عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى
ارايكم مهمة??
المشهد الأول
في شقة المعادى
علم العم عبد المنعم بأخر التطورات الخاصة بابنه من قسم الدقي، وتوعده لكاملة حين تسنح له الفرصة بالإلتقاء بها ثانية ،فحتماً سيقتلها لن يترك لتلك المجرمة الفرصة للفرار ولا حتى للعدالة ،سار بسرعة جنونية في شوارع القاهرة والصور تتقافز أمام ذهنه وكأن التاريخ يعيد نفسه،يستشيط غضباً من كنته السابقة،فهو يرى فيها مثالاً جلياً لخالتها في فترة الشباب ،خاصة بعد أن هددتني بأنها ستخطف ابني ما أن ألده ،لتحرق قلبي عليه ، صف سيارته أمام محل المخبوزات وصعد السلم بتوتر ،وهو يدُس المفتاح في ثقب الباب ،حتى تفاجأت كاملة بعبائتها السمراء وهي ترحب به بتلعثم وتلجلج فلم تتوقع أن تراه، ظناً منه بأنه سيبقى وقتاً أطول مع خالتها في الصعيد ولحين تحسن رضوى ،أردفت بإرتعاش:_
_ عمي …!، كيفك ..؟ أيه ال جابك هنه في التوجيت ده …؟،ووليد ما أجاش معاك ليه لعل المانع خير إن شاء الله …؟
رد ببرود مٌصطنع بينما البراكين تغلي في قلبه:_
_ يعني مش عارفة أيه ال جابني ،وليد أتقبض عليه ،والدنيا مقلوبة من ساعة هاشم ما تقتل ،والداخلية كلها بتدور عليكي دلوقتي ،يمكن هما في طريقهم لينا وأنا بكلمك
شهقت بهلع وهي تصك بكلتا يديها على صدرها:_
_ يا نهار ملهوش ملامح ، صدجني أنا بريئة يا حماي ،ومععرفش شيء عن المدعوج ال اسمه هاشم من شهور ،ولا وزيت الشرطة على طليجي
قوس شفتيه بأسى:_
_ مش مضطرة تدافعي عن نفسك قدامي ،للأسف مكالماتك متسجلة صوت وصورة مع هاشم ،حتى التحاليل ، المزورة وليد عرف كل حاجة،لو سابوه هيقتلك قبل الشرطة ما توصلك ،الوقت مش في صالحك
بررت بوهن وبحة صوت ناعمة وخبيثة:_
_ كانت لحظة ضعف ،غلبني الشيطان وغضبي عماني ،مفكرتش كيف بنتجم،أحب على يدك يا عمي سامحني ،وأنا معكررهاش تاني ،أبوس جدمك والتراب ال بتمشي عليه ما تسلمني
أستفسر وهو يعقد ما بين حاجبيه بإستنكار:_
_ وتهديدك لإسراء إنك هتخطفي ابنها ومش هتهنيها عليه …؟ ،كان بردو إنتقام..؟، بتصفي حسابك مع الناس الغلط ليه يا يامنة …!
فتحت فمها بإستغراب لمٌناداته لها باسم خالتها:_
_ سلامة الشوف يا عمي،أنا كاملة ،وبعدين أنت عارف أني لا بهش ولا بنش ،مجرد كلمة في وجت طيش
قال بحكمة ممزوجة بالخوف على زوجي:_
_ هديكي فرصة أخيرة ،وهنجدك من وليد والشرطة
أستفسرت بحيرة:_
_ كيف…؟، وبوعدك ال هتعمله هيكون دين في رجبتي ليوم الدين
تابع حماي وهو يسير حول الطاولة العريضة مٌخططا بشكل مٌسبق مع صديقه صاحب أكبر مشفى للأمراض العقلية ،لحجزها بشكل دائم وإلى الأبد ،وإعلان إنعدام أهليتها لكي لا تنتقل إلى أي مكان دون إذن مٌسبق منهم:_
_ القانون بيدور عليكي ،عشان أنتي مواطنة راشدة وناضجة ومسئولة عن أفعالك،وعشان تهربي من المسئولية أو أي حسابات مٌعقدة لازم تقضي أسبوع في مصحة للأمراض النفسية والعصبية ،لحد ما تتقفل القضية دي نهائياً
رفضت بعدم إقتناع ،وغضب من الفكرة:_
_ ووواه ،شايفني انطخيت في عجلي إياك ،لاه وأعيش العمر كله هناك ،أنا ههرب
تنهد بضيق وهو يظهر خوفه الزائف عليها:_
_ للأسف لو معملتيش كده يا هيتقبض عليكي ،يا وليد……………ز ومش هعرف ساعتها أحوشه عنك ،وهيخرج زي الشعرة من العجين وهيقول أنه دفاع عن النفس وساعتها محدش هيروح في الباي غيرك …وخلي بالك محدش بيعيش هربان العمر كله مصيرك هتتقفشي وساعتها هتبقى كتبتي نهايتك بأيدك
هزت رأسها بنفي:_
_ مصحة امراض لاه .انت مش خايف علي ..أنت خايف على ولدك…لو حكموا علي بالبراءة خصوصا أني مجتلتش هاشم بطريجة مباشرة ..خايف لأطلع ويجتلني وتبجى خسرته للأبد
ضيق عينيه بإشمئزاز منها وهو يضيف:_
_ منكرش أني خايف عليه من شرك ….ونابك الأزرق …طالعة زي خالتك في شبابها عفية ومفترية….لكن طالما مش راضية تعالي وهوديكي لشاليه محدش هيعرف لك فيه طريق جرة حتى الداخلية لو لفوا ألف سنة مش هيعتروا عليكي أبدا
قطع عليهم حديثهم دخول وكيل النيابة برفقة الظباط بشكل مٌفاجأ ، وهو يضع الأسوار الحديد بين يديها :_
_ أخيراً لقيناكي ….بعد ما دوختينا …..شكرا يا دكتور أنك عطلتها لحد ما نيجي ،وبشكرك على سذاجتك وإعترافك بكل مصايبك …مٌسجلة على تلفون الدكتور عبد المنعم..قدامي على البوكس..!
رمقت حماي بسخط ووجوم ،وهي تكٌز على اسنانها لتمسك بياقته صائحة:_
_ والله لأرجع في يوم….ولأنتجم منيكم كلكم…ملكومش أمان …..حتى أنت يا عمي ..ال كنت بجول عليك بلسم ..طلعت سم
سحبها الظابط بإنفعال من ذراعها :_
_ قدامي يا بت ،من غير برطمة كتير ،انجري
المشهد الثاني
فى طنطا
ما أن أفرجت المباحث عن زوجي بعد أن تنازلت عن محضر التعدي تحت ضغط والدته وشقيقته ورجائهم الحار وتوسلهم،خاصة بعد شفاء الخالة من تلجم لسانها وحالة الشلل لتعود إلى طبيعتها ….. طار وليد إلى منزلنا دون أدنى تفكير ،ليصالحني ولتعود العلاقات كما كانت بمودة وود،وليعتذر عن ما بدر منه من تسرع وشك ،وإنفعال ،أستقبله الحاج برعي بعتاب تطالعه أمي بإستياء وهي تقذف فنجاين القهوة بعصبية على المائدة الصغيرة ،أما عن هند فكانت مع خطيبها في إحدى محلات الفساتين لإنتقاء فستان فرحها ،بينما عمر سافر إلى الصعيد للقاء رضوى،بعد أن فشلت جميع محالاوته في الوصول إليها منذ أن خرجت من المشفى ،أستسمح وليد أبي بضعف أن يتركني معه ولو لمدة لا تزيد عن النصف ساعة ،سيطر السكون لدقائق ،ترتكز عيني زوجي فيها على الأرض ،بينما أعقد أذرعتي أمام صدري بحدة قائلة:_
_ هتفضل باصص في الأرض كتير ،مكسوف يا ترى ولا مكسور …؟
كل قوي ليه الأقوى منه ،شوفت لما أستقووا عليك هنا معرفتش تدافع عن نفسك ،ده كان نفس شعوري ،وزاد ألمي وإنهزامي أن ده حصل قدام أهلك .
عاوزاك تعرف أني اتنازلت عشان مامتك ….مش عشان سواد عنيك..ال بينا أنتهى يا وليد….ياريت متضيعش وقتك ووقتي
أخرج من كيس هدايا علبة مٌغلفة وأنيقة ،ليفتحها وهو يمنحني “شعر مستعار” ،ويخلع عنه باروكته مٌتابعاً ،ببحة صوت ذليلة:_
_ أنا …أنا حلقت شعري على الزيرو يا إسراء ،عشان أعاقب نفسي على ال عملته فيكي ،ظلمتك وجيت عليكي كتير وكنتي زوجة أصيلة أستحملتني في أوقات كتير …أنا تعبان أوي ……ومحتاجك جنبي
ندت مني إبتسامة مريرة مٌستهجنة أيظن ذلك الأبله بأنني سأسامحه بسهولة،أو أنني سأسامحه بالأصل..؟،فواصلت وأنا أنفخ :_
_ بس أنا مش محتاجاك ولا طايقة أبص في وشك ،عشان أنت مش راجل يا وليد، أنت حتة عيل أهله جابوله عجلة جديدة بدل القديمة ال راكنها وصدت من قلة الإستعمال، ومع أول مطب ثقة نترت العجلة بعيد ..بعد ما دشدشتها ل مية حتة
أبتلع ريقه بأعجوبة وهو يرفع عينيه عن الأرض لينظر لي،والدموع على عتبة مٌقلتيه ،تأبى النزول أمامي لكي لا تنهار رجولته ،فتابع وهو يفرك كفوفه ببعضهما بقلق وتوتر ،ليقترب مني بسرعة وهو يرتكز على ركبتيه ،تقبل شفتيه بنهم يداي الناعمتين ،وعبراته تحرق جلدي وهو يهمس:_
_ ال أنكسر يتصلح ،ويتجمع شوفي ال عوزاه وأنا تحت أمرك بس أرجوكي بلاش نظراتك دي ،كفاية على ال بمر بيه متبقيش أنتي والزمن علي أبوس أيديكي
كدت ان اضعف لكنني سحبت يدي على عجل ،وأنا أمسك بذقنه للتقابل أعيننا مٌضيفة:_
_ صعب أوي…أنا بشر ومش من السهل أني أغفر لك ….أغفر لك أيه ..؟…..أهلي ال صعبانة عليهم وأنا وسطهم من غير أنوثة ومطفية ….ولا شفايفي ال …..
لم أكمل عبارتي حتى ألتقط شفتاي المجروحتين في قبلة رومانسية ،حالمة ،مٌنكسرة ،نهمة ،ليسرى في جسدى شعور بالتنميل ،تنحنحت بعصبية أحاول إستعادة قوتي وأنا أدفعه بعيداً عني:_
_ مبقوش من حقك ….بعد ما طلقتني يا وليد
أنكمش وجهه بحزن وهو يزحف مٌقتربا من الأريكة الجالسة عليها مٌجدداً ،يلتقط كفوفي الباردة بحنان:_
_ أنا عمري ما هتخلى عنك …عشان أنتي المياه والهوا …أنتي أساسية في دنيتي مش مجرد كماليات ….أنتي قلبي وعقلي ….عمري ما هزعلك تاني
نظرت له بتحد ،وأنا أنتقم لكرامتي:_
_ أنا رفعت قضية خلع …ومش هتنازل ..لازم تتعاقب وتأخد جزائك ..وتعرف أن بنات الناس مش لعبة ….وأن المرة دي الغلطة بفورة….ده غير أني مش هقدر أعيش مع أهلك بعد ما كسرتني ودبحتني قدامهم
تشبث بذراعي وهو يفتح أزرار قميصه العلوى ،يغطى الشعر الأشعث صدره ،ليحرك كفوفي ناحية قلبه وهو يستطرد ببكاء :_
_ يا حبيبتي ..أنا عرفت أن الله حق….سمعتى اتلوثت..اسمي اتشطب من نقابة الأطباء ….مستقبلي المهني راح …..كل ال كنت ببنيه على مدار سنين طويلة عريضة أختفى ……مبقليش عزاء غير فيكي وفى ال في بطنك …متحرمنيش منكم
ستلت يدي بخفة وأنا انهض لكي لا أضعف قائلة بحزم:_
_ أسفة …ده قرار نهائي …أخدت من وقتي كتير ..عن إذنك بقى
أما في الدوار
كان لفرحة رجوع الخالة إلى النطق بهجة كبيرة، لتوزع المشروبات العبية كالشربات وغيرها ،وتبارك الجارات في الدوار لرضوى وكذلك حماتي المصونة ،على عودة النعمة مجدداً ، وبعد أن رحل الجميع قصت ما حدث على مسامع ابنتها وهي تأن وتبكي ،لعدم قدرتها بإخبار وليد في الوقت المناسب ،لتربت على كتفها رضوى مواسية:_
_ يا حبيبتي يا ماما طلعتي شايلة في قلبك ل ده ومعبية وساكتة
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تلفظه ببطء وعينيها شاردتين:_
_ أن..أنخميت في بت أختي ال ربيتها علي يدي ..وكنت بجول ال نعرفه أحسن من ما نعرفهوش عاد ..كنت مغفلة كبيرة
قبلتها رضوى وهي تستكمل:_
_ متقوليش على نفسك كده يا ست الكل ..كلنا مش بنتعلم غير لما نتلدع مرة وأتنين …..المهم متحنلهاش تاني أبدا
قالت الخالة بصمود وجدية:_
_ لاه ….لا ينكن ….كل ال شاغل بالي وليد دلوجيت…بعد ما البندرية رفعت عليه جضية الطلاج …زمانة حزين يا كبد أمه
علقت بضيق :_
_ما هو ال عمله فيها مش شوية …وأي ست عندها كرامة هتعمل كده يا ماما ..على العموم أنا واثقة أن بابا هيقدر يحل المشكلة دي…وإن شاء الله تلعبي مع عيال عياله ويتربوا في عزك ويملوا علينا الدار
إبتسمت يامنة بهدوء :_
_ عجبال ما أفرح بيكي يا بتي
تنهدت بإنزعاج وهي تعقب:_
_ ومين بس ال هيفكر في واحدة زيي …؟، المجتمع شايفني دلوقتي واحدة متربتش أرتكبت الخطيئة في السر …وكان إنتقام ربنا الإجهاض …خلاص بقى أحنا هناخد زمنا وزمن غيرنا
قطع عليهم حديثهم جرس الباب الحديدي الكبير ،لتفتح رضوى مٌتفاجأة بدهشة:_
_ عمر..!
رد بإستجواب وهو يضع يديه على خصره:_
_ ممكن أفهم من ساعة ما خرجتي من المستشفى هربانة من تلفوناتي ليه بقى….؟