رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل الثامن والعشرون ج2

وقفت ريم إمام المرآة وعيناها معلقة على صديقتها التى تبدو غاية فى الجمال بفستانها الأبيض … الذى يشبه نقاء قلبها … ابتسمت بسعادة وهى تضع على رأسها تتلك الطرحة البيضاء المخرمة….
ترددت ريم لبرهة ثم همست بصوت منخفض قرب أذن نور قالت
” تبدين غاية فى الجمال ..يا نور “
نظرت نور إلى انعكاس صورتها فى المرآة مشدوهة وكأنها ترى شخصا آخر غيرها … هل تلك المرأة التى تراها أمامها هى ام انها شخص آخر؟! … ربما ملامحها سعيدة … لكن لم تعكس روحها المتعبة الحزينة … ابتسمت بخفوت تحاول ألا تظهر ما تشعر به من ضيق ….
جفلتا الاثنتان ما ان سمعا صوت الزغاريد المتواصل والدقات المتتالية على الباب … ودلوف الحاجة هيام وخلفها السيدة نورا ورائها…. عمتها التى لم تتركها للحظة … ونورا التى عاملتها وكأنها ابنتها ولم تتركها غير امس … ولكنها ما ان استيقظت اليوم حتى وجدتها أمامها … لم تكن تجلس لحظة كانت تتحرك هنا وهناك بغير هدى … حتى استطاعت جعل كل شئ يتم وفق ما أرادت … نعم بالطبع أليس زفاف ابنها الوحيد إذا كيف لا تفعل ولا تهتم بكل صغيرة وكبيرة .. انها ام وتريد أن تجعل عرس ابنها اسطورى كما قالت سابقا …
الزغاريد تتواصل فى المنزل بأكمله والاضواء الملونة تزين حديقة المنزل … ومنذ الصباح وبدأ المدعون بالقبول … وكان يتم خدمتهم بأفضل ما يكون بعد ان تم ذبح ما يقارب الثلاثة عجول ليلة أمس غير الذى تم ذبحه صباحا … كل هذا تم وفق إرشادات و أوامر خالد ابن عمتها الذى لا تعتقد بانه حصل على الراحة منذ ان أعلن موعد الزفاف …
كل شى تم وفق ما يريده الجميع .. لكن ليس وفق ما تريده هى … الجميع يقول بأن الزواج هو الأفضل لها … وخاصة عندما علموا من هو العريس …
حازم السيوفى … وهل يوجد أحد يرفض شخص مثله …
استمعت من البعض ومن والدته انه كان يريد أن يقوم بتوصليهم عندما كانوا مستعدون للخروج من أجل شراء الأغراض النهائية للزفاف … لكن خالد رفض وبشدة … كما انه أراد رؤيتها لكن خالد قابل طلبه بالرفض أيضا … فهى حتى الان ليست زوجته … عندما تصبح كذلك فهو حر بها هذا كان كلام خالد وما وصل إليها من ما حدث ….
ظلت تمرر اصبعها على تلك الرسمة السوداء التى تزين أصابعها ويديها…. فهى قد رسمت على يديها بعد إصرار من عمتها التى قامت بتحضير حفلة حناء صغيرة اجتمعن بها عدد من الفتيات ليلة أمس بعد حضور ريم … فوافقت قانطة….
أمسكت ريم بيد نور وعلى وجهها ابتسامة تعبر عن سعادتها الغامرة … ونزلت بها إلى أسفل حيث النسوة مجتمعات …يغنوا ..ويرقصوا..فى داخل منزل عزيز المنشاوي حيث تم تجهيز غرفة كبيرة فى المنزل خصيصا للنساء… اجلستها على أحد الكراسى وجلست بجوارها ….
تشعر ريم بصديقتها تعلم بحزنها وربما أيضا برفضها… لا تعرف حازم ولم تره غير مرات قليلة …لكن كل ما سمعته عنه انه شخص ذو خلق … كما انه كان صديق لزوجها ولسيف و لكاسر ابن عمها … تدعو ربها ان يكون حقا ذلك الحازم يستحق نور وان يستطيع أن يخرجها مما هى به ….
أما فى الحديقة الكبيرة فقد اجتمع الرجال وحضر كبار هذه البلدة لتهنئة عائلة السيوفى و المنشاوي بهذا الدمج والقرب الذى تم عن طريق الزواج معبرين عن فرحتهم الشديدة بهذا الزفاف ….
وقف حازم يستقبل كل من أتى له والفرحة تغمر روحه … فرحة من زواجه ممن دق لها قلبه … أراد وبشدة التحدث معها قبل الزفاف … ربما كان ليستطيع من خلال الحديث معها ان يمهد لها وان يحاول التقرب منها … لكن ابن عمتها خالد رفض … ففضل حازم الصمت وأن يحدث كل هذا فى بيته …عندما تكون هى زوجته …. رغم انه لم ينم من التفكير بسبب تذكره لحديث ذلك المعتوه مازن …يتمنى ويدعو من قلبه ان يكون كل ما قاله سابقا مجرد تراهات وربما كان كل ما تفوه به لكى يمنعه من أن يفكر بنور او يقترب منها ….
أبتسم حازم بحبور ما أن وجد كاسر ومالك مقبلين إليه … وقام كل واحدا منهم بمعانقته وتهناته بسعادة ….كم حضر أيضا أسامة و ماجد للتهنئة …
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير ”
ما ان نطق المأذون بجملته المعتادة حتى انطلقت الزغاريد …. واطلاق عدد من الرصاصات فى السماء تعبيرا عن فرحتهم المطلقة ….
جلست بين النساء وكأنها مغيبة لا ترى شئ ولا تشعر بشئ … فقط ألم وضيق …. وعيناها عصرتهما بقوة حتى تمنع عبراتها من التسلل … فقط ما جعلتها تخرج من تلك الدوامة هو تربيت ريم المستمر على يديها وهى تتحرك بسعادة فى المكان … تدافع عنها من اى كلمة تطلقها إحدى النساء … و ترفع كفها فى وجوههن ما ان ترى نظرات الحسد لها ولصديقتها …. حاولت رسم ابتسامة على وجهها بعد ان رأت نظرات النساء من حولها … لسبب تجهله نور فى نفسها أرادت أن تعطى لنفسها فرصة من هذا الزواج …. ربما عندما شعرت بحنان تلك السيدة الحنون نورا وكم كانت معها كام لها … عقلها أخبرها أن لا ترفض ذلك الزواج غامرى ربما كان فعلا حازم هو نصفك الثانى كما تمنيتى…. أليست كاى فتاة تحلم منذ صغرها بهذا اليوم … تنهدت بقنوط … حتى رفعت نظرها بعد ان رأت أن معظم الفتيات يقفن فى النافذة الكبيرة ينظرن منها وهن يصدرن أصوات تعبر عن دهشتهم و فرحتهم برؤيتهن للرجال وهم يقومون بالعروض فى الحديقة ….
لم تهتم ولا لواحدة منهن … وتابعت مشاهدتها لبعض النساء الآتى يرقصن بسعادة ….
وقفت ريم تحاول أن تحارب رغبة فى نفسها للركض نحو النافذة الكبيرة والرؤية منها لعلها تلمح طيفه او حتى ظهره … منذ أن قام بتوصيلها البارحة وهو لم يكلف نفسه حتى عناء الاتصال بها … ورغم انها سمعت انه قد أتى مع ابن عمها كاسر … واعتقدت بأنه ربما يحاول رؤيتها ولكنه لم يفعل … وهذا ما زاد جنونها. …هل يا ترى ما زال غاضبا منها … نعم انها تتوقع رد فعله هذا فهى قد لاحظت العبوس فى وجهه عندما كانا فى السيارة حتى اوصلها إلى هنا … تبا له … انه يشغل بالى … فى حين هو لم يعد يهتم لى كالسابق … هل يا ترى مل من حبها ولم يجد فائدة بعد الآن من الاستمرار فى ارضاءها والوصول إلى قلبها كالسابق …ام ماذا … صرخت ريم بكل هذا فى نفسها …
اجفلت عندما سمعت صراخ إحدى الفتيات القابعات عند النافذة وهم يراقبن الرجال واحداهن تهتف بإعجاب
” يا الله انه وسيم … انظرن إلى طوله ”
بينما الاخرى ردت عليها بهيام وفخر وكأنها تعرف من يتحاورن لأجله
” وماذا ستفعلى ان رايتى عيناه؟! ”
بينما غيرها تسالها
” وكيف عرفتى لون عيناه؟؟! ”
فاجابتهن بشجن ” رأيته صباحا عندما كنت سادخل إلى المنزل وكدت أقع فقام بامساكى بسرعة … ان لون عيناه خضراء ”
” خضراء … إلى هنا وكفى …صرخت ريم فى نفسها… واقتربت منهن وابعدتهن عن طريقها ووقفت تشاهد … وكانت الصدمة الكبرى بالنسبة لها ….
زوجها … زوجها الوقور … يمتطى إحدى الاحصنة وكأنه فارس … ويرقص ويتحرك بالحصان بمهارة وكأنه ولد على ظهره ….مالك … يمتطى حصان ويجذب الفتيات إليه …
” انه مالك يا ريم ” قالتها نورا بسعادة من خلف ريم ما ان رأت مالك يمتطى أحد الاحصنة ….
حسنا انه وقتها … فقالت بغرور وهى تلف إحدى خصلات شعرها على اصبعها
” نعم .. انه زوجى مالك … صاحب العينان الخضراء ” قالتها ريم بدلال وهى تنظر إلى الفتيات اللاتي كانوا يتغزلن بزوجها وخصيصا إلى تلك التى كانت تتحدث عن عيناه … ظهرت السعادة على وجهها ما ان رأت معالم الدهشة والغيرة على وجههن وشهقاتهن … ومرت من أمامهم بغرور ورأس مرفوع … وملامح منتصرة ….. لكن بداخلها هناك نار مستعرة تهدد بإحراق ما حولها … ستهدا حتى ينتهى الزفاف ويمر اليوم على خير … وبعد ذلك ستفكر بطريقة للانتقام منه … حمدت ربها داخلها على عدم حضور حماتها العتيد كوثر … وأن حماها هو من حضر فقط ولم يحضر معه زوجته … فهى فى غنى عن رفع ضغطها فى هذه المناسبة بسبب حماتها التى لن تترك فرصة حتى تهينها…
أما عند الرجال فى الخارج فقد احتفلوا بهذا الزفاف بطريقة مختلفة أما عن طريق امتطا الاحصنة او من خلال إطلاق بعض طلقات فى الهواء … او من خلال الرقص بالعصا …
ما ان نزل مالك عن حصانه … حتى وجد خالد بدأ رقصه بالعصا … والجميع كان يراقبه بإعجاب وانبهار كبير … و أصبحت الأصوات عالية والجميع يهتف بتشجيع ما ان قام خالد بإلقاء إحدى العصيان إلى كاسر … الذى التقطها بمهارة ولم يرفض المواجهة بل وقف بثبات … وبدأ الاثنان يوديان ما يسمى ” بالتحطيب” وكانت المنافسة شديدة …. وقوة كلا منهما تزداد وتزداد حماستهما من أصوات الرجال المشجعة … حتى اسقطا الاثنان … عصا كلا منهم … ومن بعدهم توالى الرجال فى الرقص وتاديت بعض الاستعراضات المضحكة …
” ألم تستطع إحضار راقصة تقوم حتى بترطيب هذا الجو الخانق … رجال .. رجال وفقط ” قالها كاسر بعبوس وتانيب لخالد الجالس بجواره
فضحك خالد بقوة وقال ينهره بعد ان هدأت ضحكته
” حقا يا كاسر لن تكبر وتعقل يوما .. ستظل كما أنت مهما كبرت ”
فرد عليه الأخير مونبا
” هل هذه جلسة يستطيع الرجل ان يجلس بها ؟؟!… كنت اخبرتنى وأنا كنت سأقوم بأعداد كل شى ”
” وما الذى كنت ستقوم به؟!! ” ساله خالد وهو يحاول كتم ضحكته
“كنت سأقوم على الأقل بإحضار راقصه ما ” قالها كاسر بعبوس. .. فرد عليه خالد بضحكة مجلجلة وفضل الصمت ومراقبة الرجال ….
انتهى الزفاف على خير ما أراد فى منزل عزيز المنشاوي … وحان وقت العريس ان يصطحب عروسه لمنزلهم …
**************************
من قال ان القلوب لا تحزن ولا تتألم مهما طال الزمن ….. كاذب من قال ان الزمن ينسى … كاذب من قال ان الألم ينتهى مع الزمن … لم يكن يعلم أن مهما تناسى العقل الذكرى والألم سيظل القلب محتفظا بها ….
وهى هل أخطأت كما قالوا لها … هل أخطأت عندما أحبت من لم يكن لها … هل أخطأت عندما لم تهتم لكلام أحد … وفكرت فقط فى نفسها … فكرت فى قلبها … تزوجت وخاطرت…. لكن مع أول عاقبة وقفت امامهما تركها … بعد ان كانت تعتقد بأنه لن يفعل يوما …
هل هواء هذه الأرض يختلف عن غيرها … لماذا تشعر بقشعريرة غريبة تسرى فى جسدها ما ان لفحها هواءها … لماذا تشعر بضربات قلبها تزداد وكأنها نزلت إلى أرض ليست أرضها … نعم هذه الأرض لم تكن يوما أرضها …
خرجت روز من صالة الاستقبال فى مطار القاهرة الدولى بعد رحلة استمرت لما يقرب الست ساعات … أنهت أوراقها واستقلت السيارة الخاصة التى جهزتها مع أحد الشركات على الشبكة العنكبوتية … كل ما تتذكره بعد أكثر من خمس وعشرون عاما من رحيلها هو عنوان سليم السيوفى … تعلم ومتأكدة انه المكان الوحيد الذى لن يتغير … وتعلم انها ان وصلت إلى سليم ستستطيع الوصول إلى الباقى وأولهم ياسين … املت السائق العنوان … وانطلق بها السائق كما أمرت ….
************************
لوت اروى فمها بحنق وهى تراقب خطوات سيف الهادئة وهو يقف أمام المرآة ويرتدى ملابسه على مهل وبرود ازعجها …
أخذت نفسا عميقا ثم زفرته بغضب … نظر إليها بنصف عين وهو يراقب تململها المستمر وهو يرتدى ملابسه … أغلق أزرار قميصه وكمى القميص ثم التفت إليها وهو يرفع إحدى حاجبيه قائلا
” ماذا بك ؟!!… لماذا لا تتوقفين عن التململ؟؟! ”
” ألم يكن يجب علينا الذهاب اليوم صباحا … لكنك رفضت وقلت أننا سننتظر هنا … و صديقك أخبرك أنهما فى الطريق … لذا يجب علينا الإسراع قبل أن يصلوا يجب أن ننتظرهم عند منزل السيد مراد ” قالت كلماتها وهى تهم من مكانها بسرعة وغضب
راقب سيف غضبها باستمتاع واضح … وقال بهدوء وهو يحرك كتفيه بعدم مبالاة
” لا تقلقى … سنصل قبل ان يصلوا هم ” ثم تابع نظراته إليها وهو يتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها بثوبها الأحمر الواسع ربما ليس واسعا كثيرا لكن من وجهة نظره هو أفضل من الثوب الآخر القصير … ظل يتفحصها … بطريقة جعلت الحرارة تسرى فى جسدها … اقترب منها بخطوات بطيئة وثابتة للغاية وكأنه ذئب يعلم أن فريسته لن تستطيع الهرب من براثنه …
وعيناه تلتمع بمكر … مد أصابعه ووضعها على خدها سرت قشعريرة فى جسدها ما ان شعرت بملمس أصابعه …حاولت إغماض عيناها تحاول إبعاد ذلك الشعور عنها … لكن صوته خرج أمرا إياها
” افتحى عيناك … ثم تابع وهو يضع يده الاخرى حول خصرها مقربا إياها نحوه برفق شديد … وضع يده التى كانت على خدها أسفل ذقنها مجبرا إياها للنظر إلى عيناه وقال بصوت متهدج ضعيف و دافئ
” جميلة ” ثم أعقب كلمته بطبع قبلة على ثغرها …
أغمضت عيناها وشعور من السعادة يجتاح جسدها … لأول مرة ينطق بكلمة كهذه لها … مررت لسانها على شفتها السفلى … تنحنحت أروى وقالت بنبرة ضعيفة ” سنتاخر ”
قالتها وهى تحاول إبعاد يده التى تحاوط خصرها … لكنه رفض أبعادها … وقربها إليه أكثر و رغبة قوية لديه فى لحم جسدها بجسده وعدم تركها و هتف بانفاس لاهثة
” اقتربى منى أكثر … دعيني اشتمه ”
فرفعت نظرها إليه مستغربة … فابتسم شبه ابتسامة وعيناه تمتلان إغراء …وهتف وهو يدفن وجهه فى عنقها
” عطرك … كم أتمنى أن اسكنك فى روحى واحتويكى … واحبك كم لم يحب رجل … بل ان أعشقك ”
ذابت من كلماته … بل قدميها لم تعد تتحملانها وهو يمرر شفتاه على وجهها … بلعت ريقها وقالت بصوت منخفض للغاية
” سيف … يجب ان نذهب سنتاخر ”
” فلنتاخر… لا داعى لذهابنا ” رد عليها بخفوت
فتحت عيناها و ابعدته عنها بسرعة … وهى ترى تحول ذلك الدف الذى كان فى عيناه إلى غضب من تصرفها الاهوج بابعاده عنها … وراقبت تحركه فى الغرفة وهو يمرر أصابعه على وجهه
” هيا حتى لا نتاخر ” قالتها اروى وهى تلتقط حقيبتها الصغيرة وخرجت من الغرفة … نظر إليها بتعبير غريب لم تفهمه وتتبعها بهدوء منافى لغضبه …..
************************

error: