عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل ٣٥

المشهد الأول

“يلا اهى وجعت فى شر أعمالها ،عجبال خطافين الرجالة من مراتتهم ،خرابين البيوت ال معيستحوش على دمهم واصل ”

عبارة لفظتها كاملة بضيق ممزوج بالشماتة فى غرفة المسافرين ،بينما يعبث الصغار بمكعباتهم فى تركيبات مختلفة بأيدى مرتعشة، أخذت نفسا عميقا أعد من واحد إلى عشرة فى هدوء للسيطرة على أعصابى ،فلست فى حالة جيدة لشجار معها إلى أن اطلقت تنهيدة طويلة رافعة حواجبى بإستنكار لما نطقته مبررة :_
_ الخطف بيكون غصبانية مش بالرضا ،والحمد لله وليد أتجوزنى بكل رضا وبعت لى بدل المرسال 2 وتلاتة لحد ما وافقت

كزت على أسنانها بغضب وعينيها ترسلان نظرات نارية تكاد تخرق عبائتى الصعيدية المزخرفة لتلوى فمها بمكر :_
_ والله عال يا بنت برعى ،أجرع ونزهى جال مرسال عليا يا بت ده أنتى مجشفة “مقشفة” محدش أتجدم لك غيره وتلاجيكى يا حبة عين أمه ساحرة له مين يعلم ،ما هم ال زيك جده مبيفلحوش غير بالتلزيج”تلزيق” والأعمال

ندت ضحكة ساخرة مستهزئة بعقليتها البسيطة ،حدجتنى بإستشاطة وإنفعال ،وأنا أعدل من وشاحى على رأسى متابعة بإستفزاز نظرا لوقاحتها الدائمة :_
_ لو كانت الأعمال والأسحار بتنفع كانت نفعتك …!

شهقت بفزع وبإرتجافة خفيفة ،تلتفت فيها مقلتيها فى أرجاء الغرفة هاربة لتسأل بإستفهام ممزوج بالخوف :_
_ تجصدى أيه يا بت الفرطوس “كهينة ،لئيمة ” أنتى

ضيقت عينى بخبث ،أستمتع بخوفها الجلى ،مراقبة البلاهة الظاهرة على وجنتيها ،لأضيف بعد لحظات ثقيلة عليها وكئيبة :_
_ الحجاب ال كان محطوط تحت سريرى أنا ووليد لسه معايا يا كاملة ،تخيلى كده لو وقع فى أيد وليد هيعمل فيكى أيه …؟

أبتلعت ريقها بأعجوبة ،ثم إبتسمت وأشرق وجهها بخبث وكأنها تذكرت شيئا لتقول:_
_الحجاب جصاد هند .

سألت بعدم إستيعاب:_
_ مش فاهمة مالها أختى ومال وليد ..

أردفت بتلذذ وكمن أمسك ذلة على إحدهم وهى تسير فى أرجاء الحجرة :_
_ سمعتها من شوى بتجوله عن ال عملته فى نوارة وبتترجاه ميجولش لحمدان ،ووووواه بالك أنتى لو أخو وليد عرف هيرمكى جبل أختك برات المندرة رمية الكلاب وتبجى ضربة معلم بحج”بحق” .

انهارت قواى لأصطدم بالمسند العريض الملقى بإهمال فى أرضية الغرفة ،فأنا أعلم جيدا لا يترك الصعايدة تارهم فأبسط الامور أن يرش عليها ماء نار ويكويها ليأخذ بتار حبيبته نوراة ،رباااااااه ماذا أفعل …؟، تشابكت خيوط اللعبة لتلتف حول عنقى ،حتى أستفهمت بسخط :_
_ والمطلوب يا كاملة ….؟

جلست بإرتياح لتضع ساقيها على بعضهما بثقة وخبث مستكملة:_
_ تجربينى منه ،كيف متخصنيش المهم أنه يحبنى متل ما بيحبك واكتر ،والليلة أول أختبار لو نام جنبى كان خير وبركة منامش يبجى متلوميش إلا على نفسك

دافعت عن نفسى بمنطقية :_
_ بس وليد لو عرف أنك فتشتى سر،هند أستأمنته عليه هتكونى قبل منى مرمية فى الشارع

تابعت وهى تلوى شفتيها بلؤم :_
_ ما تجلجيش عاملة حسابى ،السر قبل ما يكتشف وليد انى جولته مراحش يبجى سر ،حيبجى على الملأ هيشك فى الكل بلا إستثنا،ضيفى على جده أنى بنت خالته وميجدرش يطلقنى يخاف على زعل الخالة يامنة ال مش بعيد توريكى جهنم على الأرض ،الدور والباجى عليكى يا سنيورة ها عرفتى انى مش غشيمة وعوديكى المالح وأجيبك عطشانة …؟

صدمة، سخط ،ذهول مشاعر متناقضة تخالج قلبى ،متفاجئة بذكاء كاملة بل وعدت أحسب لها ألف حساب، فهى ليست بإمرأة ساذجة ولقمة سائغة كما حسبت بل مرة العظم وذات كيد عظيم ،علقت فى إستسلام وقلة حيلة :_
_ خلينا رفقات وحجيلك الأوضة أزوقك وأحط لك الأحمر والأخضر ،هخليكى ملكة جمال بس على شرط أختى ملكيش دعوة بيها

أردفت بطمأنة :_
_ طول ما أنتى ملتزمة بكلمتك معتخافيش خالص عليها

قطع علينا الحديث، طرقات الباب المتتالية أنامل زوجى المضطربة ليستدعينى إلى غرفة الجلوس وهند مختبئة خلف ظهره بذعر وبكاءظنطالبا من كاملة إعداد فنجاين من الشاى.

شبكت أذعتى فى معصمه بخفة ، أقرض فيها أظافرى بإستياء من طيش هند، نسير سويا عبر الممر الرخامى المؤدى إلى السلم الطويل وأجواء التوتر مسيطرة ،وكذلك الثورة التى لا تهدأ أبدا بداخلى فأختى أضرمت نيرانا لن تخمد ولن تتحول لرماد بل ستشتعل دوما وسأكون حطبها أنا دائما إن أنكشف ملعوب هند ،مددت أصابعى من خلف ظهره محاولة لكمها وركلها بقوة وتعنيفها،و جعلها لى فى موقف حرج مع ضرتى بعد أن كنت فى موطن قوة ، بتر هواجسى وشكوكى وإرتيابى ،صوت زوجى الحانى وهو يسحب يدى بعيدا عنها ،معترضا طريقى بصدره العريض وصوته الرجولى يحميها من عصبيتى بحنان ،لأركل قدماى بقسوة فى الأرض هاتفة بتأفف :_
_ عاجبك ال هبتتيه ده …؟ مش حذرتك بدل المرة ألف متدخليش فى حاجة تخصنى ،شايفة نتيجة عمايلك…؟

أختبأت خلفه بنشيج باك ،تتحامى فيه وكأنه عمر ،وتحتضنه كطفلة متشبثة بأطراف عباءة والدها مستغيثة:_
_ ألحقنى يا أبيه وليييييد

أحاطنى بنظرات ذات معنى ليلجمنى عن المواصلة بكفه على ثغرى الوردى ،هامسا برقة مختلطة بواقعية:_
_ الكلام ملوش لزوم يا إسراء ،أحنا قدام أمر واقع ولازم نتصرف

صفقت بيداى بحيرة وووجووم مستفسرة بقلب كاد أن ينخلع من بين ضلوعى :_
_ طيب والعمل يا وليد دول هيموتوا بعض فوق ولسه لو عرفوا بهند مش بعيد تقلب مجزرة

علق بهدوء ونبرة متفهمة لما أتطرق له :_
_ عمر فى الطريق هتفاهم معاه وأحكى له ال حصل، هند وجودها خطر عليها ،وهنطلع لهم دلوقتى

فتحت فمى بغير تصديق مترجية:_
_ نقولهم أيه ..؟، أختى السبب ….؟، بتهزر قول أنك بتهزر وريحنى

نفى بإصرار بث الرعب والهلع فى نفسى :_
_ لا الأعراض مفهاش هزار وده بيت بينهدم مينفعش نقف نتفرج

تنهدت هند ببكاء وإرتياب تتوسل إليه :_
_ أنا خايفة يا أبيه وليد بلاش نطلع أرجوك

أراحها بجملة بسيطة أعادت البسمة الفارة من وجوهنا مردفا:_
_ مش هتيجى عن طريقك يا هند متقلقيش

أغمضت عينى بشدة لأرخيهما بعد ثوان بنشوة :_
_ طمنتينى ربنا يسترك

نشوة قطعتها جملة عكرت صفوى وجعلت الغيوم تحل فى عيناى منذرة عن سقوط عبرات ساخنة:_
_ هتبقى فى ملعبك أنتى

ندت شهقة مرتعبة قبل أن أضيف بسخرية فى طياتها كل معانى الألم :_
_ ليه أنت مستغنى عنى ولا أيه

أشار لنا وهو يضيق عينيه بمكر لنقترب أنا وأختى ليلقى على أذاننا خطة جهنمية ،سأكون فيها كمن ضرب عصفورين بحجر تخلصت من ضغط ضرتى وكذلك زال الخطر عن شقيقتى ،منحته إبتسامة شقية مؤمنة على فكرته بمكر سأستعيد فيه كرامتى

أما فى الأعلى وعلى سطوح المندرة ،تعالى الصياح والسباب والفوضى ، تقف الحاجة يامنة بالقرب من حمدان بترقب ،خشية إندفاع البكرى “جودة” بحركة عشوائية بدافع الغيرة على شرفه فيقتل أخاه ،تقف زوجته بشرود على السور ،محاولة رمى نفسها والخلاص إلى الأبد من ذلك الجحيم الأبدى ،لكن إحكامه عليها وغرسه لأنامله فى لحمها ،ترك علامات قاسية ،ترتجف والدته بذعر من وقوعها والإتيان بجريمة لبيتهم محذرة:_
_ بلاش تجتلها وتلطخ أيدك بالدم يا ولدى وتبجى وصمة عار فى تاريخنا وتاريخ البلد كولايتها

رفع حاجبيه بإستهجان لا يقبل فيه كلماتها :_
_ واااه ليكون عاجبك ال عملته وعتشجعيها عاد

نفت فى تصحيح وعزم :_
_ لا الحال المايل ميعجبنيش وأنت عارف جده ،أمرط بوزها فى الأرض،وريها العذاب أشكال وألوان لكن تجتلها وتبعتها لجهنم بالبريد المستعجل يبجى ريحتها وجتلتنى

تدخل حمدان بنصيحة وهو يخطو صوب أخيه ببطء :_
_ هملها يا ولد أبوى ،وأنا لسه عند وعدى لو هند مجالتلكش انى برىء أنا ال حجتل روحى جدامك ،لكن متيتمش عيالها وتدوقهم الهوان بذنب أمهم

هتف بإنفعال ولهجة حادة وعيون كالصقر تخفى خلفها ألف إنكسار وخذلان:_
_ أمهم مذنبة ،خانت راجل دافع عنها واتحدى العالم لتشيل اسمه ومتجتش الله فيه ،جولى يا حمدان لو أكتشفت بعد جصة حب عنيفة أنتهت بتضحيات كتير جدمتها أن مرتك بتتمايص على أجرب الناس ليك تعمل أيه…!!

رد بتروى وتمهل يوجه فى جودة :_
_ هعرف أدبها بطريقتى ،أما أقرب الناس لازم الأول أتأكد لأن أخوى ولد أبوى ما راحش يتعوض على عكس الحريم يحل لك واحدة واثنين وثلاثة .

لوت الخالة يامنة شفتيها برجاء ومحايلة :_
_ الله يرضى عنيك يا ولدى ،وينورلك طريجك ،حزعج على هند تيجى تجولك الحجيجة”الحقيقة” جدام الكل هنه وتبرأ أخوك ال من دمك ولا يمكن ينهش عرضك ،هننننننننننننننند

جائتهم الإجابة بصعودى برفقة زوجى وشقيقتى ،فلم أكد أستجمع نفسى حتى صدمتهم من بين انفاسى المتقطعة بجدية بالغة خيم فيها الذهول على الجميع:_
_ الإجابة عندى ،هند ملهاش ذنب أنا زقيتها على نوارة تقول كده

جودة بعدم تصديق:_
_ وأيه ال يخليكى تعملى جده …؟ أيه مصلحتك…؟

رددت بتلقائية وبمنطقية محاولة إظهار الغل تجاه نوارة المنبهرة ،فهى تعلم جيدا بأننى أكذب لأنها بالفعل خانت زوجها :_
_أخرب بيتها طبعا زى ما كانت عاوزة تخرب بيتى يوم الصابون أنا وكاملة

أستفهم جودة بحيرة :_
_ يعنى نوارة مخانتنيش …!

علقت هند بإصرار وتأكيد على كلامى :_
_ لا ولا عمرها وقفت مع حمدان ،إسراء أختى ال قالت لى أعمل كده وأنا سمعت كلامها

قفزت بشكل مفاجأ حماتى صوبى لتشد شعرى بعنف وأنا أصيح :_
_ بجى أنتى السبب يا فاجرة يا سافلة يا بتاعة البندر أنتى ال بتخربى على ولادى،تعالى هنه ده انتى ليلة أبوكى مهياش فايتة …!!

أحتضننى وليد أمامهم جميعا بحنان كبير، أبكى بحرقة بين أحضانه شاعرة بالأمان ولأول مرة ،وهو يقول بإستخفاف بالأمر :_
_ معلهش يا ماما كيد نسا ،أنتى عارفة الستات عقلهم صغير ،وبينصبوا خناقة من مفيش

فتحت فمها بسخط ووجوم :_
_ معلهش..!،ده ال ربنا جدرك عليه ده بدل ما تطلجها وتسيبها لحال سبيلها

قال بعناد وغلظة:_
_لا مش حطلقها وكفاية خراب بيوت بقى

تابعت بلهجة آمرة رافعة حاجبيها بتحدى :_
_ الكلمة معكررهاش مرتين والأختيار ليك يا أمك يا مرتك

نفخ بإستياء :_
_ متضغطيش على يا أما ،مش هقدر

قالت بتهكم غير مصدقة لما يفعله ابنها :_
_ ليه ماسكة عليك ذلة ولا شيكات وهتحبسك…؟

أخذ نفسا عميقا وأنا فى أحضانه أتدلل بها مرتعشة ،لألمح كاملة من خلفى بصنية الشاى بالنعناع الساخنة ،التى تناثرت أجزائها وشهقت بهلع حين أستطرد وليد بجدية وحزم أصابوا الحاضرين بالدهشة :_
_ إسراااااااء حامل ….!!

error: