عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 46

آرائكم مهمة جدا??

فلاش

“أنا فين ..!”

عبارة لفظتها رضوى المٌلقاة على أرضية صالة مٌتسخة بيضاء،يغطى الضباب عينيها ،محاولة إزاحته بكفوفها وهى تفرك مٌقلتيها قبل أن تشهق فى صعقة كٌبرى لرؤيتها للملاءة المٌلتف بها جسدها المُتصبب عرقاً ،يخُط ذلك الغطاء الخفيف فى أوسطه بعض النقط الحمراء ،مٌعلنة عن هتك عذريتها، تسارعت نبضات قلبها بخوف ،توتر ،غضب ،نفور من ذلك الوغد ،المدُعى بمهند ،تتبارى الدموع الساخنة فى غسل وجنتيها الحمرواتين ،وهى تطالع الشقة الشبه خالية من الأثاث بألم ووجوم ،لتنهض بوهن يداعب الدوار فيه عينيها ،وهى تنادى عليه بحدة ،وعصبية ،وإنفعال ،وبشعر ثائر على ظهرها الأملس المكشوف، فلم يأتها رد بل لمحت ورقة مثنية صغيرة بالقرب من هاتفها الجوال خٌط عليها:_
_ أنا أسف يا رضوى، مكنتش حابب أبدا أخون ثقتك ،وطٌهرك ،وبرائتك ….قاومت كتير جدا لكن ضغط هاشم كان أقوى منى ..سامحينى …!

أتسع فمها بصدمة حين قرأت ذاك الاسم المشئوم لطالما حذرها منه وليد ،رددت اسمه بضعف وهى تلطم بيديها على وجهها بلوم وعتاب ،لكسرها لقيمها فمنذ متى تسمح لأحدهم بأن يتنزه معها ..؟مُنذ متى تخون ثقة أهلها بماذا ستخبرهم …! ،شدت شعرها بإنهيار تود أن تقتلعه من مكانه ،فرائحة ذلك الخائن لصديقه ،تفوح فيه مُوثقة لخيانة العهد ،للندالة ،إعدام الطيبة والبراءة ،وكذلك الثقة ،فالمرء فى زمننا هذا عليه ألا يثق فى أخيه …!

هبت من مجلسها بهستيريا كمجنونة ،وحمقاء فقدت إتزانها وهى تركل بقدميها زجاجات الخمرة الفارغة المُبعثرة وكذلك بعض الأكواب ،تزيح بذراعها ما يُقابلها على طاولة كبيرة ،ليشارك الجسد النفس فى الجروح والألام الغائرة ،تنزف ،وتأن ،وتنتحب بعد فوات الأوان ، أمسكت بإحدى المزهريات لتقذفها إلى باب الشقة ،لتكسر زجاجه العريض وهى تردد اسمه ،لكن دخول هاشم المفاجأ جعله يتلاقى المزهرية بين يديه وهو يقول فى شماتة وببرود وغلظة ،وإنعدام لكل معانى الإنسانية وكذلك زيف فهو لم يتزوجها بالفعل :_
_ لا …لا كده أزعل منك يا رضوى …أنتى مرأتى وال أنا عملته ده حقى الشرعى …!

رفعت حاجبيها بذعر ،وإستياء تسأله فيه بحدة:_
_ عملت لك أيه عشان تعمل كده يا ****

رد وهو يجلس على أقرب كرسي بلاستيكى ويضع ساقيه فوق بعضهما بتلذذ تغوص فيه عينيه فى عمق مٌقلتيها المُتشنجتين:_
_ معملتيش….ذنبك الوحيد أنك أخته …يعنى الشوكة ال أقدر أغرسها فى ضهره ،الخنجر ال بيه هدخل بيتكم وهقهره ،الحاجة الوحيدة ال قدرت أخدها من وليد

صمتت للحظات شاردة ،مٌندهشة،مُتلجمة قبل أن تضيف :_
_ وفين عقد الجواز العرفى ال مضتنى عليه ..؟

أجاب بخبث ولؤم فهو لم يتزوجها بالفعل :_
_ فى الحفظ والصون …النسختين معايا ..عاوز نسختك يبقى تقولي لأخوكى غير كده ملكيش نسخ عندى

لكمته بكلتا يديها فى صدره بكراهية وهى تصيح:_
_ بكرهك ..أنت أحقر بنى أدم قابلته ….!…حقيقي مريض نفسي ومش محتاج علاج…لا محتاج إعدام…ال يدخل بيت صاحبه ويأكل معاه عيش وملح ويخونه …ال ميطمرش فيه عشرة ولا يعرف معنى للرجولة …!

صفعها بشدة مع جملتها الأخيرة ،وقد غلت الدماء فى عروقه وهو يتابع :_
_ الرجولة دي ال ميعرفش معناها أخوكى ال سايب واحدة على ذمته وهى مش طيقاه ولا بتحبه …وكل ده عشان متتجوزنيش…ومتعش حياة طبيعية زيه …أنانى ومٌتسلط مبيحبش غير نفسه وبس من أيام الكلية ……يسبها بالشهور وميعبرهاش ويبعتنى ليكم .زمرة وراء مرة أتعلقت ببساطتها وجمالها ومبادئها ….ولما أخوكى عرف ركب دماغه ومرضيش يطلقها..أدى الحق لنفسه يتجوز ومدهاش الحرية دي…يبقى يستاهل يموت ألف مرة مرة كانت فى إسراء والتانية فيكي والتالتة لما أدخل بيته مع كاملة…!

تحسست موضع الصفعة بنحيب ،وصياح ،وسخط:_
_ ومين قالك أنى هأمن أخلى واحد ميعرفش معنى المسئولية وغدار يخطى عتبة بيتنا …على جثتى يا هاشم تتجوز كاملة حتى لو أطلقت يومها محدش هيقف لك غيري ويقتلك …!

أستفسر بدهاء:_
_ أفهم من كده مش عاوزة نسختك …؟ولا حقوقك ..؟

أجابت بلا إكتراث وهى تلملم ملابسها من على الأرضية:_
_ العقد تبله وتشرب ميته يا هاشم…عقد مزيف،وهمى ،ال يتمضى عليه بلا وعى وتحت تأثير خمرة والعقل غايب ومن غير إرادة يبقى باطل

قال بتهديد جاد:_
_ خليكى فاكرة أنتى ال قولتى عشان متجيش تعيطى بعد كده …..!

ولجت للخارج وهى ترتدى نضارتها الشمسية السوداء ،وتلٌف حجابها لفة عشوائية ،تنهمر دموعها الحائرة الحاجزة للرؤية ،وهى تفكر فى مراقبة كاملة ومحاصرتها …وكذلك توطيد العلاقة بينها وبين وليد لكى لا ينعم بها أبدا هاشم…لكن ماذا ستفعل بهذا الحمل الثقيل المُلقى على أكتافها ومن تصارح …؟،وهل سيحتويها أحد ويصدقها …؟ ،لا تعلم

باك

عبق الماضى يحاوط أرجاء الغرفة المٌعقمة ،حنين ،وإشتياق وكذلك لوم وعتاب لفراق دام لأعوام كسرت حاجز ال 25 ،لغة العيون السائدة بين الدكتور عبد المنعم وزوجته يامنة ،على مقعد عريض مٌجابه لفراشها أسندت ظهرى للوراء ونوارة بمسبحتها الزرقاء إلى جوارى ،وكذلك كاملة الواجمة لرؤية الخالة فى وضع لا يسٌر ،فقد عجزت عن الحراك ،وعن النطق ،والتعبير ،تحتفظ لنفسها بمشاعرها غير قادرة عن الإفصاح عنها ،لم يغب أحد عن لقائها سوى وليد ،المُشتت ،الحائر ،تصارعه نفسه،كما تدفعه الحقيقة لا لمواستها بل لخنقها ،لتحقيق عدالة السماء كما فعلت بأمه …جلس الدكتور عبد المنعم مع ابنائه على حافة السرير الناعم ،وهو يدس عينيه السودواين فى عمق حدقتيها الخجلتين :_
_ كل بلاء لٌطف خفي ،جايز تكفير عن ذنب ،خفي ،أو رحمة ،و ثواب تفاصيل كتير وراء تدابير ربنا …وأنتى مؤمنة يا يامنة

ترقرقت الدموع وإرتعش جسدها المٌتصلب دون أن تصدر صوت ،فاقدة حتى للغة الإشارة ،تحرك ذراعها بأعجوبة تكاد أن تشبه للمعجزة قبل أن يتابع :_
_عهدتك دايماً جبل ،وحمالة هموم وأسية يا يامنة….ولا يمكن حاجة تهدك …عارف أن دى طامة كبرى …ومش هين…بس ده تنبيه ..رسالة من ربنا عشان تفوقى …أو نفوق ..!

هزت رأسها مٌتنهدة بندم قبل أن يستكمل:_
_ مستغربة .. مش غلطتك لوحدك ..غلطة مُشتركة …الإنفصال وقعنا فيها ….مبصناش للعواقب كل واحد كان همه ينتقم ، والتسرع عمانا
مش معنى كده أنى ندمان على الطلاق ال أنتى عارفة أسبابه …ندمان عشان مباشرتش أولادى معاكى ،ولا تابعتهم سبتهم لك تربيهم بعد ما ما ضمتى حضانتهم ليكي …مكنتش عاوز حاجة تربطنى بيكى …ولا يبقى فى كلام بينا ..

تدخل حمدان بمنطقية وهو يأخذ نفساً عميقاً:_
_ مش وقته الكلام ده يا بابا

إبتسم الحاج عبد المنعم بعذوبة ،مؤكدا على حديث ابنه :_
_ معاك حق ،لكل مقام مقال ….وده مش مجاله ولا وقته

ربت جودة على كفها الخشن وهو يستفسر منها وهى تحرك رأسها،رامقة زوجها بإمتنان لا يدرى ماذا تريد:_
_ أجب لك مياه يا أما…؟ نفت بإيماءة خفيفة من رأسها …ثم أضاف كاملة ..؟، نوارة ..؟ إسراء..؟

أوضح عبد المنعم وهو يعدل نضارته الطبية بفهم:_
_بتشكرينى …؟ على أيه يا يامنة …فاكرة الحكاية ال قولتها لك زمان أنك مع كل غلطة بتزرعى مسمار فى باب خشب،وتيجى تقولى أسفة المسمار صح بيتشال بس بيسيب أثر،شوفى كمية المسمامير ال أتشالت وشوهت الباب…!،الباب ده علاقتنا ال لا يمكن ترجع تانى …ال هيفضل المودة والود عشان ولادنا مش أكثر….وعشان العهد ال خدته أول يوم جواز على الحلوة والمرة

أغمضت جفنيها وفتحتهما ببطء تنسال فيه دموعها قبل أن يقول جودة:_
_ كفاي يا بوى الله يخليك

تنحنح الدكتور وهو يهب من مجلسه ،بينما تأن بأصوات غريبة لا يدرى أحد ماذا تريد ،حتى خمنا جميعاً ولم يعرف أحد الإجابة سواى حينما قولت:_
_ وليد …؟

أشارت بالموافقة برأسها ،قبل أن أمط شفتاى بأسى :_
_ قاعد مع رضوى الدكاترة قالوا أنها فاقت من شوية ،أندهولك ..؟

أومأت بالإيجاب قبل أن أدلف للخارج لأستدعيه ،حيث كان جالساً فى صالة الإستقبال:_
_ مش أطمنتى عليها وبقت كويسة…!، خلاص بينا نمشى ..!،إسراء متضغطيش على ….ال حصل مش شوية لو دخلت مش بعيد أقتلها وهى مش حمل أى إنفعال أو رد فعل منى دلوقتى سبينى براحتى من فضلك…!

عقبت بتنهيدة عميقة حزينة:_
_ زيارة المريض صدقة،أعتبرها يا سيدى صدقة ،وثواب ،مش هنقعد أكثر من 5 دقايق يا وليد ،متبقاش رأسك ناشفة

أردف بإستسلام :_
_ ماشى بس 5 دقايق مش أكتر ،وبعدين صح فين أخواتك …؟

أجبت بتلقائية:_
_ عمر وهند كانوا مصممين يجوا بس أنا رفضت،وبابا تعب شوية فبعتهم على بيتنا ،وبتصل بيه أطمن عليه ،يلا بقى وكفاية تضييع وقت

ما أن سار أمامها حتى تهللت أساريرها ،وإعتلت الإبتسامة ثغرها والشكر لتواجده بالرغم من كل ما حدث ،فعلق وهو يشيح بوجهه بعيداً عنها:_
_ألف سلامة عليكى يا …حاجة يامنة …!

عادت الخيبة إلى معالمها مُجدداً والبؤس قبل أن يضيف مغيراً للموضوع والده يلكزه:_
_ مش عاوزك تقلقى على رضوى ..هى أختى بردو مهما حصل….وهجب لها حقها تالت ومتلت ،وهتقدرى ترفعى رأسك

قال جودة بعصبية:_
_ أحنا لازم نجتلوه ال لطخ شرفنا ونجطعوا من لحمه نساير …لأجل نرفع رأسنا بحج وحجيجى

أنضم حمدان للحديث :_
_ لا ….القتل ده حل سريع مش هيتعذب فيه كتير ،لازم يموت بالبطىء ،المهم دلوقتى نطمن على رضوى ونعرف منها التفاصيل لما تتحسن أكثر

فلاش

جرت رضوى حقيبة سفرها إلى الدوار فى الصعيد ،مهمومة ، منزعجة،مستاءة ،يرشدها عقلها أن تخبر حمدان،فحتماً سيتفهمها وأن قسى عليها قليلاً فلن يقتلها، فعلى الأقل ستجد من يشاركها همومها وأحزانها ويفتش معها عن حل سريع لما حدث ،فتخاف أن تجرى إحدى العمليات المشبوهة فتتفقد حياتها وكذلك صورتها أمام أهلها،لكن الظروف لم تكن مُهيئة ،فما أن صعدت إلى غرفتها وقضت ليلة واحدة تحسم فيها أمرها ،حتى إستيقظت فجر الليلة الأتية على صوات وصياح وهتاف،عقب دفع نوارة لى من على سلالم الطابق العلوى ،ودخل الجميع فى دوامات جديدة لم يتفرغ فيها إليها أحد ،صعدت إلى غرفتها وأغلقت الباب على نفسها بإحكام ،فوجدت مُهند يراسلها عبر الواتس :_
_ أزيك يا رضوى …أتمنى تكونى بخير…

كتبت بوجوم وألم وعتاب:_
_ ياريت متكلمنيش تانى …أنسى انك عرفت واحدة بالاسم ده…..أنا حقيقى بستحقرك جداً،وبتمنى ربنا يورينى فيك عجايب قدراته

رفع حاجبيه وهو يكز على شفتيه بإحباط وندم:_
_ أسف …

عقبت بإبتسامة بلهاء مٌخذولة:_
_ ودى بقى بيرجعوا بيها الثقة ولا أعراض الناس ال أتهرست ..؟ كدبت على وغشتنى وصدقتك لأنى كنت مُغفلة

كتب بتبرير يشوبه الضيق:_
_ كنت متهدد بوالدى ،وهو قعيد على كرسي ،ومحلتيش غيره يا رضوى

أطبقت على عينيها بشدة تلملم فيها نفسها قبل أن تفتحهما ببطء وتديج مٌرسلة:_
_ مصارحتنيش ليه كنا ندور على حل…؟، أستسهلت أنى أبقى ضحية ،كبش فدا لأبوك مش كده …؟

صمت فلم يجد ما يرد به عليها قبل أن تكتب له رسالة أخيرة وتغلق هاتفها:_
_مش لاقى رد ولا هترد…حقيقي نزلت من نظرى رخيص ومتسواش فى سوق الرجالة مليم ،لو عند أهلك دم متكلمنيش تانى ومن غير سلام ….!

 

error: