رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل الثامن والعشرون
……………………..……………………..………..
بداخلى ألم …. بداخلى وجع … وجع على ما مضى …وجع على من رحل وتركنى… روحى منكسرة و ضائعة تبحث عن من تركها ….
الابيض رمز النقاء والصفاء …. الابيض اللون الذى تحلم به اى فتاة … وهى .. وهى كانت واحدة منهن تتمنى هذا الثوب وهذه الليلة … لكن لا … لم تعد تتمناها …
أبعدت يدها بسرعة عن قماش ذلك الفستان الأبيض وكأنه نار احرقتها… لا تشعر بالسعادة التى طالما حلمت بها … لا تشعر غير بالضيق والحزن والغضب .. حزن كبل قلبها … لم تتمنى يوما ان ترتدى هذا الثوب وهو ليس معها … كانت تحلم بهذا اليوم ولكن ليس وهى وحيدة … ليس بدونه … ليس وهو ليس معها حتى يلبسها بيديه كما وعد ويعطيها لزوجها … آه ..وألف آه… لقد شعرت فقط فى هذه اللحظة كم هى يتيمة بدون أب …بدون سند
تراجعت بجسدها وهى تنظر بجزع لذلك الثوب القابع على السرير … حتى اصطدمت بالحاءط … وسقطت … سقطت وهى تضم ركبتيها إلى حضنها تبكى بحرقة وألم … تبكى من كل قلبها … وقلبها يصرخ أبى … أريد أبى …
بالتأكيد ما تشعر به الآن هو مجرد حلم …حلم طويل ..لكن لماذا هى لم تستيقظ منه حتى الان …هل تصرخ لعلها تستيقظ ….لكنها صرخت وصرخت حتى وقعت فى دوامة من السواد …ما تعيشه الآن ليس حلما بل هو حقيقة وحقيقة مرة … لم تتمنى يوما ان تعيشها …او أن تكون بها …
شعرت بجسد يضمها إلى صدره … وما كان هذا الصدر والدف إلا ريم …
” آه… يا نور .. انسى .. انسى … لا تقومى بتعذيب والدك هكذا … اريحيه وكونى سعيدة … ادعى له أن يرحمه الله ويغفر له … لا تعذبيه ببكاءك هذا ”
قالتها ريم وهى تبعد نور عن صدرها وتنظر إلى عينا صديقتها التى تملاهما الدموع … صدمت عندما دلفت إلى الغرفة و وجدت نور تجلس هكذا …
” لا أستطيع … لا أستطيع انا أتألم … اشتاق إليه … كيف أتزوج وهو ليس معى ”
“نور .. ارجوكى حاولى البدء من جديد من أجل نفسك ومن أجل والدك … هيا أريدك قوية … قالتها وهى تمسح دموع نور ثم همت واقفة وامسكت بيديها مشجعة … هيا لا تخافى … ظلت ريم ممسكة بيد نور حتى اطاعتها الأخيرة وابتعدت من مكانها …
وبعدها بدقائق دلف إلى الغرفة … طقم أرسل خصيصا لتجهيز العروس كما أمر حازم من اجل مساعدتها فى كل شئ
أما فى منزل عزيز المنشاوي وتحديدا فى الطابق السفلى فكل شخص به يعمل على قدم وساق ….
وفى الحديقة أنتهى العمال من تعليق الزينة والاضواء الملونة …..
************************
لندن
تاوه بخفوت وهو يحاول تحريك يده … التى أصيبت منذ ذلك اليوم الذى اشتبك فيه مع هؤلاء المجرمين … حرك جسده ببط وهو يستمع لصوت جرس الباب المستمر … تحرك حتى وصل أمام الباب وما ان فتحه حتى هبت ايملى مقتربة منه بفزع …
“هل أنت بخير .. هل أصابك شى ” هتفت بها ايملى بسرعة وهى تتفحصه باهتمام وخوف شديد …
” لا …لا تقلقى انا بخير ” أخبرها مطمئنا …
تنهدت براحة وتحركت نحو المطبخ … وهى تحمل بين يديها بعض الأكياس التى لم يلاحظها عندما فتح لها الباب ….
” ما هذا؟ ” سألها وليد
” بعض الاغراض يحتاجها المطبخ … وغداء اليوم أيضا ” اجابته مبتسمة ….فرد إليها الابتسامة وقال بهدوء
” ما كان يجب ان تتعبى نفسك … انا لا أحتاج لشئ … سأخرج من المنزل غدا … لقد تعبت حقا من الجلوس فى المنزل ”
” لا ..يجب عليك أن تجلس فى المنزل كما أمر الطبيب فأنت تحتاج إلى الراحة … إصابتك لم تكن سهلة ” هتفت بها بهدوء ثم بدأت فى وضع الاغراض كلا منها فى مكانه ….
وقف يراقبها باهتمام… وهو يتذكر ما حدث له … بعد اشتباكه مع المجرمان… واصابته الشديدة التى جعلتها تظن أنه سيموت لولا الطبيب الذى طمانها ما ان وصلوا إلى المشفى … بأنها كسور فى بعض أنحاء الجسد ورضوض بسيطة …
ظهرت ابتسامة على وجهه وهو يتذكر بكاءها المستمر على صدره عندما لم يفق وهى تلوم نفسها انها هى السبب فيما حدث له … والأيام جميعها التى قضاها فى المشفى لم تتركه للحظة كانت معه كظله … تساعده فى كل شئ … ربما لشعورها بالذنب …حدث وليد نفسه بذلك …
وما ان خرج من المشفى حتى أصبحت كل يوم… تحضر بعض الأغراض وتساعده فى تناول طعامه … تنظف له شقته الصغيرة وتنظم كل شئ بها وبعد ذلك ترحل بعد ان تتأكد انه أصبح فى سبات عميق …
شعور غريب أصبح يشعر به وهى بهذا القرب منه … هل هو حب ام سعادة لانه وجد شخص يهتم به … لا يعلم .. ولا يريد أن يعرف ….
قربها الشديد هذا منه … جعله يعلم كم هى نقية … وكم هى بريءة كالأطفال …وإن ما كان سيقوم به حتى يشبع رغباته منها … علم انها لا تستحق ان يفعل بها هذا … سيبعد هذه الفتاة لا يجب ان تدخل عالمه الاسود …. الذى لن تخرج منه إلا محملة بالسواد … لا يجب ان يؤذيها سيبعدها عنه … مهما كانت الطريقة … هى لن تتحمل ما سيفعله بها … وهو غير مستعد لايذاءها ….
بعد ذلك الحادث ومحاولة الملثمان اختطاف ايملى …استطاعت الشرطة القبض عليهما … وارغامهما على الاعتراف … واعترفا ان زعيمهم الذى تم القبض عليه وسجنه بسبب مرافعة ايملى … ارادا الانتقام منها لما فعلته بسيدهم و محاولة قتلها….
تنهد براحة فالشرطى اتصل به ليلة أمس وأخبره أن القضية تم غلقها وإن السيدة ايملى سيتم مراقبتها تحسبا لأى شئ قد يفعله أحد التابعين لذلك المجرم …لكنها حتى الآن فى أمان
حدق بها وهى تقترب منه بخطوات هادئة … تحمل صينية متراص عليها بعض الأطباق … وضعتها أمامه
” حسنا هيا لكى تتناول فطورك ” قالتها بابتسامة عذبة اذابت قلبه
بلع ريقه وهو يحدق بها بقوة … لا يجب ان تقتربى منى ستتاذين…. أراد الصراخ بهذا لكنه لم يستطع
وقال بهدوء
“ايملى … لا داعى لما تفعلينه لى انا أصبحت بخير لا تقلقى … وأستطيع الاعتناء بنفسى جيدا ”
قالها ثم نظر إلى عيناها … للحظة شعر بأنه قد رأى دموعا تتلألأ فى عيناها … ولكنها قالت بانزعاج يحمل بعض العتاب
” ألا تريد منى ان أحضر إلى شقتك ؟!!… انا فقط اساعدك … لأنك ….صمتت ثم تابعت بارتباك … ساعدتنى وكدت ان تموت بسببى ”
” لست مجبرة على تسديد الدين … ما فعلته كنت سأقوم بفعله مع اى شخص كان سيكون فى مكانك ” قالها بسرعة وحدة لم يقصدها جعلت جسدها يتصلب فى مكانه ….
لكنها سرعان ما أعطته ظهرها وهى تقول بثبات رغم نبرتها المضطربة والمهتزة
” سا. .. سأقوم بالانتهاء من رص الأشياء فى المطبخ وساذهب. .. لا تقلق سيد وليد ..انا لن أبقى فى منزلك كثيرا”
وبالفعل تبعت كلامها بأن تحركت متجهة نحو المطبخ
مرر كفه على وجهه من الغضب … محاولا أخذ نفس مهدء …. فهو لم يكن يقصد ان تكون نبرته حادة معها …. أراد فقط أبعادها عن نطاقه حتى لا يؤذيها ….
وقف مستندا على حافة باب المطبخ وهو يراقبها تقوم بترتيب المطبخ بعصبية وحدة مبالغة …اجفل عندما قامت بإغلاق أحد أبواب الخزانات بقوة ثم أخذت حقيبتها وخرجت من الشقة كالعاصفة بعد ان صفعت بابه بقوة …
ابتسم بخفوت قائلا فى نفسه … انها حقا عاصفة يجب ان تخرج من حياته قبل أن تقوم بتدمير الأخضر واليابس على أرضه ….
خرجت من المصعد وهى تمسح بقايا دموعها … قائلة بشهقات متتابعة
” تبا له … ما كان يجب ان أتى … انه أحمق انا أكرهه … تبا له …” صرخت بها بقوة غير ابهة بمن حولها … فما ان صرخت حتى وجدت جميع الأعين عليها … طاطات رأسها بخجل وتوجهت نحو سيارتها… وما كادت تدير مفتاح السيارة حتى وجدت هاتفها يرن …
ضغطت على زر الإجابة ثم وضعته على اذنها حتى أتاها صوت والدتها الدافئ
” ايملى … أين انتى؟ .. هل انتى مشغولة !؟” سألتها والدتها بسرعة
” لا … لست مشغولة ” قالتها بسرعة
” حسنا تعالى بسرعة… روز تنتظرك حتى تقومى بايصالها ” قالتها والدتها ثم أغلقت الهاتف
” حسنا ” همست بها ايملى وانطلقت بسيارتها
……………………..………….
فرد جسده على الأريكة فى شقته … وهو يفكر ان ما فعله هو الصواب بعينه … حتى أخرجه من أفكاره صوت رنين الهاتف … الذى لم يكن المتصل غير أخيه خالد …
ضغط على زر الإجابة وما ان وضع السماعة على أذنه حتى أتاه الصوت غاضبا
” تبا لك يا وليد .. لماذا لم ترد على اتصالاتي … لقد كدت تجعلنى اجن من القلق عليك ”
ابتسم وليد لقلق أخيه الأكبر فهو يعلم أن أخاه يعتبر نفسه أبا له رغم انه لا يفصل بينهما غير عاما واحد
فرد بهدوء
” لقد كنت مشغولا ”
” مشغولا لدرجة ألا ترد على اتصال واحد لى!! … ثم تابع محذرا … إياك ان يكون قد أصابك شيئا وأنت لم تخبرنى ”
فاتجه وليد بسرعة بنظره نحو يده المصابة و التى تلتف بضمادات طبية … ومعلقة نحو رقبته …
فقال بنفى كاذب
” لا تقلق انا بخير ”
ابتسم وليد عندما أستمع لنهدات أخيه التى تعبر عن راحته او ربما زوال قلقه
فقال بهدوء
” ابنة خالك ياسين ستتزوج اليوم .. كنت أتمنى حضورك .. وخاصة ربما قد تكون على معرفة بالعريس ”
فقال وليد بفرحة
” مبارك لها … لكن من يكون العريس؟! ”
” حازم السيوفى ”
“ماذا ؟؟؟!”هتف بها وليد باستغراب ودهشة ثم تابع …
” حازم مراد السيوفى !…ام أحد آخر؟! ”
” نعم حازم مراد السيوفى … هل هو شخص سى ام ماذا؟!! ” سأله خالد
” لا … لا … لكنى تفاجأت فقط …حقا هذا العالم صغير .. هل يعلم بأننا أخوة ” قال كلماته بسرعة وما زالت ملامح الدهشة جلية على وجهه
” لا أعلم لكنه لم يسأل … ولم يقل ” رد عليه خالد
” حقا ذلك النذل لم يخبرنى … خالد يجب ان أغلق معك الآن سأتصل بك لاحقا وربما بعد الزفاف … وما كاد يغلق الهاتف حتى تابع وليد بسرعة وتأكيد وربما ليريح أخيه فهو قد شعر بقلقه. ..ولا تقلق نور لن تجد لها شخص أفضل من حازم ” قالها ثم أغلق هاتفه وما ان أغلق مع أخيه حتى اتصل بحازم يهناه … تفاجأ حازم من معرفة وليد بزواجه فهو لا يتذكر انه قد تحدث معه لأى شئ يخص زواجه من نور …
ولم تقل مفاجأة ودهشة حازم عن وليد عندما علم بأن نور هى ابنة خاله … ظلا يتحدثان لدقائق وهو يستمع لفرحة وليد لزواجه من نور … وهو يخبره لو انه كان بخير لكان صعد أول طائرة وأتى إليه …. وأخبره وليد عن الحادث الذى تعرضت له ايملى … وطمانه انها بخير ولم يحدث لها شئ …
” وماذا عنك انت وايملى؟!! “سأله حازم فى وسط محاداثتهما …
بلع وليد ريقه بتوتر ورغم انزعاجه قال بهدوء وصوت حازم
” ايملى … أفضل لها الا تكون معى ”
شعر حازم بالقلق من نبرة صديقه غير المبالية … يعلم أن وليد يحبها لكن لا يعلم مما هو خائف. .. لماذا هو خائف من الزواج … وربما هو خائف من الحب … اغلقا مع بعضهما على وعد كلا منهما ان يتصل بالآخر ما ان تتيح له الفرصة
……………………....
راقبت ايملى صعود السيدة روز درجات سلم الطائرة الحديدى …. فها هى روز من ظلت تنتظر لأكثر من خمس وعشرين عاما قد غلبها الشوق إليه … فهل حقا ستجده منتظرها كما تمنت ام ستجده قد كون عائلته ولم يعد يفكر بها … هل سيخبرها عندما يراها انها مجرد ماضى ام سيكون الأمر مختلفا
**********************
error: