عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

المشهد الأول

بعد مرور أسبوع

في الدوار الصعيدي 

بمرور أسبوع كامل تغيرت الأحوال وبدأت مراسيم الصلح بيني وبين زوجي ،ولم يتبقى منها سوى الخطوة الأخيرة ،والتي أتممنها بسفرنا إلى الصعيد ليقبل رأسي وقدمي أمام أهله ،وقد أقتربت الفرحة الكبرى بعقد قران عمر ورضوى في توقيت متزامن مع ياسين وهند، وفى اللحظة الحاسمة ومع حلول المساء بأضوائه الخافتة وسكونه المخيف،وقبل أن نفرغ حقائبنا ،أصر وليد على أن ينحني أمام عائلته وعائلتي ليرد لي إعتباري وكرامتي المسلوبة ، فتنحنح زوجي وهو يسحب كفي بحنان وفخر أمام عائلته وعائلتي بإعتزاز وكأنني ملكة متوجة يتابعهم بنظراته المٌتفرقة الجادة ،النادمة على ما أقترفه في حقي:_
_ _ في الحقيقة أني أصريت أجمعكم كلكم …النهاردة لأنه يوم مميز ،مختلف ،مش عادي ،يمكن أهم يوم في حياتي كلها،أهم من أول يوم دخلت فيه لكلية الطب مبسوط، أهم من أول ترقية وأول شهادة ، أول ضحكة أول إبتسامة ،اليوم ال هدخل فيه الجنة ….ال طردت نفسي منها بعنادي وعصبيتي ……يوم بيمثل العوض ال ربنا بعتهولي بعد كل الشقا ال شفته في دنيتي …يمكن سهل أنك تتحب …بس صعب تحب….صعب تثق في حد…….وأنت عايش وسط غابة …ديابة محدش فيها بيرحم التاني.
……
غابة مفهاش غير حمل وديع واحد….نور عيوني …وجنة ربنا على الأرض إسراء …قدامهم كلهم ….. أنا أسف …..أسف على كل دمعة وكل كسرة نفس وكل تعب نفسي سببتهولك ….أسف أني موثقتش فيكي …وأدي رأسك أهي
قبل جبهتي وسط ذهول أبيه وإعجابه بجرأة ابنه على الإعتذار ودهشة حمدان وجودة ، والخالة يامنة تقطب حاجبيها بسخط على تدليليه لي ،لينحني زوجي مٌقبلاً يداي وهو يأن ويبكي ويستعطفني ،ونظرات الإستهجان لتصرفه بادية من نوارة وعمر ،بينما والداي يشعران بالعزة لإسترجاع كرامتي أمام الجميع….
يرتجف جسده ،وهو يتصبب عرقاً وبكل قوتي ،أدٌس عينياي في حدقتيه بقوة وإصرار ،وهو ينحني فى موازة قدمي ليــــــــــ

ليتمسح في أقدامي ويحتضنهما بإعتذار رسمي ،أنقبض قلبي مع إنخفاضة جسده المفاجأة ،ولان قلبي كما لان بصري قلم أقدر على تحمل ذلك المشهد الأليم المفعم بالإهانة والإحتقار خاصة أمام أهله ،فهو زوجي ووالد ذلك الجنين القادم،فكيف سيرفع بصره في أعين أشقائه وأبيه بعد هذه الواقعة …؟، لا لن أكسر عزة نفسه ولا كرامته ،سأكون الأتقى والأكثر تسامحاً ،انحنيت بسرعة قبل أن تصل شفتيه وسط تعنيف الخالة له :_
_ ووواه بت البندر خلتك كيف المركوب ال بجدمها…؟ولا نجول كيف العنجة ….؟ اطخيت في عجلك إياك …!!

تدخل والده برفق ولين وهو يقترب من زوجي المتشنج الباك ،بينما جودة في وضع مٌربك يلتفت كثيراً من حوله بذعر وخوف وإرتباك:_
_لا يا وليد….أنت أكبر من كده….في ألف طريقة للصلح إلا دي يا ابني

أنضم عمر للحديث وقلبه يغوص في صدره ،لأهتزاز رجولة نسيبه أمامه ليضيف وهو يتجه صوبي هامساً:_
_ حرام عليكي…متذلهوش وتمرتي بوزه…متقابليش الإساءة بكده……ده ربنا بيغفر أنتي مش هتغفري وتسامحي….؟،…..ياريت توقفي جوزك عن ال بيعمله حالا ….وضعية الكلب ال واخدها دي ..متلقش على جوز أختي المثقف الدكتور المتعلم …..جوزك ده عكازك بلاش تكسريه قدام الكل وتعيشي العمر عاجزة…!

بت أفكر بكلماته ونيران الإنتقام تهدأ رويداً رويداً ،ورضوى تقول لشقيقها:_
_ عشان خاطري ي وليد ……بلاش تبوس رجلها قدامنا…..بلاش تصغر نفسك ..وتقل قيمتك

علق حمدان بعصبية من تصرف زوجي:_
_ ال يطاطي ل “حرمة” وبسمع كلامها ميستاهلش يبقى نعلها يا وليد…!

إرتكزت على ركبتاي وزوجي يدنو من قدمي بتردد وجوم وهو يردد بشفتين مٌرتعشتين وكأنه لم يستمع لإهانة أخيه :_
_ ب…بحبها أوي …ومستعد أعمل أكتر من كده بس تسامحني …..

دنوت منه وأنا أربت على كتفه ،وألقي بساقاي الطويلتين بعيداً عنه ،لألتهم كفه الخشن القاس بقبلات حانية ،وقد انهارت قواي:_
_ أنا ال أسفة …أسفة …بحبك أوي …أوي…ومقدرش أتخيل ثانية واحدة من غيرك .

أقترب والدي وهو يربت على كتف زوجي بمواساة ليساعده على النهوض وهو يقول:_
_ كده خالصين يا ابني ،أقدر أسيبهالك وأنا مطمن أنك مش هتفكر حتى تعمل معاها كده تاني ،خصوصاً أنك دوقت من نفس الكأس…..

عانقته بحرارة وهو يجفف عبارته وأنا أصيح بحمدان وبالجميع وذراعه يحاصر خصري بإبتسامة مٌشرقة أعتلت محياه:_
_ وليد راجل وسيد الرجالة يا مجتمع حافظ مش فاهم…. كنتوا فين وهو بيهيني وبيكويني قدامكم ….الدم الحامي ده مظرهش ليه ….؟ كانت فين كلمة الحق وبيت بيتخرب قدامكم…..؟ كنتوا فين وهو بيحطني تحت رجله وبيكسر نفسي قدامكم….؟ ،الغلط مباح عشان هو راجل ومن حقه وعادي يشقني نصفين،لكن ثقافة الإعتذار مش موجودة ،بتنقص وتقلل من قدركم

نفخ حمدان بإستياء وهو يكز على أسنانه:_
_ بقولك أيه أنا مش راضي اكلمك عشان جوزك واقف،لكن علي النعمة هتسوقي فيها على و…

قاطعه وليد بإنفعال وصرامة :_
_ أنت نسيت نفسك ولا أيه….؟ ، دي مرأتي يا حمدان ،وكرامتها من كرامتي ،أي تطاول منك أعتبر نفسك بره البيت ده ..!

تدخلت الخالة وهي تزفر بحنق:_
_ لو حد هيسيب البيت يبجى أنت يا ولد البندرية…!!،ولادي معلكش سلطان عليهم….

ندت منه إبتسامة ساخرة وهو يقبل وجنتاي ويضمني إلى أحضانه بأمان وحنان ورقة قبل أن يستطرد:_
_ميشرفنيش أتواجد في المكان ده ثانية بعد كده ……

رمقها عمي بضيق بينما تحي أسرتي زوجي على شجاعته ليقول الحاج عبد المنعم:_
_ استنى يا وليد …أنا جاي معاك

خرج أخيراً جودة المٌلتفت حوله بذعر وهلع عن صمته وهو يقول:_
_ أستنوني جاي معاكم

وما أن سرنا صوب الباب الحديدي الكبير حتى ألتقينا بسيارات الشرطة تحاوط المكان بقدر عال من الإحتياطات ليأتي وكيل النيابة
_ على فين العزم إن شاء الله …!
قطب زوجي حاجبيه :_
_ خير يا سعة البيه…؟

أجاب الظابط وهو يأخذ نفساً عميقاً:_
_ أخوك مقبوض عليه بتهمة التحريض على قتل والد مهند الشرقاوي

تسائل بحيرة:_
_إزاي…؟

تابع وكيل النيابة وهو يشده إلى السيارة:_
_ إزاي دي بقى هنعرفها في القسم….

أما في القاهرة فخرج عاصم في نشاط منذ الصباح الباكر إلى عمله ،بينما رقية منزوية على نفسها فوق السطح ،تبكي وتأن رافضة لوجود درتي في حياتها ،خاصة بعد أن أخبرها أبيها منذ أيام قليلة بنيته بالزواج منها ،لكي ترعى شئونها رغم إعتراض صغيرته مراراً وتكراراً ،حاوطت بذراعيها ركبتيها بوجوم وضيق فوق السطح الغير محاصر بالحوائط على ارتفاع 7 أدوار ،لا تدري كاملة كيف تجتذب قلبها ،كيف تحببها بها….؟، أعدت صنبية من الكيك بالشوكولا المٌحبب إلى نفس الصغيرة وهي ترتدي عبائتها الصعيدية المٌحتشمة ،حاملة فوق رأسها الصواني الساخنة لتضعهم على الأرض مع فنجاين الشاي وهي تدنو من رقية تربت على شعرها الأملس بدلع :_
_ سويت لك صنية كيكة بشكولاتة ،هتأكلي صوابعك وراها ،حتى دوجي اجده

نفخت بسأم وهي تقوس شفتيها بوجه كاملة مٌتابعة :_
_ مش عاوزة منك حاجة

تسائلت كاملة بدهشة:_
_ ووواه ،شبيك عاد وكأني جتلت لك جتيل …!!

نهضت الفتاة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بتأفف:_
_ مش عاوزاكي في حياتي …ياريت تمشي بقى من مكان ما جيتي …أنا بكرهك…بكرهك

أستفسرت كاملة بحزن:_
_ليه اجده يا بت الناس ….؟

قالت الصغيرة وعينيها تشتعل بالنيران وهي تسير صوب درتي المٌرتجفة من تغير ملامح الطفلة وهي ترجع للخلف ،لتتابع رقية بإصرار وسخط وعصبية ،وهي تقرب يديها من رقبة كاملة:_
_ عشان أنتي عاوزة تأخدي مكان ماما….وكمان بابا بتأخديه مني..ومش بيهتم بيكي….بس أنا هقت…

لم تكمل رقية جملتها حتى شهقت بفزع حينما هوت قدم كاملة وهي تصرخ لتسقط صريعة في لحظات من الذهول والصدمة…..! ليلتف الناس حول جثتها الهامدة المٌحاصرة بالدماء…وليأتي العدل الإلهي .

error: