لم اكن دميمة يوماً بقلم شيماء على (كاملة)
الفصل الرابع والعشرون
وصلت إلي البناية ووجدت أبيها جالس علي كرسيه الخشب ويرمقها بجمود ,وقفت قبالته قائلة بتوتر :-
-مساء الخير يا بابا ..
راضي وهو يسألها وهو علي نفس جموده :-
_كنتي فين لحد دلوقتي …
كادت أن تجيبه ولكن قطع ذالك وصول سيارة صافي أمام البناية ترجلت منها وأغلقتها بالمفتاح الإلكتروني ,وتوجهت إلي البناية حيث يوجد راضي ورقية ,وقف راضي علي عجالة وهو يشاهدها تقترب منه وقفت قبالتهم قائلة بضجر :-
-مساء الخير ياراضي ,ثم توجهت بنظرها إلي رقية بإبتسامة مصطنعة :-
-ازيك يارقية ??..
رقية وهي ترد لها الإبتسامة قائلة بخفوت:-
-الحمد الله يا مدام صافي …
أبتسمت صافي بمكر وهي تقول :-
-هم مين الشباب اللي انتي نزلتي من عربيتهم اول الشارع دول يا رقية?? ..
اتسعت عين رقية بذهول وهي تسمع حديثها ونظرت سريعا إلي أباها التي ظهرت معالم الصدمة علي وجهه وهو يقول بإندهاش :-
-شباب إيه دوول اللي بنتي نزلت من عربيتهم يامدام صافي …
تصنعت عدم الفهم وهي تقول بخبث :-
-اصل انا وودخله الشارع شوفت رقية وهي نزله من عربية فيها اتنين شباب كده ..
إلتفت راضي برأسه إلي أبنتها التي كانت تتمني في هذا الوقت أن تنفتح الأرض وتقوم بإبتلاعه…راضي وهو يحدق بها قائل بحده :-
-الكلام ده صح يابت …
رقية وهي تقول يإرتباك :-
– آآ اه د دووول زمايلي في الجامعة يابابا..وكانوا بيوصلوني عشان الوقت إتاخر ..
صافي وهي تعقد جبينها قائلة بتعجب مصطنع :-
-زمايلك في الجامعة أزاي ده انا شوفت رجل الأعمال جاسم الراوي وهو بيسلم عليكي بعد مانزلتي ..بس انا عايزه اقولك يعني لو ليكي علاقة بيهم تحاولي تقطعيها دوول معروف عنهم انهم بتوع شرب ونسوان ده حتي أخوه حازم زبون عندي في الكبارية ..
لفت نظر صافي وجود هاتف باهظ الثمن في يد رقية ..تابعت بتعجب :-
-ايه التليفون الغالي ده يارقية جبتيه أمتا ده أحدث من موبايلي ,ثم أبتسمت بخبث قائلة بوقاحة :-
-معقوول يكون جاسم الراوي اداكي التليفون ده عشان كنتي معاه في العرببة ..لما جاسم أداكي التليفون ده اومال صاحبه اداكي كام بقا … ثم غمزت لها ..
شهقت رقية بصوت مسموع وهي تسمع إتهام صافي المهين لها .فهي تتكلم عنها كأنها فتاة ليل تبيع جسدها من أجل المال ..رفعت يدها ببطء ونظرت بصدمة إلي هاتف جاسم الموجود معها ,فقد ترجلت من سيارته قبل ان تعطيه هاتفه ..لعنت حظها الذي دائما يضعها في هذه الوضاع ..
كان راضي واقف كالمغيب يسمع كلام صافي بذهول ,تخيل أمامه مشهد قبلة شيري والشاب في السيارة,تخيل إبنته في هذا الوضع مع أحد الشباب ,وتذكر سريعا سبب فسخ خطوبتها الذي علمه من والدتها .. فإبنته هي الخاطئه وليس سامر شعر بأن الدماء تغلي في عروقه وبدون مقدمات رفع يده لتهوي علي وجه رقية بقسوة …ثم تابع بسخط :-
-شكلي كده معرفتش أربيكي ..
ألقت نفسها علي فرأشه وهي تبكي بإنهيار ,فهي سردت لوالدها كل شيء ..اخبرته عن العمل الذي كان من أجل سداد دينه .واخبرته عن سبب وجودها مع جاسم بالسيارة ..وكأن سردها كالبنزين الذي أشعل النيران مجددا ..فصاح بها والدها عن فعلتها ..وقال بغضب :-
-راحه تشتغلي يارقية عشان تصرفي علي أبوكي للدرجة دي أبوكي ملهوش لازمة خلاص ..
دفنت رأسها في وسادتها ودموعها تنزل كالشلال حاولت رباب تهديتها ولكن بدون جدوي ..فالأول مرة يرفع والدها يده عليها ..جلست بجانبها رباب ومسحت علي شعرها قائلة بقلق :-
-خلاص بقا يارقية متعمليش في نفسك كده بقا ..كلها يومين وبابا هينسي وهو بتفسه هيجي يصالحك ياست ..ما انتي عارفة انتي بالذات عنده فرخه بكشك ..
ثم تابعت بمرح :-
-ده انتي اخر العنقود يعني السكر معقود ..
رفعت رقية راسها وهي تقول بدموع :-
-بابا اول مره يضربني يا رباب..
رباب بهدوء:-
-معلش وان شاء الله هتبقي أخر مره ..هو بس متوقعش إنك بتشتغلي عشان خاطر تسددي دينه ..كرامته وجعته برضه ..
إعتدلت رقية من نومتها قائلة :-
-انا والله عملت كده عشان بحبه..انا مقدرش اشوفه في السجن ولا اقدر أشوف فيكم حاجه وحشه ..انا بحبكم أووي يا رباب ..
رباب بحب :-
-واحنا كمان بنحبك يارقية ..بنحبك لانك أطيب قلب ممكن نشوفه..
تدخل في الحديث الصغير الجالس في نهاية الفراش قائلا بنبرة طفولية :-
-أن مان هب حتو قيه (أنا كمان أحب خالتو رقية )
أبتسمت رقية له بحب وفتحت ذراعيها ليزحف الصغير ويلقي بنفسه داخل أحضانها ..أخذت رقية تقبل وجنتيه ورأسه ..والصغير محاوط عنقها ..
رباب بزعل مصطنع :-
-ايه ده بقا ياست رقية حتي مازن هتاخديه مني ..ثم تابعت بغمزه:-
-مش كفايه التاني اللي دخلت لقيته في صدرك عاوزه ترضعيه ..
توردت وجنتيها خجلا وهي تقول بتلعثم :-
-أن — انا كنت ع–
قطع حديثها ..دخول فاطمة المفاجئ وهي تضرب علي صدرها بقوة ثم صرخت فيهم :-
-الحقوني ابوكم مش بيرد عليا ..
في شقة رباب..
القي محمد الصحن في الحوض وهو يسب ويلعن ..فالمطبخ أصبح كأنه مقلب للزبالة والحوض إمتلاء بالصحون التي تحتاج إلي الغسيل ..فتح البراد ليجد شئ يسد به جوعه ولكن لايوجد سوى طبق من البازلاء وقد أصابه العفن ..أغلق الباب بقوة وخرج من المطبخ وتوجه إلي الصالة حيث الاريكة التي يتسطح عليها..كانت الاريكة مليئة بالملابس ألقاها بإهمال علي الأرضية المتسخة وهو يقول بسخط :-
-أصل انا عامل الكنبة عشان خاطر الهدوم هي اللي تقعد عليها ..جلس علي الأريكة وهو مازال يتمتم بضجر ثم قال بعتاب وتأمل :-
-صحيح الست في البيت نعمة ..فينك يارباب كان زماني دلوقتي واكل احسن اكل ..والبيت كان زمانه بيبرق كده ..بكره إن شاء الله اروح اجيبك كفايه عليكي كده والعيال كمان وحشتني اوووي ..
خرج من المرحاض وهو يحاوط خصره بمنشفة كبيره ..ويتساقط الماء من صدره وشعره دلف إلي الصالة ووجد معتز متسطح علي الأريكة يشاهد التلفاز ..
جاسم وهو يجفف شعره :-
-أيه يابني أنا جعان مش هناكل ولا ايه ..
نظر له معتز وهو يقول بهدوء:-
-انا طلبت أكل وزمانهم جايين ..
جاسم بإيجاز :-
-ماااشي ..
بعد مرور دقائق سمعوا رنين جرس الباب ..قام معتز من علي الأريكة وهو يقول :-
-ده أكيد هما انا هاروح أفتح ..
تحرك معتز بضعة خطوات ..ثم إلتفت نص إلتفاته إلي جاسم قائل بتهكم :-
-خش استر نفسك بس ,احسن الراجل يقول علينا شواذ ولاد كلب ولا حاجه ..
ضحك جاسم بقوة ودلف إلي غرفته ..وقام بإرتداء ملابسه التي كانت عبارة عن شورت جينز .وفوقه تيشرت أسود مطبوع عليه بعض الكلمات الأجنبية يبرز عضلاته بوضوح فزاد وسامة علي وسامته ..وقف أمام المراءة يهندم شعره نظر لنفسه بإعجاب ..ثم تذكر فجاة امر عائلته فبحث عن هاتفه ليجري محادثه هاتفية مع افراد الأمن لكي يطمئن عليهم …فتش في أجيب بدلته ولم يجد شئ ..دخل معتز وهو يقول علي عجالة :-
-يله بسرعه الأكل قبل مايبرد ..هو انت بدور علي حاجه ??
جاسم بإيجاب :-
-اه بدور علي تليفوني مش لاقيه ..مشفتهوش
حك معتز ذقنه وهو يقول :-
-لامشفتهوش …
ثم تذكر شئ ما ثم قال بشك :-
-هو انت اخدت الموبايل من رقية ??
تذكر جاسم أمر رقية ووضع يده خلف عنقه قائلا :-
-تصدق لا نسيته معاها ..يله مش مشكلة بكره بقا ابقي اخده ..
معتز بسخرية :-
-ده لو ماكنتش طمعت فيه أصلا …
مر جاسم من جواره وهو يقول بحده :-
-ما تلم نفسك يا أخي في ايه مالك كده النهارده ..شغال تلقيح بالكلام زي النسوان الفاضية ..ارحم نفسك بقا ..
معتز وهو يسير خلفه :-
-اصلك مش فاهم النوع ده ياجاسم ..عايز تتصدق عليها اتصدق ..مش تحبها كده ..
جلس جاسم علي المائدة قائل بسخط:–
-طب اقعد اطفح ..اقعد احسن ما أطفحك انا..
جلس معتز وبدء في تناول الطعام ..ثم نظر إلي جاسم قائل بحذر :-
-هو أنت بتحبها بجد ياجاسم ..
ترك جاسم الطعام وقال بإنفعال:-
-ايوه ياسيدي بحبها واكتشفت أني بعشقها كمان ..وعارف كمان أنا هتجوزه بقاا أيه رأيك ..
-في صباح اليوم التالي ..
كان جالس ينتظر قدومها بترقب شديد ..فهو يتوقع انها ستدلف له اول ما تاتي .ولكن مر عدة ساعات ولم تأتي نظر إلي الساعة بأهتمام شديد ولم تأتي أيضا ..دلف معتز إليه وهو يبتسم بسخرية :-
-ايه هي العروسة مجبتش الموبايل وجات ليه?? ..تحب أبعتلك بسمة تدور عليها ..
نظر له جاسم قائل بقلق :-
-اكيد حصلها حاجه …انا حاسس انها في مشكله ..
لوي معتز فمه بتهكم ولم يعقب ..دلفت بسمة وهي تحمل بيدها ملفات تحتاج إلي الإمضاء …
بسمة بنبرة رسمية:-
-حضرتك الملفات دي محتاجه تتمضي عشا—
جاسم مقاطعاً :-
-رقية مجاتش النهارده ليه يابسمة..
بسمة وهي تجيبه بنفي :-
-معرفش حضرتك ..ومش معاها تليفون عشان اتصل بيها ..
معتز وهو يشاور بيده :-
-ااتصلي بيها علي تليفون جاسم بيه ..اصله معاها ..
قال ذالك وهو ينظر بسخرية إليه ..
تعجبت بسمة من الأمر ولكنها خرجت لكي تهاتف إبنة خالتها ..وعادت بعد مرور عدة دقائق قائلة بجدية :-
_التليفون مغلق يا أفندم …
رفع معتز ياقة قميصه بثقة ,وكأنه يقول لجاسم ان حديثه صحيح ..اما جاسم تملكه القلق وبشده فهو واثق منها يتمني ان تأتي هي حتي إذا جات بدون الهاتف تاتي لكي يطمئن قلبه..ربما لم تأتي لوقعه في مشكله او ماشابه ذالك …
-في المساء
تجلس رقية ورباب علي ارضية ممر المستشفي الذي يتعالج فيها راضي ..فقد أصابته وعكه صحية بقلبه بسبب إنفعاله الزائد ..كانوا يبكون بإنهيار علي والدهم المتسطح بالداخل علي فراش المرض …خرجت فاطمة من الداخل وهي تمسح دموعها ووجهت كلامها إلي بناتها :-
-انتم قاعدين ليه ?? يله روحو ابوكم فاق خلاص ..
وقفت رباب ورقية وهما يقولوا بلهفة:-
_طب ندخله ياماما نشوفه ..
فاطمة بجدية :-
-مفيش داعي ..تعالوا بكره في ميعاد الزيارة ..يله عشان تشوفي عيالك يارباب اللي مع الجيران ..
رقية بدموع :-
-انا هفضل مع بابا مش همشي ..
فاطمة بتهكم :-
-انتي بالذات تمشي مش كفايه انه تعب بسببك ..
بكت رقية فهي لم تعد تستحمل كل هذه الأتهامات التي تلقي عليها ..دلفت فاطمة إلي الداخل ..وبقت رباب بجانبها ..
رباب وهي تمسح دموعها بكفها :-
-يله رقية نمشي ..ونيجي بكره..
سارت معها رقية كالمغيبة فهي لم تستحمل أن يصيب أباها بشئ ..فهو الحماية لها والأمان ..اثناء سيرها شعرت بشئ ثقيل في جيبها ..وضعت يدها في جيبها لتجد هاتف جاسم تذكرت اليوم.فالمفترض ان تذهب بالهاتف له في الشركة اليوم ..ضغطت علي الهاتف لكي ينفتح لتري هل هاتفها ام لا او جاءت إليه إتصالات اورسائل ولكن كان فارغ الطاقة يحتاج إلي الشحن ..زفرت بضيق وقفت فجاة ثم نظرت إلي رباب قائلة :-
-رباب انا هاروح مشوار وهحصلك علي البيت ..
-أمام شركة الراوي ..
تقف سيارة جيب سوداء أمام الشركة بها رجلان ضخمان البنية أصحاب بشرة سوداء ..
الرجل الأول :-
انت عارف شكله يعني ..
الرجل الثاني بتأكيد :-
-طبعا اومال جاي معاك اهزر ..ثم تابع بحذر :-
-بس خد بالك الباشا مش عاوز غلط …يعني عايز أبن الراوي يودع الدنيا النهارده ..
الرجل الأول بثقة :-
-عيب عليك هي دي اول مره يعني ..الرصاصة عارفه طريقها في قلبه علي طول ..
ترجلت رقية من السيارة (التاكسي )ونظرت إلي السائق قائلة علي عجالة :-
-10 دقايق وهنزلك ياسطي ..بس اوعي تمشي ..
رد عليها السائق بإيجاب ..وسارت بإتجاه الشركة بخطوات أشبه للركض .تريد ان تلحق بجاسم لكي تعطيه هاتفه ..
خرج جاسم في ذالك الوقت من الشركة بوقار شديد ..ووقف الامن وهم يقولون له :-
مع الف سلامة ياباشا ..
في السيارة السوداء
الرجل الثاني وهو يشاور بيده:-
-المصلحة نزلت اهي ..اجهز ..
-الرجل الاول وهو يشهر سلاحه :-
-جاهز يله ..
تحركت السيارة من مكانها ..وكانت رقية وصلت في ذالك الوقت ولمحت جاسم هو يخرج من الشركة ..اسرعت في خطواتها ولكن أستمعت صوت طلقات رصاص تخرج من احدي السيارات فوقفت في مكانها بصدمة وهي تري طلقة نارية أصابت جاسم في صدره ..ليقع علي الأرض قتيل ف الحال صرخت بشده وركضت نحوه بكل قوتها ..وخرج افراد الأمن يركضون خلف السيارة التي اختفت من الأساس ..
وصلت رقية إليه وجثت علي ركبتيها بجوار قائله بهلع :-
-جااااسم قوم رد عليا ..
اقتربت منه اكثر ووضعت رأسه علي فخذيها واخذت تهز به بصراخ :-
_قووووووم ياجاسم متعملش كده ..والنبي متعملش كده ..
فتح عينه ببطء توهم في الأول انه يرأها ولكن تاكد عندما سمع صوتها ينادي بأسمه حملق بعينها العسلية ..وحاول بصعوبة شديدة ان يتحدث … قال بتألم وصوت منخفض للغاية وهو يتنفس بتقطع :-
-ب– ب بحبك, بحبك آآ اووي يارقية ..
وكانت هذه اخر جمله خرجت من فمه قبل ان تغلق عينه ..