عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل ال 34

الأخير

أرائكم مهمة جدا

المشهد الأول

صرخات ،أنين ،شهقات تتبعها تشنجات من الدور العلوى ،ركض الجميع حيث يقترب مصدر الصوت بشكل أكبر من الحديقة ذات الأشجار المنمقة والزهور الفواحة ،لألمح فى صدمة تسمرت لها أقدامى وأتسعت عيناى فى ذهول ،كما أن الدهشة والمفاجأة أصابت حماتى وضرتى وكذلك وليد وحمدان عدا هند المختفية عن الأنظار،نطالع عصبية جودة مهددا لزوجته الواقفة خلف الأسوار الحديدية للشرفة لا يفصلها عن الهاوية سوى خطوة واحدة

_فلم يهن عليه تركها فى المياه الساخنة ،أختار وسيلة تهديد أقوى لعلها تعترف لوالدته وتحسن من سلوكايتها،كذلك ليزرع الخوف فى نفس حمدان وليحرق قلبه كما فعل هو معه أو كما خيل إلى جودة كذلك ،تشبث بذراعيها بقوة ،تنهار فيها حصونها المنيعة لرؤية أطفالها ذوى الثلاث والأربعة أعوام بالأسفل يصرخون فقالت برجاء:_
_ هملنى يا جودة لحالى دلوجيت على الاجل جدام ولادى …بلش التهور الله يخليك

علق بمرارة وألم يكز بهما على أسنانه من إستغفالها له مردفا :_
_ ولما عتخافى عليهم جوى جده خونتينى ليه يا نوراة بعد ما أويتك من كلام الناس وجبلت بيكى مطلجة ومعاكى جوز عيال وشيلتك من على الأرض شيل ،جزاء الإحسان والود الخيانة ….!

سكون تشقه عبراتها الملتهبة ،غارقة فى هواجسها جسدها يتصبب عرقا ،فبماذا تجيب ..؟،أتخبره بطلاقها من ابن عمها أملا فى الزواج من حمدان عقب عودته من القاهرة…؟ ،وحصوله على شهادة عالية فى مجال الهندسة المعمارية ..؟، فزواجها من جودة الرافض لإستكمال تعليمه مفضلا “الطين والأراضى ” ورعاية أملاكهم _ لم يكن عقد قرانها منه إلا مشروعا عظيما للبقاء بجوار حمدان ،تدخل وليد من الأسفل بنصيحة لأخيه،بينما أختفت الحاجة يامنة تماما من الوسط :_
_ جودة المسائل مبتتحلش بالغشومية دى ،نزلها …ونعمل قعدة ونجيب كبيرها ونكلمه ونتفاهم معاه ،لكن العنف مع الحريم مش لغتنا

شهقت بعدم تصديق فوليد كان ولا أجدعها ملاكم فى النهائيات حينما كنا فى شهر العسل،لكننى فهمت أصل تلك الشجارات فيما بعد ،أضاف بحرقة وهو يغرس أنامله فى معصمها بغضب :_
_ العاهرات ال كيفها ملهومش كبير يا خوى ،نسيت أبوها كيف كان يعربد مع النسوان وسمعته الزفرة على كل لسان …؟، ولا أما كان رايد يأجرها بالساعة ليصرف على كيفه على سهراته الحمراء و….

قطع عليه كلماته صعود والدته وهى تقترب بحذر لفض الشباك بينه وبين زوجته ،ليزيد من عناده والشيطان ينفث سمومه فى أذنه ، ليحكم قبضته عليها بقلبها الباكى وعيونها المترجرجة من الدمع الشبيهتان بلون الكرز ،عنفته بعتاب:_
_ ومأجرهاش وربنا بعتك نجدة ليها ،أيه عنشنقوها عاد ….؟

أخذ نفسا عميقا ليغلق عينيه بشدة ثم ليعاود فتحهما ببطء ليقول بجذع :_
_ بت الرفدى يا أما ،مجدرتش “مقدرتش” وبتتنمرد على النعمة ال فى أيدها ،ال عاوز الشنج بحج”بحق” ابنك الصغير المتنور حمدان ال داير يلاعب مرتى ويلاغيها ودايس على عرضى ومش مراعى واصل حرمانيتى والأخوة ال بتجمع بيناتنا

أتسعت حدقتى عينيها البنيتين وتسارعت دقات قلبها ليأتى من خلفها ابنها الأصغر حمدان وهو يلتقط أنفاسه أثر صعود الدرج ،مصححا بجدية مقتربا بها من جودة الذى هتف بإنفعال:_
_ لو جربت خطوة زيادة ،أقسم بالله لهحدفها من هنه وما هيهمنى لا ولادها ولا حدا

ردت عليه وقد خرجت عن صمتها بوجنتين باهتتين وعصبية وغل وإندفاع :_
_ زجنى وريحنى ،الموت راحة من جهنم ال معيشنى بيها ..لو راجل بحج”حق” زجنى

بالرغم من قسوة “دبشها” الملقى إلا إنه كتم غيظه لتنسل الغيوم على عينيه ،تغسل العبرات الحارقة وجهه الرجولى الخشن بإضطراب وهلع ، أستطرد فيه حمدان برفق وحنان:_
_ أخرسى يا مرة ،راجل غصب عن عيلتك كلها …

ثم تابع بجدية وهو يرفع كفوفه فى الهواء :_
_ بنت الكدابة ال بلغتك …بلغتك جزء مش كل الحقيقة …مرتك كانت بتتمايل على وأنا والله العظيم صديتها وعمرى ما فكرت ألمسها سمعتك وسعادتك يهمونى قد ما يهموك ،الضفر عمره ما يبقى مياه يا جودة ،متخليش لحظة غضب تخسرك دنياك ودينك ،هملها لحال سبيلها

سحبها بعنف أكبر مستكملا :_
_ يعنى خاينة ،جاحدة للجميل ،نست أصلها وفصلها بنت الجناينى ،أنا حجتلها وأخلص الناس من شرورها

ينتحب طفليها بجوارى أنا وكاملة بجذع ،وهم يحدقون بوالدتهم الأيلة للسقوط قائلين :_
” ماما …ماااااااااااااااااااااااامااااااااااااااا ،تقعيش ”

يسحبان بكفيهما الصغيرين طرف ثوبى،وهم يطالعون المرأة المتشنجة بالأعلى ، أربت على كتفهم بشفقة فبأى ذنب تقتل براءة أطفال كهؤلاء …؟ لحظات غريبة وعجيبة للغاية مفاجأت متجددة ،لم أكن بكامل وعيى بشكل كامل حتى لكز وليد كاملة المذبهلة هى الأخرى معلقا :_
_ خدوهم جوه وأقعدوا معاهم ،ومتطلعوش غير لما أقولكم .

سألته بحيرة :_
_ و أنت …؟

أجاب بجدية وهو يصحبنا للداخل :_
_ هطلع لهم ومش عاوز أى واحدة منكم تتدخل لا بكلمة ولا بحرف ولا تبصوا حتى من شباك ،ولا تفكروا مجرد تفكير تقولوا لرضوى لما ترجع يوم الخميس من السكن الجامعى أى حاجة ،أنتوا مشفتوش ومسمعتوش ده عشان مصلحتكم

أصطحبت ضرتى إلى الداخل ونحن نتبادل نظرات متنوعة ما بين الإشفاق ولإضطراب والإرتياب ،نشد الصغار الرافضين للدخول ،أحتضنتهم أنا وهى برفق وحنان ،لنوصد الأبواب والشبابيك بحرص وفضول لما يدور بالأعلى ،أثناء صعود وليد للأعلى ألتقى بهند تترجاه بحرارة أن يسمعها فرد وهو يرفع حاجبيه بإعتراض:_
_ مينفعش الموضوع ال عاوزانى فيه يتأجل شوية …؟،أنتى مش شايفة الريقة ال فوق ..؟، عدينى بعد إذنك

لم يكن ليعرف بإخبارها لجودة بأمر زوجته وأنها سبب الفتنة الدائرة بالأعلى ،ترجته فى حرارة وألم ونحيب ،حتى دخل معها إلى إحدى الغرف مستفهما ممنها عن سر الإالحاح الشديد للجلوس معه فى توقيت كهذا ،فردت وهى تفرك كفوفها ببعضهما بتوتر :_
_ أبيه وليد ..قبل ما أحكى لك أى حاجة ،أوعدنى أن إسراء اختى ملهاش دعوة ،هتنتقم منى أنا وال هتحكم بيه هرضى ،بس أختى متدخلهاش فى حسابتنا ،أتفقنا…؟

أومأ بالإيجاب وهو يضيق عينيه محاولا إستقراء سر تلعثمها وتصببها عرقا ،لتزيل شكوكه البعيدة متابعة :_
_ أنا شوفت نوارة وهى بتزق إسراء على السلم ،ولبستها لكاملة ..

قاطعها بإستفهام وهو يعقد ذراعيه أمام صدره :_
_ ومقولتيش ليه أيامها…؟

أجابت بعد أن شردت مقلتيها فى الفضاء ،والحزن يخالج قلبها:_
_ ما أنا قبلها كنت رايحة المطبخ أشرب ..شوفت نوارة وكاملة بيتفقوا على إسراء عشان تبقى عقيم عن طريق الشطة ،فقررت أنى أنتقم منهم بطريقتى

تسائل بعدم إستيعاب :_
_ مش فاهم إزاى…..؟؟

ردت وهى تغمض عينيها وكأنها تتلاشى المواجهة :_
_ أنا ال دلقت الجزء البسيط من مياه النار على كاملة عشان تلبسها نوارة و…

تجمد فى مكانه بغضب مع إستغراب وإندهاش ليستفسر:_
_ أنا مش مصدق يا هند ،أنتى شكلك كيوت وهادى وسنك لسه صغير أيه ال يدخلك فى حاجات الكبار دى…؟

ردت وهى تبتلع ريقها بأعجوبة ممزوجة بعدم المبالة لما قاله:_
_ المهم شوفت نوارة مع حمدان فى وضع مش تمام ،وقولت لجودة قبل ما أكب مياه النار عشان يبقى معبى ومهيأ نفسيا

قبض وليد يده وبسطها بثورة وعصبية يود أن يمسك شعرها وينضف به الأرضيات ،لكن لا يوجد سواي أنا وهى فعمر فى طنطا ،حسنا سيتحاور معه ومع أهلى لكن عقب إنقشاع غيمة النكد المحلقة فوق البيت ،منحها نظرة نارية أرتجفت لها أوصالها ،وكان على وشك أن يفقد أعصابه،فهب من مجلسه يتجه صوبها ،لكنها أرتكزت على ركبتيها مقبلة يده السمراء ببكاء نادم وصادق قائلة:_
_ أنا قابلة تولع فيا ،تعمل أى حاجة ،بس أحمينى من حمدان هيقتلنى ،وحياة أغلى حاجة عندك ،وأنا مش هغلط تانى ولا أتدخل فى أى حاجة أرجوك ……

صمت لدقائق قبل أن يقول….

فهل سيقف بجوارها وليد أم سيتركها ويتفاهم مع أهلى أم سيخبرنى..؟، أو يخبر أخوته ليبرأ ساحة حمدان فهى الوحيدة التى لمحتهم فى موقع الحادثة ..؟ يتبع للفصل القادم

 

error: