رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل الثالث والعشرون (الجزء الأول )
انكمشت بجسدها وهى تلف الغطاء على جسدها بأحكام …وجسدها يرتجف من برودة الطقس لهذا اليوم ….لدرجة أن أطرافها تكاد تتجمد من الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة …..”عليها أن تشترى مدفأة غدا “قالتها دينا فى نفسها …..فيبدو رغم صغر الشقة إلا أنها باردة ولا يوجد دف بين ارجاءها…..تحركت ببط من على السرير وجلست على أحد جانبى السرير و أنزلت رجليها على ارضية الغرفة ….وضعت يديها بسرعة على كتفيها ما ان شعرت بالبرد يجتاح جسدها ….ابتعدت عن السرير و مدت كفها نحو الكرسى الموجود فى الغرفة وسحبت كنزة صوفية ….ارتدتها و خرجت من الغرفة متوجهة حيث مطبخها الصغير …أعدت كوب كبير من القهوة بالحليب وما ان انتهت حتى سمعت صوت يعبر عن انقطاع الكهرباء فاتسعت عيناها بذعر وظهر الضيق على ملامحها…انها تكره الظلام مثلما تكره الوحدة “لقد بدأت البشائر !” قالتها فى نفسها بضجر فيبدو انها ستجد من هذه الليالى المظلمة كثيرا ….خرجت من المطبخ وهى تحمل بين يديها كوبها الساخن بيد وباليد الاخرى تتحسس الجدار حتى وصلت الى النافذةالكبيرة فتحتها… ابتسمت بسعادة ما ان رأت النجوم الصغيرة فى السماء لتزيد السماء جمالا وتدخل قليل من الضوء الى شقتها …. قربت طرف الكوب الى شفتاها فأصدرت همهمة خفيفة تعبر عن سعادتها من مذاق قهوتها الرائعة…فهى بحاجة إليه بشدة فى هذا الجو البارد ليسرى بعض الدف فى جسدها… سحبت كرسى نحو النافذة وجلست عليه وهى ترتشف من كوب قهوتها …..اجفلت بسرعة واتسعت عيناها من الصوت الصادر من الهاتف وضعت يديها على قلبها الذى ازدادت دقاته …..وعقدت حاجبيها …..من يمكن قد يكون المتصل بها الآن ؟!!…..تحركت مبتعدة عن السرير وهى تتبع صوت الهاتف فهى لا تتذكر حتى أين وضعته ….وصوت الرنين يأبى التوقف ….تنهدت بقوة وابتسمت ما ان وصلت إليه ….عقدت حاجبيها بدهشة ….وعيناها تلتقط رقم غريب على شاشة هاتفها ….لثوانى رفضت الرد ….لكنها سرعان ما خذلتها أصابعها وضغضت على زر الموافقة …..وضعت سماعة هاتفها المحمول على إحدى اذنيها .
“مرحبا ” قالتها بصوت حاولت أن يكون هادئا إلا انه خرج ناعما منها ….فتاوه المتصل وانفاسه تخرج متقطعة ….رفعت أحدى حاجبيها بتعجب ….وهى تنتظر ان يجيب أحد ….لكن ما من مجيب …..
” مرحبا!! ….من المتصل ؟!…لكنها لم تجد غير الصمت وصوت أنفاس فقط ….فقالت بقلة صبر وغضب ” إن لم تجب ساغلق الهاتف …..حقا لا أعلم من هذا الوقح الذى يتصل على أحد ما فى هذا الوقت !!…بالطبع فامثالكم لا يوجد وراءهم شئ “قالت كلماتها بسرعة ….وما كادت تبعد الهاتف عن اذنيها حتى سمعت صوته ……الذى جعل قلبها يكاد يخرج من مكانه ….انه هو ….نعم هو …..
” دينا ” قالها بشوق وحرقة….. شعرت بصدمة ما ان سمعت اسمها من فمه بلعت ريقها بصعوبة محاولة ان تبدو ثابتة ولا تسقط على الأرض …..لماذا هى متفاجاة هكذا بسماع صوته ….
” دينا …دينا أنا أسامة أرجوك لا تغلقى الهاتف ” قالها برجاء وهو يشعر بصمتها خائف من أن تغلق الهاتف وتمنعه من أن يخبرها بشوقه إليها ….يخبرها انه لا يستطيع الابتعاد عنها ….
أغلقت عيناها بقوة تنتظر باقى كلامه ….ما ان وجد صمتها حتى تابع بصوت متهدج حزين
” اشتقت إليك ….أعطيني فرصة
وسامحينى…..سامحى خطاى و…وبعدى عنك ….سامحى حماقتى لتركك…..اغفرى لى …واعطينى فرصة …فرصة واحدة فقط ….انا ما زلت أحبك ….انسى كل شى ….انسى بعدى عنك ….انسى إننى …..اننى تركتك…..لقد أخطأت ولكن لم يكن بيدى” …..احترقت عيناها من الدموع التى امتلأت بها وضعت يدها على فمها تحاول كتم شهقاتها من ان يسمعها ….صمتت…..اسامح وانسى ….كيف؟! ….وهل الغفران يطلب!! …..
” دينا …أنا ما زلت أحبك ….دينا ” قال كلماته بحشرجة حتى قاطعته بغضب وألم
” كفى …..كفى أرجوك ….ابتعد عنى …يكفينى ألما ….أرجوك ” هتفت بكلماتها وأغلقت هاتفها من دون ان تنتظر إجابته ….. وضعت الهاتف على الطاولة تحاول السيطرة على اهتزازة يديها وقدميها من السقوط على الأرض ….حتى جلست على أقرب كرسى ….دفنت وجهها بين يديها واجهشت بالبكاء وجسدها يهتز بشدة ….لم ترفع عيناها إلا عندما شعرت بدف أشعة الشمس التى عبرت عبر النافذة المفتوحة والتى رافقتها نسمات هواء باردة …..لقد ظلت جالسة على الكرسى حتى انها أغلقت عيناها لا تعلم لمتى بعد ان بكت …..تحركت بتعب مبتعدة عن الكرسى ….وظهرها يؤلمها من جلستها تلك ….تحركت نحو الحمام ….أبعدت ثيابها عنها وسقطت بجسدها تحت مياه الدش …..حاولت ألا تفكر به …ولا بكلماته لها …..لكنها ظلت تردد فى اذنيها وراسها كصدى الصوت ..”ما زلت أحبك !!” لقد عاد لأنه علم أنه عندما يعود سيجدها. ….وأنها فى النهاية لن تذهب لغيره …..
نظرت إلى المرآة وهى تبعد المياه عن وجهها واقتربت من المرآة قربت يدها ومسحت بها تكثف البخار عليها ..
” ثلاثة وثلاثون عاما …هل أصبح لديك وقت لكى تبداءى من جديد!؟ …..لقد ضاع منك الكثير انتى لست بصغيرة. ….فقط لو كان يحبك ….فقط لو أحبك بصدق ….لما تركك كل هذا الوقت وبعد ذلك يعود …..عاد طالبا السماح …..ولكنى بشر كيف اسامح من تركنى وذهب …أول من كنت أحتاج إليه …..كم كنت أحتاج لضمه لى فى أوقات كثيرة ….كنت فى حاجة إلى من يمسح دمعى ويربت على ظهرى. …أليس هذا هو الحب ….أليس الحب ان لا نترك من احبنا…..ألا نخذلهم. …ولكنه تركنى وخذلنى إذا ماذا أفعل انا؟ ….هل أستطيع أن اسامح !!!”
*****************************************************
تسللت خيوط أشعة الشمس إلى الغرفة مما ايقظها…..أزاحت الغطاء عنها ووضعت رجليها على الأرض ….لكنها سرعان ما شعرت بأن الأرض تدور بها فوضعت إحدى يديها على رأسها والأخرى كانت تستند بها على السرير …..لم تشعر بالجسد الذى ركض إليها ما ان راءها هكذا عندما لمحها وهو خارجا من الحمام
“اروى ….ماذا هناك !؟….هل تشعرين بشئ ؟؟” هتف بها سيف بلهفة وهو ينظر اليها بتفحص ويمسك رأسها بين يديه …. ادارت رأسها إليه وعيناها تلمعان بحب وهى تنظر إليه ….ارجعها بهدوء على السرير
ثم قالت بصوت متهدج “لا تقلق انا بخير ”
نظر إليها بأعين ثاقبة يتمنى أن تنطق حتى تريحه من هذا العذاب ….تنهد بضعف ثم تحرك وانحنى إليها وشفتاه تطبع قبلة دافئة على جبهتها ثم عيناها وصولا إلى عنقها الذى استنشق رائحته مطولا ثم لثمها بقبلة على شفتاها جعلتها تشعر بأنها تطير فى السماء الواسعة ….. فتحت عيناها ببط تحاول أن تأخذ أنفاسها ما ان ابتعد فمه عن شفتاها …..نظرا إلى بعضهما لثوانى ثم أبتسم وهو يقول بحنان واهتمام وجدته بين عيناه ” كنى بخير …وتناولى طعامك بانتظام ”
قالها ثم ابتعد عنها …..لم يعد يعرف ماهية شعوره نحوها لكن كل ما يعلمه انه لن يستطيع الاستغناء او الابتعاد عنها فهى أصبحت تحمل طفله ….فأصبح لديه هدف واحد هو ان يؤمن لطفله كل ما يحتاجه ….فهو لن يجعله يوما مثله ….لكن حقا هل سيتمكن من أن يكون أبا جيدا…ام انه من الممكن أن يكون نسخة مطابقة لوالده ….لا …قالها فى نفسه موكدا ….انه سيبذل كل جهده حتى يمنح طفله ما لم يحصل عليه هو سيكون له أباه واخاه وصديقه…..
عدلت من جلستها على السرير وهى تراقب ارتدائه لملابسه. ….نظرت إلى أصابع يدها الموضوعة فى حجرها وهى تقول بصوت ضعيف مرتبك
” أريد أن اذهب إلى والدتى ”
فالتفت بجسده إليها وهو يرمقها بقوة فتابعت بصوت مرتجف “انا لم اذهب إليها منذ ان تزوجنا…..أريد ان اذهب إليها …أرجوك ” قالتها برجاء وخوف وهى تنظر إلى عيناه المسلطة عليها بدون اى رد فعل ….ظل يتبادلان النظرات ….حتى قال بهدوء ” حسنا يمكنك الذهب …لكن لا تتاخرى ”
ظهرت السعادة فى وجهها فقالت بابتسامة اذابت قلبه جعلته يتمنى لو يرفض ذهابها ويبقى بجوارها يتذوق من رحيق شفتاها الذى لم تجعله تلك القبلة يشبع منها او من قربها
ثم تابع بحزم ” إياك ان تتاخرى يا اروى …هل فهمتى ” فاؤمات رأسها موكدة …..
******************************************
دلفت إلى الغرفة مباشرة ما ان سمعت صوت محرك سيارته معلنا عن وصوله وما ان دلفت إلى الغرفة حتى بحثت بعيناها فى ارجاءها لكنها لم تجد له أثر غير سترته وقميصه وبنطاله الملقون على الأرض ….عقدت حاجبيها و حاولت تهدئة نفسها وهى تستمع لصوت تدفق المياه فى الحمام المرفق بالغرفة …..فجلست على السرير وهى تفرك فى يديها بقوة لكنها سرعان ما ابتعدت عنها وكأنها قد جلست على صفيح ساخن …..وبدأت تتحرك فى الغرفة ذهابا وايابا بغير هدى …..عندما أتى لم تره كان مختفى تماما فاختلقت له الأعذار انه ربما يكون مشغولا لكن زادت شكوكها عندما لم ياتى ليلة أمس …..وهى تكاد تجن من القلق والتفكير عليه خصوصا عندما أخبرها زوجها مراد بأنه لم يذهب إلى الشركة …..انتظرته طوال الليل لكنه لم ياتى وفى ساعات الصباح الأولى كاد يجن عقلها وهى تفكر بأنه قد يصيبه شئ وكانت على وشك إيقاظ والده ….لكى يبحث عنه ….وما كادت تفعل حتى سمعت صوت محرك سيارته معلنا عن وصوله …..فتنهدت براحة وركضت نحو غرفته وفى رأسها ألف سؤال له ……توقفت فى مكانها وهى تراه يخرج من الحمام مرتديا بنطالا قصيرا وتى شيرت ووجهه متعب شاحب عيناه ذابلة من التعب …. حتى جسده فقد قليل من وزنه ….هذا ليس ابنها ….حازم يهتم بجسده وصحته بطريقة هى كانت تشك بها …حازم يهتم بنفسه وجسده بطريقة جعلتها تنزعج أحيانا ….تعلم انه قد ورث هذا الشئ منها ….لكن ما سبب تحوله لهذه الدرجة ….سفر وعودة فجأة بدون مقدمات او أسباب ….
“أمى ….صباح الخير ” نطق بها حازم بهدوء رغم تفاجاه بوجود والدته فى غرفته فى هذا الوقت
فتابع عندما وجدها تنظر إليه بتفحص ” هل هناك شئ !!؟”
” نعم ” ردت بها بسرعة وحدة
فانعقد حاجبيه السوداوان باستغراب وفمه يلتوى بحزم كعادته ….فقالت بهدوء وهى تنظر إليه بحب واعين حزينة ….”هناك أن ابنى ليس بخير قلبى يخبرنى بذلك …ابنى حزين ويفكر فى شئ ربما قد يكون يزعجه …انتظرت ربما قد ياتى ويخبرنى كعادته ولكن هذه المرة لم يفعل ….هل يعتقد بأننى لن أستطيع تقديم المشورة له ….فالتفت بجسده معطيا ظهره لها وهو يغلق عيناه بقوة ….فتابعت وهى تقترب منه بهدوء وتلاحظ تصلب ظهره “ماذا بك …يا قلب والدتك ” قالتها بحنان جعله يخرج تنهيدة طويلة من قلبه جعلتها تلتفت له وتضمه إليها فاشتد بذراعه حول كتفيها بقوة وهو يتنهد بحزن ….حتى وإن لم ينطق فهى دائما ما تشعر به ….تعرف حزنه والمه من عيناه فقط وقبل هذا قلبها يخبرها بحزنه الذى لم تنطق به شفتاه …..ابتعدت عنه ووضعت يدها بين يديه وسحبته خلفها وكأنه طفل صغير ….نعم سيظل صغيرها مهما كبر او حتى أصبح أكثر طولا منها …..جلست على طرف السرير واجلسته بجوارها ….ونظرت إليه وهى تنتظر ان يفصح عما يعكر تفكيره ويجعله هكذا ….هل يمكن أن يكون الحب ….الحب هو من جعل صغيرها يسهر الليالى وربما هو من جعله أيضا يسافر ….لكن من تكون من جعلته هكذا …..وهل هى هنا ام من هناك …تساؤلات كثيرة دارت فى رأسها …..ابتعد عن السرير ووضع يديه فى جيب بنطاله ينظر من نافذة غرفته وهو يحجب أشعة الشمس بطوله الفارع……تنهد مطولا حتى عقدت والدته حاجبيها بشدة وهى تستمع لصوت تنهده الذى آلم قلبها……
فقال بهدوء وصوت متهدج بدون اى مقدمات فهو لا يحتاج إليها عندما يتحدث إلى والدته …لا يحتاج إليها عندما يتحدث مع نورا ….من فعلت الكثير والكثير من أجله فقط ” حياتى كانت دراسة وبعد ذلك عمل فقط أردت أن أصل إلى ما أريده بدون مساعدة أحد …..واستطعت فعلا أن أحقق هذا …..حتى ….توقف قليلا ثم تابع قائلا. ….حتى ظهرت هى ….. رأيتها أول مرة كفراشة صغيرة تحلق فى السماء تلمع باشراق وتألق …..تمنيت أن احتضنها وإن تكون بين يدى ….لكن …لكن ….صمت وهو يحاول ترطيب حلقه الجاف …وهل يستطيع أخبار والدته أكثر ….هل يستطيع ان يخبرها بما يعرفه …بأنها كانت لرجل آخر ….لكن هذا ليست المشكلة بالنسبة له رغم أن الأمر يؤلمه إلا انه يحبها ….يحبها لدرجة انه سيتغاضى وينسى كل شى فقط لتكون بين يديه ومقابل فقط كلمة من فمها انها تحبه او حتى نظرة من عيناها تخبره بأنها تفكر به كافية له …لقد أصبح مجنونا هاءما بها ….
انتظرت لكنه صمت …فقالت بسرعة وهدوء “من ؟”
فالتفت بجسده إليها فتابعت بثبات ” من …من هى ؟” هل يخبرها بمن سلبت النوم من عيناه ….هل يخبرها بما فى قلبه …اقتربت منه وهى تقول بدف “اخبرنى …ربما أستطيع المساعدة “صمتت وهى تحاول أن تساءله عمن تفكر بها ….عن المرأة التى لمحت نظرته إليها … نظرة كانت أول مرة تراها فى عينى ابنها ….لم يبعد نظره عنها عندما كانوا فى حفلة زفاف حفيد السيوفى مالك ….
” أ هى نور؟؟! ” قالتها بسرعة
بلع ريقه ….و عيناه هى ما نطقت فى هدوءهم هذا ….
“نعم ” همس بها اخيرا
” إذا ما المشكلة ” همست بها نورا هى الآخرة
المشكلة انها لا تحبه ….المشكلة انها …انها لا تنظر إليه ….أراد قول هذا لوالدته لكنه لم ينبس ببنت شفه فضل الصمت
” حازم هل تحبها ” سألته ….لمعان عينيه كان كافيا لنورا لتعلم أن ابنها أصبح عاشقا مثلما كان والده ….نظرت له بابتسامة عذبة …ومن ثم خرجت من الغرفة بهدوء ….تبحث عن زوجها …فهى لن تقف ويداها معقودان أمامها ….نزلت درجات السلم …حتى تسمرت مكانها وهى تحدث نفسها بغيظ”ما الذى أتى بها الآن!! ”
رأت حماتها العتيد تجلس مع ابنها الوحيد ….فاقتربت منهما وقالت وهى تحاول رسم ابتسامة على شفتيها “مرحبا حماتى ….ما الذى أتى بك ؟!!”
فلوت الأخرى شفتاها من استقبال زوجة ابنها ورفعة حاجبيها وقالت بتهكم ” بخير يا زوجة ابنى ”
حاول مراد ان يدير برأسه نحو زوجته لكن والدته منعته وهى تحاول ان تجعله ينتبه لها وهى تريه باقى مجموعة الصور التى بحوزتها ” انظر ما رأيك بهذه …أليست جميلة انها مناسبة ”
اشتعل الغضب بين مقلتيها وهى ترى صور الفتيات التى تريها حماتها لابنها ….هل تحاول تلك العجوز تزويج ابنها الذى قد شاب رأسه …بعد أن فشلت قديما …وتعيد محاولتها مرة أخرى ….لا وألف لا ….ستقتله وتقتل والدته هذه المرة….وربما تقوم بتقطيع جسديهما ووضعها فى أكياس القمامة …لا بل ستقوم برمى القطع على قارعة الطريق حتى تأكلها الكلاب المتشردة على الأقل ستفعل حماتها حسنة واحدة فى حياتها بأن تشبع الكلاب الجائعة فى الشوارع وحينها سيتصدر الخبر جميع الجرائد والمجلات “”مقتل المحامى الشهير مراد السيوفى هو ووالدته التى كانت تخطط لزواجه على يد زوجته “”….فاخرجها صوت زوجها من أفكارها الشيطانية والاجرامية فى قتله هو ووالدته ….
” نورا …تعالى وانظرى لهذه الصور واختارى واحدة …والدتى رشحت مجموعة من الفتيات لحازم تعالى واختارى واحدة ”
“ماذا ” هتفت بها مستنكرة وغاضبة
فردت حماتها بلؤم ” على الأقل أستطيع أن اختار لحفيدى فتاة تناسبه بعدما فشلت فى تزويج والده ممن تستحقه وتليق بمركزه….اشتعلت عيناها غضبا ولكنها اصتكت على أسنانها تحاول تهدئة نفسها وبكل هدوء جمعت الصور من أمامهم وقالت ببراءة كاذبة تحاول ان تغيظ او تفقع مرارة حماتها “لا اريد ان اتعبك حماتى ….لكن ابنى …انا من سأختار له فهو لديه معاير خاصة جدا لمن ستتزوجه وهو جعلنى اختار له ….حقا رائع ان يثق بى ابنى ويجعلنى اختار له ” نطقت كلماتها وهى تصتك على كلمة” ابنى ”
وتابعت وهى تنظر إلى زوجها “مراد أريدك ” فابتسم بشقاوة….وما كاد يتحرك مبتعدا عن الكرسى الجالس عليه حتى اوقفته والدته قائلة بحزن كاذب ” ما هذا ألن تبقى معى قليلا ”
فكشرت نورا عن انيابها وقالت بدلال ” مراد أريدك ”
قالتها وابتعدت عنهم ….فظهر الامتعاض على وجه والدة مراد وقالت من بين أسنانها ” وقحة ما زالت تعتقد نفسها جميلة وصغيرة ” أبتسم مراد واقترب منها وطبع قبلة على يديها وراسها ” أحبك …لن أتأخر ساعود اليكى لكى نكمل باقى حديثنا …فأنا قد اشتقت اليكى ”
قالها وذهب وهى تشتعل غيظا وغضبا من زوجة ابنها …..لا يعلم لماذا ابنها يحبها لهذه الدرجة فلا يوجد بها شى يجعله هكذا لها ….بالتأكيد هى قد سحرة له …لتجعله هكذا ….قالتها فى نفسها
دلف إلى الغرفة بهدوء يحاول رسم ابتسامة على وجهه فهو لا يعلم إلى متى ستظل هذه الحرب بين نورا ووالدته …نورا لم تسامح والدته على ما فعلته بها حتى الآن رغم أنها تشتعل غضبا عندما تراها …لكنها رغم هذا تحاول ان تكون هادئة وصبورة. …ووالدته رغم ما فعلته نورا معها سابقا إلا أنها ما زالت لا تتقبلها…..
” ما الذى أتى بها ؟!…ومتى أتت؟؟ ” هتفت بها نورا بغضب
ابتلع غضبها وهو يقول بهدوء ” اليوم صباحا …ثم تابع بنبرة تحذير ….نورا انها والدتى لا تنسى ذلك ”
رمقته بقوة ومن ثم اقتربت وهى تعقد حاجبيها “أعلم انها والدتك …ولا تخف لم أنسى ….لكن لا شأن لها بابنى ولا تجعلها تتدخل فى حياته ….مثلما فعلت ب …” بترعت عبارتها وصمتت. ….فاقترب منها وحاوط خصرها بيديه قائلا بحب يشتعل بين عيناه ” اعذريها حبيبتى ….انا ابنها الوحيد …وستعلمين شعورهاعندما تجدين حازم متزوجا ….وهى لم تخطئ انها تريد أن تجد له زوجة جميلة ومناسبة له ”
فردت بسخط ” حازم أيضا ابنى الوحيد …وعلى عكسك فأنت ولد واحد على ثلاث فتيات …لكن حازم هو وحيدى. ..وتابعت بنبرة تحذيرية ….لذا لن أسمح لأحدمهما كان فى التدخل فى حياة ابنى. ..حتى وإن كان انت هل فهمت ”
تغاضى عن كلماتها وقال بدلال ” لماذا كنت تريدينى يا قلب مراد ” قالها وهو يحاول التقاط شفتاها
فقالت بغضب ” تادب يا مراد …لقد شاب شعرك ”
“تبا لك …هل ستظلى ترددين بهذه الكلمة …أقسم أن نطقتيها مرة أخرى ساجعل والدتى تبحث لى عن عروس …هل فهمتى ” نطق الأخيرة بتحذير ….
فامسكت بياقة قميصه وهى تكشر عن انيابها ” أفعلها وحينها ستعلم ما سافعله بك وبوالدتك ”
ثم تابعت وهى تبتعد عنه ” انا لا أريد الحديث لا عنك ولا عن والدتك الآن ….وتابعت بهدوء ….ألا تفكر فى حازم يا مراد ….ألم تفكر به …ألا تريد أن تراه سعيدا وترى احفادك”
فابتسم لها ابتسامته الدافئة التى جعلتها تقع فى حبه من النظرة الأولى وقال ” بالطبع ….هل لديك عروس له ….أعتقد انك اشارتى انك انتى من ستبحثين له عن عروس ”
” نعم لدى …ما رأيك بنور ” قالتها بسرعة
” نور!! …من ؟”قالها وهو يعقد حاجبيه بتساول
فابتسمت وهى تقول ” نور ابنة ياسين ….ما رأيك …انها فتاة رائعة وجميلة ….وابنة صديقك وهكذا ستكون مطمئن عليها وتحميها من عمها الجشع ….الطامع بها ”
” لكن حازم ” قاطعته بسرعة …لا تقلق انه موافق …ما رأيك ..أن تذهب وتطلبها يدها من عمها ” قالتها وهى تطوق ذراعيها حول رقبته
” متى ” سأل
“اليوم ” أجابت وهى تطبع قبلة على شفتاه ….فوضع يديه على خصرها وقربهامنه وما كاد يتعمق فى قبلته حتى وجد والدته تنادى باسمه قاطعة عليه متعته ….فابتعدت عنه ساخطة وهى تمتم بغضب ” اجعل والدتك تنفعك …اذهب إليها …قبل أن تأتى إلى هنا …ولا أريد أن أرى لا وجهك ولا وجه والدتك ”
ودلفت إلى الحمام ….فمرر يديه على وجهه بقلة حيلة وخرج من الغرفة ……
*********************************************
” أسامة ” هتفت بها نوال بصوت عالى وهى تجد ابنها شاردا أمامها حتى أنه لم يستمع لنداءها المستمر له
رفع رأسه لوالدته متمتما بخفوت ” هل هناك شئ أمى؟؟ ”
” هناك انك لست معى ….هل هناك شى يشغلك!؟ ” سألته
” لا لكن كنت أفكر فى شيئا ما …هل تحتاجين إلى شئ ؟!” قالها باهتمام
ابتسمت شبه ابتسامة ” لا لكن …أردت أن أسألك هل وجدت مكانا لإقامة المعرض به !!”
” لقد قمت بتعين شخص للبحث لا تقلقى بنهاية الأسبوع سيكون موجودا “قالها وابتعد عن كرسى طاولة السفرة
“لم تأكل ” قالتها نوال بحزن
” لقد شبعت ” قالها وابتعد ….أسقطت نوال الملعقة من أصابعها ووجهها يكسوه الحزن فهى تعلم ما يعكر ابنها ويجعله هكذا ….تدعو ربها أن يساعدها حتى تستطيع ان تريح ابنها وتجعله سعيدا ….
تحركت مبتعدة عن كرسى السفرة وتوجهت حيث المطبخ وطلبت من إحدى الخادمات إيصال القهوة إلى مكتب ابنها ….ووقفت تحمل كوب العصير بشرود. ..فاقتربت منها خادمتها الأمين والتى بمثابة صديقة لها ….
وهى تقول بحزن ” ماذا بك !؟؟”
ردت نوال بضيق ” ابنى ليس بخير …وأيضا لم أعد أعلم كيف أصلح الأمور بينهما !….دينا فتاة رائعة وقد شعرت فى آخر حديث لى معها انها ما زالت تكن لأسامة مشاعر …لكن …لكنها ما زالت حزينة ويملاها الغضب من تركه لها ”
فربتت خادمتها على يديها ” لا تقلقى …فقط ادعى ربك وكل شئ سيكون بخير …وما تفعلينه هو الصحيح ”
تنهدت وهى تقول ” ارجو ذلك …ارجو ذلك حقا ”
وضع وجهه بين يديه وهو يستند بمرفقه على سطح مكتبه وصوتها يدوى فى أذنيه شوقا لها ….اشتاق إلى ضمها ليشعر بانفاسها ….لقد سلبت قلبه منذ اليوم الأول الذى رآها فيه مع سيف …..أخرج من أفكاره صوت الهاتف …أمسك سماعة الهاتف ووضعها على أذنيه استمع إلى المتحدث وبعد ذلك وضع السماعة فى مكانها وهو يلعن بخفوت …
” تبا …أين ذهبتى؟؟ ” تمتم بها أسامة …..منذ ان أعطاه ماجد مفتاح الشقة وأخبره بأنها انتقلت وهو يكاد يجن ….حتى انه قام بوضع شخصا ما للبحث عنها ….لكن ها هو يخبره انه قد فشل فى المهمة ….
**********************************************
ابتسمت وهى تراقب والدها يلاعب ويداعب ميا ….ويرفعها الى السماء وهى تضحك بسرور وصوت عالى ….وعندما ينزلها تبكى وتظل تنظر إليه وكأنها ترجوه ان يلاعبها مرة أخرى ….وعندما يرى جدها دموعها على وشك السقوط يحملها ويظل يدغدغها حتى لا تبكى ويعيد ما يفعله معها مرة أخرى …..لم تكن تعتقد ان سليم السيوفى بهذه الحنية لم تكن تعلم حتى انه يستطيع أن يداعب الأطفال ….فكل ما عرفته عنه هو أنه لم يكن يهتم بها يوما ولا باخيها سيف …..وعندما أتى إليها فى المشفى تمنت لو تمسك به وترجوه ألا يتركها …..ولا تعلم كيف اتتها الشجاعة ما ان خرج حسام من الغرفة ….حتى طلبت منه ان ياخذها من هنا و ألا يتركها …..فاخذها بين احضانه وهو يربت على ظهرها وشعرها ….يخبرها بصوت اشتاقت للغاية لسماعه …يخبرها بأنه لن يتركها …وظل يهدهدها …إلى أن خرجوا من المشفى واحضرها إلى هذا المكان …..منزل كبير وله حديقة واسعة ملتفة حوله بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخبها. …لكنها ما ان دلفت إلي المنزل….. ورأت تصميه الذى يمتاز بلمسة أنثوية ….ويوجد به الكثير والكثير من الصور ل فيروز ….المرأة التى لم ترها يوما ولكنها كانت باقية دائما فى داخلها….المرأة التى رغم موتها إلا أنها ما زالت باقية فى قلب وعقل سليم السيوفى …..الذى من أجلها ترك كل شئ محاولة منه لينساها….لكن هيهات من يستطيع نسيان فيروز الحسينى ….
اقتربت منهما و مدت يديها وأخذت ميا التى أصدرت همهمات احتجاج وغضب ورفض بعد تركها لجدها…..لكنها ثبت يديها حولها جيدا حتى لا تقع منها
” يكفى لقد اتعبتى جدك ” قالتها بثينة بغضب للصغيرة التى ذمت فمها وسرعان ما امتلأت عيناها بالدموع
“يا الله …اتركيها معى قليلا يا بثينة …و لا تقلقى على انا لم أتعب ” قالها سليم بهدوء
” لا يجب ان اطعمها وساجعلها تنام قليلا ” ردت بها بثينة
فاقترب سليم وطبع قبلة على جبين الصغيرة وقال “حسنا اطعميها …و تعالى إلى أريد أن أتحدث معك قليلا ”
فاؤمات بثينة رأسها …وأخذت طفلتها وذهبت …..
جلست على الأريكة الكريمية التى تتوسط الغرفة الكبيرة بغرفة مكتب والدها بعد ان اطعمت ميا وجعلتها تنام ….جلست قبالة والدها تنظر إليه بترقب. …..أغلق صفحات الكتاب الذى كان بين يديه ورفع نظره إليها وهو يبتسم ….فقال بهدوء ” حسنا اخبرينى ماذا بك ”
بلعت ريقها وتمتمت بخفوت ” لا يوجد شى ”
” بثينة ..حتى وإن كان لا يوجد بيننا علاقة أب وابنته إلا انك ما زلتى ابنتى …وأنا أشعر بحزنك الذى لم تفصحى عنه حتى الان ….ما الذى حدث حبيبتى ” قالها بحنان
نظرت إلى أصابع يديها واخفضت رأسها وهى تحاول كتم شهقاتها لكنها فشلت وبكت بحرقة وألم وكأنها كانت تنتظر هذا الوقت حتى تبكى …..فاخذها سليم إلى احضانه ويضمها إليه وهو يقبل مقدمة رأسها ….وهو يهدءها بكلماته ” أبكى أبكى ….كل هذا!! …ماذا بك صغيرتى؟! …أبكى …أبكى انا معك …لا تخافى ولا تقلقى ”
” أبى ” قالتها بحرقة وهى تلف بيديها حول رقبته تقربه إليها وتبكى على صدره وهى تقول بألم ” أبى …لقد تعبت ….لقد تعبت ولم أعد أستطيع التحمل أكثر ….انا أكاد اختنق. …أرجوك لا تتركني ”
” أنا معك …انا معك لن اتركك…اهدءى حبيبتى …اخبرينى ما الذى يجعلك هكذا …ما الذى يؤلمك حبيبتى ”
هدءت قليلا ثم ابتعدت عن احضانه وهى تمسح بأطراف أصابعها الدموع التى على وجنتيها …. فقالت بوجه محمر من البكاء ” أريد ان أبقى معك قليلا فقط ….انا بحاجة لهذا ”
صمتت ولم تستطع أن تخبره بخيانة حسام لها ولا بضربه لها سابقا …لم تستطع أن تخبره ان زوجها سىء وكان يسئ معاملته لها …..
نظر إليها سليم بتفحص وما كاد ينطق محاولا أن يحثها على الحديث ….حتى وجد هاتف مكتبه يرن …..وقف مبتعدا وهو يستند بعصاه الخشبية حتى وصل إلى الهاتف
” مرحبا ” نطق بها سليم
بقى قليلا وهو يستمع إلى الصوت الآخر حتى قال منهيا المكالمة ” حسنا ساعة على الأكثر وسأكون عندك …يا مراد …لا تقلق .. لن أتأخر …حسنا وداعا ”
لم يكن يعلم أحد غيرمراد بأن سليم قد أخذ ابنته وأتى بها إلى منزله القديم الذى كان يعيش فيه مع زوجته ….حتى والديه واخاه محمود وأخته فريدة لم يعلموا بمجيءه إلى هنا ….فهو يعلم أن لا أحد سيتوقع بقاءه فى هذا المنزل ….لم تخطو قدميه هذا المنزل منذ وفاة فيروز …لكنه عندما عاد ومعه بثينة إلى مصر ….جعل خادمة تأتى لتنظيفه كل فترة …..ما أن دخل بقدميه هذا المنزل ومعه بثينة حتى تلاحقت عليه الذكريات مع فيروز ….
خرج من أفكاره وهو يقول ” حسنا ساتركك …وربما أتأخر ….ولكنى أريد منك أن تكونى ناضجة وهادئة وفكرى جيدا ….فأنا لا أريدك أن تتسرعى فى شئ حبيبتى ”
” هل ستخرج !؟؟” سألته بثينة
” نعم …يجب أن اذهب …هل تريدى اى شئ احضره لك او لميا ”
” لا …لكن …حسام ” قالتها بارتباك
” لا تقلقى لن يعلم بمكانك. ..إلا عندما تطلبى منى ذلك …لكن فكرى جيدا فقط ” قالها بسرعة وهو يخرج من الغرفة يسند بيد على العصاة وباليد الاخرى يمسك بيد ابنته ….حتى اوصلته إلى غرفته وخرجت …متوجهة حيث غرفتها هى وميا
وقفت فى الشرفة وهى تراقب ركوب والدها للسيارة بعد ان بدل ملابسه ….التفتت بجسدها نحو صغيرتها النائمة وهى تراقبها بحزن ….هل أخطأت بأبعاد ميا عن حسام ….وهل قرار ابتعادها عنه كان صحيحا …ام انها ستندم عليه …..
*************************
error: