عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

فصل 44

آرائكم مهمة جدا

الناس ال بتقولى فصل صغير والله العظيم لما بكبره تطبيق الفيس بيقفل وبيتقل جدا معايا معلش?

” أنت يا أستاذ ال بتعمله ده مينفعش..لو مبعدتش عنها هبلغ البوليس..أنت عاوز تودينا فى داهيييييية!”

تفوهت إحدى المُمرضات بتلك العبارة بوعيد وحدة حين ولجت إلى غرفة رضوى لتزودها بلفائف قطنية وبعض الأدوية والحقن اللازمة ،لامحة رجل غريب يدنو من سريرها بحقنة مٌعبئة بالهواء ،مُحكماً قبضته على معصمها …ليغرسها فيه ….مرت ثوان…قليلة ..بطيئة … يرفع فيها ناظريه صوبها بعيون مُتسعة بدهشة وإضطراب ،لينقض عليها بلا وعى …وبسرعة يكمم فمها بقوة، تعيقها عن الصياح مجدداً،تعض بصف أسنانها العلوى على كفه بشدة،دفاعاً عن نفسها وعن تلك المرأة مجهولة الهوية المُلقاة ،حتى تأوه بألم يستل فيه يده بخفة ،تركض للخارج وهى تهتف بهستيريا ،هرعنا عليها جميعاً بخفقات مُتزايدة ،وخوف ، نرمق فيه الشرر يتطاير من عينى جودة بعبائته الصعيدية ذات اللون البنى ،وعمامته وشاربه الكث ،يحاول أن يسحب الأجهزة الطبية المٌعلقة بكف أخته بعنف وغل ،لعله ينتزع منها الحياة،وليعيد الشرف المسلوب ،العار المتروك

_ ولكن الحاج عبد المنعم أسعفته إنسانيته …أو ربما أبوته ،ومشاعره الفطرية تجاه ابنته ، فباغته بلكمة قوية فى منتصف صدره جذع لها ..وحزن …وضاق ذراعاً …فى إعتراض يرى فيه أن شقيقته المُلقاة هى الأحق بذلك،أحق بأن يُكسر لها 24 ضلع كما يقولون فى الأمثال الشعبية ،لعل ضلعها الأعرج أو ذيلها يستقيم ..!

طلب منا الطبيب المٌعالج بمعطفه الأبيض ،مُحاطاً ببعض المساعدات ….الخروج قبل أن يرد جودة بحرف واحد،للحفاظ على راحة المريضة والهدوء.. فى إستسلام لقوانين المشفى …سرنا للمر الرخامى المؤدى إلى صالة الإستقبال ،تجتمع العبرات فى عينى جودة ،أبية النزول تخالط البحة صوته ،تشرد نظراته فى الفضاء فى سكون ظاهرى …يخبأ إنكسار ،خُذلان ..قطعه صوت أبيه الجاد والحازم:_
_دى الأمانة ال سبتهالك ….!

أطبق على جفنيه بشدة ،يلملم فيها شتات نفسه ،والغيظ الكامن بداخله ،يهدأ من روع الشيطان النافخ على الجمر فى أذنه ،يدفعه إلى السب ،اللعن ،الثورة ،التبرير ،والدفاع عن محاولة قتل أخت تحت مُسمى الشرف…لكنه يعلم جيداً أن الخطأ لا يجب أن يُعالج بخطيئة أكبر ،فأضاف بوهن:_
_ أمانة تجيلة “تقيلة” جوى يا أبوى …هملتنى صغير ،وشيلتنى المسئولية والامانة بدري ،عملت منى راجل معاشش طفولته ،أنحرم من العلام لأجل أخواته وليشتغل فى الغيط أجرى ..وهو ابن ذوات ..وجبلت ومفتحتش خشمى”بوقى” ،وجولت لنفسي الشرع حلل واحدة وأتنين وأربعة …معتخالفش شرع ربنا يبجى مليش حج أعترض …وبجيت الأب والأخ وضحيت كتير يا أبا… يبجى جزاتى الطعن بسكينة باردة ومن أجرب الناس لى ..امشى مطاطى وسط الخلج …خجلان …دافس بوزي فى الرمل ..وكل ده ليه عشان صعلوك يا أبا…..!

تدخل حمدان ليؤيد حديث أخيه بلوم يوجهه لأبيه:_
_ أتخليت عن دورك كأب وروحت زي أى مراهق تجرى وراء شهواتك ..و…

بتر عبارته صفعة مدوية هوت على وجنتيه ،فحال لونهم إلى اللون الأحمر ،يحدجه حمدان بعصبية يقبض فيها كفه ،ليربت زوجى على كتفه بشفقة ومواساة ،تابع فيها الدكتور عبد المنعم:_
_ لما تكلم أبوك أتكلم بإحترام ….شهواتى دي لما أكون ماشى فى الحرام إنما دي كانت مرأتى ومخلف منها..شرع ربنا ال حلله عشان الست لما متبقاش بتخلف ،أو مبطعش جوزها ،أو مش مرتبة فى حياتها ووجهها مرة وأتنين ومرضتش، وأمكم كان فيها كل ده …شايفة نفسها دايما على …وزاد وغطى موضوع الحمل ال خلى دماغها خفت وتحكماتها كترت ،و خلتنى كتبت لها كل حاجة باسمها ،حتى العيادة ال كنت شغال فيها أول الزمن ،سحبت ثقتها وكل صلاحياتها فى أبسط تعاملاتنا ..وأنا بشر ….ودكتور أطفال ….مع كل طفل قلبى كان بيتقطع… وعاوز أبقى أب ومتاح لى برخص ليه مستخدمهاش..!

أجاب وليد بجدية وعتب:_
_ يمكن ال هقوله ده كان مفروض أخر حد يتكلم بيه …بس حضرتك ناسى العدل أهم شرط للتعدد….وكان لازم تعدل بين الأتنين ..حضرتك ناسى الأية”وأن خفتم إلا تعدلوا فواحدة ،ولن تعدلوا..!”،يعنى ربنا عارف أنه صعب تعدل..وبعدين وهى كمان حقها تخلف بس أستولتك عليها وأستولت راحتك ومطلبتش الطلاق

ساد الصمت لدقائق قصيرة ،تنظر نوارة وكاملة فيها إلى بعضهما بذهول ،وإستغراب ..أزاله قول حماى العزيز وأنا جالسة إلى جوار وليد مُتشبثة بذراعه بخوف من تلك العائلة الغامضة المٌبهمة :_
_ هى ال ظلمت نفسها..بأنانيتها ..وتشويهها لصورتى قدامكم …محكتلكوش الحقيقة كاملة ..عشان متكرهوهاش وأنت بالذات يا وليد..مربتكش عشان بتحبك ..عشان تأمن شرك …

عقد زوجى ما بين حاجبيه بصدمة مٌستفهماً:_
_ شرى فى أيه …؟

أستكمل بتنهيدة عميقة ،حزينة،واجمة ،مُنزعجة :_
_ يامنة هى ال قتلت أمك ويتمتك…مقتلتهاش زي ما جودة قالى ولا كلكم فاكرين لما خطفتك …

تدخل جودة بإهتمام:_
_ كيف يا بوى…؟

رد وقلبه يخفق ويعلو بإضطراب ،تشوبه بعض النغزات ،والألأم لتذكره للماضى المكلوم:_
_ لما كانت حامل فى ولد قبل جودة..وجت لى مصر عشان تفرحنى ..كنت فعلا مع غادة أم وليد ممرضة عندى…والجنين سقط منها من كتر الزعل ….والدكاترة قالوا ملهاش أى ضغوط نفسية ..سألتنى لما فاقت عن الست دي قولت لها نزوة لكن الحقيقة أنا كنت متجوزها ..بس مرضتش أصدم أمكم وأسوء حالتها أكثر…ومرت السنين وبقيت بنزل القاهرة بحجة انى ازور قرايبى وشغلى هناك …لحد ما أتخانقت غادة مع ممرضة شغالة عندى فى العيادة وكانت عين يامنة ….واتهمت غادة أن مشيها بطال فقالت لها أننا متجوزين..مكدبتش خبر وبلغت يامنة ال كانت مخلفاكم أنتم التلاتة….و جت وثارت وقلبت الدنيا وطلبت أطلقها ..مرضتش لان غادة كانت جابت وليد وحامل تانى …ضربتها وسقطتها ..ونقلتها بسرعة على مستشفى …وهناك الدكاترة عالجوا الوضع بس قالوا لى أن رحم حصل له مُضاعفات وأن ال حصل ده أدى لعقم ..وفى نفس اليوم سبتها ورحت أجيب وليد من المدرسة كان لسه مكملش 5 سنين ..ومبيتكلمش خالص …

_فودناه مدرسة تهتم بيه ونشوف مشكلة التخاطب…رجعت أنا وهو للمستشفى عرفنا أنها ماتت…شتمت الدكاترة وهزقتهم واتدمرت لأنى كنت بحبها جداً ووقفت جنبى كتير …وحلفوا انهم عملوا ال عليهم وزيادة….وطلبوا منى تشريح الجثة لو مش مصدق عشان نعرف السبب ..فعرفت أنها أتحقنت بهوا…عن طريق ممرضة اتحولت للتحقيق ..بعد ما أعترفت على يامنة ..رميت عليها يمين الطلاق ومرضتش أذيها عشانكم …وغبت مدة تعبان نفسياً أوي ,,,ومنهار ..لحد ما وليد أختفى فى يوم ورفعت قضية على المدرسة ..ودورت كتير …….وكنت بروح على تربة غادة ودموعى سبقانى ،بوعدها أنى هنتقم ،وهجيب لها حقها وحق ابنها ..ومش هيهدى لى بال غير لما أوصل لوليد..ومعرفتش غير من كام شهر أنه عايش….عن طريق جودة ال حكالى عن جوازته التانية وضغط يامنة عليه …كنت طاير من الفرح بس مش عارف هبرر له غيابى ده بأيه….وقولت لجودة يمهد له أنى عايش بس مطلق أمكم …عشان كده هى معتبرانى ميت …

كنا ننصت فى إنتباه ،إعجاب بقصة حبه الأسطورية ،شفقة على ما عناه ،ضيق يخالج قلوب ابنائها من تصرفاتها ،دفن وليد رأسه بين كفيه ،وهو ينتحب بضعف أحتضنه فيه ،وأداوى جروحه ،فأتت كاملة مُرتكزة على ركبتيها بين قدميه وهى تقبل كفوفه بعطف وحنان ،بينما أخذ جودة نفساً عميقاً قبل أن يخرجه بالتدريج:_
_ مبتابتش عين وعليها دين يا بوي ..بس أمى دفعت التمن غالى جوى من صحتها وعفيتها….وفى بتها …منيش عارف كيف راح يجوم لها جومة …!!

عقب حمدان بإيجاز:_
_ ياريتك ما قولت لنا يا بابا ،قد أيه نزلت من نظرى وأستحقرتها ،مش قادر بجد أتعاطف معاها معقول فى ناس بالوحشية دي…!

تدخلت بحكمة ومنطقية ولين، أستنتجتها من تجربتى ككونى زوجة ثانية:_
_ غصب عنها ،مراية الحب عميا ،وهى مكنتش بتحب غير عمى حب جنونى،حب إمتلاك ،صعب عليها تقبل واحدة تشاركها فيه،وكمان تربطه بعيل ويروح ويجى ويبقى له رجل…بعد ما هى شقيت على الدكاترة وفى العمليات ……..يمكن أنتقامها وعقابها كان قاسي شوية بس فى النهاية هى بشر وغلطت…وكلنا بنغلط ..وربنا ال بيجازى

أنبهر حماى بردى ،وهو يطالعنى بإشادة يسألنى فيها عن هويتى ،حتى أعربت عنها ،فعلق بترحيب ،يخرج فيه عن جو الككىبة المٌسيطر:_
_ أهلا…أنتى بقى إسراء..من زمان مُتحمس انى أشوفك من كتر كلام وليد عنك وإعجابه بشخصيتك

أنحيت بإجلال وخجل ،بترته كاملة وهى تمد لها كفها بتطفل،وكأنها تذكره بوجودها وضرورة مراعاة مشاعرها:_
_ وأنا كاملة مرته الأولى ،الجديمة ،والعشج الأول ،منورنا والله يا عمى

إبتسم لها برقة وعذوبة:_
_ ما شاء الله جميلة أوى يا كاملة ،بسيطة وبنت أصول زى ما كان جوزك بيحكى لى عنك،مش كده يا وليد ولا أيه …؟

رفع بصره عن كفيه وهو ينهض بغضب ،ينم عن غضبه من أبيه:_
_ مش عارف يا دكتور عبد المنعم ..!،ومش عاوز أعرف ولا أفهم ….من بعدها مبقتش أمن لحد عن إذنكم

سأله بحيرة حمدان:_
_رايح فين الوقت متأخر..؟

رد بإقتضاب وهو يشير لى :_
_ فى ستين داهية …!

هم من مقعده جودة ليبقيه ،لكن إيماءة أبيه بتركه ،جعله يتركنا لنسير فى سلام،حتى تناهى إلى سمعنا قول حماى:_
_ سيبه شوية…يهدى ويراجع حسابته ،وهيرجع لوحده

كسرت حاجز الصمت بعد ثوان كاملة وهى تبث شكواها لعمى ببكاء وشحتفة:_
_يرضيك جده يا عمى…مهملنى دايم وكأنه متجوزش غيرها ….بت الفرطوس دهي ..!

أما رضوى فكانت تتقلب فى فراشها بتعب ،وعدم إنتباه ،ولا زالت فى غيبوبتها ،تسترجع ذاكرتها أحداث الأشهر الماضية كشريط سينمائى ،

فلاش

وبعد مرور أسبوعين من تعارفها على مهند ،و أمام إحدى مدرجات الجامعة ، إحتضنت كشكولها بيدها اليمنى بخجل تنظر فيه إلى الأرض كعادتها ،وبيدها اليسرى تُمسك بفنجان من القهوة الساخنة ….حتى صدمها إحدهم من كتفها ،فأوقع حاجيتها فأنحنت لتلتقطها ،فصاح بحدة وإنفعال جذبت الأعين إليهما وجعلتها تتلفت من حولها بإضطراب وإرتياب وهى تبكى:_
_ أيه الحول ده مش تفتحى وتبصي لطريقك ..”

قالت بتلعثم وهى تنتحب ومهند يراقب الوضع من بعيد:_
_ أن..أنا…أسـ.أسفة

رد وهو ينفض قميصه بإشمئزاز يرمقها فيه:_
_ أعمل أيه بأسفك ده ..؟،أنتى عارفة الطقم ال دلقتى عليه الزفت ال بتشربيه ده بكام…!

علقت بإنكسار إنتفض له مهند ،وأحس بتأنيب ضمير ،لأنه من دفع ذلك الشاب ليفعل ذلك بها :_
_ الفلوس ال حضرتك عاوزها ،هدهالك بس ممكن متزعقش ..الناس بتبص علينا

مد يده إلى أزارار جلبابها العلوى ليقطعه قائلا:_
_ حقي بأخده ناشف،العين بالعين …

هز مهند رأسه برفض وهو ينقض عليه :_
_ أنت أتجننت ولا أيه ……..!

وهو يمسك ياقته بعصبية ….يكيل كلاهما لبعضهما اللكمات ،يأمرها بالذهاب وتركه ،فدار شجار عنيف أنتهى بعدة إصابات مٌتفرقة فى وجه مُهند وذلك زميله،وتحويلهما لتحقيق نتج عنه فصل كل منهما لمدة شهرين مٌتتالين ..!، خرج من مكتب العميد بوجه محتقن كالدماء وهاتفه يتعالى بالرنين يريد هاشم شقيقه من ناحية والدته الإطمئنان على سير الخطة ،ليضغط على زر الرفض حين لمحها تقترب منه بخجل وإحراج لما تسببت به له لتقول على إستحياء:_
_أنا أسفة أوي…..على ال حصلك ..بس والله هو ال غلطان

رد بحنان زائف:_
_ لو غلطان نعرفه غلطه ،المهم أنك بخير ،وعاوزك تخلى بالك من نفسك الفترة الجاية اوي،عشان مش هعرف أشوفك للأسف…خدت فصل شهرين …لا إله إلا الله ….

أتسعت حدقتى عينيها وهى تقول بوهن :_
_ يالهوي …!، بقى ده جزات ال يعمل خير …؟ والمحاضرات هتعمل أيه ..؟،ده خلاص الميد ترم مش فاضل عليه غير أسبوع ولا حاجة

أجاب ببداهة مٌخطط لها من قبل:_
_البركة فيكى وفى ربنا بقى

تسائلت بعدم فهم :_
_إزاى..؟

أضاف بجدية وهو يعدل هيئته :_
_ عاوز المحاضرات بس لو امكن تبعتيها لى على النت هكون شاكر جداً لحضرتك

ترددت للحظات :_
_بس…بس

أولاها ظهره بجدية يتظاهر فيها بأنه حزن منها وأخذ على خاطره،يحملها إحساس بالذنب:_
_ خلاص..خلاص ..بلا بس بلا مبسبسش أنا غلطان أن دافعت عنك بمستقبلى وخاطرت …

قالت بثبات وهى تخرج ورقة وقلم تكتب حسابها الإلكترونى حتى قاطعها:_
_ خلينا فى الواتس أسرع وأحسن ،أكتبى لى رقمك

أنهى معها خطته ،وهو يزفر بإستياء من ما يفعله ببرائتها وإنتهاكه لها حتى أعاد أخيه الإتصال فأجاب بغضب:_
_ بس خدت علقة موت الواد أيده كانت مرزبة الله يخربيته …..ثم تابع بعد ثوان …أه نجحت خدت رقمها……..وأستكمل يا عم أهدى هجيب الفيس بتاعها بسيرش الرقم أهدى أنت بس ..قدامى ساعة كده وأبقى فى البيت يلا باى

 

error: