عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 58

الجزء الأول 
المشهد الأول:_
أضواء خافتة تنير طرق المدينة المٌظلمة ، مع زخات من المطر باردة ،حنونة، تعانق الأرصفة بإشتياق، تسير درتي برفقة المحامٍ بشرود ،تفكر في رحمة الله بها وإرساله لها كنجدة وإستغاثة كحبل نجاة من مستنقع الإنتقام والجهل ،أما عاصم يضع كفه في جيب بنطاله يتلمس الدفاْ ،يحكي لها بعيون لامعة ،مشرقة عن الماضي وكأنه كان بالأمس:_
_حكايتي معاها بدأت ومن وأنا في سنة أولى جامعة ،شاب طايش ،مش بتاع مسئولية ،مغامر داخل بقى فاكر الحياة سبهللة وحب في حب زي ما الأفلام بتصور دايماً بحاول أوقع البنات يكن عشان أحس أني مرغوب وأني جنتل مان ،لغاية ما قابلت دعاء بنت طيبة ومؤدبة ومختمرة في حالها لا بتهش ولا بتنش ،بيني وبينك كانت هي الوحيدة ال مش مدياني وش ،ولما أجي أكلمها مناخيرها دايماص فى السماء وتقولي قال الله وقال الرسول ….فى الاول كنت شاكك أنها مزيفة بتمثل يعني ،وفاكر أنها لو جت لها الفرصة بس هتعيش حياتها وتلعب بديلها . ”

تسائلت كاملة بفضول:_
_وبعدين كيف يعني وجعتها…؟

قوس شفتيه بلذاذة وإستمتاع:_
_ مكنتش من النوع السهل ال بيجي بشكولت ولا خروجة حلوة ولا حتى كلمة حلوة ،فاتت سنة والتانية وأنا هتجنن عاوز أجر شكلها بأي طريقة ،حتى لو هتشتمني بس يبقى اسمها وقفت معايا قدام الناس وقدرت عليها…المهم في يوم خرجت أنا وصحابي في مطعم قصاد الجامعة الخدمة فيه غريبة شوية…يعني مفيش جرسون بيجي يقولك عاوز أيه..بتقوم تجيب أكلك من المطبخ ..دخلت وعرفتها من ضهرها ومن الخمار ال لبساه ..مكنتش لسه شافتني فضلت أقرب منها لغاية ما حطيت أيدي على كتفها من وراء وبنادي “يا انسة دعاء” وطبعاً مبسوط أني أخيراً لقيت حاجة أكسر مناخيرها بيها .
….
المهم من شدة المفاجأة أرتبكت وعنيها وسعت بدهشة وصدمة …وقعت منها الوجبة على الأرض ..وعملت صوت ضجة كبيرة وكل الشيفات زمايلها بقوا يبصوا لها بإشمئزاز …فاكرين أن بيني وبينها حاجة …لحد ما جه المدير وخصم لها يوم كامل…!!،بسببي و ساعتها دار الحوار ده بيني وبينها ….

رمقته بسخط وإنفعال أمام زميلاتها في غرفة الطعام حيث تفوح الروائح الطيبة:_
_عاجبك كده …؟

رددت عليها بنشوة أستشعر فيها بأنني كسرت أنفها ولن تقم لها قائمة بعد الآن:_
_ وأنا ذنبي أيه أن ايدك سايبة ….؟ …حد قالك توقعيهم…؟

نظرت لي وهي تبكي،تلملم بواقي الطعام من على الأرضية ،بينما وأنا واقف تخالطني مشاعر مختلفة أشعر بها وهي في موازة قدمي تنضف الأرضية كشيء حقير ،كخادمة ،ولكنني أشفق عليها في نفس الوقت ..لا أدري ….أستمع لصوت بكائها وشحتفتها فقلت لها بمنتهى القسوة وأنا ألقي بال 200″ جنيه “على رأسها :_
_ مش ناقص قرف على الصبح …يوميتك اهي …وبطلي زن

كفكفت عبراتها … وهى تجمع المال ،وقد أوليتها ظهري أسير في الممر للخروج ،فوجدتها تمنحني إياهم بإصرار وهي تقول وعينيها بهما بريق وكأنهما حبات من الكريستال وسط عتمة:_
_ ال 200 جنيه دول صدقة مني ليك،اديهم لحد محتاج يمكن تكفر عن ذنبك ….وخليك فاكر ال عملته…..عشان هيترد لك أضعاف مضاعفة وأنا واثقة في ربنا

إستهزيت بيها ساعتها وأكملت بعناد:_
_المهم دلوقتي …. هتسيبي شغلك بعد نظرات زميلاتك ليكي…وكمان الجامعة

سألت وهي “خلاص هتنهار وماسكة نفسها بالعافية وبصوت ضعيف غلبان”:_
_ ليه ….؟

رديت وأنا بنادي على زمايلي يشوفوها في وضعيتها دي :_
_عشان كل الجامعة من النهاردة هيعرفوا أنتي شغالة أيه…..وأنك كدابة وأبوكي مش راجل مستشار ولا حاجة …!

قطبت ما بين حاجبيها درتي بشفقة عليها:_
_وووووواه كنت جاسي معها جوي جوي

تابع بمقلة غائمة:_
_ بصت لي بحرقة وقالت جملة عمري ما أنساها “حسبي الله ونعم الوكيل فيك”،وفاتت شهور وأيام وبقت دراستها منزلية وبقت تشتغل في مطعم تاني،ومع الوقت عرفت أن والدها مش مستشار لا عامل نضافة بس هي كانت شيفاه يستحق أنه يبقى مستشار ..كان نفسها تتباهى بيه زي ما كله بيتباهى بأهله ..وعرفت أنه خرج معاش من زمان وهى ال بتصرف عليه….من الشغل ال قطعتولها …ندمت اوي وأستحقرت نفسي …وفضلت أدور عليها كتير من غير فايدة

وكان خلاص فاضلى بعد التخرج شهر وأدخل الجيش بعمل الكشوفات الطبية اللازمة ،أكتشفت أن عندي كانسر في الدم ومحتاج لمتبرع بجزء من النخاع عشان العملية تتم،وقتها أصحابي أتخلوا عني ….ومكنش فاضل لي غير أمي ال كانت مستعدة بس للأسف مش متطابق معايا ….الدنيا أسودت في وشي …محدش واقف معايا غير حمدان أقرب صحابي وحذرني كتير أني أسبها في حالها في أول معرفتي بيها خصوصاً بعد ما جبته معايا الكلية في يوم يشوفها ،و.وفاتت أيام من غير فايدة..لغاية ما بلغوني بوصول المتبرع وكان أخر حد أتوقع انه يتبرع لي ..!

كاملة بإستنتاج:_
_ دوعاء صووح…؟

واصل عاصم بجدية ودقات قلبه تتزايد وهو يتذكر الموقف :_
_ صح…حمدان كلمها وتواصل معاها كان هو الوحيد ال عارف هي فين ..وساعدها تقف على رجلها وتحقق نفسها..وعرفت منها أن دراستها كانت منازل بعد ال سببته ليها….وأنها دلوقتي عايشة بشكل أفضل…..وبعد مرور شهور طويلة خفيت فيها كانت أول حاجة عملتها أني طلبت مسامحتها وبوست أيدها ورجلها وبقيت أتذلل لها عشان تسامحني…بس هي كانت حنينة أوي وسامحتني …وخلتني أطمع أطلب ايدها واتجوزنا وجبنا بنوتة اسمها رقية ،بس للأسف ماتت والدتها في حادثة من سنة ونصف

تنهدت كاملة بإحباط وأسى:_
_ حكاية مؤثرة جوي،وكومان أنها سامحتك بعد كل ال عملته فيها ده بيدل على نقائها وطيبة جلبها بس مجولتليش ده أيه علاجته بي….؟،ودفاعك عني…؟

رد عليها موضحاً :_
_ حمدان صاحبي من أيام ما كنا في الإبتدائية وحكي لى عنك…..عشان يعنى يشوف الراي القانوني في ال عملتيه،،حماكي كان هيوديكي السرايا عشان يحمي ابنه منك….وحمدان كان خايف على أبوه…حكى لى الموضوع عشان أكلم عمي وأهديه وأبلغه أنك أقل تقدير هتخدي مؤبد …..بس أنا شايف حاجة غيرهم كلهم…

ندت منها إبتسامة ساخرة لا تصدق حديثه:_
_ أيه عاد….؟،وبعدين ما أنتش خايف أجتلك رغم كل ال وصلك ده….؟

هز رأسه بنفي ،ليستطرد بإصرار:_
_أنتي كنتي مظلومة وبعدين بقيتي ظالمة ظلمتي نفسك وال حواليكي…زي ما أنا عملت مع دعاء زمان….جيت عليها بس هي سامحتني أدتني فرصة تانية…وأنا مؤمن أن كل إنسان يستحق …بداية جديدة وأتمنى أنك متضيعهاش

أخذت نفساً عميقاً قبل أن تزفره ببطء :_
_ أتلسعت كتيير ….ونفسي أتوب ..وأحجج كياني ..الإنتجام عماني ..وخلاني أنانية …رايدة أكمل علام بس أنا محلتيش سكن هنه في الجاهرة ولا حتى أعرف أجدم اوراجي

إبتسم بعذوبة ورقة:_
_ توبتك دي أول خطوة على الطريق الصحيح ولو كان على الدراسة فهساعدك …..ولو على السكن ففي أوضة فاضية في الشقة عندي ..خدي مفتاحها وأكلك وشربك ..

قاطعته كاملة بخوف:_
_بس…ب…

قطع عليها الطريق بحزم:_
_مفيش بس …أبقى أجريها يا ستي ووعد مني مش هزعجك …

المشهد التاني :_

في الدوار الصعيدي

دلف الطبيب عبد المنعم برفقة حمادن مع إعتراف رضوى “إغتصبوني ..!” ،سيعنفها بلا شك ،فهو يعلم نوايا عمر جيداً خاصة بعد ما فعله وليد في شقيقته، جاء لينتقم وكل الأدلة تؤكد على ذلك ،بما فيهم إختياره للتوقيت الغير مناسب،أيعقل أن تتألم أخته من عائلة ثم يأتي هو ويطلب أن يناسبهم مجدداً،ليضرب بخاطري في عرض الحائط..؟، قال بحدة ولوم وعتاب:_
_ رضوى أيه ال بتهببيه ده …!

علقت من بين عبراتها الساخنة وبمرارة :_
_بقوله الحقيقة ال لازم يعرفها ….مش عاوزة أغشه وأبدأ معاه حياة وهمية هو ملهوش ذنب فيها

تابع بعصبية وهو يحدق بأخي :_
_ومين قالك أنه جاي عشان بيحبك وولهان بيكي…؟البيه جاي يلوي دراعنا بيكي …زي ما وليد عمل مع اخته….واحدة بواحدة يعني

أوضح عمر بحزم وجدية:_
_ فى الأول كنت جاي عشان كده..عشان العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم…وأخوكي بدل المرة ألف داس على إسراء ….ومكنش ذنبها غير أنها حبته …وهانها وبهدلها …كان لازم يدوق من نفس الكأس …بس دلوقتي وبعد ما…

بتر حمدان جملته وهو يكز على أسنانه بغيظ:_
_ولا تزر وازرة وزر أخرى ….ليك تار مع وليد تخلصه معاه..مش مع بنات الناس يا عمر…..أختي مش لتصفية الحسابات

دخلت عليهم الحاجة يامنة وهي تدفع عجلات كرسيها المتحرك مٌردفة:_
_ طلبك يالزواج من بتي مرفوض يا ولدي ..وأتفضل من غير مطرود عاد

تسارعت نبضات قلبه وهو ينظر لرضوى الواجمة أمامه والمصدومة فيه تلوح بكفها لكي لا يقترب منها بتحذير تجاهله هو ليقول:_
_ أنا بحبك ……أوي يا رضوى….وكنت ناوي أطلب أيدك قبل ما إسراء ما تجيلنا… بس دي أختي غصب عني…من دمي ولحمي…وصعب أشوفها بتتألم وأقف ساكت….صدقيني أنا بحبك ال أتغير في المرتين ال كنت هتقدم فيهم هي الدوافع……رضوى أنا هشيلك في عيني ومش هسمح للنسمة تعدي من جنبك..هعوضك عن أي حاجة حصلت لك …بس متبصليش كده…متحسسنيش أني مجرم…ومعدوم الإنسانية ….

ردت عليه بعبارة حازمة صادمة:_
_منفعلكش يا عمر حتى لو بتحبني عشان أنا شايلة الرحم وعقيم..!

error: