رواية..(عندما يعشق الرجل)

الفصل التاسع عشر (ج2)
بدأت نوال فى قص كل شئ على دينا التى استمعت بانصات وفضول شديدين …..
– لقد كنت الاخت الكبرى لخمس فتيات أنهيت المرحلة الاعدادية ولم تسمح لى الظروف بإكمال دراستى ….تزوجت بالصدفة …..انعقد حاجبى دينا بشدة …فابتسمت السيدة نوال وه تتابع ….كان لوالدتى صديقة كانت تعرف والدة زوجى التى كانت تبحث عن عروس لابنها الأكبر الذى لم يحالفه الحظ فى الزواج …..فرشحتنى صديقة والدتى لها .…أتت وراتنى فاعجبتها وبعد ذلك اتفقت مع والدتى على كل شئ. ……اتفقت على أن تحضر هى وزوجها وابنها لرؤيتى وفعلا أتوا ….كنت صغيرة فى هذا الوقت ولم أكن افهم شيئا لكنى كنت أشعر بارتباك وخوف شديدان ….جلست معه ومن خجلى لم أجرؤ على رفع عيناى إليه وهو أيضا كان صامت مثلى انتهت الجلسة بهدوء ….وبعد ذلك عرفت بعد رحيلهم ان والديه اتفقا مع والديا على ان يكون الزفاف بعد ثلاثة أشهر ……الحقيقة لم انزعج او اعترض على الأمر ….فبعد تلك الجلسة بعدة ايام أتى وأحضر الكثير من الهدايا للجميع فلمحته خلسة وهو جالس مع والدى كانت ملامحه رجولية للغاية وفى نفس الوقت مطمئنة ومريحة لا أعلم شعرت بأنه خطف قلبى فى هذا الوقت واننى أسعد شخص لأننى سأكون زوجته …..قالتها بأعين عاشقة …..كما جعل عينا دينا تلمعان بحب ……فنظرت السيدة نوال إلى دينا بخجل وهى تقول بصوت ناعم ……فى اليوم الذى حضر فيه حاولت والدتى اقناعى بمقابلته ولكننى رفضت فحزنت لرفضى واعتقدت إننى رافضة له وحاولت الحديث معى لكننى لم أكن أجيبها غير بالصمت فتحركت وقالت بهدوء …..نوال ستعلمين إننى أفعل هذا لمصلحتك……
لكنها لم تكن تعلم ان ابنتها قد وقعت فى الحب منذ ان رأته ……
تنهدت تنهيدة مطولة وتابعت ……بعد هذا اليوم لم ياتى فاعتقدت بأنه قد انزعج برفضى لمقابلته…..انشغلت انا ووالدتى بالشراء والتحضير للعرس …..وقبل الزفاف بعدة ايام علمت أن عمره ست وثلاثون عاما …وأنا ما زلت فى مقتبل الشباب تسعة عشر عاما ….لقد كان يكبرنى بسبعة عشر عاما الحقيقة أصبحت خائفة بل وأيضا منزعجة كيف ساتزوج برجل يكبرنى لهذه الدرجة ….تم الزفاف واكتشفت خلال شهر العسل كم هو رائع وطيب وحنون…..لقد كان يقول لى دائما”انتى ابنتى ولستى زوجتى فقط ” اخبرنى بعد ذلك انه كان معترض على الزواج منى عندما علم بسنى ولكنه عندما رانى قال انه غير رأيه …..احبنى مثلما أحببته …..مر عدة أشهر على الزواج ووالدته تنتظر ان تستمع إلى البشارة ان تكون زوجة ابنها حامل لكن خاب أملها عندما لا تجد اى نتيجة ….فبدأت معاملتها لى تتغير شيئا فشيئا …..
فجلست على الأريكة وهى صامتة عدة دقائق تضغط على أصابع يدها بقوة ونظرتها تغيرت وأصبحت حزينة خائفة و مهمومة …..راقبتها دينا فى صمت وهى تراقب ملامح وجهها …..حتى قالت السيدة نوال برنة حزينة ومبحوحة……قضيت أسوأ عاما فى حياتى كدت فيها ان أموت قهرا من معاملة والدته التى أصبحت سيئة للغاية …..لكن هو لم يكن سى معى ابدا حتى أنه شجعنى على إكمال دراستى وكان يدافع عنى أمام والدته باستمرار …..بعد عام ونصف انصفنى الله أمام الجميع وعلمت إننى حاملا ….سعد الجميع بهذا الخبر وأصبحوا يعاملوننى بطريقة أفضل ……الحقيقة انزعجت من الأمر هل لو لم استطع انجاب طفل لهم هل كان ستستمر معاملتهم لى هكذا ……
مسحت السيدة نوال دمعة عابرة على وجنتها وهى تقول بسعادة رغم رموشها المبتلة بالدموع …..كان انجابى ل اسا. ….قطعت بسرعة كلماتها عندما لاحظت عيناى دينا المرتكزة عليها …. فبلعت ريقها فهى لا تريدها ان تعرف من تكون حتى تصحح الأمور بينهم أولا فتابعت…..لقد كان إنجاب الصبى ورقة اليانصيب لى ولزوجى أحمد فبدأ الجميع بالاهتمام بى وبطفلى حتى أن والدته كانت تحمل ابن ابنها دائما فاتاح لى هذا ان أستطيع أن اكمل دراستى حتى أخذت شهادة الدبلومة للثانوية ……وبدأ عمل زوجى (أحمد ) يكبر شيئا فشيئا بدلا من أن كان مجرد مكتب محاسبة صغير أصبح شركة متوسطة حتى حياتنا تغيرت معها الشقة أصبحت منزل راقى وجميل ……
قضيت معه أجمل ايام حياتى لم أشعر فيها إننى أصغر منه لم أكن أشعر به زوجى فقط بل كان والد لى ساندنى وساندته حتى أصبحت لا أستطيع الاستغناء او الابتعاد عنه …..ابنى كبر وأنهى دراسته وأصبح هو المسئول عن كل شى ….وبدأ لى زوجى بالتفرغ لى سافرنا إلى أماكن لم أرها. ….حتى حدث ما حدث منذ عشرة أعوام …..قالتها ب اكتئاب
اجفلت دينا عندما شهقت السيدة نوال بقوة وهى تنظر إلى ساعة الحائط. ….يا الله لقد تأخرت …..يجب أن اذهب الآن ….سأخبرك المرة القادمة عندما نتقابل ولا تقلقى ساتى اليكى انا ..قالتها السيدة نوال وتابعت وهى تأخذ حقيبتها وتتوجه نحو الباب ….سأذهب واتصلى بى عندما تنتقلين ….لا تنسى سأنتظر اتصالك …..لقد اعطيتك رقم هاتفى آخر مرة أليس كذلك ….فاؤمات دينا براسها موكدة
ومن ثم خرجت ….أغلقت الباب خلفها بهدوء ووقفت خلفه وهى تبتسم على تلك المرأة العفوية ….
– انها امرأة رائعة حقا …..قالتها دينا بسعادة ….
لقد احبتها حقا …..ويبدو انها ستفكر بجدية أكثر حتى تبدأ فى المشروع معها …لقد كانت خائفة فى البداية لكن حقا الآن لم تعد كذلك …..
دلفت إلى الغرفة التى تضم رسوماتها وبنظرة متلهفة نظرت إلى لوحتها التى تتوسط تلك الغرفة وهى تحدق بها بحزن وعيناها ملأ بالدموع وتقول بحشرجة واختناق…..هل تعبت من تتبعى وملاحقتى. ….أ مللت منى يا أسامة؟؟! …ولم تعد تلاحقنى!!. …هل ستستطيع ان تنسانى ….لكن ماذا أفعل انا!! لم استطع أن أفعل وانساك! !رغم إننى أكثر شخص يجب ان يبتعد لكننى لم أستطع الصمود أكثر ……أغلقت عيناها بقوة بعد ان خانتها دمعتها وسقطت على خديها تقول بألم ….أريدك واحبك …..
……………………..……………………..………
دلفت إلى غرفتها مباشرة بعد ان رأت سيارة ابنها أمام المنزل وبدأت فى خلع العقد الذى يزين عنقها ….فادارت جسدها نحو الباب وهى تستمع لصوت إدارة مقبض الباب وخادمتها تدنو منها تقول بصوت منخفض لا يخلو من العتاب ….لماذا تاخرتى؟؟ ….لقد خفت ان ياتى فى اى وقت وتتقابلان هناك ….وحينها يذهب كل مخططاتنا أدراج الرياح
ابتسمت السيدة نوال وقالت …..ماذا أفعل لقد كان الجلوس معها ممتعا!! …..وتابعت وهى تسحب ثوب منزلى أنيق من دولابها الكبير ….لكن اخبرينى هل أتى !!…..
– نعم أتى منذ دقيقة تماما و دلف إلى المكتب مباشرة ….قالتها الخادمة بسرعة
– حسنا جيد إننى قد ذهبت مبكرا ….لكنى أفكر بالذهاب إليها عندما تنتقل من شقتها وسيكون هذا آمن ولن أشعر بالخوف من أن يرانى أسامة او يعلم بأننى أعلم كل شى بعلاقته مع دينا ……
– حسنا هل تحدثتما عن اى شى يخص المشروع ….سألتها الخادمة
– لا ….ردت السيدة نوال
فضيقت الخادمة عيناها قائلة بدهشة ….إذا عن ماذا تحدثتما
فأجابت السيدة نوال بمشاكسة ….لن أخبرك ….قالتها وهى تدلف إلى الحمام مغيظة خادمتها
التى ضربت يديها ببعضهما قائلة بقلة حيلة ….. يا الله الن تكبر هذه المرأة ابدا أ ستظل هكذا ؟؟!!!…..
……………………..……………………..……..
كان يجلس على مكتبه الوثير مستندا بجسده على ظهر كرسيه واضعا ذراعه على عيناه بتعب وضيق …..لقد اشتاق إليها ويتمنى رؤيتها لكن ماذا يفعل خائف من ان تصده او تحدثه بقسوة عندما يتكلم معها …..خائف من نظراتها المعاتبة والمتالمة والقاتلة بالنسبة لمشاعره ورجولته ….لو فقط تستمع له …لو فقط تعطيه فرصة وتستمع له حينها سيصلح كل شى بينهما ….حمد الله فى سره على زواج سيف وإلا لاعتقدت انها تحبه ….هو المخطئ هو من جعل سيف يتقرب منها ويساعدها لكن ماذا يفعل عندما علم بما حدث لها وأنها على وشك الانهيار لكنه أيضا لم يستطع ترك والدته فى الخارج فى مصحة نفسية ويعود ….كيف يترك والدته بعد ان فقد كلا منهما أغلى شخص بالنسبة لهما هو فقد والده وهى فقدت زوجها الذى لم تحب ولن تحب شخصا مثلما أحبته …..لذلك كل ما فكر به فى تلك اللحظة هو سيف ….سيف الذى يستطيع أن يساعدها ويخرجها من الضاءقة التى كانت بها …..فى حين انه مر عليه أسوء عامان فى حياته وهو يرى ويراقب ذبول والدته يوما بعد يوم أمام عينه لقد كانت الصدمة أكبر مما تستطيع تحمله …..لولا انها شعرت بأنه اخيرا بجانبها وبأنه كل ما بقى لديها من زوجها …كل هذا أعطاها دافع لتكون بخير …..والحمد لله أصبحت حالتها تتحسن وعندما علم انها تستطيع ان تمارس حياتها وأنها خرجت تماما من صدمتها عاد بها إلى مصر …..وهو يحمل شوقا وحنينا جارفا إلى من ملكت قلبه منذ ان راءها …..
أخذ أسامة نفسا عميقا ثم أخرجه بضيق …..وهو يفكر عن خطوته التالية للتقارب من حبيبته ….دينا
********************************************************
فى اليوم الثالث من العزاء أخذ سيف اروى ورحل ….وقد سبقه فى ذلك جده وأخته الحاجة زينب….. ….ولم يبقى غير والد سيف سليم ومراد وزوجته نورا وعادل والد اروى ووالدتها السيدة فريدة ومحمود ومالك الذى كان يراقب صمت وحزن ريم على صديقتها فى صمت من بعيد ….ولكنه كان يرسل إليها دائما الرسائل لكى يطمان عليها وعلى نور فهو لم يستطيع أن يكون لوحده معها فى تلك الظروف …….
انتهى ثلاثة ايام العزاء وما زالت نور على حالتها كلما تستيقظ تصرخ وتنهار ولا تهدأ إلا عندما تأخذ الحقنة المهدءة لم تكن تأكل فلجوء إلى أعطاها محلول مغذى لعل حالتها تتحسن لكن حالتها النفسية والجسدية كانت تسوء يوما بعد يوم …..
وفى غرفة الجلوس فى منزل الحاج عزيز ….جلس الجميع مجتمعون وجلس قبالتهم الحاج عزيز ….الذى قال بهدوء
– شكر الله سعيكم ….لقد كان أخى محظوظا بأصدقاء مثلكم
نظر مراد بحدة إلى سليم ففهم الأخير مقصده
و تنحنح سليم قائلا…..سيد عزيز …سنذهب ….لذا سنأخذ نور معانا ….
قاطعه عزيز وهو ينهره بقوة …..ماذا!! …تأخذ من!! …ولماذا تعود معكم ؟!!!….
قال سليم بهدوء …..سناخذها لقد اوصانى والدها ان اعتنى بها إذا حدث له شئ
– باى صفة ستاخذها معك !!…..قالها بحدة ثم تابع بهدوء …..ابنة أخى ستبقى معى ….لذا شكر الله سعيكم …..قالها ثم خرج وهو يتبعه أولاده الاثنان ….
ظهر الغضب على ملامح مراد جلية ثم قال موجها حديثه إلى سليم …..ما الذى نطق به …كيف سنترك الفتاة معه ….سناخذها حتى ولو بالقوة
– مراد أهدى هو لم يقل شئ خاطى عنده حق ….نحن مجرد أصدقاء لوالدها …وهو عمها وله الحق قالها محمود بهدوء ووافقه كلا من سليم وعادل ..
ظهر الامتعاض والغضب على وجه مراد وتركهم ….أخذ زوجته وذهب من دون ان يتحدث معهم ولم ينتظرهم ليعودوا جميعا ….ولم تحاول زوجته الكلام معه وهى تلاحظ غضبه جلى على وجهه فهى تعلم بحزنه الشديد على موت صديقه
صعد الباقون إلى سيارتهم وانطلقوا خارجين من تلك البلدة التى يقبع بها جثمان صديقهم …الذى لم يفترقوا عن بعضهم لا فى السراء ولا الضراء فكلا منهم ساعد الآخر وكأنهم أخوة…….لكن أتى الموت وأخذه إلى خالقه وهكذا هم جميعا راحلون ….تموت الروح وتفارق الجسد الذى سيقبع تحت التراب ويبقى شى واحد للإنسان ….عمله
خرجت ريم من الغرفة التى قضت بها ايام العزاء مع صديقتها المنهارة ورأت مالك واقفا ينتظرها
تصلبت ملامحه وهو يرى التعب والإرهاق واضح على وجهها ….
فقال بنبرة هادئة. ….هيا يجب ان نذهب لقد انتهت ايام العزاء
فردت بأعين ذابلة …حسنا ساجهز نور لنذهب ….قالتها وتحركت بضع خطوات لولا أن اوقفها مالك قائلا ببرود …..نور لن تذهب معنا ….فهى ستبقى مع عمها …..
التفتت إليه وهى تقول بنبرة حادة غاضبة ….ماذا!! …لكنى لن أتركها …ساخذها معى !!
فرد بنبرة محذرة …..ريم …يجب أن نذهب وأنا لن أستطع البقاء أكثر من هذا لدى أعمال ….لذا سنذهب ….
بلعت ريقها من نبرته وقالت بحزن واعين دامعة ….لكنها ليست بخير
فاقترب منها وأمسك بيديها الباردة بيده ليدفاءهما قائلا بمواساة وحنان ….نور ستكون بخير انها بين أهلها لذا لا تقلقى عليها …..فنظرت إليها برجاء فقال بهدوء ….ريم ارجوكى …يجب أن نذهب لن أستطيع البقاء …فتحت فمها لتنطق لكنه قاطعها قائلا بقوة …..ولن أستطيع تركك هنا …ثم ترك يدها وقال بصرامة ….لذا اذهبى وحضرى نفسك بسرعة لكى نذهب ….نطق كلماته ونزل درجات السلم
دلفت إلى الغرفة ووجدت السيدة هيام تجلس على طرف السرير بجوار نور النائمة وهى تربت على يديها وراسها تهمس ببعض آيات القرآن ……
لمعت عيناها فى أمل فعلى الأقل يوجد شخص سيهتم بنور …نعم انها عمتها …لم تترك نور منذ ان أتت واهتمت واعتنت بها معها ….نعم ستذهب وستشعر ببعض الاطمئنان وهذه السيدة موجودة …..قبلت رأس نور وعيناها تبكى بخوف وحزن عليها ….وودعت السيدة هيام واوصتها ان تهتم بها واعطتها رقم هاتفها لكى تحادثها إذا حدث اى شى لنور …..قابلت السيدة هيام وداعها بعناق وهى تخبرها بأن نور أصبحت ابنتها وغاليتها والا تقلق عليها …….خرجت من المنزل ….وصعدت سيارة مالك الذى كان يستند عليها بجسده وما ان راءها حتى فتح لها الباب وانطلقا صامتان
***************************************************
دلف إلى المكتب مباشرة وهو يقول ببهجة…..لقد اوشكنا على الوصول و…..صمت ماجد نهائيا وهو يراقب صمت سيف ووجهه متجهم. ….ضيق جبينه وقال بهدوء …..ماذا بك؟! ….
– لا شئ ….رددها سيف بصوت منخفض
فرفع ماجد أحد حاجبيه وقال بتأكيد ….هل أنت متأكد!
-نعم متأكد ….هتف بها بضيق وغضب
– هل حدث شى فى عزاء المستشار ياسين ….او حدث ان تصادمت مع والد…..
قاطعه سيف بحدة. ….لا لم يحدث صدام او اى شى …..وإن لم تصمت يا ماجد عن طرح أسئلتك هذه … أخرج ….لأن رأسى تكاد تنفجر من التفكير …..
لانت ملامح ماجد وقال بهدوء …..حسنا سأذهب لكن ان احتجت للحديث فأنا موجود
قالها وخرج من الغرفة …..فابتعد سيف عن مقعده خلع سترة بذلته و دلف إلى حمام مكتبه مباشرة غسل وجهه بالماء البارد وخرج وهو يقول فى نفسه بصوت عميق يكشف عن روحه المضطربة نعم فهو مضطرب ….مشاعر كثيرة تدور فى رأسه كدوران الكواكب حول الشمس تجعله عاجز عن التفكير ……فى اليوم الذى وصلوا فيه للعزاء وانتهاءه لم يستطع أن يفكر غير أن يأخذها معه إلى منزل جده وكان بإمكانه تركها مع صديقتها التى يعلم انها تحتاجها وبشدة ….لكنه لم يستطع التفكير بأنه قد يتركها تنام فى مكان ما بعيدا عنه ….فقد أصبحت أنفاسها هى النغمات التى يستطيع النوم عليها براحة ….حتى وإن كانت صامتة ….غاضبة او حتى باردة ….وعندما عاد اخذها معه كان يعتقد او ربما هو متأكد انها سترفض العودة معه وتبقى مع صديقتها وحينها سيستخدم القوة لتعود معه ….لكن للمفاجاة هى لم تعترض بل ذهبت معه بهدوء ….لكنها أصبحت أكثر صمتا وبرودة فى مشاعرها معه ….احيانا كثيرة أراد أن يحتضنها إليه بقوة ليشعر بالاطمئنان ربما لا نه اراد ان يشعر بذلك الإحساس معها ويشبع رغبته الجامحة بها او ربما لانه أراد أن يحقق لجده ما أراده لكنها ابتعدت اكثر …. لكن ما جعله متماسكا قليلا معها انه يعلم انها بجواره فى غرفة واحدة وسرير واحد …..رغم ان التفكير بها بهذه الطريقة جعلته يشعر وكأنه مريض ويحتاج الى طبيب فهو لم يفكر يوما فى امرأة هكذا …..رغم تجاربه وعلاقاته القليلة والتى يمكن عدها على أصابع اليد إلا انه لم يتعلق بامرأة ……لكن هى مختلفة …هى زوجته ….تبا …..هتف بها غاضبا وهو يضرب بقبضة يده الحائط ……لم يعد يستطيع التفكير ….فظهرت سخرية على وجهه قائلا بتهكم فى نفسه وهل فكرت فى شئ يوما …..عندما تزوجتها لم تفكر غير فى الأسهم التى ستضمن حقك بين شركات عائلة الحسينى حتى لا يطردوك إذا حدث شى لجدك ….فأنت تعلم أكثر من غيرك انه إذا حدث لجدك شى ستلتف السكاكين حول رقبتك مثل الشاه ليبعدوك عن طريقهم ….تنهد بضعف وهو يقول بصوت مكتوم حزين ….والآن ماذا ……فنظر إلى الفراغ قائلا بسخرية وكأنه يسخر من نفسه ….الآن جدك يريد حفيدا. ….ولكن الأهم من ذلك ماذا تريد انت يا سيف ….
أخرجه من أفكاره المضطربة صوت رنين الهاتف ….امسكه وعقد حاجبيه وهو يرى اسم سائق زوجته …..وضع الهاتف على أذنه وقال الرجل ما مطالب به وأغلق الهاتف مع سيده ……أبعد الهاتف عن أذنه وهو يصتك بقوة على أسنانه قائلا بحفيف خفيف وعيناه تضيقان بشك …..معمل للتحاليل مرة أخرى ماذا هناك يا اروى وما الذى تخفيه
***************************************************
دلفت إلى الغرفة بتعب وألقت حقيبتها بإهمال على السرير تبعتها سترتها الخوخية التى حمتها من برد هذا اليوم …..وبعد ذلك جلست على السرير وأخرجت من حقيبتها ورقة ما …..لم تستطع التحكم فى اهتزازة يدها وهى تحمل بين يديها ما يثبت ثمرة هذا الزواج ….. لكن ماذا تفعل. ..هل تصمت بعد ما استمعت إليه وياليتها لم تستمع كانت تفضل لو تظل حمقاء تعتقد انه ربما يوما ما قد يحبها …..لكنها ولغباءها حققت له ولجده ما أراده دائما ….طفل ….طفل سيكون مجرد سلم مثلما هى والدته للوصول الى ما يريده …..مجرد اسهم ستجعل له مكانة وسيطرة أكثر على ما يريد …..
وضعت يديها على بطنها وهى تشعر بذلك الإحساس الذى لا تعلم هل تحزن ام تفرح لشعورها به ستكون أما …..والذى تمنته وحلمت به دائما هو والد لهذا الطفل ….لثوانى ظهرت ابتسامة جعلت عيناها تلمعان بسعادة ….فهزت رأسها بسرعة
حمقاء ….هتفت بها وهى تلوم نفسها على تفكيرها الاهوج هذا به ….ما زالت تحبه …وما زالت تريده …..لكن ماذا تفعل قلبها يخونها فى الوقت الذى تصبح فيه معه رغم أنها حاولت أن تجعل مشاعرها جامدة لفترة ….ولكنها ما زالت تحن وتشتاق له …..لكن عليها التفكير فى شئ …..شعرت وكان أنفاسها تكاد تقبض على صدرها فتنفست بضيق وقالت بقلة حيلة
– ماذا ستفعلين يا اروى ….
****************************************
وضعت الاوراق التى تحتاج الى توقيع منه ووقفت بجسد متصلب أمامه تراقب لحيته التى نمت مؤخرا…أعين ذابلة فقدت رونقها ووجهه نحيلا لم يعد ينام إلا لدقائق معدودة فى اليوم ….حتى جسده الذى ظهر انه قد فقد بعضا من وزنه… قليلا جدا ما كان يتزكر انه يجب عليه ان يأكل مثل باقى البشر
– ما الذى حدث جعلك هكذا يا حازم ….من امامى الآن ليس حازم المعتد والفخور بنفسه …..من امامى الآن رجل يحارب شيئا فى نفسه ….من امامى الآن رجل قد فقد شيئا غاليا عليه …..رجل يفكر ويفكر فى شىء بعيد عن يده …..حدثت ايملى نفسها بذلك وتنهدت بحزن
– هل هناك اى شى آخر …..قالها حازم بصوت ضعيف لكنه عميق
حركت رأسها نفيا ثم سحبت الأوراق وخرجت بهدوء وهى تراقبه بحزن …..لو تستطيع مساعدته
دفن وجهه بين راحتى يده …..يشعر بتعب جسده منهك للغاية ….لقد بدأ يقتل نفسه بالبطىء وهو بعيد عنها ….أعتقد أنه سينسى خلال فترة من ابتعاده ….لكنها أبت الابتعاد عن رأسه …..حتى أحلامه أصبحت تشاركه بها فى دقاءقه المعدودة التى يغلق عيناه بها …..شعور من الاختناق والحزن المكتوم اصبح يضيق على صدره هل يعود ….ام يبقى اكثر لعله ينسى ….لو كان قابلها مبكرا اكثر …ولو لم يكن موجود ذلك ال مازن ….ماذا كان سيحدث هل كنت ستستطيع التقرب منها ….او هل حتى كنت ستستطيع ان تبوح بمشاعرك لها ….انك فاشل للغاية فى كل ما يتعلق بالمشاعر والقلب لم يكن يوما على علاقة بفتاة حياته كانت تدور حول الدراسة والعمل فقط لكى يستطيع أن يثبت لنفسه انه يستطيع أن يكون حازم وليس حازم مراد السيوفى ابن أشهر وامهر محامى البلد ….الرجل الذى وصل إلى ماهو عليه بذكائه ودهاءه المعتاد ….حتى هو نفسه ورث من والده ذلك الدهاء …..فكرة انه يشبه والده جعلته يتمنى فقط ان يثبت انه عكس ذلك ….لذلك ابتعد ….أرد ان ينجح من دون ان يقول أحد انه وصل إلى كل هذا بمساعدة والده…..لكن ماذا عن نور ….انه يشتاق إليها ….حتى انه احيانا يفكر انه لم يعد يهمه ان يكون هو الرجل الثانى بالنسبة لها فى كل شئ رغم أن هذا يخنقه لكن ماذا سيفعل ….لقد أحبها منذ راءها وسحبت أنفاسه معها …..حتى لم يعد يستطيع التنفس
***********************************
ظل يراقب صمتها لدقائق حتى تكلمت اخيرا وياليتها لم تنطق او حتى تفتح فمها وهى تقول بلامبالاة وكأن الرجل الجالس أمامها حجر لا يشعر بما تقوله ….ولكنها لا تعلم ان كل كلمة تنطقها تقتحم روحه بقسوة وخشونة فتجعله يتاوه بالم ……وهى تتحدث عن رجل آخر أمامه وكأنه لم يعبر عن شعوره نحوها مرات عديدة
– حازم ….ليس بخير …انه يقتل نفسه ببط. …أرجوك يا وليد تحدث معه …ألستم أصدقاء ….قالتها ايملى برجاء وحزن ظاهر على وجهها
كتم شتيمة بذيئة كادت أن تخرج من فمه وهو يزم شفتاه حتى لا يكون شخصا غير مهذب معها …ويلعنها ويلعن حازم ….ويلعن اليوم الذى عرفها به هى و حازم ….هل كل ما ستتصل به ستتحدث عن حازم هكذا ….وهى بهذا القلق والخوف وكأنه حبيبها الذى على وشك انت تفقده …..هز قدمه بعصبية وضغط على يده يحاول أن يتحدث بهدوء
– لا تقلقى حازم سيكون بخير …لا تشغلى نفسك انتى بهذا …قالها بنصف عين
فحدقت به بانوثة وشفتاها تهتز جعله يتمنى لو يفعل كما يفعل الأجانب ويقبلها فى منتصف المكان الذى يجلسون فيه فيتحرك الجالسون مبتعدين عن مقاعدهم ويصفقون لهما بحرارة ….ضغط على شفته السفلى يحاول كتم رغبته الجامحة بها ….انها مثيرة وجميلة …يتمنى لو يستطيع أن يحصل عليها وحينها ستكون دعوات والدته الدائمة له مستجابة ….لكن وللأسف رغم بقاءها فى بلد اجنبى إلا أنها ما زالت راغبة بعلاقة حقيقة بل أكثر من ذلك تريد عائلة وزوج …وهو لا يمكن أن يضع نفسه فى هذا المشهد الذى يضم عائلة. …مجرد تفكيره بأنه سيكون شخصا مسئولا يجعله يشعر بالاشمئزاز وخوف شديدان ….لقد ترك كل شى فى مصر من اجل شى واحد وهو أن يكون حرا بعيدا عن قيود وتحكمات خاله عزيز الطماع الجشع الذى استولى على أموالهم شيئا فشيئا بعد وفاة والده ….لولا ان أخاه خالد بدأ يدير املاكهم بمهارة لكانوا فقدوا كل شى وأصبحوا ملقون فى الشارع ….لكنه أيضا لا يستطيع ان ينكر مساعدة خالهم ياسين لهم …رحمه الله …قالها وليد فى نفسه ….لقد كان يعامله هو وخالد وكأنه أبناءه ….وابنته الجميلة تلك …ما كان اسمها …نور …نعم نور …لقد كان المستشار يخاف عليها من نسمات الهواء التى كانت تداعب خديها ….من أجلها لم يتزوج ومن أجلها أيضا ابتعد حتى يحميها من أخيه الذى طمع حتى فى ما ورثه ياسين من والده مع انه قد حصل مثله على نصيبه لكنه طمع بما يملكه أخوه وأخته …..اخذها وسافر ….لا يتزكر انه رأى نور إلا مرات قليلة للغاية عندما كان خاله المستشار ياتى لزيارتهم ….لكن منذ ان سافر وليد من اجل الدراسة وهو لم يعد يسمع او حتى يسأل عنها ….
عاد بنظره إليها وهو يقول بصوت رقيق وهو يمد يده ليلمس يدها فيشعر ببشرتها الحريرية الناعمة …
– اتركينا من حازم واجعلينا نتحدث عن أنفسنا
شعرت ايملى بدقات قلبها المتسارعة فحاولت بلع ريقها وقالت بثبات ….
– وهل هناك شئ لنتحدث به
التمعت عيناه وقال بمكر
– الكثير …ما رأيك ان نتقابل لنجلس ونتحدث قليلا مع بعضنا عنك وعنى مثلا ……
ضحكت ايملى بقوة وهى تقول فى نفسها يالك من ماكر ومخادع فهو ما زال يريد التلاعب بها وهى لن تكون يوما لعبة فى يده ….تحركت مبتعدة عن الطاولة وهى تنظر له بشر واحتقار ….
تافف بغضب وهو يراقب ابتعادها…..فيبدو انه ستتعبه حتى يحصل عليها …لكن لا مشكلة لديه طالما هى ستكون بين يديه فى يوما من اليوم
*************************************************
خوف ….قلق….حزن ….كل هذه مشاعر أصبحت ترادوها منذ فترة …وفوق كل هذا اشتياق له ….حنين غريب يدفعها لتذهب للبحث عنه …وتخبره انها لم تستطع نسيانه ….ما زالت تذكر كلماته همساته حتى أصوات تنفسه. ..ما زالت تذكر كل شى وكأنه حدث أمس وليس منذ أكثر من خمس وعشرون عاما ….ياسين ….قالتها روز بحرقة وألم ….ياسين …سبب ألمها وحزنها …ياسين الرجل الذى ذهب وتركها …ياسين الذى تمنت أن تعيش معه حاضرها ومستقبلها ….لكن كل شى أتى عكس ما تمنت عندما تحطمت أحلامها بموت طفلتها ……آه لو لم تمت لما تركها ….قالتها ببكاء وحزن يحرق احشاءها…… أمسكت القلادة وهى تتذكر صديقتها ….فيروز التى كانت سببا لمعرفتها ب ياسين….فيروز التى لم تتهنى برؤية ابنها فيروز التى ضحت بنفسها من اجل أن تشعر بشعور الأمومة حتى لو كان لعدة ثوانى ….نعم فهى لم تضم ابنها إليها كما تفعل اى امرأة …بل وضعته وماتت وتركت الباقين متخبطين فى مشاعرهم نحوها ….سليم الذى تدهورت حاله منذ ان علم انها ماتت ولم يلمس ابنه بل عامله وكأنه سبب موتها ……
و مارسيل الذى كان تحت قدمها فقط لتقول انها موافقة عليه وأنها تريده …..مارسيل …..هتفت بها روز بقلق واضح ….فاخاها يبدو وكأنه يخطط لشئ ما ….
ستكتشف كل شى بنفسها …نعم …وبعد ذلك ستعود للبحث عنه ….وتقول له كم هى احبته وكم تشتاق له …..وكم انتظرت ليعود لها ….ياسين نبض قلبها ….
***********************************************
نظر إلى الملف الذى بين يديه بتركيز وهو يخرج محتواياته …بعض الأوراق وبعض الصور وللمفاجاة هى لابنة أخته …نور ….تلك ال علا …حقا ليست سهلة عندما رات روز وهى بدأت تحاول أن تتزكر أين رأتها ….لم تسكت عن الأمر حتى عادت إلى مصر وبدأت تبحث عن من رأتها وتشبه روز كل هذا الشبه …وبالفعل استطاعت الوصول إلى كل شى يتعلق بنور ….دراستها سنها من تكون عائلتها وأين تعمل ….كل شئ يخص ابنة أخته يقبع بين يديه الآن ….لكن تلك الافعى علا ….لا تعلم أنه بالفعل كل شى يخص نور ياتى إليه بصورة مستمرة ….ف ياسين عندما قال ان ابنته قد ماتت لم يعتقد ان مارسيل كان يراقب كل شى من بعيد وبصمت ….فهذا أفضل له وللطفلة ….الذى كان يفكر بالفعل فى قتلها. ….لكن عندما اخذها ياسين وذهب بعيدا عن عيناه ….لم يعلم بأنه هو وابنته تحت مراقبته …..وقد وصله بالفعل خبر موت ياسين المنشاوي ….يا الله كيف سيكون وقع الخبر على أخته ان علمت ….لكن من الأفضل له الا تعلم …حتى يستطيع ان يحقق ويصل إلى ما يريده …….ثم حول عيناه إلى الصورة الأخرى ….سيف السيوفى ….انه الورقة الرابحة بالنسبة له ……جمع الأوراق والصور ووضعها فى درج مكتبه وأغلق عليه بإحكام …فيجب الا تعلم روز باى شى إلا عندما يحقق ما يريده …..
*****************************************************
نهاية الفصل التاسع عشر
error: