عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل ال 50

أرائكم مهمة جدا?

المشهد الأول 

“أأأااااااااااااااااااوف..… كاملة …مش عارف أقولك أيه…أنا تعبان نفسياً قوي …ومتدمر ،وتايه ،ومحدش فى أيده العلاج غيرك ”

جٌملة قفزت إلى مسامعي وأنا فى الصندوق الخلفي المائل إلى الإنفتاح الخاص بالسيارة العريضة ،فى مساء إجتمعت فيه الغيوم وغاب القمر،لينكمش جسدي ملتمساً الدفء،بينما لا زالت أطرافي مٌتجمدة ،أود أن أسعل لكن صوتي حتماً سيفسد عليهم أجوائهم ولن أصل إلى السر وراء تلك الجَلسة السرية ،شيء يدعو للضحك الحيرة الإستغراب ، فأنا لستٌ بحمقاء لأتركها معه وأن كنت فى النهاية سأخسره ،فلن أدعها تسعد به ،لخداعها ،وغشها ،وغدرها كما بدا لى ،أخذت نفساً عميقاً وهي تدٌس مٌقلتيها فى حدقتيه الغائمتين لتسأل مٌتظاهرة بالبلاهة:_
_ كيف يعني …!

أجاب وهو يضع يديه على المقود بتركيز يشوبه الإنكسار :_
_ تسامحيني

سكون دام لثوان قبل أن تعٌقب بلوم وعتاب:_
_ على أيه …على الأيام الهباب ال عشتها وياك ..؟ ولا على الزوجة التانية ال جبتها لي وأنا مجصرتش معاك..؟، ولا على العجم ال كل البلد شايفنى معيوبة بيه بسببك دلوجيت ..؟

خجل من نفسه ،وهو يتصبب عرقاً ،تختنق أنفاسه،وفى تنهيدة عميقة أردف:_
_ عملت تحليل أول أمبارح …والنتيجة كانت قبل ما إسراء تطلع تنادي لي بدقايق بسيطة …نتيجة مٌش متوقعة….لحظة بجد صعبة أوي..أتمنيت الأرض تنشق وتبلعني…..لما الدكتور قالى أن العيب منى ولا يمكن أخلف أبدا…الناس كانت بتتخانق زمان على ولد ….وأنا مش هقدر أجيب ضُفر عيل…محدش هيشيل اسمي …مجرد واحد من ملايين عاشوا وماتوا وأتنسوا

مع عبارته الأخيرة أنسابت العبرات من عيني ،وتسارعت نبضات قلبي ،كم أشتهي أن أحتضنه الأن وأربت على كتفه بحنان ،وأملس على شعره البنى بدلال محاولة شده من تلك الواقعة المٌزعجة،المٌحطمة، أغمضت عينيها بشدة قبل أن ترخيهما بعد لحظات بوجوم:_

_ عجيم..! ومرتك حبلى من مين…؟

فلاش

ولجت كاملة من غرفة رضوى فى شرود وألم وهي تأن وتنزف ، مٌتجهة إلى الحمام لتغتسل وتزيل بقايا الحزن القابع فى عينيها ،بعد أن أهانها وليد أمام الجميع بلا رحمة أو هوادة ،فما هي إلا دقائق حتى خرج الحاج عبد المنعم برفقة ابنه وليد الواجم والمٌستاء لما فعله الأب أمام زوجتيه….يعاتبه الدكتور بلٌطف على ما فعله وكذلك ليعتذر منه ولو بشكل غير مباشر على لكمه له فى صدره ودفعه إلى الحائط ،قاصداً أن يعود ابنه إلى رشده ومن حالة غليانه تلك ،فبدأ حديثه بمنطقية :_
_ لغاية ما بقيت راجل بشنب ومتجوز أمك…كان أبويا بيضربني وبيوجهني…لما يلاقينى بأذى القريبين منى وهما ميستاهلوش….ساعة العصبية دي أنت ممكن تخسر أقرب الناس ليك..عاوزك تتحكم فى إنفعالاتك عن كده…وتهدى

عقب زوجي وهو يمُط شفتيه بأسى :_
_ حضرتك حٌط نفسك مكاني ..وأتقالك أن مرأتك بتخونك وبتلعب عليك …هتبقى ريلكس وعادي…؟..ولا هتمسكها تلزقها فى أقرب حيط..!

رفع حاجبيه بإعتراض ،قبل أن يستكمل:_
_ المرأة مخلوقة من ضلع أعوج يا وليد..ومبيتقومش غير باللين والمٌسياسة ،لكن العنف هيعمل حاجة من الأتنين يا هيكسرها…يا هيقويها ويخليها تعند أكتر….كان لازم تتأكد من إسراء …وتحققوا فى الموضوع الأول…قبل ما تهين بني أدمة متكرمة فى الشرع والقانون

نفخ بإستياء وضيق:_
_ أهو ال حصل…بس مقولتليش رأي حضرتك فى طلبها بالطلاق أيه…؟

أبتلع ريقه قبل أن يجيب بحكمة:_
_ ده أسلم حل…مسك العصاية من النصف وأنك تخلي الأتنين على ذمتك…ده ظلم ل 2 …”وأن خفتم ألا تعدلوا ولن تعدلوا” يعنى ربنا عارف أنه صعب أوي تحقق المساواة غصب عنك القلب هيميل لواحدة…وطالما هي من البداية مملتش عينك فمش هتملى بعد كده…طلقها وأديها حريتها سيبها لحال سبيلها

علق وليد بحيرة :_
_ تعرف يا بابا يمكن أنا محبتش كاملة كحبيبة وزوجة..بس هي بنسبة لي بنتى …وأمانها بنسبة لى أهم حاجة…بحسها بريئة لسه خام مطلعتش للدنيا ولا شافت المٌر ال شربناه بره والديابة ال عايشين معاهم..خايف أسيبها تأذي نفسها زي الأطفال..مرات كتير كانت كلمة “أنتي طالق” على لساني وتهددني وتجيب سكينة أنها هتقتل نفسها…خايف لأشيل ذنبها…..أو تتجوز هاشم

هز الحاج عبد المنعم رأسه برفض لوجهة نظر ابنه:_
_ بس أنت مكنتش بتديها حتى وش حلو….وعموماً لو شايف أن قلبك مالها طلق إسراء ..لكن متخلهمش على زمتك ال 2…مش عاوزة التاريخ يعيد نفسه يا ابنى

أخذ زوجي نفساً عميقاً قبل أن يخرجه ببطء:_
_مكنش ينفع أقولها كلام حلو وأعلقها بيا..وأنا مش شايفها غير أخت..مكنتش بديها أمل ولا إهتمام بس بليل محدش غيري كان بيغطيها ولا كان بيأخد باله منها لما بتتعب….مش عاوزها تخلط الورق ببعضه وتفسر خوفي عليها أنه حب…أنا فى حياتي محبتش قد إسراء.وبنام وأقوم وأحلم بطفل صغير منها

أستفسر أبيه :_
_ ربنا يتم لها حملها على خير

شردت عينا وليد فى الفضاء قبل أن يقول بمرارة:_
_ إسراء مش حامل….كانت مجرد خطة عشان محدش يأذيها فى الدوار….بس أنا نفسي تحمل ..نفسي أخدها بعيد عن كل الوش ده..وأربي أبنى فى سلام

تابع الحاج عبد المنعم وهو يلوذ للطب:_
_ محاولتوش تعملوا تحاليل تشوفوا السر وراء تأخير الحمل أيه…؟

أجاب بإستسلام:_
_ عملت أول أمبارح…والمفروض النتيجة كمان شوية ..أدعي لى يا بابا بالله عليك …ربنا يجبر بخاطرى….البيبي هو العوض الوحيد عن أي سنين ضاعت منى

دعا له الدكتور:_
_ربنا ينولك ال فى بالك ويتم لك أمورك على خير….عاوزك دلوقتى بقى تكلم هاشم عشان نخلص من موضوع أختك…ال مش مخليني عارف أنام مرتاح …والحيوان جوزها بيلعب بديله

قال وليد:_
_ طيب ما نبدأ من مهند هو نقطة الضعف..؟ ،وال هيقدر يدلنا على هاشم خصوصاً أن رضوى بتقول انه كان ندمان أوي على ال عمله

نفى الأب وهو يوضح:_
_لا أخوك جودة كان عاوز كده بردو…بس أحنا مش هنلف فى دواير مٌفرغة حوالين نفسنا ..خلينا الاول وراء الهدف المٌباشر

سأل زوجي مٌلتفتاً حوله:_
_ جودة فين صح..؟

هز كتفه الحاج عبد المنعم:_
_ مختفي بقاله شوية …المهم متضيعش دلوقتى وقت ..أنا داخل عند أختك وأما تخلص بلغني

أومأ بالإيجاب قبل أن ينصرف بينما ضيقت كاملة عينيها بإنتقام تتوعد فيه لوليد قبل أن تعدل من هندامها بعد أن غادر كلاهما….لتخطو صوب غرفة التحاليل…!

باك
فى السيارة المٌحاطة بالامطار الكثيفة

رمش بعينيه الباكيتين قبل أن يتنهد:_
_ إسراء مكنتش حامل…كنت بقول كده عشان أحميها…بس كان عندي أمل تحمل..لكن ربنا مش رايد

ساد الصمت لدقائق طويلة ،يحاول فيها وليد التركيز على طريقه مٌنتظراً رد فعلها ،قبل أن تعلق بتشفي:_
_ يٌمهل ولا يهمل….الواحد منينا مبيحصدش غير نتيجة أفعاله….شايف كسرة النفس دهي …؟ والبكا ال فى عيونك عشان كان نفسك فى عيل من ال بتحبها…؟ أحلامك وهي بتنهار جدامك …؟ النعمة ال هتشوفها عند كل الناس وهتنحرم منيها..؟ كل ده مريت بيه وملجتش أيد تطبطب علي زي ما السنيورة بتاعة مصر هتعمل وياك ..ده إذا مجلتش بأصلها وباعتك….وفى عز محنتي ونظرات الناس لي تخليت عني وهملتني ….أنا كمان ههملك وأخرج من حياتك يا وليد طلجني …

فتح فمه ليرفض لكنها واصلت بحٌرقة:_
_ ملكش صالح بال هسويه بعد أخد حريتي ،منيش مٌلزمة أجف جنبك وأنت مش بس سيبتني أنت زجتني من فوق جبل عالي لحد ما أنكسرت رجبتي بزواجك وتفضيلك ليها عني

صدمة ،خٌذلان ،إنكماشة صدر تملكت منه ،مع خفقات مٌتسارعة ،وهو يركن سيارته أسفل إحدى الأعمدة المٌنيرة بنور خافت ،قائلاً بعد ثوان :_
_ ال تتخلى عن جوزها فى وقت محنته متستاهلش تبقى جنبه يا كاملة…أنتي طالق ..طالق..طالق..!

ما أن أنهى جملته حتى فتحت الباب على عجل، لتودعه بإبتسامة قوة تخفي العديد من البراكين ،تشيع سيارته بنظرات وداع ،إنتصار، عُزة وقد أستردت كرامتها المسلوبة وهي تسير مرفوعة الرأس،مٌنكسة القلب، لكن التمثيل لم يزدها إلا وهناً فخارت قواها لتسقط فى غيبوبة على الأرض

طرق مٌهند بيديه على الباب عدة مرات فلم يأته صوت،رفع حاجبيه بتعجب وهو يدندن مع هاتفه الجوال ،يبحث فى جيوب سرواله عن حاملة مفاتيح ،ليخرجها بضحكة قصيرة لعدم تذكره لها مٌنذ البداية ،فخلع حذائه الأسود على عتبة الباب ،يغلقه بإحكام وكذلك إجهاد عقب يوم دراسي شاق ومٌتعب ،فوجد الأشياء مٌبعثرة وغير مٌرتبة وليست على هيئتها كما تركها فى الصباح،شهق بفزه فلا يعقل أن يكون أبيه من فعل ذلك لكونه قعيد ،فركض إلى الداخل يدفع الباب بقسوة وعنف ،ليجد أبيه غارقاً فى دمائه ،فصرخ مٌهند بهستيريا وصدمة:_
_ أبويااااااااااااااااااا…

ركز على ركبتيه وهو يحتضن الجٌثمان بعد أن تأكد بأنه فارق الحياة ،وهو يبكي فوقه بعتاب:_
_سبتني لمين ..؟،…مكنش لي غيرك ….

ثم أضاف بتوعد وعينيه تٌرسلان نظرات تهديد والنيران تنطلق منهما ليقسم:_
_ نام وأرتاح….وأنا هجب لك حقك….وهخلي هاشم فى ظرف يومين تلاتة يموت وبالبطىء أوي….هعذبه وأخليه يتمنى الموت…هخلي ابن رضوى يزوره على قبره..!

 

error: