عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 32

عشقت صعيدى
أرائكم مهمة جدا

بحجرة المسافرين بالطابق العلوى

أستكمل وليد علاجها بعد مداعبات سمجة وهو يقرص وجنتى بدلال أغاظنى “أنتى بتغيرى يا بطة “،أشفق عليه كثيرا من ما سيراه منى ،سيصبح هو فرخ البط الذى لن يتعلم أبدا السباحة بين التماسيح ،فكل منا تريده كدمية خاصة بها وبها فقط ،وكأنه ماركة تجارية أحبته وأهدته ودا وإخاء وسلاما وهناءا وصداقة ومحبة لم تبخل عليه بشىء، هكذا هى المرأة معطاءة حد البذخ ،لا تهدأ حتى تشبعه بإكتفاء ذاتى يجلعه فى أغلب الاوقات يفر من وجهها الضاحك دائما تاهما إياها ب”التفاهة والسطحية” ، وإن أحكمت تجاعيد جبهتها بضجر ورسمت “ال 111” حازت على لقب شريف “ست نكدية تبحث بمنكاش عن أى ثقب للمشاكل وللغم ” ،ألقيت بظهرى إلى الوسادة القطنية العريضة ألتمس الإرتياح لدقائق ،قبل دلوف هند إلى الحجرة الزينة بالرسومات الجدراية المنوعة، أستقرأ هيئتها المضطربة وهى تفكر كفوفها ببعضهما بخوف وتوتر ،زادت له دقات قلبى فسألتها:_
_ كنتى فين يا هند ….؟

سرحت للحظات تختلق فيها كذبة كعادتها للهرب من المواجهة ،وأردفت بجدية رافعة بها إبتسامة باهتة على شفتيها الصغيرتين ،تخبئان خلفهما حكايات وأسرار ونوائب كثيرة :_
_ كنت مع أبيه عمر بره بنجيب كارت شحن .

** ضممت فمى بإستهجان للوعها وعدم صراحتها ،أحس بفجوة كبيرة بيننا وكأننى أمها ولست شقيقتها وصديقتها كما كنا فى منزلنا قبل عقد قرانى،تغيرت بشكل جذرى منذ أن رحلت عنهم ،لكننى لا أخطأ أبدا شعورى بها وإن أتت لى بأخى نفسه فلن أصدقها ،مقلتى عينيها مرتجفتان ،مهتزتان ،مرهقتان ،وكأنها كانت لتبكى دهرا قبل أن تتجاوز باب الغرفة ،بياض عينيها متلون بالدماء ،عقبت بسخط:_
_ أنتى ممكن تكدبى على كل الدنيا وكل الناس إلا أختك صاحبتك حبيبتك ،كاتمة أسرارك ها بقى قوليلى كنتى فين…؟

أجابت وهى تبتلع ريقها بصعوبة رافعة صوتها لتغطى على شيء ما:_
_ يوووووه ،مبكدبش يا إسراء أنتى بس سنس الحاسة السابعة ال على عندك وبقيتى خنيقة من بعد ما أتجوزتى …؟

رفعت حاجبى بأستغراب أطالع نفسى وأتحقق من كلامها بغير تصديق ،عينيها تحكيان الكثير بينما لسانها وكأنه فقد أبجديته متلجم ،ومتحجر ،حدقت بها جيدا سأصل لنقطة نبدأ منها السر الأعظم فى عينيها ،جذبت طرف الثوب المتآكل وأنا أستفسر بهلع :_
_ أمال أيه ده…!، اوعى تقولى لى أنك انتى ال………

أسرعت بوضع كفها على شفتى بفزع ،ورهبة ،ودقات فلبها فى تزايد مستمر ،تستدير عدة مرات وكأن الشرطة تركض خلفها قبل أن تقول بلهاث ووجع:_
_ أسكتى المكان مش أمان ،أيوة أنا

أتسعت حدقتى عينى بإستنكار ،وأخرج صدرى شهقة كادت أن تودى بى ،وقد أتسع فمى على مصرعيه ،معربا عن غضبه وذهوله فما مصلحتها،أستطردت مهدئة إياى:_
_ كان لازم أجيب حقك ،كانوا عاوزين يخلوكى عقيم ،متخلفيش ومتبقيش أم ،تعيشي عمرك كله بتلفى على الدكاترة .

ساد الهدوء لفترة ليست بالطويلة محاولة إستيعاب ما قالته ،فإن كان لدرتى مصلحة من ذلك فما النفع العائد على “نوارة..!!”، لكن هند ليست محقة مخطئة تماما ،فعنفتها بجدية :_
_ ولو …مكنش ينفع ال عملتيه ده ،أنتى فاهمة أنتى عملتى أيه ..؟،انتى يتمتى أطفال ،خربتى بيت ،حرمتى زوج من زوجته ،غلط أصلح غلط بغلط أكبر منه .

دافعت عن فعلتها ببساطة وتلقائية مفتخرة بل ومتباهية بنفسها :_
_ الطيبة والحنية والأخلاق مش مع كل الناس ،أنتى وسط ديابة مينفعش تبقى الفريسة بتاعتهم فى ألف عين مراقباكى أنتى وجوزك ،ألف واحد بيعد عليكم النفس ال طالع وال خارج .

عبست ملامحى وأنا ألوح كفى برفض ،وأهز رأسي بإعتراض على تفكيرها المشوش،لا بد من إنه تأثير لبنى صديقة السوء ،ربما معها جزء من الحق على الإنتقام ولكن الإنتقام فى توقيت وموضع غير الموضع عجز وجبن وليس من أخلاقيات الحرب ،فأردفت بحزم ولهجة أفزعت هند :_
_ ولو جبتى لى مليون مبرر مش هقتنع ،اتفضلى معايا بره وحالا تعترفى لهم على كل ال حصل ،وأنا هقولهم أنك صغيرة لسه مش فاهمة الدنيا رايحة منين وجاية منين وهعرف أبرئك، لكن الست الغلبانة حرام تروح فى شربة مياه .

ضحكت بمرارة وسخرية أو ربما صدمة قبل أن تضيف:_
_ انتى فاكرة انهم لو عرفوا هيسبونى بالساهل…؟،بلاش انا أنتى عروسة فى شهر العسل هيرموكى رمية الكلاب قدام المندرة ،بلاش المثاليات والقيم دى بقى وفوقى،وبعدين من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ،ما هى حفرت لكاملة وشوفتها يوم ما وقعتى على السلم..!

تجمدت فى مكانى بإندهاش قطعه صوت طرقات وليد على الباب ،وأنا فى حيرة من أمرى هل أخبره أم لا…؟

أما فى الحجرة المجاورة ،تحرك جودة بثقة حتى جلس على إحدى الأرائك فاردا ظهره ببرود زائف ،وممدا ذراعيه على مسندى المقعد ،وهو يطالع بدقة وترقب لملامحها،وكأنه ينتظر أن تبوح له بشىء لكن كيف ولا مرؤة وإنسانية ولا ورع لسىء الخلق ،كما إنها بارعة فى الأثنين نصب المكائد والكذب لتدارى عملاتها المشينة ،سحبت قدميها بتثاقل وبطء لتجلس قبالته ،شابكة كفيها ببعضهما بذعر وحيرة ،لا تعلم أى من مقالبها كشف عنه الحجاب ،وما سر تلك النظرات الثاقبة والمستنكرة ،قبل أن يستفسر :_
_ منتيش عاوزة تجولى حاجة …؟

ردت وهى تبلع ريقها بأعجوبة ،تشيح ببصرها بعيدا عنه ،منزلة معصمها من على المسند بتلعثم وتردد :_
_ حاجة ،كيف يعنى كل ال عندى جولتهلوك تحت وخلصنا عاد .

أخذ نفسا طويلا ،قبل أن ينهض عن مجلسه ليتجول من حولها ،وهو يضم شتفيه بغموض وإبهام:_
_ لا، مخلصناش لسه فى أوراق”أوراج” مستخبية كتير، محدش يعرف عنيها شيء .

فكت رابطة شعرها المجعد ،نافخة بإستياء من ألغازه ،تطمح فى الهروب من أمام عينيه المستجوبتين الباحثتين عن كارثة جديدة ربما ليلقى عليها اليمين الثالث لتصبح مطلقة بشكل رسمى ،ولتقام الأفراح والطبول من قبل سلفتيها ،رفعت حاجبيها بتأفف ،بعد أن رتبت وجمعت رأسها فى لحظات :_
_ وووووواه، مش هنفضونا سيرة من الحديت الماسخ ده …؟ ،هاااه هجوم أستحمى وألحج أخطف لى ساعتين نوم جبل العيال ما يصحوا

سار نحوها برقة وعذوبة ،واضعا مرفقيه على كتفيها ليجلسها ،بحركات دائرية ناعمة ،إندهشت لها فهذه ليست بعادته ،يعبث بأنامله بخصلات شعرها الأسود الغجرى بدلع ودلال ،مصرا على إثارة الرعب بداخلها ،بينما تنتفض ركبتيها وتصتك أسنانها بخوف ووتوتر :_
_ وبتعرفى تحطى رأسك على الموخدة “مخدة” وترتاحى جده،ولا بيجيكى كوابيس ،أشباح صور الناس ال أذتيهم ..؟

أجابت بخضة وهلع وإضطراب:_
_ حد الله بينى وبين الأذية ،أنت عارف أنى توبت من بعد موت بوى”أبوى” ،وغلبانة وفى حالى ،مبهوبش ناحية حدا لا بخير ولا بشر

غرس أنامله بشعرها بخفة ،وهو يهمس بتصديق على كلامها ،لكنه يكاد يجزم على كذبها لا بأس سيريحها لبضع ثوان ،قبل أن يضيف:_
_ طبعا ..طبعا ..عارف وجايب لك هدية هرضايكى بيها دلوجيت أستنينى 5 د جايج” دقايق” ،بس

غاب لبضعة ثوان فى الحمام الداخلى ،يبحث عن شىء ما،بينما تلتقط نفسها أخيرا بإرتياح بعد تحقيقات متعددة منذ الصباح ،لكن أى هدية تلك المخبأة بالمرحاض …؟، لعلها مفاجأة لم يشأ وضعها فى الغرفة لكى لا تكتشف أمرها ،ستعرف حتما تتوعد فى فراغها لكاملة بالإنتقام ،لذلك لم تغادر المنزل لتأخذ بثأرها ولتستكمل مقالبها فلا توبة لإمرأة بقلب فولاذى ،لأا تعرف للرحمة طريق ،أستدعها للداخل وقد ملأ البانيو برغاوى من الصابون ،تتصاعد منه الأبخرة قبل أن يضيق عينيه بخبث قائلا :_
_ الحموم النهاردة على ،نبدأ باللولى ال فى حنكك الأول
سحب فرشتها الخاصة ذات اللون الوردى ،وهو يرش عليها قطع من المعجون ، بينما تحملق فيه بذهول وغير إرتياح ،إستشفه فأراد إراحتها مردفا:_
_ مالك …؟، عم ترتعشى جده ليه…؟ حد يخاف من جوزه حبيبه….؟

إن جئنا للحق فهى ترتعب منه ،فالحرامى يحسب الناس جميعا مثله ،كذلك المدبرون للشر ،فأردفت بتنهد متقطع :_
_ لا ،وانا عملت حاجة غلط عشان أخاف…؟

رد بمكر ودهاء وهو يشير لها لتفتح فمها الصغير :_
عشان جده مستغرب ،أفتحى …أفتحى

فتحت شفتيها بتردد ،،ليحضتنها من الخلف بقوة ،وهو يفرش بيده اليمنى أسنانها ،وكلاهما ينظر فى مرأة الحمام المتشحة بالضباب ،متابعا بحنان :_
_ دى أخر فرصة ليكى يا نورارة ،مفيش حاجة مخبيها عنى…؟

هزت رأسها برفض،فضغط بقوة كبيرة بالفرشاة على لثتها وهى ترتجف أمامه لكنه محكما قبضته عليها بقسوة ليعلق ،وهو يلمح مرأى دموعها فى إنعكاس المرايا ،ببرود عظيم همس:_
_ أحنا هنا محدش شايفنا زى ما كان محدش شايفك أو أنتى كنتى فاكرة جده ،لما رتبتى لسلفتك تطلج ،وأمى عشان الورث ال لحس عجلك ،وكنتى رايدة”عاوزة” تجتليها بالسم فى القهوة ،بوجد”بوقك” كام مرة كدب على..؟ ،كام مرة تهم الناس بأعراضها ..!

أتسعت حدقتى عينيها لتفيضان بالدموع الساخنة ،محاولة إزاحة كفه عن شفتيها ،ليزيد من تشبثه بها وضمه إليه بعنف،ويده اليسرى تربط على دماغها بقسوة مستطردا:_
_ وعجلك ده كام مرة كان معايا وفكر فى غيرى …؟، ثم أضاف بمرارة أكبر:_
_ لا ومش أى غيرى …!، أخوى ال كنتم تلعبوا سوى وأحنا صغار لستاك بتفكرى فى وهدان ،ليه مش مالى عليكى حياتك ،جوليلى جصرت “قصرت” فى أيه وياكى ….؟

اومأت بالإيجاب ليتركها والرغاوى كلها على عتبة شفتيها،لتبصقها بوهن لتقول بتعب وبكاء:_
_ محصلش، أنا بحبك وعمرى ما حبيت غيرك ،وكاملة ال عاوزة توجع بينتنا طول عمرها بتغل منى

أستدار بها ليريها المسبح بمياهه التى تغلى ،وهو يغمض عينيه بشدة ليرخيهما ببطء وكانه يخرج كبته وحزنه مردفا بتهديد:_
_ شايفة البانيو ده ،ميته مش طبيعية زى ال بنشربها مياه نار ،زى ال فى جلبك”قلبك” ،هحطك فيها لو منزلتيش معايا لأمى وأعترفتى لها أنك غلطى وحبيتى على يدها وطلبتى العفو والسماح

شهقت بحدة قبل أن تقول بعناد …………………..!

 

error: