عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى
المشهد الأول :_
فى الصرح الطبي
أنهى زوجي مٌحادثته مع مٌهند ليهاتف أبيه ويخبره بإلحاح مٌهند للمجىء للصعيد ،رفض الحاج عبد المنعم خشية أن تتدهور صحة رضوى التى أخذت فى التشافي والتحسن ،وأتفقا على أن يلتقي به فى القاهرة ،جلس حماي وهو يرتشف فنجان قهوته بقاعة الإستقبال يهٌز ساقيه بتوتر وضجر ،وشك ينفيه قلبه ويؤكده عقله ،أيٌعقل أن يكون جودة هو من قتل راضي ..!،ولما …؟ ألم كن الأجدر به قتل هاشم نفسه…؟،لا بأس سيسأله ويلومه عندما يأتي ،وسيعرف منه إجابات الألغاز والحلقات المفقودة،لحظات قصيرة وظهر أمامه جودة بعبائته
بادر الحاج عبد المنعم بالسؤال وهو يقوس شفتيه :_،الصعيدية وهو يتلفت من حوله بإرتياب ،خشية أن يكون أحدهم قد استمع لمحادثته الهاتفية أمام المشفى
عبد المنعم :_
_ كنت فين كل ده…؟
رد جودة بلا إكتراث:_
_ بخلص ورج مهم يا بوي ،لزوم الإجراءات فى المستشفى هنه ،المهم أمي فاجت….؟
قال الدكتور بحزم وصرامة محاولاً إستشفاف ما فعله ابنه:_
:_
_ متوهش يا جودة ،وخليك صريح بتخلص ورق ولا بتخلص على واحد ملوش أي ذنب …؟
نفخ بإستياء وهو يحرك يديه فى الهواء:_
_ يوووه يا بوي ،ما جولت لك كنت بخلص ورج خبر أيه عاد ..؟
أردف بخوف :_
_ الريحة فاحت ،وأنا خايف عليك رجلك تيجي فى الخية
تظاهر ابنه بالبلاهة وهو يعلق :_
_ موش فاهم…؟ تجصد أيه..؟
أوضح الأب بغضب يقصد فيه إيقاظ ضمير جودة الذى يغٌط فى ثبات عميق:_
_ جثة راضى أبو مهند فى المشرحة دلوقتي ،وكلها أيام والحقيقة تتكشف وساعتها مصيرك يا للسجن يا للقتل على أيد ابنه
تنهد بإرتياح ممزوج برجاء:_
_متجلجش علي واخد إحتياطاتي ،المهم متجولش لحد ولا حتى لوليد ،لأحسن أنت خابر حمية دمه ليودينا فى داهية
أتسعت عينا الحاج عبد المنعم بسخط ووجوم وقد تأكدت له ظنونه،وكز على أسنانه قائلاً:_
_ وأنت فاكر أني هسكت على الجريمة ال أنت أرتكبتها فى حق واحد معملكش حاجة…؟،فاكر أن ضميري هيبقى مرتاح وأنا مكتم عليك ومتستر على قاتل ..؟،يا خسارة يا جودة يا بكري يا أول فرحتي ..!
مصدوم فيك أوي
شهق جودة بفزع يستفهم ويستطف فيه أبوه:_
_ ،وولادي هيعملوا أيه من بعدي ..! معجول اهون عليك يا بوي تسلمني بيدك ..!
عقب بعصبية وإنفعال:_:_
_ مفيش جريمة كاملة ،مصير ورقك هيتكشف وهيقبضوا عليك، بس لغاية اليوم ده ما يجي لسانك ميخاطبش لساني
خبط جودة كفيه ببعضهما بثورة وصياح وهو يبرر :_
_ مجدرتش أجف زييكم كلايتكم مكتوف اليد جليل الحيلة ،هاشم كان لازم يأخد جزائه مٌضاعف كان لازم زي ما طعن وليد فى عرضه ينطعن وينغدر بيه من أجرب الناس ، ورضوى المسكينة عاد ،مين راح يبص لها بعد الفضيحة غير أخوه ..!!
قال بإعتراض :_
_ وأنت فاكر أن أخوه هيبص لها ولا يعبرها بعد ما أغتصبها هاشم ..!
واصل جودة بثقة لا أدري من أين أتى بها :_
_ جايز ميخدهاش عن حب زي ما بتجول،بس على الأجل يأخدها لأجل ينتجم ويكسر أخوه
صرخ فيه أبيه وهو ينبهه:_
_ يا غبي أفهم أختك متهموش غرضه كاملة الاول والأخير ،هيعمل أيه بأختك ..!
علق وكأنه يبرأ نفسه :_
_ أهو يبجى سترناها موجفناش نتفرج مع الخلج عليها وهي ملط والكل عم يجلدها بلسنتهم ويلوثوا شرفها ،صدجني كسبانين من جميع النواحي
هز عبد المنعم رأسه بندم وأسف وهو يقول:_
_ مش بس غلطان ومرتكب كبيرة يا راجل يا متدين يا مصلي فى جوامع ربنا ،وناسي الأية”ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”
قاتل ومش ندمان ولسه بتبرر
قال جٌملته وهو يسقط بكفه الخشن فى عمق صدر جودة بقوة وعصبية مٌستطرداً :_
ضميرك ده فين…؟فين قلبك الحجر …؟ ترضى حد يقتل أبوك عشان ينتقم منك..؟ هتقول أيه لربنا…؟،للست ال أنت متجوزها وبتناموا على مخدة واحدة …؟ وهي مغشوشة فيك …؟
ندت من عينيه دموع ساخنة وأردف ببحة صوت:_
_ كنت عايزني أعمل أيه يا بوي أجري احب على أيد الندل الخسيس لأجل يتستر على عرضنا …؟، ولا أجتلها وأغسل عارنا…؟، رضوى مكنش ليها ذنب فى لعبته القذرة مع وليد ومع اكده مرحمهاش،فكان لازم يشرب من نفس الكأس ويموت على يد أخوه ظلم زي ما أغتصبها ظلم ،وربنا بيجول العين بالعين والسن بالسن مجالش خليك سلبي وطبطب ودادي وحايل ..!
قبض حماي كفه وبسطه عدة مرات محاولا التحكم فى أعصابه قبل أن يوليه ظهره مٌغادراً:_
_ لسه بتبرر ..؟،… جايز كان يبقى فى إحتمال أسامحك لو كنت ندمت وتوبت وسلمت نفسك للعدالة ،لكن هروبك وإقتناعك بغلطك ده هيخليني اتبرى منك ليوم الدين
أستفسر جودة بذعر من أن يبلغ عنه أبيه:_
_ على فين عاد…؟
أجاب عبد المنعم وهو يطمأنه بينما قلبه ممتلىء بالحسرة والضيق ،ليتابع بعتاب:_
_ متخافش مش هبلغ عنك، مع أن مفيش حاجة تشفعلك عندي، بس أبوتي تمنعني وأطفالك الصغيرين محبش يعرفوا أن جدهم سبب سجن أبوهم…أنا مسافر دلوقتي بما أن محدش فيكم بيعمل لي إعتبار
عقد ما بين حاجبيه:_
_ ورضوى هتملها لوحدها …؟
رد بإيجاز :_
_ أختك هتسافر معايا بعيداً عن كلام الناس لحد مشكلتها ما تتحل
أستفهم بشغف وفضول :_
_ وكيف ناوي تحلها…؟
أخذ نفساً عميقاً ثم اخرجه ببطء وهو يعلق:_
_ أختك زرعة خضرا ،محتاجة لمكان مناسب مكان مفهوش دهس على نفسيتها وتقطيمها كل شوية زي ما بتعمل،محتاجة تحس أن فى إهتمام وأني جنبها… ..!
تعالى رنين الهاتف فأنتشله من محادثته وغادر مٌسرعا لغرفة ابنته ،ليساعدها فى النهوض ولتنقلها الممرضات إلى سيارته القابعة بالأسفل ..
المشهد الثانى
أما فى الدوار وفى حجرة المٌسافرين ذات الأرائك العريضة ، أخذ يعبث حمدان بهاتفه ويتصفح مواقع التواصل الإجتماعي إلى أن تنتهي ابنة خالته من جمع حاجيتها،يحادث تلك المٌدللة القاهرية ،يبتسم ويعبس ويشاكس ،بينما كاملة تعيد ثني ملابسها لتنظمها على الفراش على هيئة أكوام مٌرتبة ومٌهندمة ،أخرجت بنطال جينس كانت ترتديه فى الثانوية وكذلك بلوزة بنفسيجة اللون ،وهى تلف غطاء رأسها بإحكام وأناقة ،توزع بفرشتها بعض مساحيق التجميل ،لتخفي التجاعيد الشاكية لما تمر به وكذلك الهالات السوداء،تدقق النظر فى وسادتها وهي تحتضنها للمرة الأخيرة ،بألم ووهن ،لتتطالع وسادة وليد بعتاب لا فائدة منه، لا تصدق إلى الان غدره بها وما ألت إليه الأمور بينهما بالرغم من كل تضحياتها ،لوحت لمرأتها والدموع تتلألأ فى مٌقلتيها ،فكم من مرة جلست تتزين أمامها ليأتي وليد من سفره مٌرهقاً ويخلد إلى النوم دون أن يعطيها حقها فى كلمة طيبة ،إهتمام ، إبداء إعجاب بساعات طويلة جلستها أمام تلك الزجاجة العريضة ،طرق عليها الباب جودة ليستعجلها فأذنت له بالولوج للحجرة وهي تكفكف دموعها جلس علىطرف السرير وهو يمٌط شفتيه مٌعلقاً:_
_ عارف أن الفراق صعب ،والوداع لتفاصيل وذكريات كتير وجع أكبر ،بس أنا واثق أنها فترة وهتعدي وهترجعي أقوى ألف مرة ،صدقيني تستاهلي حد أحسن من وليد ،حد يقدرك ويشيلك فى عنيه
إغتصبت إبتسامة قصيرة شفتيها لتتظاهر بالقوة :_
_ ومين جال أني حزينة …؟،وأني بفارج وليد ووهم جديم…؟،، أخوك بنسبة لي مجرد محطة وعديتها من زمان ،درس جاسي بس مٌفيد ،هيعلمني مندفعش ،وأعرف جيمة نفسي ، ومبجاش مجرد ضل ليه يختفي بإختفائه ،وليد بنسبة لي منظار بشوف منيه الدنيا ،لكن دلوجيت المنظار أو الادج علاجتنا أنشرخت ولازم لي لأجل أشوف العالم أطلع فوج جمة الجبل ،مٌعتمدة على نفسي وأكون القمة
شبك كفيه ببعضهما وهو يستفسر
_ مقولتليش صح ناوية تعملي أيه الفترة الجاية…؟ ،وهتدخلي كلية أيه …؟
شردت عينيها فى الفضاء للحظات قبل أن تقول بإرداة وتحدي ووهج يضىء عينيها
_ هسأل على المدينة أبصر أيش ال بيجولوا عليها بتاعة الغرابة ،وهدخل كلية إعلام
ضحك فى سخرية ،وعدم تصديق:_
_ إعلام مرة واحدة ..! ،ما تشوفي حاجة أسهل …؟
أشرت له ليٌنزل حقيبتها من فوق الخزينة ،لترص حاجيتها:_
_ بتضحك..؟ ليك حج ، ما كلكم شافيني اني معرفش أتكلم كلمتين على بعض ،فكيف أدير حوار متل ما بيعملوا فى البرامج وأبجى لبجة “لبقة” ، بس ده أكبر تحدي هجدرأثبت فيه نفسي وهبجى ناجحة ومشهورة ومحيطي أوسع من وليد بكتير ،والرجال يترموا تحت رجلي ومناصب مش مجرد دكتور ويتنطط علي بشهادته
أعتذر بإحراج وهو يوضح وجهة نظره:_
_ لا طبعا مقصدتش أقلل منك ،كنت شايف بس انها ممكن تبقى تجربة صعبة ،محتاجة لحد إجتماعي خبرته واسعة وانتي لسه بتقولي يا هادي
أردفت وهي ترٌتب حقيبتها بتركيز:_
_ كل حاجة فى أولها صعبة ،وإن كان على الخبرة فمحدش بينزل من بطن أمه عارف كل شيء
قال بإعجاب ممزوج بشك فيما تبديه من ثبات:_
_ مٌعجب اوي بقوتك وشخصيتك الجديدة ،مع أني لامس من نبرة صوتك ضعف ،حاسس من عنيكي أن جواكي طفلة بتعيط عاوزة تصرخ ،وبتحاولي تتماسكي وتباني قوية رغم الإنهيار ال جواكي
أغلقت سحابة حقيبتها وهي تبتسم بإنكسار وفتور:_
_كل حاجة بتأخد وجتها ،المريض لازم عشان يخف يمر بألم وتعب ،يستحمل شوي،وأنا كنت مريضة بيه ،وهاخد وجتي وأخف
، متكبرش الأمور عاد
المهم كفايانا تضييع وجت ويلا
دفع الحقيبة ذات العجلات وكلاهما يهبط الدرج ،وهو يعرض عليها عرض سخي بود وإشفاق :_
_ ماشي يا ستي ربنا يوفقك ،لو عوزتي أي حاجة أبقى كلميني ده رقمي
فى تلك الأثناء كنت مع زوجي نصعد الدرج ،وأذرعنا مٌشتبكة ،حتى لمحت ذراعها المٌجبس ،فسألتها عن السبب بقلق وخوف حقيقي عليها أن تكون فعلت شيء او حاولت قطع شراينها ،
،لكنها تجاهلت الرد وأردف وليد بإنفعال من هيئتها:_
_ وبتخدي رقمه ليه يا هانم …؟
تنهدت بعمق وحرية وهى تصفعه بكلماتها على وجنتيه:_
_ يمكن لو كنت سألتني جبل ساعة كنت أتلجلجت وارتبكت ،لكن دلوجيت بجولها لك بالفوم المليان ،ملكش صالح عاد
وضع أنامله على شفتيها بشكل مفاجء أثار حنقي وهو يعلق بسخط:_
_،شكلك عاوزة دراعك التاني يتكسر النهاردة ..! وأيه ده حاطة كحل وروج ال مكنتيش بتحطيهم لي فى البيت خارجة لي بيهم …؟
تدخل حمدان مٌتنحنحاً:_
_ صلي على النبي يا وليد محصلش حاجة سيبها فى حالها
صاح بحدة وهو يلوي ذراعها خلف ظهرها وهي تنتفض:_
_ ما هو مش معنى أنى طلقتها تمشي على حل شعرها
قالت من بين تأوهاتها بعناد:_
_ لا شرع ولا عرف ولا قانون يسمحوا لك تتحشر فى ال ملكش فيه عاد
أرخى قبضته قليلاً:_
_ لا أنتي نسي
هتفت بعصبية وأنا أدفعه بعيداً عنها ،بينما معدتي ثائرة ،أشعر بالغثيان:_
_ سيبها لحال سبيلها كفاية ال شافته يا وليد
رمقني بإهمال وهو يبعدني عن طريقه،ويدفعها بكل قوته للأعلى :_
_ أسكتي أنتي ،وأنتي يا هانم أطلعى غيري القرف ال عملاه فى خلقتك ده
صاحت بصوت عال وهي ترفع أصبعها فى وجهه :_
_ قسما بالله لو ما بعدت عن وشي الساعة دي لأصرخ وألم عليك الناس ..!
ومع جملتها الأخيرة بدات أفرغ ما في معدتي لينتبه لي وليد ويطلب الطبيب ،الذى فجر مفاجأة كبرى ربما تودي بزواجي منه إلى النهاية ..!