عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

فصل ٣٦

أرؤاكم مهمة جدا ??

فى إحدى الحجرات المزدانة بالنقوش الكرتونية ،وألوان عشبية هادئة مريحة للعيون ،جلست على السرير المقابل لفراش نوارة بعد أن أنصرف الجميع عقب مجىء عمر فى حالة من الدهشة والصدمة لسماع خبر حملى المفاجأ ،تكن لى سلفتى الكثير بعد تلك الشهامة من التقدير والإحترام ،لتفكر كفوفها بإبتسامة رقيقة ترتسم على ثغرها الوردى معلقة:_

_ معرفش كيف برد لك الجميل وأشكرك على نبل وكرم أخلاجك وسترك على حجيجى بنت أصول ومتربية .

منحتها نظرة حانية ونصيحة غالية لعلها تعود إلى رشدها :_
_ معملتش غير الصح ،المهم تراجعى نفسك يا نوارة جودة طيب وحنين وبيعشق التراب ال بتمشى عليه وشايلك أنتى وبناتك فى نن عنيه ،فكك بقى من حمدان وأرضى بالمقسوم لك

شبكت يديها ببعضهما قبل أن تشرد عيونها العسلية فى الفراغ برومانسية لذيذة:_
_ المشكلة فى الحب معمريش حلمت بجودةولا حسيت بيه جلبى مدجش غير مرة واحدة لحمدان وبس أأأه منه الجلب ال مودينا فى داهية

تابعت بغصة فى قلبى متذكرة هاشم المنقطعة أخباره منذ عدة أشهر ومدى الألم النفسى والجرح العميق المتسبب به لى ،وإكتشافى للعبته الدنيئة على ،لأوضح بمنطقية وإقتناع :_
_ الحب مش كل حاجة ،أنا قدامك أهو أتجوزت وليد ومفيش تعارف شخصى ولا قصة حب بينى وبينه قبل الجواز ،ومع ذلك عايشة بالمودة والتفاهم ومحافظة على الأمانة وشرفه وعرضه ،خليكى أنتى كمان ذكية عشان بناتك على الأقل وأتدحلبى وأتمايلى عليه بكلمتين هدمتين تميلى قلبه

نكست مقلتيها فى الأرض بأسف مردفة :_
_ والله يا إسراء ما أنى عارفة هبص فى وشه إزاى بعد ال حصل

أستطردت بحماس ممزوج بكهن النساء وكيدهم :_
_تقصدى هيبص هو إزاى بعد ظنونه الغلط ،لازم تأخدى موقف حازم معاه ،وتتقمصى ويحايلك ويحس قد أيه ظلمك جايز تجددوا شهر العسل فى أسكندرية وتجيبوا لكم عيل ولا اتنين تفرحوا بيهم

تسائلت بضحكة عالية من أعماقها بتوجس :_
_ صحيح محكتليش عن حملك ولد ولا بت …؟

أخذت نفسا عميقا قبل أن أقول :_
_ مبيبنش فى الشهور الأولى دى لسه قدام شوية

ألتقطت يداى داعية بمحبة :_
_ ربنا يتم لك حملك على خير وتفرحوا بالمولود الجديد ويتربى فى عزكم

لويت شفتاى بريبة زائفة طبعا ،فأنا لست بحامل وإنما مجرد خطة،لكن سأحبك الدور للغاية :_
_ مش خايفة غير من كاملة تحاول تجهضنى وتقتله أنتى عارفة بتحب وليد وبتغير عليه قد أيه

تنهدت مؤكدة على مخاوفى وظنونى :_
_ خابرة خصوصا لما الكوبايات أنكسرت أول ما سمعت الخبر ،الحل تسافروا الجاهرة”القاهرة” تأجروا أى شجة محندجة “محندقة”على جدكم”قدكم” لغاية ربنا ما يكرمك

قبل أن أفكر بالامر ،طرقت أختى الباب بحماس وإشراق :_
_ يلا يا سوسو أبيه عمر وصل ومستنيكى بره

_________________________
بحجرة الإستقبال الكبيرة المجهزة

ألتقت الحاجة يامنة بأخى فى ترحاب ،بينما جودة وحمدان يجلسان على الأريكة العريضة المحاذية للنافذة ،حتى دخلت برفقتى سلفتى وأختى ،تبدو عليها ملامح التأثر بما حدث منذ قليل على السطح ،متعمدة تجاهل جودة وتهميشه ،لعلها لو أزاحت النقاب لعرف جودة مدى دهائها ،فإبتسامتها لم تفارقها ،ستختبر معزتها فى قلبه ستلتمس الحنان والحب منه وحده ووحده فقط ،لن تلجأ ببدائل كحمدان ولا غيره ، قطبت حاجبيها وعبست عيناها الحادتين كالنسر الظاهرتين عبر النقاب ،وجودة يراقبها بشغف ومحبة إلى أن نهض عن مجلسه ليطلب القرب منها ويغازلها وكأنهما ليسا بأزواج بل مخطوبين ،نزعنى جملة عمر من التركيز معهما حينما قال بفقدان ومشاكسة:_
_ عاملين أيه وحشتونى ،البيت من غير الزقردة الصغيرة فى الحقيقة حلو جدا

ضيقت عيناها فى مرح مستفهمة:_
_ عينى فى عينك كده

رد بتعديل وتهكم :_
_ وحش ورخم طبعا ،مش لاقي حد يغلس عليا ويعمل مقالب ويقطع خلفى

تدخلت الخالة يامنة مصمصة شفتيها بلؤم :_
_ وأختك متتوصاش فى الزنب ال بتديها من تحت لتحت

عقد حاجبيه بإندهاش وعدم إستيعاب ،قضمته مهللة بوجوده :_
_ منور يا عمور الصعيد كله ،وبابا وماما عاملين أيه

أجاب بطمأنة ظاهرية تخفى خلفها حكايات كثيرة :_
_ الحمد لله كلنا تمام نفسهم يشوفوكى بقالك 4 شهور متجوزة أهو لا حس ولا خبر

علقت حماتى بسعادة لكونها ولأول مرة كما ظنت جدة:_
_ أبجى زوريهم مع جوزك ومتجطعيش الود يا بنيتى وخبريهم بالزوين ال فى الطريج

إنتبهت لكلمة”زوين وليس زوينة” ، لا زالت العقلية الذكورية مسيطرة للغاية،فخطتى مع وليد أننى سأخبرهم بحملى ومع مرور الأشهر حتما سينكشف الملعوب ،لكننى سأخبرهم أن الجنين سقط فى رفع شيء ثقيل سأخلص نفسى من تلك الأزمة ،ولحينها حتما سأتمتع ولو بقليل من الدلع ،فوضحت لأخى :_
_ أنا حامل يا أبيه ،مبروك هتبقى خالو قريب

هتف بحماس وثقة:_
_ ألف مليون مبروك يا حبيبتى ،هيطلع زى القمر ليا أكيد

لكزته بخفة ممازحة :_

_ وهو يطول يا كبير ،هقوم بقى أجهز لك لقمة تأكلها على ما نحضر الغدا تلاقيك على لحم بطنك

لكنه قال بخوف على تعبى مستفسرا بحيرة ذكرنى بها ،بإستفراد درتى بوليد منذ أن علمت بخبر حملى فى غرفتها يتفقان على شيء لا أعلم ما هو أيعقل أن تطلب الطلاق …؟ ،فقال عمر :_
_ لا أنا مش جاى أتعبك ،وليد فين صح كان قال أنه عاوزنى ضرورى بس مقليش ليه

تنحنح جودة رامقا زوجته بدلال ورفق:_
_ تعب أيه يا أبو نسب أنت فى بيت يعرف الأصول والتجاليد كويس،ممكن يا مهجتى تحضرى لنا لجمة سريعة ..؟

أومأت بالإيجاب بتعقل وحكمة ،وفى داخلها ترقص من شدة الفرح ،لتترك غمزة سريعة لى أبادلها ببسمة لنجاح الخطة، خرج حمدان عن صمته وكأنه يود أن يقطع الظنون بينه وبين زوجة أخيه قبل أن تخرج متسائلا :_
_ أيه يا هند مقرصتيش إسراء فى ركبتها عشان تحصليها فى جمعتها ولا أيه ،مش ناويين تفرحونا بيكى أنتى وياسين

وجمت ملامح أختى بضيق وإنزعاج لتذكرها بما حدث مع ياسين وستكشفه الفصول المتقدمة ،فتابع عمر بإزالة للبس:_
_ الجواز قسم ونصيب ولسه المكتوب لها مجاش

فتح فمه بفضول :_
_ والدبلة فى صوابعها …؟ زينة …؟

رمت حماتى قنبلتها ودبشها بحدة ،تطالع الصغيرة بسخط وسخرية:_
_ أنا بجول خبطتين فى الرأس توجع كفاية علينا واحدة جوى

أخذ عمر نفسا طويلا لكى لا ينشب شجارا حادا معها :_
_ كان فى خطوبة بس حصلت شوية خلافات ففضنها سيرة ،أهم حاجة عندنا راحة بناتنا ولا أيه يا إسراء

إبتسمت بإنكسار مسترجعة كم الخذلان والأسى الذى عانيته بسبب تسرعهم فى تزويجى “سترة البنت”:_
_ طبعا يا عمور ،شد حيلك بس وعروستك عندى

وعلى سيرة العروس دخلت رضوى بزيها المحتشم حاملة حقيبتها الجلدية ،غير منتبهة لوجود ضيوف لتلقى تحيتها :_
_السلام عليكم على أجمل صعايدة وكبرات وأخوات عسلات شرب**

قطعت عليها جملتها يامنة مشيرة للأعلى :_
_ وعليكم السلام ،أطلعى غيرى خلجاتك على ما الوكل يجهز

أعتذرت بخجل وإحراج :_
_ أحم مختش بالى من وجود ضيوف ،إزيك يا استاذ عمر …؟

رد ببساطة :_
_ الحمد لله وأنتى

أردت أن أزيل الحرج معلقة:_
_ ده عمر أخويا مش غريب ولا يهمك

أحتقنت الدماء فى عروق حماتى التى صاحت بإندفاع جعل فنجان القهوة ينسكب على السجادة والأرضية:_
_ كيف يعنى مش غريب كان خوها ولا بيها ولا خالها …؟، معندناش المرجعة ال فى البندر دى

قولت بمهاودة:_
_ معلهش يا خالة يامنة منعرفش عواديكم لسه ،عن إذنكم

رفعت حاجبيها بإستنكار مع دخول كاملة على غير هيئتها،والبهوت ولإنطفاء عنوان لوجهها البائس ومن خلفها وليد:_
_ على فين العزم..؟

جاوبت بتلقائية :_
_ هجيب قماشة امسح قبل ما تشربها السجادة

قالت بلهجة آمرة وهى تحدج ابنة أختها وكأنها تعاقبها لعدم إنجابها او الإيقاع بوليد حتى اللحظة :_
_ لا متشليش جشاية”قشاية” لغاية ما تحملى وتجومى لنا بالسلامة ،فزى أنتى يا كاملة طوجى”طوقى _امسحى “الأرضية

رفعت بصرها المنتكس لوليد بضيق ،عيناها متجمعة حولهما الغيوم منذرة ببكاء،وجسدها يتشنج وتنتفض ،وقبل أن تتجاوز باب الحجرة جائها صوت وليد :_
_ أستنى يا كاملة …….!

error: