عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

 الفصل 59

أرائكم مهمة جداً 

المشهد الأول

تحاوط النجوم في حلقات دائرية القمر المٌطل على إستيحاء ،يحوم زوجي حول أطراف البيت بتفكير وإصرار على عودتي، فهداه عقله على فكرة مجنونة ،وغريبة الأطوار فأتى بسيارة ومكبر صوت،ليقف بهم أمام منزلي وهو يلفى بقطع من الحجارة الصغيرة على أبواب شرفتي الخشبية بإلحاح ،إنتبهت له هند وهى تفتح ببطء الستائر لتضحك بمغازلة:_
_ انبوبة بعت لها جواب ،أنبوبة ولا سألت فيا ،أنبوبة أيه الأسباب ،أنبوبة ما تردي عليا هههههههههههه، وليد تحت وشكله مش هيسكت إلا أما يجرسنا أطلعي له

تنحنحت بإحراج ألومها فيه:_
_ بقى أنا أنبوبة ،طيب أبعدي بقى لأفرقع في وشكم أنتوا الجوز ..!

بتر جملتي اسمي هو يتناهى لمسامعي عبر مكبر الصوت ووليد يتغنى به بطريقة مضحكة تذكرني بما كان يحدث في المصيف والليال المعتمة ولكنها هزلية إلى حد ما ،والتي قضينها سوياً ،وهو يهتف بحماس :_
_ إزرررررررررررررراء_ إزرررررررررراء بت يا إزراء

فتحت هند باب الشرفة على مصراعيه والأمطار تهطل بغزارة في تلك الليلة البائسة الطويلة ،فأستفسرت بعتب ،وأنا أطلعه بنظرات مٌستاءة من تصرف غير مسئول كهذا في شارع ريفي :_
_ عايز أيه يا مجنون..!

عدل من هندامه وهو يرسم إبتسامة جذابة ويغمز بعينيه:_
_ انزلي

قوست شفتاي بعصبية أقول فيها وأنا ألوح بكفي له ليغادر قبل أن تٌفتح الشرفات المجاورة:_
_ مش نازلة ،وأتفضل بقى متلمش علينا الجيران

مد بكفه ذقنه في تحدي وعينيه تلتمعان بفكرة أشد غرابة:_
_ كده طيب مش ماشي

قلت له بتحذير قبل أن أغلق الأبواب مٌجدداً:_
_ أنت حر هتبرد عن إذنك

أستفسر بنشوة وسعادة يحاول أن يستشف فيها مدى إهتمامي به:_
_إزراااء خايفة عليا…؟

حركت كتفي بلا مبالاة:_
_وأخاف على واحد ميخصنيش ليه

تابع برومانسية وهو يشير إلى معدتي ويداعبني بنظراته :_
_بس أنتي فيكي حاجة تخصني وبتاعتي

أردفت بحدة قبل أن أتجه للداخل:_
_بينا المحاكم يا وليد عن إذنك

ما أن أوليته ظهري حتى سمعت صوت إصطدام قوي ،أرتعش له جسدي والشكوك كلها تهاجم رأسي ،لأجد وليد وقد أفترش الأرض بجسده والكدمات ظاهرة بوضوح عليه ،مٌغمض العينين بشكل مريب،جذبت غطاء رأسي ووشاح الدفء الطويل ،بينما هند تبتسم ولا أفهم السبب..!، هبط السلالم على عجل حتى وصلت له،لأضع رأسه على ركبتاي وأنا أحرك رأسه بهلع وخوف وعبرات ساخنة تتساقط على وجنتيه:_
_ وليد أنت كويس…؟ وليد رد علي بالله عليك…!،متقلش أن حصلك حاجة بسببي .وليييييييييييييييييييييييييييييييييد..!

مع صرختي المطولة خرج الجيران من الشرفات المجاورة ،لإستكشاف ما يحدث وهو يكمم فمي برائحته المٌدهشة وهو يواصل بخبث وسعادة:_
_هووووووش ..هتفضحينا …ما أنتي حلوة أهو بتحبيني امال ايه بقى يتمنعن وهن راغبات…؟

نفخت بإستياء من مكره وأنا أنهض لأدخل على البيت واقفة في “الحوش” ليتبعني بسرعة ،وأنا أضيف بإنفعال:_
_لا راغبات ولا متنيلات خوفت بس لتكون مت قدام البيت وتجب لنا مصيبة …بعد إذنك…..

جذبني إلى أحضانه وأنامله تداعب خصلات شعرى بدلال، أذوب فيه بين أذرعته ،وعطره الجذاب ،وأنفاسه الساخنة ،وعيونه الجريئة ،الوالهة،العاشقة ،المُعتذرة ،لأتمتم بشفتين مٌرتعشتين:_
_لو مبعدتش هعضك وأعملك ساعة في دراعك محترمة تفتكريني بيها العمر كله

سار بغتجاهي حتى إلتصق ظهري بالحائط العريض ،ودقات قلبي مٌتسارعة ،ليردف بحنان ورومانسية ونظرات زائغة:_
_ دراعي وقلبي وكل حتة فيا تحت أمرك

امسكت بكفه وأنا أغرس أسناني فيه بحدة ،وهو يطالعني ببرود ولا زالت أصابعه تعبث في فروة رأسي وهو يستكمل _بقى القطة بتاعتي بقت شرسة كده …ده أحنا بقينا نمور بقى عاوزة ال يروضها
قال جملته الأخيرة وشفتيه تقتربان مني بإشتياق وجرأة وقدمه تغلق الباب بدفعة قوية وأنا أهدده:_
_والله هصرخ …

رمقني بتحدي:_
_مستني

فتحت فمي لأنطق “ألحقني يا با………….”

قضم جملتي بقبلة عميقة،مطولة ،تتساقط فيها عبراتي بإستسلام أمام قوته ورجولته ،يدفعني قلبي لمسامحته بينما قلبي يابى تماماً ،ليقول وهو يفتح أزار قميصه العلوي ويقربني من صدره بحنان:_
“يا سوستي…..الرسول صلى الله عليه وسلم لما زعل مع زوجته قالها ترضين من بيني وبينك …؟ وطلبت والدها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،ولما عرف أنها مزعلة النبي عنفها ……مراحتش تستخبى وراء حد غير النبي صلى الله عليه وسلم،زوجها ,…

يبقى إزاي عاوزة تتدارى في أهلك عني…؟،وانا ضهرك وسندك..؟

أرتعش جسدي ليواصل وهو يضمني مجدداً إلى قلبه ويقبل رأسي:_
“كل ال أنتي عوزاه هعمله ،عشانك وعشان حلا الصغيرة ال في بطنك ”

المشهد الثاني

أما في الدوار فإزداد الوضع صعوبة،تلجم لسان عمر مع جملتها الأخير ليسود السكون بعض اللحظات،التي أنهارت فيها رضوى من البكاء لما حدث لها بلا ذنب ،لكنه العدل الإلهي والإنتقام الأعظم بما فعلته بوالدة وليد قبل وفاتها، جلست على الاريكة وغلى جوارها حماي يربت على كتفها بينما حمدان يحادث”سنيورة القاهرة ” في الخارج ويتشاجران كعادتهما لإهماله لها لأسباب مٌتعددة ،قال أخي بحنان وشفقة ولأنه لم يرد أن يتخلى عنها أبداً:_
_ مش مهم ..المهم نبقى سوى ..تكمليني وأكملك

أغمضت عيناها لتفتحهما بعد ثوان برجاء:_
_فكر كويس …مش هتبقى أب ..هتدفع تمن غلطة غيرك عملها

لامها برفق وهو يبتسم:_
_متقليش غلطة يا عبيطة، انا شوفتك وبحبك …بحب رضوى الصعيدية الجدعة المحترمة ،ال بتمشي على الصراط مش زي بتوع المدن….صدقيني لو لفيت العالم كله مش هلاقى ضفرك

أشاحت بوجهها بعيداً عنه لكي لا تصرخ مٌعلنة حبها له وأملها في أن يكون”عوض الله لها”، لا لان تضغط عليه ،فواصلت:_
_ لا …متظلمش نفسك معايا..عشان شوية شفقة وصعبانيات….أنت مش مجبر…أحنا لسه على البر

قال الحاج عبد المنعم بحكمة:_
_شايف أنكم تدوا لنفسكم أنتوا الاتنين فرصة تفكروا وبلاش تسرع ده قرار مصيري

أضافت حماتي وهي ترفع من شأن ابنتها تريد لها السترة:_
_ رضوى بتي زينة البنتة ،وال جرى غصب عنها،لو أتجوزتها انت الكسبان يا ولدي ،بس فكر كويس لأجل متعايرهاش في المستجبل أو تتجوز عليها زي ما في ناس واجفين هنه عملوا..!

كز على أسنانه الطبيب وهو يرمقها بعتب:_
_وبعدين بقى معاكي لمي الدور في نهارك يا ياامنة متقلبيش في الدفاتر وتنشري الغسيل قدام الغرب

عقب عمر بإصرار أكبر وعناد:_
_وأنا مش غريب يا عمي ..وجاي البيت من بابه…..نقرأ فاتحة ولو مستريحناش مفيش مشكلة ..بس وافقوا والخميس الجا يهكون جايب أهلي وجايين نقرأ الفاتحة…بس لي رجاء محدش يجيب سيرة لأهلي بالموضوع

نكست رأسها بألم _
_ مستعر مني يا عمر..ولا خايف أعملك مشاكل معاهم…بلاش منها الجوازة ال هتيجي عليك بخسارة دي ..بلاش تخسر اهلك

صحح وهو يضحك مفهومها الخاطىء ليقول:_
_بس يا عبيطة…كل الحكاية أن الموضوع ميخصش حد غيرنا ..أنا وأنتي…وأنا مسامح وبادىء صفحة جديدة،أهلي من أرياف ،وملتزمين ممكن ميفهموش ظروفك…..وكمان حابك تمشي زي الزرافة رافعة رأسك قدام حماتك طاوعيني ومش هتخسري

أحمرت وجنتيها وحال لونهما للون الأحمر ،فعلق حماي وهو يطالع طليقته:_

سمعينا أحلى زغروطة يا أم رضوى

المشهد الثالت

مساء يوم جديد إجتمع فيه عاصم وابنته مع طليقتي على الطاولة من أجل العشاء ،تعبث الصغيرة ذات ال 9 أعوام بطبقها بسام وضيق،يتناول المحام طبقه بنهم ، وكاملة هي الأخرى ،سعيدة بوجوده معها ورجولته وشهامته تحمد الله على وجوده في حياتها ،فقالت بعد لحظات من الصمت:_

_ منيش عارفة كيف بتشكر لك على ال سويته اليوم واللف الكتير في الجامعة عشاني

علق بدعم وهو يطالعها:_
_الشكر الحقيقي في نجاحك لما تبقى مذيعة قد الدنيا أبقى أفتكريني

أومأت بالإيجاب ،وهى تنظر للطفلة الصغيرة المٌضربة عن الطعام:_
_ إن شاء الله ،وأنتي يا رجية مبتكليش ليه عاد ….؟

نفخت بغضب وهي تمنح والدها ورقة مثنية:_
_ مليش نفس …باباي صح المدرسة ادتني الورقة دي عشان أديها لحضرتك

فتح الجواب المٌغلق بإستغراب:_
_إستدعاء ولي أمر ويفضل أن تكون الأم…؟ …انتي عملتي حاجة يا روكا..؟

عقدت ما بين حاجبيها:_
_لا يا بابي

قوس شفتيه بوجوم لضيق وقته:_
_بس أنا بكرة عندي جلسة مهمة اوي ،مينفعش تروح معاكي ماما كاملة…!

ألقت المعلقة في طبقها بإنفعال تلومه فيه:_
_ تقصد طنط كاملة يا بابا….أنا مليش غير أم واحدة وبس …!

تركتهما وهي تدلف لغرفتها في حالة من البكاء الهستيري ،بينما يواسي عاصم درتي بإعتذار لطيف:_
_معلش لسه مخدتش على وجودك معانا مع الوقت هتتعود ..!

error: