عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 57

أرائكم مهمة جدا

في قسم الدقى

أتى المحامي برفقة حقيبته الجلدية المٌحملة بالأوراق ،ليدافع عن درتي ،مٌعدلاً من هندامه ،يستمع لأقوالها مع وكيل النيابة بعد أن علم بقصة كاملة من حمدان صديقه ،يسعى لبرائتها بكافة الطرق لأسباب أولها كونه أرمل ولديه طفلة بعمر الزهور تحتاج لرعاية خاصة ،جلس وكيل النيابة على كرسيه الدوار ة،يقتدم للأمام ليسقط كفه على سطح المكتب بعصبية من إصرار كاملة الواقفة أمامه على الإنكار:_
_ يا بت الشويتين بتوعك دول مش عليا ،الأدلة كلها ضدك ،أعترفي أحسن لك يمكن تأخدي حكم مٌخفف

رفعت حاجبيها بإستنكار :_
_ وواه ، اعترف على نفسي زور ياك ..!

رد بتهديد جاد :_
_ لو مدافعتيش عن نفسك ،فتأكدي أن أقل حاجة إعدام ده شروع في قتل هزار

لكزت المحام في كتفه بخفة وهي تكٌز على أسنانها بلوم:_
_ الله يحرجك يا محام الغفلة أنطج بدل ما أنت واجف تبرج لي ..!

تنحنح مقدماً نفسه وهو يخرج كارنيه المحاماة الخاص به وكذلك التوكيل:_
_عصام شرف الدين حاضر عن المتهمة كاملة علام

نظر له بلا مبالاة ،وهو يضع سبابته بالقرب من الجانب الأيمن لوجهه بتململ:_
خش فى الموضوع على طول قبل ما أحرر المحضر

قال عصام بثقة ومنطقية :_

_كاملة بريئة من كل المنسوب ليها،والأدلة دي كلها دليل على برائتها وليس إدانتها

ضيق وكيل النيابة مٌقلتيه بإستفسار وحيرة:_
ده ال هو إزاي يعني ،وخبراء الصوت أكدوا أن صوتها مطابق للتسجيلات ….؟

أوضح بتفنيد حججه :_
_ التسجيلات ال حضرتك واثق فيها أوي دي،مفهاش حرف واحد ولا توجيه مباشر بالقتل

أضاف وكيل النيابة بإستهجان لما ذكره:_
_ أيوة بس المتهمة كانت عارفة توتر العلاقة في الفترة الأخيرة بين هاشم ومهند ،خصوصا بعد مقتل أبوه

لوح بكفه في الهواء برفض ،مٌعقباً بذكاء:_
_ إذا كان محضر قتل والد مهند متقيد ضد مجهول،والحكومة مش عارفة الفاعل ،إزاي كاملة هتخمن أنه هاشم ومفيش ولا مرة لمح لها في التلفون بكده

ساد الصمت للحظات قصيرة قبل أن يواصل بحيرة :_
_ أمممممممم ، وأنا أيه يضمن لي أنها مش متورطة في قضية القتل ال حصلت ….؟

أجاب بتلقائية وتمرس:_
_موقع الجريمة ،والشهود ،والتوقيت ال تمت فيه الجريمة كانت هي في الصعيد لسه مسافرتش

رمق إحدى الرجال الجالسين بالقرب منه وهو يمسك بقلم ليدون ما يمليه عليه وكيل النيابة:_
_ يخلى سبيل المتهمة كاملة علام بضمان محل إقامتها

هتفت بحماس ،تصفق فيه بكلتا يديها:_
_يحيا العدل…

رفع أصبعه بوعيد وعدم إرتياح لها:_
_بس أسمعى ،عيننا عليكي في كل مكان وكل خطوة، فمتحاوليش تهربي .

أما خارج المبنى المحاط بسيارات الشرطة

ألتفت كاملة بعبائتها السمراء ،جسدها يرتعش من البرودة بعد يوم غائم قضته في الحجز برفقة نساء مشبوهات ،فركت كفوفها ببعضهما وهي تسير إلى جوار المحام ،تخالطها مشاعر الإمتنان والشكر ،لتقول بعد سكون وعينيها مٌتشبثتين بالأرض المٌبتلة:_
_منيش عارفة كيف أتشكرك يا أوستاذ عاصم على ال عملته وياي

منحها إبتسامة عذبة ،ليعلق وعينيه شاردتين في الفضاء:_

_ ده واجبي تجاهك ،مع إني متأكد أنك متورطة في الموضوع ده بنسبة 100 %

شهقت بفزع وهي تصك بكفها على صدرها خوفاً من أن يساومها :_
_يا بوي….أومال خرجتني ليه…؟ومين ال وكلك علي..!

أخذ نفساً عميقاً قبل أن يخرجه على مهل:_
_وكلني مين مش مهم،المهم تستغلي فرصة النجاة دي،وتتوبي وترجعي عن سكتك الشمال ال كلها شوك ومش هتعور في النهاية غيرك…ألا قوليلي صحيح ملكيش حد هنا

ندت منها إبتسامة مكسورة والدموع على أعتاب جفونها:_
_ مكانش لي غيره ،شمسي وجمري ،ونجومي كومان، كان زي الماي وأكتر…بس الدنيا بجى والنصيب

حاصرت شفتيه الغليظتين السيجارة ،ليشعلها بعد ثوان غائمة ،مٌستفسراً:_
_ غلط وأكبرغلط التعلق بحد ،يعني ذل وإنكسار،وقهرة ،وجروح في القلب مبيدوهاش الزمان

ألقت نظرة سريعة على أصبعه قبل أن تقول:_
_ مش كل التعلج ،يعني أنت مثلا متجوز أهوه ،ومجتمع بال بتحبها عتشغل بالك بالحب وعذابه ليه بجى….؟

عقب وهو يأخذ نفساً عميقاً من السيجار:_
_ تعرفي يا كاملة وجع البعد أهون من الفراق،البعد ليه نهاية وهتشوفي ال بتحبيهم وبيحبوكي لكن الفراق ،صعب ،وداع لناس عشتي معاهم أجمل ذكريات عمرك وفى ثانية بح تحت التراب ..يعنى انا أهو عايش مع بنتي بعد وفاة مرأتي ب 10 سنين مش قادر أخرج للعالم من بعدها…زيك بالظبط متقوقع على نفسي …وشايف الدنيا سواد من غيرها

مطت فمها بألم :_
_ جلبت عليك المواجع الله يعين كل حي على ال عنده

قال بشغف :_
_لأا أبداً بالعكس برتاح لما بتكلم عنها ،تحبي أحكي لك أتعرفت عليها إزاي….؟

أومأت بالإيجاب فتابع ما بدأه…..

في الدوار الصعيدي
أشارت له رضوى بالدخول وهي متلجلجة ومتلعثمة ومُضطربة ،تبرر واللغة هاربة من شفتيها ما حدث ،لا تدري أتخبره بحقيقة الامر ام لا،مكثت مٌقلتيها في الأرض،لتهرب من المواجهة مٌعقبة:_
_ ما هو…ما هو…أصلي مبردش على الأرقام الغريبة

طمئنها بصوته الحنون الرومانسي:_
_خلاص يا ستي هانت ..شهور وبسيطة ومش هبقى غريب

إبتلعت ريقها بأعجوبة تكذب فيها ما ألتقطته أذنها:_
__تق…تقصد إيه ..!!

عقد ما بين حاجبيه بإندهاش من إرتبكاها المفاجأ:_
_ مالك اتخضيتي كده ليه….؟ ،قصدت في الحلال هنكتب كتابنا

أشاحت بوجهها الملائكي بعيداً ،والعبرات الساخنة تغرق وجنتيها:_
_ أنا ..أنا منفعلكش يا عمر

جذبها من ذقنها صوبه لتتقابل الأعين بجراة:_
_فى حد في حياتك…؟

هزت راسها بالرفض ،فأستطرد بحيرة وعصبية:_
_ أمال…. ؟،رافضاني ليه ….؟

أجابت بقلب مٌتشنج ،وجسد منتفض:_
_ مش حابة أقصر رقبتك قدام الناس ..فى غيري أحلى و أرق وأجمل…سيبني في حالي ولمصيري

واصل بلين يغمض فيه عينيه بشدة ليرخيهما:_
_ بس أنا مبدورش على الأحلى،بدور على ال هتقدر تربي لي ولادي وتشيل مسئولية بيتي،الحيية العفيفة يا رضوى ،ومش هلاقي أح….

صاحت بإنفعال وهي تنتحب وتأن بهستيريا:_
_بس ……..بس بقى كفاية

كز على أسنانه بحنق ،ليهتف بحدة :_
_ عشان مهند الندل ،عاوزة تمشي على حل…..

وضعت كفها على فمه بسرعة والدموع الساخنة تهوى كالأمطار على وجهها ،بإنتفاض وألم:_
_ إغتصبووووووووووووووني…..!

في طنطا

تركني زوجي في غرفة الجلوس بعد محاولات مستميتة لإرجاعي بلا جدوى،لكنه لم ييأس فولج للخارج يجلس مع أبي في غرفة المسافرين المٌجهزة ،تعد أمي فنجاين القهوة الشهية بينما أجلس إلى جوار والدي كفطلة صغيرة تحتمي في حائط وأمان، أخذ نفساً عميقاً ليربت على كتف وليد برجاء مُهذب:_
_ بص يا ابني …زي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف

هز رأسه بإعتراض:_
_ بس أنا مش عاوز أطلق يا عمي ،أديني فرصة تانية

علقت بحدة وغضب ووجوم:_
_لا تانية ولا تالتة يا وليد ،لو مطلقتنيش هخلعك

رمقني والدي بعتاب:_
_لما يبقى أبوكي قاعد تسكتي خالص متنطقيش،لو مجبلتكيش حقك يبقالك الكلام ،وأنت يا ابني الفرصة زي عود الكبريت هي مرة واحدة،وأنت خدتها ودبحت بيها البكرية ال عندي في شهر العسل وأستغفلتنا كلنا لما طلعت متجوز ،وجاي دلوقتي عاوز فرصة تانية،أنت مفكر دخول بيوت الناس ده بالساهل….؟

أخذ يدافع عن نفسه بمنطقية:_
_ يا عمي حط نفسك مكاني ،واحد عرف أن مرأته بتخونه وكان في أكثر من دليل،متوقع أسقف لها وأقولها برافو…!، ال عملته ده تصرف طبيعي لأي راجل ،حمش بيغير على أهل بيته ما بالك بخيانة،ومع إحترامي يعني معرفتها بهاشم قبل جواز شككتني أكثر

تنهد الحاج برعي مردفاً:_
_ بسم الله الرحمن الرحيم ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ” مش أي واحد يبخ في ودنك بكلمتين تصدقه ،من غير دليل ولا حتى تناقشها..معرفتها بهاشم زي معرفتك ببنات كتير قبلها، مش هبرر الغلط ،بس دي فترة مراهقة كلنا مرينا بيها ،مشاعر مؤقتة ومش ثابتة، وهي صح لأنها محكتلكش ..و معرفتك خلتك بتشك فيها وعندك القابلية تصدق أي حاجة عليها

قال زوجي بصوت مبحوح يشوبه الوهن:_
_ أنا غلطان جداً ،وندمان والله ال هي عوزاه هعمله بس ترجع لي

فاجأني والديحين أستطرد بحزم:_
_ ال عوازه غالي عليك أوي مش هتعرف تسدده

نفخت بإستياء:_
_مش عاوزة من خلقته حاجة،يطلقني و….

وضعت أمي أكواب القهوة على الطاولة الصغيرة قبل أن يأمر والدتي بسحبي للداخل،بينما واصل زوجي بإذعان ونشوة وفرح لامله في رجوعي له :_
_ كمل يا عمي

أستفسر الحاج بإصرار:_
_ عايز إسراء ترجع لك …؟،يبقى هتستنى لما شعرها يطول تاني ..وفى الفترة دي بقى مش محتاج أقولك هتعمل أيه…!

تهلل وجهه وهو يحمد الله :_
_بس كده عنيا ،ربنا يخليك لينا يا عمي

تابع أبي بجدية وصرامة:_
_لا مش بس ،لو نجحت الخطة ،هتاخدها وتطلع بيها على بيت أهلك وهناك هتتأسف لها …بعد ما تبوس أيدها ورجلها قدام أهلك……لو مش عاجبك الباب يفوت جمل..أه والفرصة دي عشان ال في بطنها ….مش عشانك

صعقة ، صدمة، ذهول ،أصابت زوجي ،فتسمر في مكانه ،فلم يتوقع وليد ذلك أبداً،غادر بيأس مٌحمل بالخيبة ،ليدخل والدي علي حجرتي بإستئذان ،مٌنكمشة على نفسي ،ساخطة عليه لقبوله الصلح مع ذلك الوغد ،فأخذ نفساً عميقاً:_
_ الخلع مفهوش أي حقوق قانونية ليكي ،وأنا عاوزه يتأدب ،وهكسر لك نفسه زي ما كسرك وقدام نفس الناس ..ولغاية ما يحصل ده أنتي مكرمة معززة في بيت أهلك

 

error: