عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 41

عشقت صعيدى

ارائكم مهمة جدا??

مساء بارد ،مُظلم ،غامض مبهم إجتمعت فيه السيدة يامنة مع ابنائها فى جلسة سرية ،إشترطت فيها عدم حضور زوجاتهم ،فجلست برفقة نوارة وكاملة الممٌمتعضة مع هند فى الطابق العلوى والفضول وكذلك الحيرة تكاد أن تنهش قلوبنا ،نتبادل أحاديث جانبية بعضها شيق والأخر ممُل ، أما فى الأسفل التوتر كان حليف حماتى المصونة ،تفرك كفوفها بتوجس ،وكأن حروف الأبجدية هربت من على لسانها ،لا تدرى كيف ستفتح موضوعاً شائكاً كهذا ….لكن تهديد زوجها عبد المنعم لها بأنه سيفاتح ابنه إن لم تتركه يعود إلى القاهرة مع زوجته،جعلها تخشى ،ترتجف من معرفته للحقيقة من الخارج،ولم تنس أن تلوم جودة على إخباره لأبيه بأخبار وليد ،فصمت ولم يرد يبادل وليد بنظرات ذات معنى ، فزوجى حتى وقت قريب لا يتعدى البضعة أشهر لم يكن ليعرف أن أبيه فى الأصل على قيد الحياة …!، ولا الحاج عبد المنعم حتى أخبره حمدان فى إحدى زياراته السريعة للقاهرة ،حينما أشفق على شقيقه من ما تفعله أمه وتحكماتها عليه وطلبها المُلح فى تطليق إسراء وظلمها ،أخذت نفساً عميقاً لتزفره ببطء والعيون مُحملقة بها :_

_ أسمعوا يا ولد …. ال هجوله دلوجيت ميطلعش لحريمكم واصل

أومأ الجميع بالإيجاب ،وكلهم أذان صاغية لتتابع وهى تتجول بقلق فى الغرفة:_
_ فى حاجات مينفعش تتجال غير للرجال الناضجين ..ومكنش ينفع أحكيها لكم وأنتم صُغار ..مكنتوش هتجدروا موقفي..وهتمهلونى كيف ما أبوكم عمل …..بعد عجد جرانى على أبوكم …أراد ربنا أن الخلفة تتأخر لسنة وأتنين وتلاتة..مفجدتش فيهم الأمل …ولا طلبت فيهم الطلاج..وخصوصاً انى اتأكدت أن العيب مهوش منى …وأستحملت حديت الناس الماسخ سنة وراء سنة..والحسرة كل ما عينى تشوف عيل بيركض جدام أهله ويتجالى عجبالك..!

_ كلمة بسيطة لكن دبحتني ،نزعت مني إحساسي أنى ست ،ومنش جادرة أحمل ولا أحس بالأمومة ..أحس أن فى حد محتاجنى …حد هيراعنى فى كبري..ومع أكده صبرت ومجولتش بم لأبوكم ….وجولت ده جضا ربنا …..لحد ما سافر القاهرة بحجة الشغل فى العيادة وأنه زهج من البلد وعاوز حاجة تشغله ….ومرت الأيام والشهور وبجى يغيب علي جوي على ما يرجع … لحد ما أعرفت انى حامل فى شهرين

صمتت لثوان تترقرق الدموع الساخنة فى مُقلتيها ،لتضيف بشرود وإنكسار:_
_فرحت ،طت ،سجدت فى الأرض لربنا ،وبكيت وأنا جلبى مرفرف ،وبفكر فى أبوكم لما يعرف أن المُعجزة حصلت …هملت ال ورايا وال جدامى ،وطول الطريج مبسوطة ومزجططة ،بتخيل سعادته …لحد ما دخلت عليه المُستوصف وزجيت الباب على جوزي ،والفرحة مش سيعانى لحد ما ما شفتها فى أحضانه ..مش متحشمة ..ملفوفة بملاية..دوار صابنى ..وعينى جفلت وحدها ..ومدريتش غير وأنا فى مستشفى نسا جريبة منهم والجنين سجط ..! ،أول فرحتى ال أستنته 5 سنين من بعد الجواز بحالهم مااااااااااات ..والسبب هي ،طلبت منه يطلجها مرضاش جالى انه مخلف بجاله زمن….!

تزايدت دقات قلب جودة وهو يحذرها:_
_ بلاش تكملى يا أما وتخسريه

تدخل حمدان بتنهيدة عميقة:_
_ أنا كمان شايف أن الماضى فات ومات ،ملوش لزوم التقليب فى الدفاتر

أستفسر وليد بعدم فهم :_
_ تخسر يا جودة …؟،أيه الألغاز دي ،كملى يا ماما من فضلك

كانت رضوى إلى جوار زوجى مٌندهشة من ما تسمعه للمرة الأولى فى حياتها ،مُتسمرة فى مكانها حتى أضافت يامنة والحقد والكراهية يملأن عيونها :_
_ جررت أنى هنتجم …وهدوجها ضعف الكأس ال سجتهولى …وسألت البواب وعرفت منه أن ابنها بيروح المدرسة بباص …وتربصت له لحد ما أعرف مُطحها,,,وشديته وهو طالع من المدرسة …و…

قاطعتها رضوى بحيرة :_
_ وهو فين دلوقتى …!

أجابت يامنة وكمن يلقى قُنبلة فى ريبة ،وترقب وهى تنظر فى عمق عينى وليد البندقتين مٌباشرة :_
_ جاعد وسطيكم ،وأتربى معكم بعد ما أمه فتشت عنه كتير وبلغوا أقسام الشرطة والمُستشفيات وملجهوش..ماتت

تزايدت خفقات قلب زوجى ،وهو يستفسر ببطء وإستنكار:_
_ وده يبقى مين فينا يا أما ..!

أشارت له بإرتعاشة ..تنكس رأسها ،مٌغمضة عينيها ،صُعق، إنصدم ،تجمد فى مجلسه ،أنسحبت الدماء من وجهه، فى لحظات شرود ،عجز ،ضيق،ألم ،غضب ،ثورة ،إنفعال ليقول:_
_ يعني أيه قتلتيها بقهرتها على .!!!

أتسعت حدقتيها مُستحضرة تلك الذكرى المؤلمة وهى تهتف بحدة:_
_ ال تُخطف راجل من مرته تستاهل الشنج ..كان لازم زى ما سجطت وحزنت بسببها وجلبى أنحرج …أبكيها دم عنيها على أغلى شيء تملكه وهو الضنا

ندت منه إبتسامة خُذلان وخيبة،ورضوى تربت على كتفه بمواساة ،يقول فيها ببحة صوت:_
_أنتي كده إنتقمتى مني ،يتمتينى… صدمتينى فيكى…حرمتينى……….

قاطعته بحزم :_
_ لالالاه محرمتكش من شيء علمتك وربيتك أحسن من ولادى ..ومجصرتش يوم فى حجك ..وفتحت لك مُستوصف ميتحكمش عليه عيل من عيالي …مفيش حاجة أمنتها ملجتهاش كله إلا الإفترا

صاح بعصبية :_
_ حرمتينى من الأهم من الفلوس مليون مرة…حرمتينى من حنان أمى،خدتى عمرها بالذبحة الصدرية ..لما خطفتينى من مدرستي ..منعتيها تشوفنى عريس ..ورطتينى مع بنت أختك .عيشتنى أيود أيام حياتى وأقول معلش أستحمل ما هى شافت كتير

وبقيت أبلع وأعدى …لغيت شخصيتى عشان أرضيكى وتطلعى فى الأخر لغتينى عشان ترضى الانا ال عندك وغرورك …خلتينى حجر أساس فى إنتقامك …!

ردت وهى تشيح بوجهها بعيداً عنه ،ورضوى تنتحب بألم خابت ثقتها فيها بوالدتها :_
_ محدش بيموت ناقص عمر …… عمرها وجف لحد أجده ..وبت أختي مهيش بايرة ألف من يتمناها وخصتهالك لوحدك تحفظ عرضك وكرامتك وضامنها مسبتكش تتجوز واحدة شرخ كيف جودة ..!،عوضتك وأتجيت الله فيك ..!

كز على أسنانه بحنق وهو يولج إلى خارج الغرفة وحمادن وجودة يتبعناه ،بينما هزت رضوى رأسها بإنزعاج وهى تبكى بإنهيار قبل أن تتركها :_
_ليه كده ……! ،وليد ذنبه أيه …؟ دفعتيه تمن غلطة بابا ليه…؟ ظلمتيه وجيتى عليه..!،يا خسارة يا ماما ده انا كنت بضرب المثل برجاحة عقلك وحكمتك

“لو العياط بيرجع الزمن مكنش حد غُلب يا هند ،ركزي فى الجاى من حياتك ،وخدى من ال حصلك عظة”

جُملة لفظتها فى مواساة إلى شقيقتى المُتدثرة بالغطاء ،تطلع كاملة من فتحات النافذة المٌطلة على المندرة “الصالة الواسعة ” بفضول تحاول ان تستشف فيه ما يجرى بالأسفل ،بينما نوارة تنسج شال بإبرتها فى حرفية عالية تلتهم فيها الوقت وكذلك أعصابها المُتعبة ، علقت هند بندم صادق:_
_ جاى أيه بقى ما كل حاجة راحت يا إسراء

علقت وأنا أٌمسد على شعرها الطويل برفق وإبتسامة :_
_ متحبطيش نفسك بنفسك…الحياة نجاح و إنتكاسات وبعدين مقاومة وبعدين نجاح ،وأنتى فى مرحلة المقاومة لازم تبقى قوية ،وتواجهى ال جاى بشجاعة

عقبت بوجوم تمط فيه شفتيها:_
_ المشكلة مبقاش فيا حيل أذاكر تانى للملاحق دي ،مخنوقة أوي يا إسراء عمرى فى حياتى ما سقطت ،وكنت بحلم بالقمة كده مش هحصل حتى خدمة إجتماعية

بررت بنصيحة غير مباشرة لوجود نوارة قُبالتى على الفراش:_
_ متبقيش لعبية ،وخليكى قد المسئولية أعملى ال عليكى عشان بعد كده ضميرك ميأنبكش… وبعدين مالها الخدمة ما ممكن تبقى دكتورة فيها …؟ مش أحسن لو دخلتى إعلام وخدتى السنة فى تالتة ..! ،ثم أضفت يا هند ربنا مبيعملش غير الأحسن

تدخلت نوارة بهدوء :_
_ أيوة. خيتك معها حج …متبكيش على اللبن المسكوب فكري كيف بتجمعيه تاني ،وتحججى كيانك .

علقت هند وهى تعقد ذراعيها امام صدرها:_
_ ده حتى ياسين يا ناس بيتريق عليا

واصلت بسعادة لأجلها:_
_أهو ياسين يا ستى ،طلع من هنا على بيتنا وطلب أيدك تانى وخلاص حددوا كتب الكتاب

دلفت كاملة فى فزع من الشرفة صوبنا بعد أن لمحت خروج وليد كثور هائج ،بشعره الغير مرٌتب وهيئته المٌضطربة وأخوته يحاولون تهدئته والحديث معه لتقول قاطعة حديثا بينما صفقت هند بفرح ونشوة:_
_ شكل الخالة كاملة نكدت على وليد عفاريت الدنيا بتنطط فى وشه

سألتها بعدم فهم:_
_ إزاي يعنى…؟

عبست بوجهها وهى تعود للنافذة :_
_ ميخصكيش ،خليكي فى حالك …

قفزت بسرعة أسير فيها أنا ونوراة ناحية الباب لنفتحه ونتفقد ما يحدث بالأسفل عن قرب حتى لمحت وليد الشارد ،الواجم،الحزين ،المدبوح ،وهو يبكى لأول مرة منذ زفافنا ومن خلفه أخوته :_
_ أنا فى العربية …..هسافر ..مستنيكى تحت لو هتيجى

قال جودة:_
_ وووواه ،متكبرش الامور عاد

أردف حمدان يبتلع ريقه:_
_ ليك حق تعمل أكتر من كده ،لكن أحنا اخواتك هتسيبنا..؟

أمسكت بطرف قميصه رضوى برقتها وهى تبكى وعمر من خلفها قد أستيقظ على أثر الضجيج ،لتعلق:_
_ متشميش ،لو بتحبى…. محتجالك يا أبيه وليد

جاءت كاملة وهى تتفرس ملامحه الحادة قبل أن تقول:_
_ وأنا …؟

أجاب بعصبية وإصرار فجر فيها مفاجأة ثانية _
_ خليكى مع خالتك ……….وفى ظرف يومين ورقتك هتوصلك

error: