رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل التاسع عشر (ج1)
– ماذا هناك ….هتف بها مالك وهو يجد والديه وجديه صامتون
– لقد توفى المستشار ياسين ….قالتها جدته بحزن وهى تجلس بجوار زوجها الحاج رشاد على الأريكة
شهقت ريم بقوة وهى تضع يديها على فمها تهز رأسها مرات عديدة بنفى وهى تقول بحزن …..لا يمكن …لقد ….لقد كان بخير …..ثم تابعت وعيناها يملاها الدموع وهى تتراجع للخلف وكادت ان تقع من الصدمة …..وماذا عن نور ….لن تكون بخير ….
وضع مالك يديه على كتفيها يحاول أن يجعلها تتمالك نفسها ولا تنهار ….وما كاد يفعل حتى وجد والده يخرج من المنزل بسرعة ووالدته تصرخ به تامره ان يلحق بوالده …..وما ان خطى خطوة واحدة حتى وجد ريم تقبض على يديه ….نظر إلى عيناها وجد بهما رجاء …..سحبها ورائه بسرعة يحاول اللحاق بوالده الذى أخذ سيارته وانطلق بها صعدا للسيارة ولحق بوالده …….ترجلا من السيارة وهما يشاهدان تجمع لمجموعة من الاشخاص …..أمسك بيدها وسحبها ورائه وهما يعبران ذاك التجمع حتى وصلا لباب العمارة ….ركبا المصعد حتى وصلا إلى الشقة التى وجدا بابها مفتوحا دخلا …… كان هناك والده وعمه سليم والسيد عادل والسيد مراد …..ووجه كلا منه مكدر وحزين ……بحثت بعيناها عن نور ….حتى قال سليم بصوت مبحوح. ….ريم …هل يمكنك أن تذهبى إلى نور ادخلتها السيدة نورا وفريدة إلى غرفتها. ….ما أن نطق حتى توجهت حيث غرفة صديقتها ….فتحت الباب بسرعة ووجدت السيدة نورا تجلس بجوار نور الصامتة ووجهها يخلو من اى تعبير على عكس السيدة نورا التى تضمها إليها بشدة تبكى بحرقة وحزن على الصغيرة التى بين يديها ….أسرعت إليها حتى انها سحبتها إليها بقوة من يدى نورا التى تحركت مبتعدة …..وضعت يديها على خد صديقتها وهى ترى ان عيناها قد فقدتا لمعانهما المعتاد …..لا تبكى ….لا تصرخ ….لا تفعل اى شى غير الصمت ….وعيناها شاردة عابسة وحزينة …..جسدها كالثلج ووجهها يشبه الأموات شاحب …..تكلمت بحشرجة تحاول إخراجها من مما هى فيه ….
-نور حبيبتى …..أبكى سترتحين ….ستكونين بخير ….أبكى …..
-نعم حبيبتى ابكى ……قالتها فريدة التى تحاول كبت دموعها ….والتى لم تنتبه لها ريم
حاولت نور التكلم تحركت شفتاها لكن صوتها يأبى الخروج …..عيناها جامدة لا تستطيع البكاء لكى ترتاح …..تشعر وكان هناك صخرة ضخمة على صدرها تمنعها التنفس او فعل اى شى ….تشعر وكأنها مقيدة …..
– نور ….نور ….نور ….ظلت ترددها ريم بألم…..لكن لا يوجد اى استجابة من نور ……
المنزل امتلى وخاصة عندما أتى أخوة المستشار ياسين …..والذين أصروا على دفنه فى بلدته …..قاموا بتجهيز جثمانه ….وبعد ذلك انطلقت السيارات فى الساعة الثانية صباحا …..
وحضرت اروى ومعها سيف التى لم تكن لتعرف لولا أن ريم اتصلت بها قبل ذهابهم ….ساندت نور الصامتة وكأنها دمية يتم تحريكها وصعدت بها ريم لسيارة مالك الذى لم يبعد عيناه عنهما يراقب الأخرى الصامتة ……فى تمام الخامسة وصلت السيارات وتم دفن المستشار ياسين …..
وذهبت السيدات إلى منزل أخ السيد ياسين …..حتى يتم هناك أخذ العزاء ……ما ان رأت عمة نور ابنة أخيها(السيدة هيام ) حتى أخذتها بين أحضانها وهى تبكى بحرقة وألم فهى كل ما بقى لها من أخيها الحنون الذى كان دائما يقف بجوارها ويساندها …..اشفقت تلك السيدة على حال ابنة أخيها التى فى حالة صدمة شديدة …..عيناها لم تطرف لها رمش وصامتة لا تصدر اى رد فعل …….جلسن السيدات فى الصالون الكبير لذلك المنزل …..وريم واروى صعدتا إلى الطابق الأعلى حيث أمرت أخت السيد ياسين أحد الخدم لإيصال السيدات لإحدى الغرف …..لعلها تصبح بخير …..
ادخلتها الفتيات إلى الغرفة…..وريم واروى يراقبان نور فى صمت جسدها بارد كالثلج عيناها مضطربة خائفة. …حائرة…. تائهة …..ضمت جسدها إليها بقوة بعد ان جلست على السرير وعيناها تهتز بهستيرية ورعب رغم أنها لم تبكى إلا أنهما كانتا وكانهما غرقتا فى بركة من الدماء …..
وضعت ريم يديها على وجهها تحاول كبت دموعها ولا تطلق العنان لهم وهى تتزكر ما تحدثت به السيدة نورا وما حدث قبل موت السيد ياسين وإن نور قد شهدت بعيناها وفاة والدها ……خلال أسبوع كامل كان مريضا لكن لم يعرف أحد بمرضه إلا منذ يومان او ثلاثة …..لقد كان بخير فقط القليل من التعب ….قالتها ريم فى نفسها ولكنها سرعان ما استعاذت من الشيطان الرجيم …..توجهت حيث الحمام تتوضأ وبعد ذلك تصلى بعد ان اطمأنت على أن اروى بجوار نور ……..
أخذ العزاء للرجال فى الحديقة الكبيرة لمنزل الأخ الأكبر للمستشار ولم يتأخر اى شخص عن العزاء لا أصدقاء المتوفى ولا الأقارب …….امتلى العزاء أيضا بشخصيات مشهورة ولها مكانتها فى عالم القضاة ومحاميين أيضا ذو صيت فى البلد …….
جلست ريم على سجادة الصلاة فى غرفة نور وهى تدعو ربها ان يلهم صديقتها الصبر والسلوان على ما فقدته فوالدها كان كل شئ بالنسبة لها ……دارت بجسدها وهى تستمع لدقات خفيفة على الباب ودخول الخادمة تخبر فيه السيدة اروى بأن زوجها ينتظرها فى الأسفل …….
نزلت اروى درجات السلم وهى تتبع الخادمة حتى وصلا للحديقة الخلفية للمنزل حيث ينتظرها سيف رأته واقفا بالقرب من أحد أشجار الليمون ….اقتربت منه بخطى سريعة حتى وقفت امامه ……ما ان راءها سيف حتى نطق بصوت منخفض متعب
– هيا بنا لنذهب. …هناك منزل لجدى سليمان هنا سنذهب لنقضى فيه الليلة ….
– لكن ….نور ….قالتها برجاء
– لا تخافى صديقتك ستكون بخير …..هيا ….قالها بقوة وهو غير مستعد لأى نقاش او جدال
تبعته بهدوء إلى أن وصلا للسيارة صعدها وبعد ذلك اتصلت ب ريم لتخبرها ان تهتم جيدا بنور ……
بعد دقائق وصلا للمنزل الذى لم يكن يبعد فعلا عن منزل اخ المستشار …..ترجلا من السيارة وجدا باب المنزل مفتوحا ….والسيد سليمان يجلس على أريكة المنزل الذى لم يقل فخامة عن منازل عائلة الحسينى الأخرى وأيضا حضرت الحاجة زينب أخته ….استغربت من حضورهما….ولم تتوقع أن ياتيان إلى العزاء ……استأذنت الحاجة زينب منهم وذهبت لأحد الغرف الموجودة فى الطابق الأول وهى تتحرك بتعب …..وما كاد الحاج سليمان يتحرك هو الآخر حتى اوقفه سيف بسرعة وهو يقول ……
– جدى ابقى ….أريد أن أتحدث معك قليلا …..ومن ثم نظر إلى اروى متابعا بهدوء …..اصعدى إلى الطابق الثانى وارتاحى فى اى غرفة تريدينها فى الجناح الأيمن من الطابق …..اومات موافقة ثم تحركت متوجهة حيث سلالم المنزل الداخلية …..صعدت درجات السلم وتوجهت حيث الجناح الأيمن ودلفت إلى أول غرفة وجدتها …..أضاءت انوارها ودارت بعيناها بها …..كانت غرفة ذات طراز قديم للغاية سرير كبير فى المنتصف مصنوع من النحاس وذو أعمدة وتسقط منه ستائر بيضاء ولا يوجد فى الغرفة غير طاولة للزينة وكرسيها ودولاب كبير يظهر عليه القدم…… وطلاء الغرفة لم تستطع تبين لونه …..تحركت نحو السرير وللمفاجاة وجدته نظيف وكأنه وضع اليوم ….جلست عليه لثوانى وشعرت ببعض الظمأ كما انها أيضا تحتاج لمنامة لتنام بها فهى لم تفكر فى إحضار اى شى عندما ركضت إلى صديقتها ……خرجت من الغرفة ….ستحضر كوبا من الماء لترتوى وتحضر أيضا منامة من الحاجة زينب ….نزلت عدة درجات وتسمرت مكانهاوكانها ضربتها صاعقة وهى تستمع لكلمات سيف …..
– لقد تزوجت كما أردت أين هى الأسهم! !؟…..لم يتم كتابة او تحويل اى شى بأسمى حتى الان!! ….هدر بها سيف غاضبا
نظر الحاج سليمان اليه ببروده المعتاد …. لماذا تريد الأسهم الآن؟؟! …
– ماذا ؟؟؟!!…هتف بها سيف بغضب عاصف ….لماذا أريدها !؟….ألم يكن هذا اتفاقنا….
– أما زلت تعتبر أن هذا الزواج صفقة ؟؟! ….سأله الحاج سليمان منتظرا أجابت حفيده ….يتمنى حقا لو ان حفيده قد أحب اروى او قد علم من تكون …..طوال الفترة الماضية أعتقد أن سيف ربما قد عرف ان اروى هى الفتاة نفسها التى بقيت بجواره فى المشفى من كان يبحث عنها بعيناه بشوق عندما استيقظ …لكن للمفاجاة حفيده أكبر أحمق فى هذا العالم ….
ظهر الارتباك على ملامح سيف ….لا يعلم أن كان حقا يعتبر هذا الزواج صفقة بالنسبة له هل أحبها ام لا ….لم يعد يعلم ما هية مشاعره نحوها…لكن كل ما يعلمه انه تزوجها من أجل شى واحد فقط هو شراء مزيد من الأسهم فى الشركة …..
أنتظر سليمان لدقيقة أملا فى ان ينطق حفيده بكلمة حتى ليعبر فيها عن حبه لكنه لم ينبت ببنت شفه وعندما نطق اخيرا بما كان يعلمه جيدا
– كل ما أعلمه إننى تزوجت من أجل شى واحد وهو نقل الأسهم بأسمى كما اتفقنا
أغمض الحاج سليمان عيناه بقوة لاعنا سيف فى نفسه بقوة وجسده يتصلب فى كرسيه بشدة
– حسنا ..لكن عندما أرى ابنك او أعلم بقدوم أصغر فرد فى عائلة الحسينى سانقل لك ما تريده من أسهم …..جحظتا عينا سيف بقوة وما أن حاول أن ينطق ….حتى تابع جده ….تصبح على خير فأنا أريد أن أرتاح قليلا ….قالها الحاج سليمان وهو يتحرك مبتعدا عن الأريكة …..مما جعل سيف يصمت نهائيا …..
عادت اروى إلى الغرفة بخطوات متعثرة وهى تضع يديها على فمها تحاول كتم شهقاتها ….لم تستطع الصمود أكثر وأطلقت العنان لدموعها…..يا الله لم يرغم لزواجها فقط ….بل أيضا كان الزواج منها مجرد صفقة ليصل إلى ما أراده دائما. ….هى لم تكن ولن تكن شى له قيمة فى حياته …..وعندما اقترب منها لم يكن لانه أحبها …بل ليحقق مما يريده جده ….ابن لحفيده…..ألقت بجسدها على السرير وهى تقبض بيديها هل الملاءة بقوة وهى تلعن وتبكى بحرقة …..
– تبا… تبا …تبا ….ماذا أفعل ولماذا يحدث لى هذا!! ….لماذا؟! …لماذا!؟ …لماذا ؟!..رددتها بألم وهى تشعر بألم يصل لاحشاءها ومعدتها تتلوى بشدة مما جعلها تركض إلى الحمام الموجود فى الغرفة بعد ان افرغت كل ما فى معدتها…..غسلت وجهها ببعض الماء وهى ترى انعكاس صورتها بالمرآة ….وجهها شاحب وريقها جاف ليوم كامل لم تذق شيئا رغم أن عمة نور أحضرت لهم صينية ملئ بالطعام …..لكنها لم تضع شيئا فى فمها ….كان رحلة وصولهم إلى هنا متعبة مما جعلها تشعر بعدم الرغبة فى أكل اى شى ……خرجت من الحمام وهى تراه يهم بخلع سترة بذلته لم تهتم به وتوجهت نحو السرير …..فما أن رأته حتى شعرت بألم مبرح فى قلبها …..ردت فعلها جعلته يعقد حاجبيه بقوة …فلم يكن هذا ما تمناه ان تفعله عندما تراه ….دثرت نفسها جيدا واعطته ظهرها مما جعله يعقد حاجبيه أكثر …..نام بجوارها ملتزما الصمت فهو غير قادر على الحديث او الجدال …..أسند ظهره على السرير يفكر فى كلام جده …..لقد أصبح جده يساومه يريد ابنا لحفيده مقابل الأسهم ….حقا ذلك العجوز قد جن ….لكن لماذا يفعل هذا ….لماذا دائما يصر على تقيدى وجعلى كدمية فى يده يستطيع تحريكها متى أراد وشاء …..نظر نظرة عابرة إلى الناءمة بجواره يشعر بشئ غريب نحوها لا يعرف ما هو ….من هى…..حواسه تخبره انه قد شم رائحة عطرها هذه من قبل لكن أين ومتى لا يتذكر …..جده يريد حفيد لكن هى هل ستسمح له بهذا …..
……………………..……………………..………
أنهت صلاتها ونامت بجوار نور التى أخيرا قد غفت بهدوء ….رغم انها يقلقها وبشدة صمتها هذا لو تبكى لو تصرخ لو تفعل اى شى ربما لارتاحت صديقتها ولارتاحت هى أيضا …..أمسكت مصحفها الصغير بعد ان أخرجته من حقيبتها وبدأت ترتل بعض الآيات لدقائق. …حتى رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة جعلها تشعر ببعض الراحة وهى ترى الكلمات التى إرسالها لها مالك …..”هل أصبحت نور بخير ”
فردت عليه ….”نعم بخير ….وأيضا نامت ”
“جيد وماذا عنك….هل تناولتى الطعام ”
ظهرت شبه ابتسامة على وجهها وهى تقراء كلماته ومن دون ان تشعر بدات تكتب كلماتها بتلقائية شديدة
“نعم القليل ….لكن نور ليست بخير لم تبكى او تصدر اى رد فعل انا خائفة عليها للغاية ….”
أتاها الرد سريعا “لا تقلقى انه رد فعل طبيعى وبإذن الله ستكون بخير ”
“بإذن الله ”
فكتب بلهفة “هل انتى جائعة….هل أرسل لكى بعض الطعام ”
“لا لا لست جائعة انا بخير ”
صمتا قليلا حتى كتب أخيرا وظهرت جملة واحدة جعلت اوصالها ترتجف جعلها تشعر وكأنها مسحورة او منومة “اشتقت اليكى ….ألم تشتاقى إلى ”
بلعت ريقها بخوف ومن دون ان تشعر ضمت هاتفها إلى صدرها وكأنها كانت بحاجة إليها ….يا الله ما الذى يحدث لى ….
أنتظر دقيقة واثنان وثلاثة لكن لم يصل إليه رد ….وهى ارادت ان تقول له بانها ايضا تشتاق اليه لكن اصابعها لم تطاوعها لكى تكتب ما تمنت ان تقوله …..كبرياءها خانها ….ولكنها كتبت اخيرا
“تصبح على خير”
رغم ان كلماتها كانت مقتضبة إلا أنها جعلته سعيدا ولو قليلا ….فأرسل إليها رمز تعبيرى “مبتسم”
وضعت هاتفها على الكومود بجوارها لقد استطاع بطريقته ان يسعده ويشعرها بالأمان حتى لو كان بعيدا …..بقى هو ووالده وعمه السيد سليم وعمه الآخر مراد وكذلك زوجته ووالدى اروى أيضا السيدة فريدة والطبيب عادل وماهر. …لم يتأخر أحد فى حضور العزاء ….علمت أنهم كانوا أصدقاء للمستشار ….حقا الصداقة التى تجمع بينهم جميلة…. وبقى الجميع فى منزل اخ المستشار(عزيز) فقد رفضوا المغادرة اليوم واصروا على حضور ثلاثة ايام العزاء ….أكثر شخص كان قلق على نور هو السيد سليم الذى كانت تعلم أنه شخص لم يكن يهتم بأحد لا ابنه ولا ابنته ولكنه عامل نور وكأنها ابنته وظل يسأل عنها وكيف أصبح حالها ……تنهدت بضعف وهى تمرر يديها على وجه صديقتها التى لم تضع شى فى فاهها…..خائفة كثيرا عليها من صمتها هذا ….دثرتها جيدا ثم نامت بجوارها
……………………..……………………..……..
فى نفس المنزل لكن فى غرفة أخرى …..ألقى شاب فى عقده الثالث بجسده على السرير وأمسك هاتفه ضغط بعض الأرقام …..حتى أتاه صوت أنفاس أخيه الذى يبدو أنه ما يزال نائما فاغلق عيناه بشدة وقال بتهكم …..هل أنت ناءم سيد وليد ….بالطبع فأنت لا تشعر بشئ
-ماذا هناك ….هل حدث شى …قالها وليد بتعب ونعاس
– هناك الكثير سيد وليد ….ان خالك مات ….ويجب ان تأتى …هل فهمت ….هتف بها غاضبا
– اى واحد …سأله وليد بلامبالاة
ظهر الغضب جلى على وجه الآخر فقال وهو يحاول تهدئة نفسه ….خالك المستشار ياسين
– اممم وماذا بعد ….
زفر أخيه بضيق وقال وهو يمرر يديه فى شعره بقلة حيلة من اخاه الذى سيظل طيلة عمره هكذا غير مهتم بشئ ولا بأحد وقال بهدوء ….وليد عليك أن تأتى …ماذا نقول للعالم خاله مات ولم ياتى
تثاءب وليد وقال بملل ….لقد قلت لك لن أتى ….تصرف أنت أعلم انك ستعرف كيف تدارى على غيابى ….قل اى شئ مشغول اى شى يا خالد هل انا من سأقول لك ….قالها وأغلق الهاتف غير ابه لانفاس الآخر الممتعضة. ….شدد خالد على الهاتف الذى بين يديه ….يحاول ان يتنفس بهدوء ….لا يعرف إلى متى سيظل أخاه هكذا شخص مهمل وغير مسئول ……ثم ألقى بجسده على السرير و أغمض عيناه بتعب ….لقد كان هذا اليوم متعبا له للغاية لم يجلس وهو من تابع كل شئ رغم أن اولاد خاله كثر إلا أنهم لا فائدة ترجى منهم ……حمد الله على انصراف المعزيين لولا أن الجو كان باردا لبقى الناس أكثر وهو لم يذق طعم النوم منذ ايام العمل ومرض خاله كل شئ أتى متتابعا……يتمنى لو يعود وليد ويسانده ولو فى القليل لكنه يعلم انه لن يعود إلا أن أراد ذلك فهناك هو أكثر حرية …… سمع دقات خفيفة على الباب تبعها دخول والدته وخلفها الخادمة تحمل صينية بالطعام ….أشارت للخادمة بوضعها على السرير فوضعتها كما أمرت وخرجت …..جلست والدته بجواره ووضعت يديها على رأسه وبدأت فى تمسيدها وتدليكها بهدوء …مما جعله يصدر آهات متعبة بخفوت ويشعر ببعض الارتياح لقد كان حقا محتاجا لهذا ….ووالدته كالعادة تعرف كيف تريحه بطريقتها وتشعره بالسكينة …..
– أعلم أن اليوم كان متعبا لك يا بنى ….أعانك الله علينا ….منذ ان توفى والدك وأنت من تهتم بكل شئ لو ياتى فقط وليد ويساعدك لما أصبحت هكذا …..
قالتها والدته السيدة هيام بحزن وملامحها حزينة ومتعبة…..
أخذ يديها بين يديه ولثمهما بقبلة طويلة قائلا بحنان …..لا حرمنى الله منكى يا أمى ….ووليد تعلمين انه مشغول ….
فنظرت إليها بشدة وكأنها تقول له ….لست انا من تستطيع ان تقول لها هذا …..فضحك خالد بخفوت قائلا. …حقا صدقينى
أدارت وجهها إلى ناحية الشرفة وعيناها حزينة …..حزن لحزنها يعلم أن والدته امرأة قوية وتستطيع أن تخفى مشاعرها بمهارة …..فكان أكثر أخواتها حبا إلى قلبها كان ياسين ….لقد كان أول شخص وقف بجوارها عندما توفى زوجها …..وكان اخاها الأكبر (عزيز) أكثرهم قسوة عليهم ….توفى والده وهو فى سن صغير هو و وليد والده كان من عائلة مقتدرة فترك لهم اراضى كبيرة ومنزل لكن خاله عزيز رفض أن تبقى فى منزلها بحجة انها ما تزال صغيرة وارملة سيطمع بها الكثير وهو كان أول طامع بها ….اقنعها حتى جعلها تقوم ببيع المنزل وبدء فى جعلها تتنازل له شيئا فشيئا عن جزء من الأرض ….بحجة ان يستطيع أبناءها إكمال دراستهم ….حتى عندما كبروا لم يستطيعوا أن يخروج من هذا المنزل لدرجة أن وليد عندما أتيحت له أول فرصة لسفر ترك كل شى وغادر ….وهو لم يستطع أن يفعل مثلما فعل أخيه لن يترك والدته التى شقيت وتعبت من أجله ولن يترك هذا المنزل إلا عندما يعيد كل ما فقده من خاله الظالم الجشع …..
أخرجه من أفكاره صرخة هزت كل أرجاء المنزل وجعلت النائمون يستيقظون فزعين والمستيقظ يركض نحو الصراخ …..خرج من غرفته وتبعته والدته ….
سمع الصوت أتى من غرفة ابنة خاله …..فركض إليها حتى وصل وما كاد يضع يديه ليدير مقبض الباب حتى أتاه صوت من خلفه غاضبا …..إياك ….زوجتى بالداخل سادخل انا
التفت بجسده فوجده ذلك الضيف الذى بقى هو وعائلته هنا ….فرفع خالد حاجبيه بتعجب وترك المقبض. ….وتراجع قليلا للخلف …..فاقترب مالك لفتح الباب ….لكن صوت خالد أتى صارما. ….ادخلى انتى يا أمى لتعرفى ما الذى يحدث وسابقى هنا انا والسيد ….قالها وهو يشير إلى مالك الذى وقف يحاول تمالك نفسه يريد أن يطمان عليها باى ثمن مرتعب من أن تكون هى من كانت تصرخ …..صدرت صرخة أخرى قوية جعلتهم يلتفون بجسدهم نحو الباب حتى دخلت السيدة هيام ……وما ان فعلت حتى بدء من فى المنزل بالتجمع عند الغرفة ……..
خرجت ريم من الغرفة وهى تقول ببكاء وتبحث عن ماهر بين الواقفين ……ماهر ….أين ماهر….نور ….نور ليست بخير ستصاب بصدمة عصبية ….بسرعة أرجوكم ….قالتها برجاء
وبسرعة أتى ماهر الذى توقع بالفعل أن تكون نور هى من تصرخ ……
دلفت إلى الغرفة وجدت السيدة فريدة و عمة نور تحاولا أن تقوما بتهدءتها وكل واحدة منهما تمسك بيديها وهى لم تكف عن الصراخ وهى تقول بألم وبكاء …..لقد تركنى. ….لقد تركنى ….ياسين تركنى وحيده …..أبى …..أبى لم يمت …أبى لم يمت ….أنتم كاذبون . …ومن ثم ابعدتهم عنها بقوة وبدأت فى الابتعاد عن السرير قائلة بهستيرية …..ما الذى احضرنى هنا …سأذهب إلى والدى اتركونى ….صرخت بها بقوة …..ومن ثم انهارت بين يديهم. ….ركض ماهر بسرعة اليها وأعطاها حقنة مهدءة. ….ثم خرج والتف حوله الجميع
– انهيار عصبى…..قالها ماهر ثم تابع وهو ينظر إلى ريم ….إذا حدث هذا مرة أخرى اعطها هذه الحقنة …..قالها ثم دلفت الى الغرفة تاركة ماهر والباقون يلتفون حوله يستفسرون عن حالتها ….فبدأ بالشرح لهم انه انهيار عصبى كان متوقع فهى لم تصدر اى رد فعل عندما توفى والدها ….ثم دعاهم ان يدعوا لها فهى تحتاج إلى هذا الدعاء من الجميع
بقت ريم بجوار صديقتها تحاول كتم دموعها وتدعو ربها ان يخرجها مما هى فيه
……………………..……………………..……..
تجولت بعيناها فى أرجاء الشقة التى اوتها منذ ان توفى والدها ….هل قرارها بترك الشقة سيكون فى صالحها ام سيكون العكس ….هل ستستطيع أن تعتمد على نفسها بدون مساعدة سيف ….ام ستحتاج لمساعدته بعد ذلك …..أغلقت عيناها بقوة تحاول إلا تتراجع عن قرار تركها للشقة نعم ما فعلته كان صحيحا قالتها بتشجيع لنفسها ….أخرجها من تفكيرها صوت جرس الباب ….نظرت إلى ساعة الحائط التى تشير للتاسعة صباحا ….مما جعلها تعقد حاجبيها فى تساؤل ….عن من ممكن ان يكون الطارق …..نظرت إلى ملابسها المكونة من بنطال قصير وبلوزة تماثله قصرا ……واقتربت من الباب ونظرت من العين السحرية الصغيرة الموجودة على الباب فعقدت حاجبيها بشك وهى ترى من خلالها جسد امرأة لكن ملامحها لم تتبين لها جيدا …..ففتحت الباب ببط ….والذى ما ان فتحته حتى قالت السيدة نوال بسرور ووجه بشوش وهى ترفع بيديها تظهر الأكياس التى بين يديها ……صباح الخير ….هل يمكن أن أتناول الفطور معك
فغرت دينا فاها استغرابا من تلك المرأة حتى أن دينا بقيت لثوانى تمسك بمقبض الباب النصف مفتوح …..نظرت السيدة نوال إليها لثوانى هى الأخرى وبدون مقدمات دلفت إلى الشقة و سارت بضع خطوات داخلها ……
وقالت وهى تدير جسدها قليلا إليها …..هيا بسرعة قبل أن يبرد الطعام …..ومن دون أن تنطق ببنت شفه أغلقت دينا الباب بهدوء …..وسارت خلف السيدة العفوية او أقل ما يقال عنها غريبة الأطوار …..والتى بدأت بالفعل برص بعض الشطاءر على طاولة القهوة الصغيرة وهى تحرك يديها فى دعوة لدينا من التقرب إليها بسرعة …..وبسرعة جلست دينا قبالتها طواعية وبدات فى التهام الطعام مباشرة ما ان رأت السيدة الأخرى تأكل بنهم ……رغم ان الطعام كان بسيطا مكون فقط من (الفول والطعمية )إلا أنها لم تذق ما هما أفضل منهما طيلة حياتها …..كان تناول الطعام مع تلك السيدة الغريبة ممتعا وهادءا حقا …..و التى كانت تبتسم باستمرار …..تحركت دينا من على كرسيها قائلة بتلقائية للسيدة …..ماذا تفضلين ان تشربى
– عصير ….قالتها السيدة بسعادة وابتسامة جميلة على ثغرها ……
أعدت دينا كوبا من العصير للسيدة وكوبا للقهوة لها وبداتا الاثنتان فى ارتشافهما بهدوء ……
– القهوة ليست جيدة فى الصباح ….ومن خلال نظرى لكى أجد انكى من مدمنيها ….قالتها السيدة نوال بهدوء ولا تزال ابتسامتها المعتادة التى تبعث الدف والارتياح مرتسمة على وجهها …..
– اعرف ….لكن ماذا أفعل احبها ….قالتها دينا مبتسمة
فبادلتها الأخرى الابتسام …..
تجولت عينا السيدة فى أرجاء المنزل ……منزلك جميل ومرتب ….
– نعم ….لكنى لن أبقى به كثيرا ….قالتها دينا بشرود
التفتت إليها السيدة قائلة بتساؤل غريب …..لماذا
عقدت دينا حاجبيها وقالت بهدوء …..سانتقل إلى مكان آخر أفضل لى
اؤمات السيدة متفهمة وقالت بمرح. ….ألن تسأليني كيف عرفت عنوانك
صمتت دينا تنتظر بقية حديثها …….فقالت السيدة ….لقد عرفته من ماجد
ظهرت شبه ابتسامة على وجه دينا …..فتابعت المرأة ……حسنا ….هل فكرتى فى مشروع ما
فحركت دينا رأسها نافية قائلة بتأكيد …..لم اتوصل لشئ بعد …..ولكن هل لديكى فكرة
حركت السيدة هى الأخرى رأسها بالنفى قائلة بهدوء ……انا لا أعلم كثيرا او بالأحرى لا أعلم شيئا عن عالم الأعمال ولا حتى عن المشروعات الصغيرة …..فتابعت بتلقائية وتنهيدة طويلة من صدرها ……لطالما قام زوجى بالاهتمام بكل شئ وحتى عندما ساعدنى على إتمام دراستى لم يجعلني أفكر فى العمل او اى شى ….وربما أيضا لم أكن أريد ذلك
– إذا لماذا تريدين هذا الآن …..سألتها دينا بسرعة بعد ان استمعت لكلمات تلك السيدة فنظرت إليها بحزن ….فتابعت دينا بارتباك ….انا آسفة ….هل انا اتدخل فى …شئ
فقاطعتها نوال بسرعة …..لا …لا …لكن انا فقط تذكرت بعض الأشياء المولمة. …وتابعت بابتسامة …..لكنى سأخبرك لماذا أريد أن أبدأ فى عمل مشروع ….لأننى وحيدة قالتها بألم وصل بأعماق دينا التى شعرت وكان تلك المرأة قد وصلت لاعماق جروحها …..
بلعت ريقها وهى تحاول استجماع شجاعتها وقوتها يا الله الوحدة ….مرة أخرى …..لماذا أصبح الجميع يتحدث عنها
– هل انتى متزوجة ام ….سألتها دينا بعفوية
فضحكت السيدة بقوة رغم الحزن الذى ظهر بين مقلتا عيناها وقالت بمشاكسة جعلتها تبدو أصغر من عمرها بكثير …..متزوجة ….لكن كم تعطينى من العمر
– ربما فى الأربعين ….قالتها دينا بارتباك لا تعلم ما سببه
فضحكت السيدة مرة أخرى وقالت بهدوء وهى تجلس بجوارها على الكرسى …..حسنا لن أخبرك بعمرى ولكنى سأخبرك انى كبيرة بما يكفى لكى يصبح لدى ابن تقريبا فى مثل عمرك
صعقت دينا …..ماذا …متزوجة ….وأيضا لديها ابن فى مثل عمرى …..من ينظر اليها يعتقد أنها ربما تكون فى مثل عمرها ….حتى هى قد ظلمتها وهى تعطيها سنها للاربعين وحتى هى لا تعلم كيف نطقتها – هل تعلمى الجميع يقولون لا يظهر عليكى سن …..وربما كان هذا ما كان يزعج زوجى رحمه الله ……
أخذت السيدة نوال نفسا عميقا ووجهها ارتسم عليه معالم الحزن رغم أنها كانت تبتسم …..
– اشتقت إليه …قالتها بألم ودموعها لفحت بشرة وجهها الخمرية …..
ربتت دينا على ظهرها بتلقائية فابتسمت شبه ابتسامة …….فبادلتها دينا الإبتسامة وقالت بهدوء وفضول ظهر جلى فى عيناها …..كيف تزوجتيه. …وهل تزوجتما عن حب
– هل سيكون لديكى سعة صدر لتستمعى لقصتى …..فاؤمات دينا رأسها بسرعة موافقة
……………………..……………………..…………….
 

error: