لم اكن دميمة يوماً بقلم شيماء على (كاملة)

محتويات المقالة

الفصل الثامن والعشرون (صرخة وجع)

-في غرفة العناية ..

تكونت إبتسامة علي ثغره وهو في غيبوبته أثر ذالك الحلم الجميل ,فهو حلم بها تجلس بجواره وتحكي له علي ماتعانيه وهي بمفردها هنا لا أحد معها هو معها ولكن بجسده فقط جسده المتصل بالأجهزة الطبية بالعناية لايستطيع أن يفعل لها أي شئ,لاحظت الممرضة الجالسة بجوارة الإبتسامة التي تكونت علي ثغره ظنت انه سوف يفيق ولكن خاب ظنها, فأبتسمت وهي تقول بتنهيدة :_
-ياربي هما أزاي بس يسبوني لوحدي مع كائن العسلية ده,ده انا أخاف علي نفسي من الفتنه ..

-في الغرفة التي تجلس بها رقية في المستشفي ..

نفذ ضوء الشمس من النافذة ليستقر علي وجه رقية التي تملمت في نومها بإنزعاج واضح فتحت عينها ليدخل الضوء لها فأعطي لون عينها العسلي منظر جذاب كأنها لوحة لمنظر طبيعي تجذب الأنظار جميعاً ,أعتدلت في نومتها وتلفتت حولها لتجد نفسها مازالت محبوسة في غرفة المستشفي لمعت عينها بالدموع وهي تتخيل قلق والديها عليها هي لم تأتي للمنزل منذ يومين ,وأباها مالذي حدث له في المستشفي هل أصابه مكروه هل تحسن وعاد إلي غرفتهم الصغيرة في البناية ام لا ,نزلت دموعها علي وجهها الشاحب وبكت بحرقة علي حالها فهي تعتبر سجينة في هذه المستشفي لاتستطيع الخروج منها ,توقفت عن البكاء عندما تذكرت الحلم الذي عاشت معه طوال الليل,الحلم الذي تتمني أن يتحقق الأن فرأت جاسم قام من فرأشه وكان سيذهب معها من هنا ,ورأته وهو يمزق قميصه من أجل تغطية شعرها وعندما تذكرت هذه النقطة من الحلم وضعت يدها علي رأسها سريعاً فوجدت أنها خالعة لحجابها بالفعل ,تنهدت بصوت مسموع وهي تقول بدموع :-
-يارب خليك معايا انا ماليش حد ,ياارب خرجني من هنا ..

إنفتح باب الغرفة لتدلف منه الممرضة وعلي وجهه إبتسامة عطوفة قائلة :-
-صباح الخير ..

ابتسمت رقية من بين دموعها قائلة :-
– ..

اقتربت منه الممرضة وإنحنت لتجلس علي الأرضية بجوارها ,مدت يدها لتمسح دموع رقية من وجهها قائلة بجدية:-
-ليه الدموع دي بس, متخافيش ربنا موجود أرمي حمولك عليه..

رقية بنبرة باكية :-
-ونعم بالله ,بس انا عاوزه أمشي من هنا انتي ماتعرفيش أهلي ممكن يعملوا فيا أيه انا بقالي يومين بره البيت ..

ربت الممرضة علي كفها قائلة بهدوء:-
-هتتحل صدقيني هتتحل ,اكيد الصحفيين دوول مش هيفضلوا هنا كتير يعني بكره ولابعده ويغورو ..

فتحت رقية فمها بصدمة قائلة :-
-بكره ولا بعده يانصيبتي ,هفضل ده كله هنا ..

وضعت رقية يدها علي وجهها وبدات في البكاء بصوت عالي ,أشفقت عليها الممرضة كثيراً فقامت من الأرضية وإتجهت إلي الباب وخرجت من الغرفة بإكملها لتترك المجال لرقية لتنفرد بنفسها ..

خرجت الممرضة والتي تدعي “ماريان “من الغرفة وهي تمصص شفتيها بإشفاق وبينما هي تسير في طرقة المستشفي لمحت نجلاء وهي تسير في الجهه المقابلة لها فأشاحت بوجهها سريعاً يعيداً عنها وهي تقول بضجر:-
-ربنا ينتقم منك ياشيخة علي اللي عملتيه في البنت الغلبانه دي ..

جاء صافي بالفعل إلي المستشفي لزيارة جاسم الراوي كما عزمت ليلة امس, وقفت صافي بجوار حنين خلف الزجاج ينظرون إلي جاسم الراقد أمامهم , وطوال هذه الزيارة لم تتوقف صافي عن توجيه الأسئلة لحنين الخاصة بجاسم وعن الحادثة وعن الفتاة المشوهه الموجودة معه بالحادثة ,كانت لاتجيبها حنين إلا بكلمة واحدة “معرفش “جزت صافي علي أسنانها بغيظ من طريقة حنين في الحديث معها ,فصافي لاتقدر الظرف التي تمر به حنين وكانها تستجوب حنين في تحقيق رسمي ,رسمت صافي الإبتسامة علي وجهه وهي تربت علي كتف حنين ثم أستدارت وذهبت إلي مشيرة ذات الوجه الشاحب والعينين المنتفخين من أثر البكاء ,صافي قائلة بحزن مصطنع:-
-متعمليش في نفسك كده ياطنط ,إن شاء الله جاسم هيفوق وهيبقي زي الفل ,بس اهم أدعيله هو محتاج دعاكي دلوقتي ,

نظرت له مشيرة بتعب ولم تجيبها ,شعرت صافي بالحرج وإستأذنت وذهبت ..

تابعتها هدي و التي تقف بجوار مشيرة قائلة بسخرية :-
-قال طنط قال الست مش مكسوفه علي نفسها وهي بتقولك ياطنط ,دي معاها شحطه في الجامعة وبتقول ياطنط دي هي اللي ستين طنط ..

-في المستشفي الحكومي ..

راقد راضي علي الفراش وهو يسعل منتظر قدم زوجته التي ذهبت إلي البناية لكي تري السكان وتتأسف لهم عن عدم وجودهم في البناية في هذه الأيام ,بسب مرض راضي ,وتري رقية هل موجودة في المنزل ام لا فربما لم تأتي لشعوره بالذنب إتجاه والدها فخجلت أن تأتي وهي تشعر بأنها السبب في مرضها ,دلفت فاطمة بخطوات مسرعة العنبر وبيدها شنط سوداء وصلت إلي فرأش زوجها وجلست بجواره وهي قائلة بإبتسامة :-
-معلش يا راضي أتأخرت عليك ,اصل نزلت كياس الزبالة من الشقق ومسحت المدخل وجيتلك علي طوول ..

سعل راضي وهو يقول بخفوت :-
-المهم لاقيتي البت في البيت ولا لا ..

ارتبكت فاطمة واخذت تفريك يديها معاً قائلة :-
-آآ اه يا اخويا لقيتها نايمه هناك ..

ثم تابعت بكذب :-
-بس هي يعني مكسوفه انها تيجي عشان يعني عشان خاطر الموضوع اللي حصل ده ..وشايفه انهي السبب في اللي حصلك ..

هز رأسه قائل بأسف :-
-انا عارف إني غلط اني مدت أيدي عليها قبل ما أسمعها ,بس كرامتي وجعتني اووي يافاطمة ..

ربتت فاطمة علي كفه :-
-رقية طيبة وهتنسي وهتلاقيها جايه تبوس رجلك كمان ,متقلقش أنت بس .

تنهد راضي قبل أن يردف :-
-قوليلي السكان زعلانين ولاحاجة ..

هزت فاطمة رأسها بالتفي وقالت بجدية-
-زعلانين ايه بس دوول زعلانين عليك والله ,وبعدين يعني ياراضي ده انت طول عمرك شغال ليهم زي المكنه بتقول حاضر ونعم وتكنس وتنضف مفيهاش حاجه يعني لو استريحت شويه ..

تابعت فاطمة حديثها بعتاب :-
-كان لازم يعني تخلي رباب تمشي مع جوزها مش كانت قاعدت معانا ساعدتني ..

ابتسم راضي إبتسامة خفيفة وهو يقول :-
-دلوقتي يافاطمة زعلانه أني البنت مشيت ,اومال مين اللي كان زعلان لما جات غضبانه عندنا ..

اشاحت فاطمة وجهها للناحية الأخري بتهكم ,بينما تابع راضي حديثه :-
-عايز أطمن علي البت مع جوزها ,صحيح هو غلط في حقها بس انا مسكتش ليه لما جه هنا , خليته يعرف غلطه وتأسف ليا وليها كمان ,

ثم تنهد قائل بنبرة رذينة :-

عشان خاطر عيالهم يافاطمة ,والبت برضه مش ليها غير بيت جوزها ..

نظر إلي اعلي وهو يقول بتمني :-
-عقبال ما أطمن علي رقية مع اللي يستاهلها يارب ,انا حاسس انه قريب قريب اووي كمان ..

وبينما راضي يدعو لإبنته شاردت هي في أبنتها التي لاتعلم شئ عنها تخاف ان تخبر احد حتي لايسير الامر أكثر تعقيداً

امام البناية ..

ترجل من سيارته بعدما تأكد من خروج فاطمة ,خلع نظارته الشمسية وإلتفت حوله بحذر وأتجه لكي يدخل البناية ,كان ينظر إلي مدخل البناية بإعجاب واضح فالمدخل كان غاية في النظافة والمرايات تلمع بشدة ,نزل السلم الموجود بجانب المصعد حيث غرفة الحارس كان الباب شبه مغلق فركله بقدمه فإنفتح علي أخره ,دخل بحرص واغلق خلفه الباب ,توسط الغرفة وهو يجوب بنظره بكل ركن فيها وقعت عينه علي الستار الذي يخفي خلفه غرفة رقية ,توجه إلي هذا الستار فهو يعلم انها غرفة رقية فهو يعرف الكثير عن حياتها فهو جاء إلي هذه البناية في السابق عندما فاقدت رقية وعيها في الشارع في إحدي لليالي الشتاء الممطرة ,فهو جاء بها إلي هنا ووضعها في فراشها , ازاح الستار وخطت قدمه إلي الداخل وقف أمام فرأشها الصغير ينظر له بإبتسامة كان علي الفرأش منامة قطنية تخص رقية مرسوم عليها شخصيات الديزني الشهيرة مد يده وإلتقطها قربها من أنفه ليستنشق رائحتها إحتضن تلك المنامة بشدة ,وهو يتخيل رقية في أحضانه يستنشق عبيرها ظل علي هذه الوضعية لفترة طويلة فهو أشتاق لها ,واخيراً فتح عينه ليدرك انها منامتها وليس هي ,تنهد بصوت مسموع وطوي المنامة التي بيده وكاد أن يخرج من الغرفة ولكن تذكر شئ وضع يده في جيب سترته واخرج ورقة مطوية وضعها اسفل وسادتها ,وخرج من غرفة رقية بل من غرفة الحارس بأكملها وأثناء سيره في المدخل لاحظ وجود لافتة تعلن عن بيع شقة في هذه البناية ومدون رقم لمن يريد الإستعلام عن الشقة والمبلغ المالي المطلوب ,اخرج هاتفه بسرعة ودون الرقم وحفظه وهو يقول بتسلية :-
-هبقي قريب منك وزي ضلك يارقية ,هتبقي البوابة بتاعتي وساعتها أعمل اللي انا عاوزه بقا ..

نظر إلي المنامة الموجودة بيده بإبتسامة أنتصار ووضع الهاتف في جيبه وخرج من البناية ولكن ربما يعود لها قريباً يعود ليصبح ساكن بها …

مر ثلاث أيام ورقية مازالت محبوسة في هذه المستشفي وجاسم في غيبوبته ,ممنوع عليها الخروج من الغرفة حتي لا تلتقي بأحد من الصحافة ويثبت صحة التسجيل لها والأخبار عنها ,كانت الغرفة لايدخلها أحد سوا ماريان التي اصبحت صديقة لرقية فكانت تجلب لها الطعام ولم تخبر أحد بأنها متواجدة هنا ,فالغرفة كانت لها هي وذميله لها في العمل ولكنه تركته من أجل السفر للخارج مع زوجها ,في خلال الثلاث ايام اصبحت رقية كالورد الذابل انطفت اكثر من الأول حتي عينها لم يتبقي عسلها فغطي عليها اللون الأحمر من كثرة البكاء,ولم تذهب إلي جاسم مطلقاً ..فأصبحت لاتريد شئ وجعلت من هذه الغرفة زنزانة لها وهي سجينتها فالنهار تبكي ألم وفي الليل تصرخ وجع ..

لجأت فاطمة إلي الشرطة للبحث عن إبنتها المفقودة ,كان قلبها يتمزق لضياع إبنتها وهي لاتعلم مكانها او ماذا يحدث لها,وحمدت ربها كثيراً ان راضي في المستشفي ولايعلم ماذا يحدث ,كانت تحاول التحكم في نفسها أمامه في المستشفي لكي لاينهار فإذا عرف شئ مثل هذا محتمل ان يموت فيها ,ولكن راضي شعر بوجود خطب ما ولكن كان يكذب نفسه وهو يقنع نفسه إن إبنته تخجل منها لا اكثر,اخفت فاطمة هذا الخبر عن إبنتها رباب حتي لا يشمت بها زوجها وتفرح فيها حماتها وإبنها سامر..

اما صافي ففسرت إختفاء رقية عن انظارها وانها ليست موجودة عند جاسم أيضاً بأنها بالتأكيد عند أباها المريض ,قررت إنتظار خروج راضي من المستشفي لكي تنفرد بها وتعرف ما الذي يربطها بجاسم الراوي وتوعدت لها اكثر ..

-وفي اليوم الرابع

كانت رقية تنظر من الشرفة إلي أسفل حيث التجمع الصحفي المعتاد ولكن كثر بشدة فالجميع يريد ان يعرف الكثير عن جاسم الراوي ,فهذا اليوم كانت المستشفي مليئة بالشخصيات الهامة في المجتمع من اجل الإطمئنان علي جاسم الراوي ,وهي تنظر من الشرفة وجدت حارس الأمن يدفع بقوة إمراءة عجوز تحمل علي يدها طفلة صغيرة تصرخ بقوة من أجل الحروق الموجودة بجسدها فالطفلة كانت خارجة الان من حريق وإصاب جسدها كله وتشوه وجهها بكثرة أكثر من رقية ,كانت العجوز تتطلب ان تدلف لكي تلحق حفيدتها من الموت وتعالجها ,قبل إن يفوت الأوان إنحنت وقبلت حذاء الحارس وهي تقول بتوسل :-
-والنبي يابني دخلوها طيب وانا هاروح اتصرف في فلوس انا ممكن ابيع ليكم كليتي بس دخلوها والنبي ..

شعرت رقية أنها غير قادرة علي التنفس فهذه العجوزه فكرتها بحدثتها وهي في سن نفس الطفلة الصغيرة التي تحملها علي يدها ,شعرت بالدموع تجري بلا توقف علي وجنتيها واخد جسدها يرتعش بقوة وهي تتذكر حادثتها ,تتذكر وامها تجري بها في المستشفيات وهي علي ايديها كان جلدها يتساقط من اثر الحريق علي يدها وهي كانت لاتملك غير انها تصرخ بقوة ,كانت ملابسها محترقة للغاية وبعض منهم التصق بجسدها اخذت تصرخ طوال الطريق المستشفي وفجأة انغلقت رموشها وإلتصقت بوجهها ليختفي النور ويظهر الظلام لتصبح رقية مشوهه وعمياء أيضاً ,وضعت كفها علي فمها وهي تشهق بقوة حاولت ان تبتعد عن الشرفة ولكنها اصبحت ملتصقة في الأرضية ,وبعد قليل سمعت صوت صراخ العجوز وهي تقول أن حفيدتها توفت الأن نظرت إلي أسفل مرة أخري وهي تحاول تكذيب ماتخيلته ولكن وجدت العجوز تصرخ لفقدان الطفلة التي ماتت دون أن يشعر بها احد ماتت متذوقة طعم النار في جوفها انتهت حياتها هكذا انتهت حياتها التي كانت سوف تكون عبارة عن سخرية من الجميع ,طلعت بوجهها المشوه إلي الله لينير لها يوم القيامة ,أنتقلت الكاميرات بسرعة البرق إلي هذه العجوز ليكتبوا عن اوجاعها ,فهم كانوا ينتظرون المشوهة صاحبة رجل الأعمال لكي يفضحوها ,ولكن وجدو مشوهه صغيرة ذهبت إلي ربها ليكتبوا عنها ويعزوها ,

“هكذا يتلاعبون بنا نحن نكون مصدر شفقة وسخرية من الجميع …مجرد مشوهين علي الهامش ..

هكذا حدثت رقية نفسها قبل أن تقف علي حافة الشرفة وتستعد إن تذهب إلي ربها تذهب لكي تلحق بالصغيرة المشوهه مثلها ,وقفت رقية علي الشرفة وهي تنظر إلي أعلي قائلة :-
-سامحني يارب , ماهما مش سابو ليا أختيارات تانية ,,طلعوا قاسين اووي عبادك والله قاسيين اووي ,انا هاجي ليك ياكريم انت كريم وهتكرمني ,انا جايه ليك انت هتبقي احن عليا منهم يارب ”

نزلت رأسها إلي اسفل وهي تري وجوه الناس الذين واقفون منتظرينها كانوا ينتظرونها من اجل فضيحتها ,ستسقط لهم ولكن ستسقط لهم جثة هامدة ربما تشعر بالشفقة منهم مرة واحدة قبل ان تفارقهم للابد ,,أغمضت عينها بقوة ودموعها مازالت علي وجنتيها رقية ببكاء:-
-أشهد أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ..

وتركت جسدها للجاذبية تتلاعب به ,قبل أن تسقطده علي الأرض بقوة لتنهي حياة هذا الجسد البائس ..

error: