لم اكن دميمة يوماً بقلم شيماء على (كاملة)
الفصل التاسع والثلاثون… الجزء الثاني
وصل المصعد بهما إلى الطابق الذي يسكن به بيبرس في البناية،حيث شقته الذي إشتراها في هذه البناية من أجل تلك التي يحملها علي ذراعيه وهي فاقده الوعي، إنفتح الباب وخرج وهو مازال حاملها حتي وقف أمام شقته فركل الباب بقدمه فإنفتح على الفور لأنه كان مفتوح من قبل،ولج بها إلي الداخل وإنحني ووضعها بحذر علي الأريكة كما وضع حقيبتها بجوارها، فأعتدل في وقفته وخلع سترته ووضعها على حافة الأريكة.. ثم جلس في نهاية الأريكة عند قدم رقية ودس يده في جيبه واخرج علبة سجائره وأخرج منها سيجارة وأشعلها.. وهو يرمقها بتسلية ثم تحسس الكدمات الموجودة في وجهه وهو يجز علي أسنانه بغضب.. وبعد مرور وقت ليس بالقليل أطفأ بيبرس سيجارته الرابعة علي التوالي.. ومد يده وتناول المنديل الورقي المعطر.. ونهض من مجلسه واقترب من رقية وقرب المنديل المعطر من انفها.. بدأت رقية تحرك رأسها يميناً ويسارا وهي تستعيد وعيها مرة أخرى تدريجياً. فتحت جفينها ببطء وتجولت عسليتها في المكان حتي وقع بصرها على وجه ذالك السمج الذي تكرهه ..اتسعت عينها بهلع فأعتدلت سريعاً وأطلقت صرخة خائفة، أما هو فمسح شفتيه بطرف لسانه وهو يبتسم بمكر..
هبط راضي علي الدرج بعد إنتهاء الأجتماع المقام في شقة صافي، والتي كانت تحاول بأقصى الطرق أن تتسبب في إزاحة راضي وإبنته من البناية بأكملها، ولكنها تدمرت كل أمالها عندما رفض سكان البناية ذالك الشئ.. يهبط ووجه متهكم وحزين بشده وهو يفكر في أمر زوجته وإبنته فصافي بالطبع لم تمرر الأمر مرور الكرام، فهي وضعتهم في حسبانها وإنتهي الأمر…
ظل منغمس في تفكيره حتي وصل إلى أخر درج وسار في المدخل ولكنه وقف فجأة وهو ينظر بهدوء اللخارج حيث سيارة جاسم التي تصطف أمام البناية ويترجل هو منها، ضيق راضي عينه بتفكير وهز رأسه يإيجاب وكأنه إستكشف شيء… ولج جاسم إلي الداخل وقف قبالته وهو يقول بحرج:-
.. السلام عليكم ياعم راضي..
راضي بهدوء وهو يرمقه بنظرات غريبة:-
-وعليكم السلام يابني..
إختلس جاسم النظر عبر النافذة الموجودة في مدخل البناية وهو يظهر علي قسمات وجهه القلق علي محبوبته ..
إلتفت راضي برأسه إلي الخلف لكي يري علي شئ تقع أنظار جاسم..ثم أستدار قائل بتنهيده :-
-في الجامعة لسه مجاتش..
إنتبه جاسم إلي حديث راضي فتنححنح وتصنع عدم الفهم قائل:-
-هي مين دي اللي مجاتش ياعم راضي..
إبتسم راضي وهو يشير برأسه ناحية النافذة قائل:-
-اللي عينك بتدور عليها من وراء الشباك…
شعر جاسم بالحرج وكان سوف يتحدث ولكنه شعر بيد تضع علي كتفه ويقول راضي بجدية :-
_أنا عايز أتكلم معاك شويه يابني..
أمام البناية…
وضع راضي مقعدين من الخشب في مقابلة بعضهم وجلسا هو وجاسم..
جاسم بنبرة قلقه :-
-خير ياعم راضي…
صمت لوهله قبل أن يتحدث قائل ببعض من الجمود:-
-طبعاً انا مينفعش أسكت علي موضوع دخول بنتي القسم ومتهمه بتهمة سرقة كمان…
ثم تابع بجدية :-
-واللي كان باين هناك إني الست والدتك مش موافقة علي بنتي..
شعر جاسم بالحرج فبرر موقفه قائل:-
-ياعم راضى موضوع إن أمي مش موافقة ده أكيد هينتهي مع الوقت لما رقية تدخل بينا وتبقي واحدة مننا..
عقد راضي كفيه أمامه وهو يقول بيأس:-
-مفتكرش يابني..
ثم تابع بحيرة :-
-بس أنا مش عارف أعمل أيه..
عقد جاسم مابين حاجبه وهو يتسائل :-
-تعمل إيه في إيه؟؟
راضي بحزن :-
-أصل بنتي لو فضلت هنا هتتأذي.. وكنت عاوز أطمن عليها معاك..بس الظاهر كده إنه مينفعش مقدرش أخرج بنتي من حفره وأرميها في بير…
شعر جاسم بالقلق يتسلل إليه رويداً رويداً، وتحديداً كلمة أذي التي ذكرها راضي والذي رأي بيبرس أمامه عند ذكر هذه الجمله أمامه.. حاول جاسم الحفاظ على الثبات الإنفعالى قائل بلهجة غاضبة نوعاً ما:-
-مين ده اللي عاوز يأذيها؟؟..
راضي وهو ينظر إلي أعلي قائل :-
-واحدة ساكنه الله يسامحه حططنا في دماغها وعاوزه تقطع عيشنا
..
تنهد جاسم قائل بجدية :-
-طب ماتمشوا وتسبولها العماره تولع بيها…
راضي بقلة حيلة:-
-واروح فين أنا وبنتي ومراتي ده أنا ماسك في حتة الأوضة اللي أحنا عايشين فيها بأيدي وسناني..
جاسم قائل بنبرة رجولية وهو يضع يده علي كف راضي المجعد :-
-والله لتسكن في أنصف حته في مصر.. ولو تحب أشتريلك العمارة دي كلها كمان…
إبتسم راضي بإمتنان وهو يربت علي كف جاسم قائل:-
-تشكر يابني.. بس عمك راضي مش بيقبل حسنه ولاشفقة من حد..
جاسم وقد شعر بأسف لكونه فهم مقصده خطأ:-
-والله ياعمي مش قصدي حاجه.. كل حاجه إني عاوزك تبقى مرتاح مش أكتر..
ثم تابع بعتاب:-
-وبعدين شفقة وحسنة أيه اللي تبقي بين الأب وأبنه ولاهو أنا مش أبنك…
راضي بإبتسامة بحب:-
-والله يابني أنا حاسس إني ربنا حرمني من خلفة الولاد عشان يعوضني بيك..
إبتسم له جاسم وإنحني وقبل يده قائل:-
-وإن شاء الله اكون خير إبن ليك..
ثم تابع حديثه قائل بجدية:-
-وانا هخلص كل تجهيزات الفرح هيبقي بكره، بكره بالكتير ورقية هتبقي معايا ..
شعر بالإطمئنان وارتاح قلبه بعد جملة جاسم الأخيرة، ربما يخاف عليها من ولدة جاسم ولكن وجود جاسم معها كالحاجز المنيع وبالطبع بيت زوجها أفضل من غرفة صغيرة سوف تتحكم فيها صافي الأيام القادمة .. وبينما هو ينظر إليه لاحظ بعض الخدوش في جانب وجهه لم يلمحها من أول جلستهم…
راضي وهو يتسائل بتعجب:-
-أيه يابني اللي في وشك ده..
تحسس جاسم تلك الكدمات التي كانت نتيجة تعاركه مع بيبرس.. فتحولت قسمات وجهه إلي الغضب قائل بشرود:-
-دي نتيجه خطأ في حياتي.. ولازم أصلحه..
لم يفهم راضي جملته فعقد جبينه بتعجب ثم قال متمتما :-
-علي العموم أبقي خلي بالك بعد كده..
وننتقل إلي أعلي، حيث رقية التي هبت مذعوره من مكانها وسارت في إتجاه باب الشقة ولكنه كان الأسرع فأوصد الباب جيدا ووضع المفتاح في جيبه وإستدار لها.. رمقته بهلع قائلة:-
-أفتح الباب ده أحسن والله أصرخ والم عليك الناس..
وضع يده في جيب بنطاله قائل ببرود :-
-أصرخي براحتك ولمي الناس براحتك.. أصل الناس دي هتتلم عشان تتفرج عليكي لما يعرفوا إني بنت البواب طالعه عند راجل عايش لوحده هتكون بتعمل أيه بقا..
إتسعت عينها وإنفرج فمهما بصدمة عقب جملته الكاذبة الشنيعة لها.. مر بجوار وإتجه إلي الأريكة وجلس عليها بكل برود،أما هي فأندفعت نحوه حتي وقفت قبالته وهي تقول بغضب جلي:_
-أنت ليه بتعمل كده هااا، مين أدالك الحق ده ولاسمحلك تتدخل وتظهر في في حياتي بالشكل ده…
رمقها بحده وبكل غضب وبحركة مفأجئه جذبها من يدها بقوة لتنحني قليلاً وتكون قبالة وجهه، أمسك كفها ومرر أنامله علي تلك الدبلة المعدنية التي تلمع في يدها ، وضغط بقوة عليها قائل بحده:-
-ده اللي اداني حق أدخل في حياتك، صاحب الدبله دي هو اللي دخلني حياتك، ودلوقتي عاوز يخرجني منها بكل بساطة…
تألمت من قبضته وحاولت تحرير يدها وهي تقول بألم :-
-سيب أيدي…
وكأنه لم يسمعها بل شد قبضة أكثر قائل بغضب :-
-جاسم الراوي هو اللي بعتني ليكي، جوزك هو اللي خلاني أظهر في حياتك وتظهري في حياتي، بعتني عشان أحميكي من أخوه ومن كل الناس لكن معرفتش أحميكي منه…
توقفت عدسة عينها عن التحرك وثبتت أنظارها علي بيبرس وهي تحاول تستوعب مايتفوه به ذالك السمج الأن، رمشت بعينها عدة مرات وهي تحملق به بقوة.. وبعد قليل خرج صوتها مصدوم قائلة:-
-آآآ أنت بتقول أيه!! ج جاسم هو اللي بعتك ليا..
هز رأسه بالأيجاب وترك يدها ودفعها إلي الخلف.. ثم أشاح بوجهه عنها وهو يحدق في الفراغ وتنهد ثم تحدث قائل:-
-أيوة هو اللي حطك بإيده في حياتي وياريته ماعمل كده..
أمسكت بيدها المتألمة وهي مازالت الصدمة مسيطرة عليها لدرجة إن عينها أدمعت، إستدار إليها ورأي دموعها التي ترددت في النزول ثم سقطت تدريجياً.. تنهد هو ومسح على خصلات شعره قائل بضيق :-
-أنا هحكيلك كل حاجه..
رفعت عينها عن يدها وهي متلهفة لسماع حديثه…
وبالفعل بدأ هو في سرد كل شيء، وأخبرها الصداقة التي تجمعه مع جاسم والتي أرتبكت كثيرا اليوم، وأخبرها عن حبه لها..وعن الإتفاق الذي دار بينه وبين جاسم، وأنه هو الذي كان يرسل لها الرسائل النصية، وأخبرها أنه كان معها في أي وقت وفي أي مكان وظن هو بهذا الحديث سوف يجعل قلبها يدق ويميل له وتترك جاسم.. ولايعلم إن هذا الحديث زاد حب جاسم في قلب رقية،فعندما علمت بأنه أراد حمايتها من شقيقه حتي قبل أن يتزوجها أو يجمع بيهم لقاء أخر.. مسحت بطرف أصبعها الدمعة العالقة وهي تبتسم بحب وشكر علي هذا الرجل الذي ليس له مثيل.،والذي أصبحت مرتبطة به عن طريق وثيقة سوف تجعلهم فرداً واحداً مدي الحياة إذا أراد الله ذلك…
رقية:
“كيف أطلق عليك صفة جميلة.. والصفات نفسها عجزت عن وصفك..”
… محبوبي جاسم
لمح بيبرس شبح الإبتسامة التي ظهرت علي وجهها الأن، فنهض علي الفور وهو يبتسم بأمل وقف أمامها قائل بنفس الإبتسامة :-
-شوفتي بقا أنا كنت قريب منك إزاي.. شوفتي أنا أستاهلك إزاي..
أما هي شاردت في فارسها وقبطان قلبها جاسم فقالت بنبرة شاردة :-
_شوفت هو بيحبني إزاي!!..
إنتبهت هي لنفسها فأفقت سريعاً من شرودها ، ورمقته بجدية ورفعت كفها أمامه وأشارت بعينها إلي إصبعها المزين بخاتم حبيبها…
قائلة بتحدي :-
-هو كلبش أيدي بالدبلة، وكلبش قلبى كمان بحبه…
وهنا إندفع بيبرس وصاح بغضب قائل:-
-أنا مش هسيبك سامعة هو معملش حاجه عشان يأخدك كده… انا اللي أستاهلك أنا اللي بحبك…
نظرت إلي عينه حيث اللؤلؤة الزرقاء وحملقت بها وهي تقول بهدوء :-
-مع إني عينك جميلة لكن كدابة.. عينك مفيهاش حب أبداً عينك فيها جرح، جرح علم في قلبك قبل مايرسم موجة حزن في بحر عينيك ..
“أمتلك عيون ساحرة تشبه البحر في زرقته وصفائه، ولكن مايحزنني تلك الأمواج التي تأتي لكي تعكر صفائي”
رمقها بتعجب شديد.. كيف لفتاة مثلها تستطيع معرفة الجرح الغائر في قلبه..
تابعت وهي مازالت تنظر في عينه قائلة بجدية وهدوء :-
-وانت مش وحش، إنت عاوز تبقي وحش…ومش قاسي حتي شوية القسوة اللي عندك دي مكتسبه لكن مش صفة فيك…
أبعدت نظرها عنه ثم عقدت حاجبيها معا قائلة بتسائل:-
-ليه ده أيه اللي يستاهل كل ده؟؟..
تغيرت تعبيرات وجهه، وإنكمشت ملامحه فظهرت ملامح غريبة ربما تكون ملامح غاضبة وربما تكون مجروحة..
إقتربت رقية منه قائلة بنبرة به إضطراب نوعاً ما:-
-مين دي اللي عملت فيك كده.،مين دي اللي جرحها كان قاسي لدرجة أن يبان علي هيئة خطوط في عينك… مين دي اللي طفت لمعة عينك؟؟..
إسند يده علي الحائط وظل يغلق عينه ويفتحها عدة مرات متتالية، وفي المرة الأخيرة فتح عينه وإستدار له فوجدها جلست علي الأريكة وهي تجهز نفسها لسماعه بإهتمام، أغمض عينه وفتحها قائل بصوت مخنوق وآلم :-
-إيجا، إسمها إيجا..
-في إحدي الشقق المفروشة…
لم تتمهل صافي في الإنتظار لكي تنتقم من جاسم، فبعد إنتهاء الإجتماع الذي كان مقام في منزلها، والذي فشلت فيه بإقناع السكان بتغير راضي.. قررت أن تنفذ خطتها التالية في نفس اليوم وخطتها الثانية هي حازم.. فقامت بمهاتفته وأخبرني أنها قادمة إليه .. طار حازم من الفرحة وسبقها إلي الشقة لكي يقع نفسه بنفسها في الفخ…
في آحد الغرف الموجودة بالشقة ..
تتمايل صافي بجسدها أمام حازم الذي يجلس علي الأرضية بجوار الفراش ويمسك زجاجة الخمر بيده وهو يطالع صافي بنظرات شهوانية ورغبة، فكانت ترتدي قميص قصير من الحرير يبرز مفاتنها بطريقة مقززة وتربط رابطة صغيرة (إيشارب) علي خصرها.. وتتمايل بهدوء وهي ترسل له نظرات جريئة.. وبعد مرور بضعة الوقت توقفت عن الرقص وأغلقت الأغاني الصاخبة.. ثم سارت وهي تحل رابطة خصرها بكل دلال وتحرك شعرها بإغراء لكي تثيره أكثر.. جلست بجواره علي الأرضية فترك حازم زجاجة الخمر سريعاً فأقتربت منه حد التلاصق وحاولت عنقه بيدها قائلة بميوعه :-
_أديني عملت اللي أنت عاوزه ورقصتلك، مع إني عمرى ما رقصت في النهار بس يله عشان خاطر حبيبي..
أقترب لكي يقبل شفتيها ولكنها وضعت إصبعها أمام فمه قائلة بمكر:-
– لما تعمل اللي أنا قولتلك عليه الأول..
ثم أشارت إلى الطبق الموجود بجوارها يحتوي علي مادة مخدره(هيروين)..
نظر حازم إلي الطبق بتردد ثم قال بتوتر:-
-ب بس دي بودرة رة وانا ماليش فيها..
أشاحت بوجهها بعيداً وتصنعت صافي الغضب قائلة:-
-خلاص براحتك.. اصل انا غلطت لما افتكرتك كبير.. قولت أخليك تشاركني كيفي ومزاجي..
ثم رمقته بتهكم وسخرية قائلة :-
-أتاريك لسه عيل كيفك كيف عيال..
ثم قامت بتمثيل أنها سوف ترحل.. فأمسك حازم يدها سريعاً قائل بخضوع:-
-خلاص ماشي بس أقعدي متمشيش..
جلست هي بكل مكر ووضعت الطبق أمامه ومعه أداء تستخدم في شم هذه البودرة. أمسك الطبق بيده ووضع تلك الشئ أمام أنفه تردد في الأول ولكن بعد ثواني قام بشم وسحب تلك البودرة البيضاء في أنفه، تلك التي دمرت الآلاف، إبتسمت بكل مكر وإنتصار لتلك البشاير التي توحي بالنجاح…