رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل السابع والعشرون
……………………..…………….
وقف مراد ما ان دنا حازم منه وهو يراقب ملامحه التى تكون عادة هادئة ..
يظهر عليها الوجوم والكدر ….سأل والده بهدوء واتزان
” أين كنت ؟!…وما هذه الرسالة التى أرسلتها لى !؟…لماذا طلبت منى عدم ذهابى إلى عزيز المنشاوي اليوم ؟!!… وقلت انك ستقوم بحل الأمر! ”
فجلس حازم على أول كرسى قابله وقال بصوتا متزن ” لقد حللت الأمر ”
” كيف ؟؟” سأله والده مستفهما وهو يحدق به باهتمام
” ذهبت إلى السيد عزيز … واعطانى موافقته … وهو ينتظرك غدا حتى تعرف ما هى طلباته كاملة …والزفاف سيكون الاسبوع القادم ” قالها حازم بسرعة ثم ابتعد عن كرسيه واقفا بجسد متصلب….و ما كاد والده يفتح فمه حتى قاطعه حازم قائلا بنبرة متعبة
” أبى انا متعب اليوم …أعدك سنتحدث عن هذا فى أقرب وقت ممكن” قالها ثم ابتعد عن نظر والده الذى اكتست ملامحه الكثير من التساؤلات ….
صعد مراد هو الآخر درجات السلم … و دلف إلى غرفة نومه ..وجد زوجته نورا تمسك بعض الصور فى يديها و أعينها دامعة…. اقترب منها وهو يهتف برعب وخوف
” ماذا هناك لماذا تبكين الآن؟!! ” قالها وهو يقترب منها ويجلس بجوارها على السرير وهو يمسح دموعها عن وجنتيها ….
زمت شفتيها وقالت بنبرة حزينة وضيق
“فقط أخرجت بعض الصور القديمة لحازم عندما كان صغيرا” …فتوجهت نظراته نحو احدى الصور التى كانت لحازم عندما كان فى عمر الثالثة وهى تقف بجواره تضمه إلى صدره وتضع قبلة على وجنته. ..
ضمها إليه وقال بنبرة حنون هادئة
” وهل هذه ذكريات تجعلكى تبكين ”
هزت رأسها ب لا وقالت بصوت متهدج
” فقط عندما تذكرت … أن ابنى يكبر يوما يوم …. تابعت بابتسامة هادئة على ثغرها رغم عيناها الممتلئ بالدموع
” اتمنى حقا أنه أراه سعيدا وإن يكون له عائلة وأطفال تركض من هنا وهنا وأنا اركض وراهم…. فضحك مراد ما ان تخيل شكلها وهى تركض وراء احفادها الصغار ومن دون ان يشعر تخيل نفسه هو الآخر يركض وراء إحداهما وهو يصرخ من شقاوته. …
” لكن يا ترى هل سيكونوا هولاء الاشقياء مثل حازم ام مثل نور …فحدقت به بدهشة من ما سمعته فاتسعت ابتسامته أكثر وتابع …ام مثل جدتهم ”
ضيقت ما بين عيناها للحظات ثم هتفت بسعادة
” هل وافق عزيز …على زواج نور وحازم ”
فهز رأسه قائلا بتأكيد ” نعم ..ومن هذا الذى يرفض ابن مراد السيوفى ” قالها بغرور مصطنع وهو يضع قدم فى الاخرى بتعالى
” حقا…كيف.!؟؟.. ” هتفت تساله
” هكذا لا أعلم غدا سنذهب انا وانتى لتتكلمى مع الفتاة وتعرفى ما تحتاجه بأكمله لكى تحضريه لها قبل موعد الزفاف الذى سيكون فى خلال أسبوع إن شاء الله ”
“ماذا ؟!!…اسبوع” هتفت بكلماتها ببلاهة وهى تحاول استيعاب ما قاله زوجها ….الذى صدرت منه ضحكة مجلجة لم يستطع كبتها وهو يراقب تعابير وجه زوجته المندهشة والمصدومة فى آن واحد ….
*****************************************************
أبعدت يده عن خصرها تحاول الابتعاد عن دف جسده ما ان استمعت لنداء ربها ….ابتعدت عن السرير ببط شديد تحاول عدم إيقاظه … وما ان ابتعدت عن السرير حتى وجدته يهمهم بخفوت و يشد الغطاء عليه أكثر محاولا أن ينعم نفسه بالدف الذى افتقده ما ان ابتعدت عنه ….فتحركت بهدوء …توضات … وارتدت اسدالها …و خرجت من الغرفة وتوجهت إلى الغرفة التى توجد بجوار غرفتهما مباشرة … يوجد بها تلفاز كبير حديث واريكة كبيرة…وضعت خصيصا حتى يستطيع مشاهدة مباريات الكرة … وبعض الألعاب الخاصة بمالك التى ما زال يحتفظ بها منذ ان كان صغيرا …. ومكتب كبير فى احد الزواية يوجد عليه تصمماته الهندسية وأدوات الهندسة …. ومكتبة على عرض وطول أحد حوائط الغرفة يوجد بها عدد من الكتب لوالده …..
فردت سجادتها فى زواية الغرفة صلت السنة ثم ركعتى الفجر …وجلست وهى ترفع يديها تناجى ربها بقلب متضرع ومنكسر…حزين … تحمده على نعمته ….تخبره عن وحدتها التى ما زالت تشعر بها … تخبره عن مشاعرها المتخبطة وانه هو الوحيد القادر على انقاذها من مما هى به …هو الوحيد القادر على اخراجها من ضيقها … تريد ان تنعم بالسكينة والطمأنينة التى لم تصل إلى روحها منذ كانت صغيرة ….عندما كانت ترى شجار والديها وسب كلا منهما للآخر … منذ كانت صغيرة وتولدت لديها عقدة كانت تكبر يوما بعد يوم …. وأصبحت حفرة عميقة يملاؤها السواد والضيق عندما انفصلا …. وجدت نفسها أكثر وحدة و اختناقا عاشت مع جدتها ووالدتها تزوجت بعدما انتهت شهور عدتها بأول شخص طرق بابها ورحلت ….ام والدها ربما لم يكن مثل والدتها فى انانيته لكنه أصبح بعيدا عنها …كانت قليلا جدا ما كان يتحدث معها او يشعرها بأنه بجوارها …. عاشت حياة صعبة خالية من الحب و الاحتواء التى كان يحتاج اليه اى طفل من والديه حتى يستطيع أن يكون إنسان سوى خالى من العقد والخوف …. لم تكن تعرف يوما معنى الحب كيف تعرفه وهى لم تشعر به يوما من والدتها …. لم تكن يوما محبة للدراسة كانت حياتها رتيبة مملة ومحبطة أصبحت أكثر تمردا عدوانية تتشاجر مع زملائها فى المدرسة حتى جدتها وجدت صعوبة كبيرة فى كبح تمردها لم تكن معها قاسية لأنها كانت تشعر بها …. معظم لياليها كانت تقضيها فى غرفتها المظلمة ضامة ركبتيها إليها تبكى حرقة وآلام و شوقا إلى شئ كانت تراه عندما كانت ترى أحد من زملائها يمسك بيد والده او والدته لاصطحابه إلى منزله حيث الأمان والسكن … كانت تشعر حينها بألم حارق يدب بين اوصالها كره …كره فظيع اجتاح قلبها جعلها تتحسر على حياتها …. ما زالت تتذكر أول مرة عندما رأت جدتها تصلى وتبكى بتتضرع جعل اوصالها ترتجف …. ركضت ما ان رأت جدتها انتهت من صلاتها …. لكنها لم تكن تعلم ان الحاجة زينب قد شعرت بها فابتسمت بحبور وقررت تنفيذ خططها …. استغلت عدم قرأتها للحروف بشكل جيد وتعللت بالصداع الذى أصبح يؤرق عليها يومها وطلبت من ريم ان تقرأ لها ما تيسر من القرآن الكريم ومن يومها رغبت فى الاقتراب أكثر من ربها …ولم تعد تترك فرضا وهى تناجى ربها أن يعوض لها عما فقدته من دف وأمان فهل استجاب لها ربها …..
نزلت درجات السلم و توجهت مباشرة نحو المطبخ بعد أن شعرت بالجوع ومعدتها تصرخ طالبة للطعام فهى لم تتناول غير وجبة واحدة طوال اليوم بالإضافة إلى بكاءها المستمر الذى انهك روحها …
لذا فهى بحاجة إلى وجبة دسمة تعيد لها قوتها بعد هذا اليوم الطويل ….. وضعت أصابعها على زر إضاءة الغرفة وتوجهت نحو الثلاجة فتحتها لم تجد بها غير أنواع مختلفة من الجبن وبيض …أخرجت إحدى أطباق الجبن ووضعته على الطاولة فى غرفة المطبخ … وسحبت ثلاث بيضات … وما كادت تغلق باب الثلاجة حتى وجدت ما سال لعابها لأجله ….موس الشوكولاتة ….التمعت عيناها وكأنها وجدت كنز …. عادت بكل ما أخرجته وعاودته مكانه … وأخذت إحدى أطباق الصينى وسحبت الطبق الكبير الموضوع فيه عدد من قطع الموس الشهية … ووضعته أمامها … وضعت فى الطبق الخالى الذى أمامها قطعة من موس الشوكولاتة وهى تعد نفسها بأنها لن تأكل غير قطعة واحدة فقط …. وبدأت رحلة استمتاعها والغرق فى الطعم الرائع للموس الشهى…
تململ فى نومته ويده تبحث عنها ففتح عيناه بسرعة ما أن شعر بعدم وجودها … ضيق ما بين عيناه بانزعاج واضح … أبعد عنه الغطاء دق على الباب الحمام لكنه لم يسمع صوتها بحث عنها الطابق بأكمله وعندما لم يجدها نزل درجات السلم … لمح ضوء ياتى من غرفة المطبخ فتوجه إليه بخطوات ثابتة ….
وقف مشدوها أمام الباب وهو يراقب تعابير وجهها وهى تقرب الشوكة إلى فمها وتتذوق ذلك الشئ الغامق … وعيناها تنغلقان باستمتاع جعله يشعر باضطراب ضربات قلبه … نظراته كانت منجذبة لشفتيها التى تضغط عليهم باسنانها مستمتعة بطعم ذلك الشئ الذى عرف بعد ذلك انه عبارة عن شوكولا … بدون وعى منه بلع ريقه و خرج لسانه ليرطب شفتيه الجافتين…. وفى لحظة وقعت عيناه الخضراء على بحر عيناها وهى تنظر إليه باستغراب … طار عقله ما ان رأى ابتسامتها الموجهة إليه … فابتسم هو الآخر وقال بخفوت ومكر وهو يضيق بجفنيه
“لص”
فنظرت له بنصف عين وتابعت رحلة استمتاعها لتذوقها تلك الشوكولا غير ابهة لوقوفه ….فضحك بخفوت واقترب منها بحركات بطيئة ثابتة قائلا من بين أسنانه
” أرى انك مستمتعة … ألم تكونى حزينة وتبكين منذ فترة ليست بطويلة!!”
زمت شفتيها بعد ان وصلت إليها ما كان يرمى إليه … انها كانت تبكى بين يديه … فرفعت حاجبيها وقالت بصوتا ناعم ذهب بعقله
” أنا لست من النوع الذى يضرب عن الطعام عندما يحزن … فما ذنب جسدى بحزنى ”
أطلق ضحكة مجلجة وانخفض إليها بجسده يستند بيد على ظهر كرسيها واليد الاخرى على حافة الطاولة مما حبسها بجسده … جعلتها تشعر بقطعة الموس الصغيرة تقف فى منتصف حنجرتها وهى تشعر بحرارة جسده قربها …. بلعت ريقها تحاول منع ارتجافة عيناها او يقشعر بدنها وهى تشم رائحة جسده الذى جعلت دقات قلبها تزداد
وقالت بصوت حاولت جعله ثابتا لكنه رغما عنها خرج ناعما
” مالك ”
لم تقل ضربات قلبه عنها وقال باغراء
” عيون مالك … وقلبه ”
شعرت بحرارة غريبة تجتاح جسدها وبيد مهتزة ابعدته عنها … فتراجع بجسده للوراء قليلا و فمه يتشدق بابتسامة جانبية عذبة …. وباصابع مهتزة مررت يديها على وجهها … و كمحاولة منها لإخراج نفسها من هذا الإحراج تابعت أكلها للموس … رغم أنها شعرت بالتخمة ما ان اقترب منها هكذا …
أخذ نفسا عميقا ثم زفره بهدوء وقال بصوت هادى
” هيا لتنامى ما زال الوقت مبكرا ”
بلعت ريقها وقالت بتوتر وخفوت
” مالك … العمل … انا سأذهب للعمل … ساحضر نفسى وأذهب ”
لمحت نظرة غاضبة … لكنها سرعان ما اختفت وقال بنبرة منخفضة باردة لكنها تحمل بين طياتها الغضب والحنق
” لا … لقد سبق واخبرتك لا عمل … صمت ثم تابع وهو يهم بالخروج من الغرفة …. ربما لهذه الفترة فقط ”
ألقت بالشوكة التى بين اصابعها بغضب وهى تزفر باختناق وجلست وجسدها متصلب لدقائق… ثم تحركت بسرعة ….
دلفت إلى الغرفة وجدته مستغرقا فى النوم …نادت باسمه لعدة مرات لكنه لم يجيب عليها … فجلست على السرير وهى تزفر بحنق…
فتح عيناه ما ان شعر بثقل جسدها على السرير … يعلم انه أخطأ بادعاءه النوم ولكنه ليس لديه رغبة فى التحدث عن هذا الأمر مرة أخرى …
بقيت على جلستها حتى بلغت الساعة الثامنة منتظرة استيقاظه … قربت يدها ببط من ظهره وهى تحارب رغبة قوية فى إيقاظه فهى لن تجلس هادئة فى حين هى تشتعل غضبا وحنقا من أسلوبه وتعامله معها … فبدأت تهزه ببط لكنه لم يستجب فزادت حركتها حتى استيقظ وهو يهتف بانزعاج و صوتا عالى
“هل هكذا يتم إيقاظ البشر ”
بلعت ريقها وقال مبررة بارتباك
” انها الثامنة … و عملك ”
تشدق بسخرية رافعا إحدى حاجبيه قائلا بسخرية لم تخلو بها نبرته
” حقا … إذا ها هو انا استيقظ”
… قالها ثم تحرك مبتعدا عن السرير … و دلف إلى الحمام
وبعد دقائق جلست وهى تراقب تمشيطه لشعره … فحسمت أمرها ودلفت إلى الحمام وهى تدعو فى نفسها ان يذهب حتى تتمكن من الذهاب لعملها ….شهقت بقوة ما ان خرجت من الحمام ووجدته يقف واضعا يديه فى جيب بنطاله ووجهه خالى من اى تعبير … وقبل أن تقترب من خزانة الملابس قال بصوت هادى
” ارجو ألا تاخذى كلامى كسخرية بالنسبة لكى … وإن تثبتى لى ان كلامى لن يكون هباء لكى ”
هتفت بتلعثم وعيناها متسعتان
” ما الذى تقصده ”
نظر إليها بنصف عين قائلا بتهكم
” أقصد انه لا يوجد عمل ”
“انت لست جادا .. هتفت بها بحنق ثم ضغطت على شفتاها ما ان رأت نظرته الغاضبة التى يحاول سبر اغوارها ”
ماذا !؟… إلى متى؟؟ ” صرخت بها وهى تقترب منه بأعين قطة غاضبة
لوى فمه وقال بهدوء جليدى
” لحين أشعر انك زوجتى … عندما أشعر أن لدى قيمة عندك .. عندما أشعر انك تحترمينى وتقيمين لكلماتى وزنا لك … وتحترمينى بالقدر الكافى … عندما تفعلين كل هذا يمكنك الذهاب إلى عملك ” قالها بسخرية ثم خرج من الغرفة صافعا بابها بقوة … وهى تقف فى مكانها بتصلب وكأنها تمثال من الشمع ملامحه باهتة
.
error: