزل راكضة …حتى وجدته يمسكها من ذراعها وجرها خلفه بقسوة ….دلف بها إلى الغرفة و ما تزال قبضته حول ذراعيها جعلها تتاوه من الألم ….عندما شعر بقسوة قبضته أبعد يده عنها بفتور….
نظرت إليه بوجه محمر وانفاس لاهثة ….فحدق بها بخشونة. ..نظرات أسرت قشعريرة و رعب فى جسدها فهذه أول مرة ترى هذه النظرة …التى لو كانت تقتل لكانت الآن وقعت صريعة فى مكانها …..
مرر يده على وجهه محاولا ان يمسك زمام نفسه ….
وهتف بحدة وغضب
” اخطاك كثرت يا ريم معى … ثم اقترب منها وهو يضع يديه على كتفيه مشتد عليهما بقوة المتها ….
لقد تماديتى كثيرا …اصبحتى تتصرفين وكاننى غير موجود …وكاننى لست زوجك ”
نظرت إليه بقوة مقابلة نظراته الغاضبة لها …وهى تقول بكبرياءها المعتاد وتنفض ذراعيه عنها ببرود
” أنا لم اخطى. ..لكى تتعامل معى هكذا …وتابعت باستهزاء…. وكفى عن تلك الأسطوانة التى تقولها دائما. ..زوجك. …زوجك …”
حدق بها بقوة مشدوها من طريقتها وأسلوبها فى التعامل معه
وقال بهدوء منافى تماما لغضبه الذى يكاد يحرق قلبه ” الا تعتقدى انك اخطاتى. ..فاجابته بهزة خفيفة من رأسها ….مرر لسانه على شفتاه وقال بنفس هدوءه …. حسنا لنقول أنك لم تخطئ فى ذهابك إلى صديقتك من دون ان تخبرينى. ..فقاطعته بحدة
” لقد كنت تستمع إلى محادثتى معها وكنت على علم بذهابى… لذا لا تظهر وكأنك زوج مغلوب على أمره ”
ارتفع حاجبيه من وقاحتها التى تمادت بها … واسكتها بنظرته الغاضبة وتابع وهو يصتك على اسنانه …
” حسنا ..فلنتغاضة عن هذا .. وماذا عن ركوبك وجلوسك مع رجلان …وهتف وهو يحرك يده فى الهواء بغضب مانعا إياه من التحدث …. حتى وإن كانا أقرباء لك … وماذا عن المسمى زوجك الذى ينتظرك وكأنك انتى الرجل …و اقترب منها بانفاس ملتهبة وسألها بنبرة خشنة
” الى أين كنتى ستذهبين معهما ….الطريق لم يكن طريق المنزل ”
بلعت ريقها بتوتر وأحمر وجهها خوفا ….وصمتت غير قادرة على إخراج كلمة من فمها …..
فتابع وهو يزمجر كأنه أسد حبيس وامسك مرفقها بقوة
” انطقى … إلى أين كنتى ستذهبين معهما ”
” إلى نور ” قالتها بنبرة مهتزة كاهتزازت يديها وجسدها
” الى أين ” أمرها بصوت ضعيف مذهولا يحاول استعاب ما نطقت به ….
” نور ” نطقتها بحشرجة
ضغطت على شفتاها بقوة محاولة السيطرة على اهتزاز جسدها من الرعب والخوف من نظراته المحدقة بها بذهول
” كنتى… س…تسا..فرين مع….رجلان ….بدون علمى ” قالها بذهول وعيناه تكادان تخرجان من مقلتيها
” أنا …انا …فقط …أقسم ” قالتها متلعثمة
فقاطعها وهو يزمجر بحدة
” تقسمين. ..انتى …انتى وصلت بك الجرأة والوقاحة وقلة التهذيب. ..إلى أن تذهبى إلى صديقتك … والحيوان الذى ينتظرك فى المنزل وكأنه هو الزوجة لا يعلم شيئا…. فلماذا تخبريه…انه مجرد أحمق ..لماذا تخبريه إذا ”
” كنت …كنت ” قالتها بأعين دامعة وهى تشعر اخيرا بفداحة ما فعلته …انها حمقاء وخرقاء. ..وقليلة تهذيب كما قال لها … لكنها كانت ستخبره. ..كانت ستتصل به وتخبره قلقها على نور ..جعلها تنساه …نعم نسته هى لا تنكر ذلك هى لم تكن تفكر غير فى نور فقط …..
رفع رأسه عاليا وهو يضع كلتا يديه على وجهه …. راقبت تحركاته وهو يتحرك فى الغرفة كالحبيس وهو يمرر يديه على شعره وهو يكاد يقتلعه من مكانه بعد ان ابعد يديه عن وجهه
فاقتربت منه بخطوات بطيئة متعثرة … ووضعت يدها على ذراعيه لكنه سرعان ما نفضهما عنه بسرعة وفتور …
فحاولت ان تقول بثبات لكن رغما عنها خرجت كلماتها متحشرجة وهى تكتم دموعها
” أنا ..انا …ا ”
رمقها بقوة وهو يرفع إحدى حاجبيه و هتف بصوتا عالى
” اخرسى. ..وتابع وهو يقترب منها … ما الذى ستقولينه أيضا لتدافعى عن نفسك به … ثم أشار إلى نفسه قائلا بسخرية …. انا .. انا المخطئ ..انا من الذى لم أضع حدود لك منذ ان تزوجنا. .. انا المخطئ فى كل هذا وجعلت الباب مفتوحا لكى تفعلى ما تشائين … لذا ساصحح كل هذا …. وتابع وهو يقول بحفيف قرب أذنيه … خروج من هذه الغرفة لا … عمل لا … ستكونين زوجة فقط ” قال كلماته و ابتعد ناظرا إليها بقرف …. تابعته بنظرها بهلع وخوف ….وهو يأخذ مفاتيح الغرفة …خرج صافعا بابها بقوة ثم سمعت صوت إدارة مفتاح الغرفة…. واغلاقه للباب عليها ….
تهاوت على السرير بأعين متسعة ناظرة إلى الفراغ أمامها بصدمة ….و شفتاها تهتزان خوفا مما تحمله الأيام لها
************************************************
شعرت بنور وهاج ياتى لها من بعيد وشخصا ما يقترب منها و يقف أمامها وهى مستلقية لكنها لا تستطيع تبين ملامحه بسبب وجود بعض الضباب حول عيناها ….شعرت بيد حنون تربت على رأسها …خفق قلبها ” انها تعرفها جيدا وصارت تفتقد تلك اللمسة على رأسها ” …رفعت رأسها تتطلع لذلك الواقف أمامها …الذى كان مصدر قوتها ومصدر امانها. ..وقد باتت خاءرة القوة ضعيفة تفتقد إلى الأمان والحنان من بعده ….زمت شفتاها وعيناها امتلأت بالدموع من كتمها لها …. سقطت دموعها بدون إرادة منها حارة على وجنتيها …تريد أن تبكى …وربما تصرخ وتمسك به وتخبره ألا يتركها ….
نظر إليها بحنان افتقدته منذ رحيله عنها وقال وهو يمسح دموعها
” لم تبكين الآن …ألم أقل لك عليك أن تكونى قوية يا نور ”
” كيف أكون قوية وأنت بعيد عنى …كيف وأنت لم تعد بجوارى ” قالتها بألم فى نفسها تمنت أن تصرخ بها شفتاها ….لكن بشفاه مهتزة واعين باكية نطقت
” أنا أتألم ….بعدك عنى وتركك لى جعلنى وحيدة ومتالمة ….أنهم …”
قاطعها وهو يضع إصبع على فمها قائلا بنبرة أبوية دافئة
” انتى لست وحيدة …هناك عمتك …و اصدقائى لن يتركوك صغيرتى….اتبعى قلبك وستجدين الأمان ”
شعرت به يبتعد و رائحته تختفى مع انقشاع الضباب ….أرادت الصراخ وهى تغلق عيناها بقوة ….لكن يد ما ظلت تهزها برفق …. ثم تواصل ذلك الهز مرة اخرى ….حتى استيقظت بأعين متسعة فزعة …..وعمتها تقف قبالتها والحزن جلى على وجهها …. جلست بجوارها وضمتها إلى صدرها قائلة بهلع وحزن و دموعها تسقط باشفاق على ابنة أخيها الوحيدة
” ماذا بك يا صغيرتى …طمانينى عليك …قلبى يتألم لالمك …تكلمى يا نور …انا بجوارك … انا بجوارك يا صغيرتى ”
فى تلك اللحظة علمت أن ما شعرت به وما رأته لم يكن سوى حلما وأن والدها لم يعد موجودا …. شعرت بألم الفقد والحرمان…شعرت بأنها محطمة ….فتشبثت بها نور بيديها وهى تقول ببكاء يقطع نياط القلب
” نعم انتى بجوارى …لا تتركينى. ..أبى …أبى تركنى…مات ”
ضمتها هيام إليها أكثر وبدأت تربت على رأسها بيديها تحاول تهدءتها رغم أن دموعها هى الأخرى سقطت بدون إرادة منها
” انتى أقوى من هذا … جميعنا سنموت ..أريدك متماسكة قوية يا نور .. لا تضعفى ”
فقالت ببكاء ونبرة مهتزة وهى تدفن وجهها فى صدر عمتها
” أبى تركنى. .. ياسين لم يعد موجودا بجوارى … أبى تركنى … لماذا انا وحيدة … لماذا من احبهم يتركونى ويرحلون. ..لماذا ”
حاولت تهداتها بنبرة حانية وهى تطبع قبلة على شعرها ” انا معك …انا معك لن اتركك يا نور”
جلست لما يقرب النصف ساعة تقراء لها بعض آيات القرآن ….. حتى هدأت ونامت
……………………..……………………..………………
تنهد بقوة وهو يراقب تحرك مياه النهر أمامه …. وكأنه بهذه التنهيدة استطاع أن يخرج همه وضيقه الذى على قلبه فظهرت شبه ابتسامة على وجهه فهو لم يعد يعرف معنى الابتسام منذ زمن …يشعر بمسؤولية كبيرة على عاتقه ….والدته من ناحية …واخاه وليد من ناحية …و نور ابنة خاله من ناحية أخرى ….
منذ ان توفى والده وهو فى ذلك الوقت شعر بأنه أكبر من عمره الذى لا يتجاوز الستة أعوام …مسئول عن والدته وعن أخيه …. منذ ان كان صغيرا وهو يرى ابتزاز خاله لوالدته التى أعطته ما كانت تملكه وما تركه لهم والدهم شيئا فشيئا فقط من أجل أن تستطيع ان تعيش فى كنفه وتربية أولادها ….أخذ منها ما ورثته عن والدها …. بالإضافة إلى المنزل الوحيد الذى تركه لهم والده قبل وفاته ….وانتقلوا إلى منزل خاله عزيز بعد أن اقنعها ببيعه بسعر زهيد للغاية …واهما إياها انها لم تعد بحاجة إلى هذا المنزل وتستطيع الجلوس معه فى منزله حتى تستطيع رعاية والاهتمام بابناها بعيدا عن اى طامع. …كما انه اقنعها بأن أخوات زوجها يرغبون فى الحصول على ما تملك ويطمعون به ….فأصبحت تعاديهم وتمنعهم من رؤية طفليها …. ورغبة فى عدم إثارة المشاكل اقنطوا لقرارها ولم يعد لهم اى علاقة باى شخص من عائلة والده ….
جلس على صخرة كبيرة كانت أمام النهر … وسند بذقنه على يد عصاه العاجية الشئ الوحيد الذى ورثه من والده ….هذه ما بقيت له …مجرد أثر…. رغم انه لا يحتاج إليها لكنه ما ان يمسكها بين أصابعه حتى يشعر بقوة وهيبة غريبة تجعله أكبر من عمره ….
حدق خالد بأعين شاردة أمامه …. وهو يفكر فى كلام والدته له منذ عدة ايام … أولها كان ان يتزوج نور … لكنه لم يشعر نحوها بما يجب ان يشعره الرجل نحو امرأة من المحتمل أن تكون زوجته …بل شعر فقط بمشاعر قوية من الحماية والدفاع عنها …مجرد مشاعر أخوية …وربما واجب نحوها ….لانه بنفسه رأى ضعفها وكأنها امرأة هشة قابلة للكسر فى اى وقت …. لذلك نفض فكرة الزواج تلك منها بعيدا عن رأسه ….و عندما أتى ذلك ال حازم لطلب يدها شعر براحة نحوه رغم نظراته التى كانت تكاد تتاكل ابنة خاله … بحث حتى علم عنه كل شى …فوجد سيرته كما يقولون لا يوجد عليها غبار … ناجح فى عمله …من عائلة مرموقة ….و فوق كل هذا والده كان صديق لخاله ياسين …إذا هو لن يفرط بها او يهملها او يهينها يوما …. اتخذ قراره وسيتصل بحازم ويحدد معه موعد لياتى إليه ويحددوا كل شئ. ..فهو لن يستطيع حماية نور لوقتا طويل من يدى خاله وابن خاله ….
تنهد بضعف وهو يتساءل فى نفسه وماذا عنك يا خالد الن تجد من ستخطف قلبك ام انك ستظل هكذا …وحيد ..الن تأتى من تخفف عنك وتقف بجوارك ….أخذ نفسا طويلا ثم زفره بقوة ….وهو ما زال على جلسته فقد أصبح هذا المكان …مكانه السرى الذى يحاول فيه الابتعاد عن ما يؤرق نومه ….لكن مهما فعل يبدو أن الأفكار ستظل ملازمة له …..
*************************************************
error: