عشقت صعيدى بقلم أميرة السمدونى
الفصل 43
آرائكم مهمة ❤
فى إحدى الشقق المُستأجرة بالأسكندرية
تهشم زجاج النوافذ إلى قطع صغيرة ،كما تبعثرت المزهريات على الأرضية ،و تناثرت قمصان هاشم بلا إكتراث على الأرائك ،وسط تلك الفوضى إقتعد بوهن فى إحدى الزوايا المُظلمة لساعات مُطبقاً على كفه النازف ،يعلو صدره ويهبط بضيق وحقد يكنه لوليد ،ليقسم فيه أنه سيحول حياته إلى جحيم أبدى ،ولن يهدأ له جفن قبل أن يخرب عليه بيته كما فعل هو معه ،مرت اللحظات القاتمة ببطء حتى دخل عليه فى صومعته الغير مُنظمة والمُشتتة ،مهند أخيه طالب فى عامه الأخير بكلية التجارة فى جامعة القاهرة، يحمل خبراً كئيباً ،لا يدرى كيف سيقصه على أخيه…؟،تجاوز صمته بعد ثوان مُتنهداً بلوم:_
_ قرارتك متسرعة أوي يا هاشم …أنا بجد مش قادر أفهمك أتجوزتها فى أيه وطلقتها ليه…؟،أقولك أنا ليه …؟
عشان واحدة مش عاوزاك ،مش طايقاك رغم كل محاولاتك ،مبتحبش غيره و عايشة فى عصمته رغم أنه أتجوز عليها ،قبلت تنحرم من الأمومة ال مفيش واحدة ست مبتتمنهاش علشانه ،وبعد ده كله لسه مُصمم عليها…!
رد بشرود ممزوج الألم وهو يستند على جذعه للإعتدال ،مُتذكراً ما حدث منذ سويعات قليلة حين خرجت مع وليد من منزله ،وصُعقت سجدة زوجته حين علمت بقصة حبه الجارفة لإمرأة أخرى ،فأحتدت عليه كما تدخل الشيطان بينهما حتى طلبت الطلاق بإلحاح وإصرار ….أعادظهره إلى الحائط عائداً إلى أرض الواقع ليبرر لأخيه وهو يضمد كرامته المهدورة :_
_ مفيش ست هتقبل براجل يدوس عليها وتحبه ،دى أوهام وخيالات مش موجودة غير فى دماغك أنت ،أنا لما ههتم بيها وأحتويها وأعوضها هتنسى وليد ،وهيتمسح بأستيكة من دماغها، ده إذا مكنتش بتكرهه بالفعل ووجودها على ذمته عشان مهددها ولاوي دراعها…عموما كل
ده هيبان
عقد مهند ذو ال 22 ربيعاً حاجبيه بعدم فهم ،وهو يرتكز على ركبتيه:_
_ هتعمل أيه يعني…..؟ هتقتله عشان تاخدها منه ..!
أجاب وعينيه تلمعان بفكرة شيطانية ،لترتسم إبتسامة خفيفة على شفتيه :_
_ هضربه فى مقتل، وأبقى ضربت عصفورين بحجر ،خليته إنذل وجه باس رجلى عشان أكتب على أخته ،وفى نفس الوقت خلانى مع مراته تحت سقف بيت واحد ،وهلين دماغها لغاية ما أعرف اللُغز ،وأحله وانا واثق أنها هتساعدني وهتنتقم منه على الُمر ال وراه لها .
تنهد أخيه بيأس يمط فيه شفتيه :_
_ وأخته دي بقى هتوصلها إزاى ….؟
أشار له بإقتضاب:_
_ أقرب طريق لنقطة خط مُستقيم
تجمدت ملامح مُهند وهو يلكم صدره بإستنكار ،قد تغير فيه لونه:_
_ أنا …لا طبعاً مستحيل…أديك قولت خط مستقيم ..مقدرش أغضب ربنا عشانك …وبعدين بنات الناس مش لعبة يا هاشم لسه مكفكش ال عملته مع إسراء…؟
قال بحزم وصرامة :_
_ غضب ربنا..؟ ،طيب ما بلاش أنت أحنا دافنينه سوى نسيت سجاير الحشيش ولا فلوس السكاشن ال بتتصرف على النسوان أبوك لو عرف بيها هيعمل أيه..!
أبتلع مُهند ريقه بأعجوبة وهو شقيق لهاشم من ناحية الام ،يتصبب فيها جسده عرقا فحالة والده الصحية لا تسمح أبدا بذلكً،لمكوثه على كرسي مُتحرك منذ أعوام وتحذيرات الأطباء المُتكررة من عدم تعرضه لضغوط وإنفعالات قد تودي به المرة القادمة :_
_ كلنا بنغلط …المهم نتوب ونرجع..وأنا توبت وندمت …وعاهدت ربنا أنى مش هلمس أى واحدة غير حلالى ..والسجاير بالتدريج هبطلها
أخذ نفساً عميقاً ليخرجه ببطء:_
_ تبطلها متبطلهاش دي مشكلتك …ال بيشيل إربة مخرومة بتخر على دماغه…أنا لى فى ال قولت لك عليه هتجبهالى سكة مش مطلوب منك أكتر من كده… ويا سيدى عشان ضميرك المصحصح مش هخليك تغوط معاها أوي .
أنصاع له مُهند وقلبه يتمزق إرباً إربا ينصت لما يمليه عليه فما باليد حيلة
باك
حلت سحابة مُعتمة فوق سماء المشفى ، مٌعلنة عن إصابة الخالة يامنة بنوبة قلبية مُفاجئة ،تبكى كاملة بإنهيار كمن فقد عزيزاً لديه فبعد وفاة أمها لن يتبقى لها سوى وليد وخالتها ،تقتعد الأرضية أمام غرفة العناية المُشددة رافضة مغادرتها رغم نصيحة الأطباء ومخالفتها للقوانين ،يوخزها ضميرها لكونها لم تخبر وليد فربما نجدها من مضاعفات ما حدث ،بينما ترتل نوارة بنقابها فى صالة الإستقبال أيات من الذكر الحكيم بألم تتوسل لله فيه أن ينجى حماتها ، كان حمدان يحادث أحدهم عبر الهاتف ،فى حين أختفى جودة تماماً عن الأنظار ،وقف وليد بالقرب من نافذة مُشرعة ،تحاصر أنامله السيجارة بعنف ،وكأنه فى كابوس مُزعج ، تنهمر دموعه الساخنة بلا وعى ،يمقت فيه زوجة أبيه وأنانيتها كثيراً ،التى جعلت من ابنتها ضحية لأفعالها فلم يدهسها أحداً بسيارته بلا عمد سوى وليد ،حين إرتمت بشكل مفاجىْ أمامه ،فلم يستطع الضغط على الفرامل وصدمها …!!
_ صدمة ردت الديون إلى أصحابها، حرمت صبية من الحمل وفرحته ،من الأمومة من المعانى الجميلة التى تعشقها النساء، من كلمة جدتي ..! ،لتسدد ضرائب قديمة لطيش أُمها وأنانيتها ووحشيتها فى تفريق ابن عن أمه بل وجعلها عقيم…!، خرجت رضوى بعد وقت قصير إلى حجرة عادية تزودها الممرضات بمُعقمات وأدوية ،وكذلك الجولكوز تضعنه فوقها ،غارسين الكنونانت فى عروق يدها ،أقتربت بحذر من وليد ،أرى فيه بكائه كطفل صغير ،بعيون شاردة فى الفضاء قبل أن أقول وأنا أمسح بيداى الناعمة عبراته :_
_ أنت راجل مؤمن يا وليد..وعارف أن ربنا مبيعملش حاجة وحشة..وليه حكمة فى كل شىء
عدل من هندامه وهو ينفث الدخان إلى الأعلى بألم ووجوم:_
_ ونعم بالله …..بس أنا تعبان أوي يا إسراء…حاسس أنى فى مسرح والكل بيمثل ….الكل لابس وش وألف قناع ..محدش برىء حتى رضوى ال كنت بقول دي أية فى كتاب خمتنى ومع مين مع الحيوان ال كان أقرب صحابي .!
أخذت نفساً عميقاً قبل أن أتابع :_
_ هاشم تعبان كبير …لف عليها وميل دماغها بكلمتين…متبقاش أنت و أهلك عليها….عشان متبقاش ضحية سهلة ليه يبيع ويشترى فيها
ندت منه بسمة ساخرة مُضيقاً عينيه البندقتين بتهكم مرير:_
_ أهلي ..؟ وهما فين أهلى …؟ الست ال بين الحيا والموت جوه….ورجلها والقبر …وغشتني وعيشتني يتيم الأب والأم ..!،و أنا قايد لها صوابعى العشرة شمع…!.أنا خلاص قرفت وهسافر ودلوقتى ..مش قادر أقف مع الناس دي
قوست فمى بأسى أشاركه فيه ألمه وهواجسه ،لأعقب:_
_ بص يا وليد أما تحاسب حد حاسبه فى موطن قوة مش ضعف..أحنا لازم نقف جنب ماما ومنسبهاش لحد ما تبقى تمام…أعمل بأصلك لأخر ثانية..متجيش فى الأخر وتبقى زيهم
تسائل بإستغراب:_
_ مش مصدق بتقولى كده وأنتى عارفة أنها حرشتنى عليكى عشان اطلقك بدل المرة مليون..!
أردفت بمنطقية وحنان:_
_ معلش..ست كبيرة…خافت لأخدك منها …أو أقلبك عليها ….وأنا لو طاوعتك وسافرنا دلوقتى هبقى بصطاد فى المياه العكرة ..وأكدت لها ظنونها
قطع علينا حديثنا إقتراب رجل خمسيني بحلة مُنمقة ،يخُط الشيب رأسه يصحبه حمدان ،يحدق العجوز فى وليد بإندهاش ،عدم تصديق،نشوة ،سعادة ،ذهول يتذكر فيه قامته الصغيرة بالأمس …..ليعقد زوجى حاجبيه وهو يشير بكفه مُتسائلاً عن هويته ،يعانقه الرجل بحرارة كبيرة ،وهو يبكى بحنين وإشتياق حقيقي له،يشتم رائحته وعطره ،مُقبلا كفوفه ووجنتيه ،يضمه إليه بحب كبير، يعتذر منه عن الأعوام المُنقضية قبل أن يجيب على تساؤل وليد المُنبهر :_
_ وليد الحمد لله أنى شوفتك بعد السنين دى كلها،أنا أسف ..أسف يا ابنى..على الوقت ال ضاع وأنا مش جنبك … معرفش بوجودك غير من شهور بسيطة ….
عانقه زوجى بعطف ومودة يبث فيها شكواه من إستبداد الحياة به ،بينما ترقرقت الدموع فى عينى وعين نوارة ،قبلات ،أحضان،أشواق ،لهيب محبة ،وعشق لحظات غاية فى الروعة مؤثرة، مٌبهجة تنم عن صدق حماي المٌبجل ،بتر علينا الدقائق القصيرة المُفرحة،صراخ كاملة وتورد وجنتيها وهى تصك على صدرها قائلة:_
_ الخالة يامنة أنشلت ،ألحجووووووووووووووووووووو
مع جملتها ولج جودة بخفة إلى غرفة أخته ، يخرج من كيساً بلاستيكاً حٌقنة هواء ليقتل بها أخته ،ويغسل عارهم..! ،فهل تنجو..؟
فلاش
منذ 4 أشهر
أنهت رضوى بجلبابها الواسع المٌحتشم محاضراتها ،تحتضن كشكولها العريض بخجل ،تنكس فيه رأسها مُتجهة إلى إستراحة الطعام ،تجُهز بحثاً هاماً للمادة القادمة فى شغف ،مُنكبة على بعض الاوراق الهامة حتى جذبها من تركيزها صوت رجولى يطرق على سطح الطاولة بإستئذان وأدب مُتظاهراً بالإحراج منها ،فهو يعرف جيداً مدخلها من أخيه:_
_ أنا أسف …بس أنا فايتنى محاضرات فى المحاسبة كتير…أصل أهلى متوفيين مليش غير أخ واحد توأمى بس مبيعرفش يتحرك مُصاب بشلل للأسف فبشتغل أصرف عليه وجايب له دادة تشوف طلباته ..فمبقدرش انزل كتير…ممكن حضرتك تساعدينى …؟
أجابت وهى تفرك قديمها فى الأعشاب الخضراء بتوتر:_
_ ومش معنى أنا بالذات …؟
رد بلهجة أقرب للتلقائية ،مٌتصنعاً فيها الخجل:_
_ أصلى سألت ..ودلونى على حضرتك أنك أكتر حد مُلتزم بالحضور وشاطرة وكده..بس شكلك مش فاضية أنا أسف على الإزعاج عن إذنك
علقت بسرعة وهو يوليها ظهره ،شاعرة بالإرتياب والإحراج لرده عن بابها:_
_ لا ..أبدا ..بس أستغربت مش أكثر ….حضرتك ممكن تدينى ربع ساعة هنقل حاجة بس من تسجيل المحاضرة الأخيرة وهديك الكشكول..؟
تنهد بعمق يطلب فيه فنجانين من القهوة الساخنة :_
_ خدى وقتك …..وأنا شوية هشرب فنجان قهوة عشان مصدع وهعدى على حضرتك …وبجد ألف شكر
تركها تدون حاجيتها وهاتفه يتعالى بالرنين من أخيه ،ليطمأن على سير الخُطة على أتم وجه مُستفسراً:_
_ والله حرام عليك ال بتعمله البت مش وش بهدلة شكلها غلبانة وفى حالها يا هاشم،راجع نفسك أرجوك
قال هاشم بعناد وعدم إكتراث لما تفوه به أخيه:_
_فكك من فقرة المواعظ دي ،وطبق الخطة ب ،فى ظرف يومين يبقى معاك رقمها و الحساب بتاع الفيس بتاعها بحجة المحاضرات وأنك هتابع معاها المقررات ال عندكم
أستفسر مهند بحيرة :_
_ وأنت هتعمل أيه بحسابها ….؟
اجاب بمكر:_
_ هكلمها من حسابك على انى أنت ،وهوقعها لحد ما أجيبها سكة وتديك الأمان