رواية مدثر للكاتب محمد حافظ
#مدثر# الجزء العاشر
حين سقطت مريم شعرت بهزة في أعماق نفسي، رأيت من يحب حقا كيف يقتل أمام عيني، عندما رأت أختها بين ذراعي أجل هذا هو الحب وهل هناك من يحبنا دون أن نشعر به، يعطونا شيقي الحب الاهتمام والاحترام ولو طلبنا أي شيء أخر، لوهبونا أعمارهم أيضا، في بضعة أيام وجدت ما فقدته في أربعين عام لم أجده وأنا ملك متوج، فقد كنت لا أستطيع الحكم وقتها أو التميز بين محبين القلوب ومحبين المال، رأيت دموع فريده تسقط دون إظهار تعبير على وجهها تهوي منه دموع كما هوت مريم لتسكن بجوارها ويديها ترتعد وتقول مريم “ردي عليا انا اسفه حبيته زي ما حبتيه”، يجري شريف للبحث عن أي شيء يساعد مريم لاستعادة وعيها، فيحضر قنينة مياه ويضع قليل منها في كف يده ويمرره على وجهها الطفولي، وأخيرا تفتح عينها وتنظر إلينا جميعا وتضع وجهها ارضا، حاول شريف وفريده رفعها عن الأرض ولكنها نظرت لهم في كبرياء رافضة ثم تنهض في سكوت وتذهب دون أن تقول كلمة واحدة، تجري خلفها فريده و أنا أنظر إلى شريف و رأسي يهتز، يقترب شريف مني ليقف أمامي مباشرة ويقول :
“الااتتنين ببيححبوك مشش ععاررف اففرححلك ولاا ازععل ععليك”
************************** ***
وكاله الكبير
“ايوه يا طارق عاوزك في حاجه مهمه تسيب كل اللي في يداك وتچيلي بسرعه
متعوجش عليا سلام في رعايه الله”، يغلق الخط وينادي علي احد رجاله يأتي مسرعا من الداخل ويقف أمامه ليقول الكبير “تروح دلوقت المشروع السكني وتشوف مسعد ملاحظ العمال فين وتقوله الكبير هيبعتلك واحد اسمه كريم تحطه في عينيك وتشوف كل طلباته وتنفذها وخليه يرد علي المخروب بتاعه كلامته كتير وبيديني غير متاح يلا روح”، يجلس الكبير وحده يفكر ثم اخرج هاتفه ليطلب شريف وحين استجاب قال بصوت منخفض “ايوه يا شريف يا ولدي طمني علي مدثر وخليه لو الجرح مش تعبه يجي يقعد معايا عاوزه سلااام”، يدخل الكبير في دوامه التفكير من جديد لدقائق، كان لا يحب المكتب كان دائم الجلوس أمامها (الوكاله )ويقوم العمال ببيع الغلال وتحضير الطلبات مر وليد من أمامه وألقي التحية مرتين إلى إن انتبه الكبير ينظر له وليد في دهشة وهو يسحب احد الكراسي الخشبية ويجلس بجواره ويقول “مالك يا كبير سرحان في ايه”، يخرج الكبير نفسا من صدره وهو يقول “ساعات يا بني الدنيا تبقي ماشيه معاك كويس مش مديها خوانه وبتحصل حاجات بنفتكرها شر وبنزعل وقتها لكن مع مرور الايام بنكتشف انه خير كبير ربنا باعته من غير ما نحس وهي دي حلاوتها لا حلوه دايما ولا مره دايما ممكن حاجه تحصل بقدر منك او منها وربنا بيقي ليه حكمه في كده مش هو اللي قال سبحانه وتعالي *لقد كنت في غفله من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد* صدق الله العظيم، فاهم يا ولدي الكلام ده” يضحك وليد ويقول “كلامك حلو بس مش فاهم منه حاجه يا كبير” يضحك الكبير وهو يقول “الدنيا اللي هتعلمك وتفهمك كل حاجه ياما بنتعلم وهنفضل نتعلم لاخر يوم في عمرنا
************************** **
الشارع
“عارف يا شريف انا عمري ما توقعت ان هيجي يوم واعيش هنا في وسط الناس البسيطه دي”، صوت صادر “تعاااالي اشرب شااي ا باچااا اتڤضل يا استاذ چويف” قالها عنتر حين مر أمامه مدثر وشريف وأثر المخدرات واضحه
علي وجهه، ليقول شريف “متشكرين يا عنتر”، ثم يكمل ناظرا إلى مدثر “ككل ححته ففيها الككوييس ووالوححش مععتقدتش انكك ككنت ههتعرف اللي ححواليك لو مححصلتش الازممه بتتاعتك ككنت ههتفضل ييضححك ععليك ممن ششويه الممنافقين االي اانت ففاكرهم ااقرب االناس”، ابتسم وأقول “فعلا معاك حق كنت محتاج عمرين علي عمري علشان افهم ويمكن كمان مكنتش فهمت المشكله اني ورثت طيبه القلب من المرحومة امي”، وقبل أن نصل إلى الوكالة مررنا من أمام ورشه سعيد وهو واحد من امهر مصلحي السيارات، كان يتحدث إلى شخص يرتدي ثيابا أنيقة قائلا “لاول مره عربيه معرفش فيها ايه وليه مش عاوزه تدور الموتور جديد والعربيه جديده وعدت علي الكهربه كلها والمارش والديناموا انا امبارح معرفتش انام”، ليقول الاخر “خلاص متشكر يا اسطي سعيد انا هوديها التوكيل مع اني هدفع الشيء الفولاني بس مفيش حل تاني”، هنا توقفت مما جعل شريف يندهش ليسألني عن سبب توقفي لم أعره أي انتباه وقتها ثم القي التحية على سعيد الميكانيكي والشخص الأنيق ليردوا بالمثل ثم أقول “ممكن مفتاح العربيه انا اعرف اصلحها
اندهش سعيد والشخص الذي معه وشريف أيضا ولَم يتكلم احد منهم وما كان من سعيد إلا أن أعطاني مفاتيح السيارة لأدخل واعتلي مقعد السائق محاولا ولكن محاولتي باءة بالفشل لأنادي على صاحب السيارة وأساله “فين ‘الماستر كاي’ (المفتاح الاضافي للسياره)..”، ليجاوبني قائلا “عندك في التابلوه” اخرج النسخة الجديدة الإضافية وأجرب مرة أخرى فنجحت المحاولة هذه المرة، ليندهش الجميع ويضرب سعيد كف على كف ويقول لي “تعالى هنا فهمني انا بقالي اسبوع بصلح فيها وتيجي انت في خمس دقايق تدورها” اضحك وأنا أقول “المسأله بسيطه خالص يا اسطي كل الحكايه ان المفتاح الاولاني كان جنب مغناطيس او حاجه معدنيه فالشحن بتاعه اتعطل فما وصلش كهربا علشان كده جربت المفتاح الاضافي فاشتغل”، فسألني الأنيق هو الأخر “وانت عرفت المعلومه دي منين” للأرد في ثقة “اصل انا غاوي عربيّات ومتابع الجديد”، فيقول ” تعرف انك شبه مستورد عربيه دي” لأقول في ثبات “قصدك مدثر الحسيني” فيجيبني “اه فعلا فيك شبه كبير منه”، ارفع حاجبي وأنا أتأهب للانصراف وأقول “ناس كتير قالتلي كده” وحين ابتعدنا قليلا سمعت شريف يقول “يمووت الززمار وصووابعه بتلععب”، كان الكبير يترقب الموقف في اهتمام وحين اقتربنا رسم ضحكته
قائلا “معرفش انك ميكانيكي شاطر”
***********************
منزل طه
“اختك مالها يا فريده” قالها طه وهو يضع الطفلة نور على قدمه لتقول في ارتباك “شكلها مرهقه شويه” ينظر لها الحج طه في استهزاء ويقول “ارهااق اه طيب ادخلي شوفيها وخليكي جنبها”ّ، “حاضر يا بابا” قالتها فريده لتنهض للاطمئنان على مريم وعند دخولها الغرفة ذاد ارتباكها حين رأت نظرة مريم المليئة بالعتاب، تقترب فريده وتجلس على حرف السرير وبدئت تجمع قواها لتقول “اسمعي يا مريم أنا عارفه انتي بتفكري فيا ازاي زمانك بتقولي اني خائنه وجبانه وحقيره
واني خطفت منك الراجل اللي حبتيه ليكي حق تفكري في اكتر من كده كمان
بس زي ما انتي حبتيه انا كمان حبيته ومش شايفه غيره انا حبيته علشان حنين ودي الحاجه الوحيده اللي كنت بتمناها في الراجل اللي هكمل معاه حياتي صح انا انانيه وفكرت في نفسي بس غصب عني”، هنا تخرج مريم عن صمتها وهي تنظر إلى فريدة في غضب وتقول “طول عمرك انانيه مبتحبيش غيرك نفسك
واحنا صغيرين كان صعب حد ياخد حاجه من ايدك وكنتي كمان بتخدي اللي في ايدينا اي حاجه كانت معانا وعاوزاها تعيطي وتقلبي الدنيا علشان تخديها حتي لو لعبه ملهاش لزمه والموضوع كبر معاكي بس المره دي مش لعبه يا فريده مش لعبه تكسريها المره دي انتي كسرتي قلب وقلب مين كمان قلب اختك انا عمري ما هسمحك عمري يا فريده عمري”، كانت عيون مريم تظرف دموعا مع كل كلمة ولكن فريده ظلت ثابتة إلى ابعد الحدود ثم قالت في هدوء “عارفه يا مريم انتي معاكي حق في كل كلمه بس انا قلت لمدثر انا واخوتي بنحبك” لتنظر لها مريم في دهشة وكأنها لم تفهم، لتكمل فريده “ايوه يا مريم لو مش مصدقاني اسأليه انا فعلا عملت كده علشان هو اللي يختار واحنا ما نخسرش بعض وساعة لما اتضرب بالنار انتي اخدتي فرصتك وفضلتي جنبه وكمان نزلتي معاه ، وقتها النار كانت جوايا كنت عاوزه اشوفه زيك”، وهنا بدئت دموعها تسقط بقوه “محستش بنفسي رميت نفسي في حضنه ومكنتش شيفاكي وانتي نزله من العربيه انا شوفت شريف نازل وورا مدثر طلعت اجري على السطوح ولو كنت شوفتك مكنتش عملت كده انتي فاكره ان انا وانتي بس اللي بنحبه ده حبيبه بنت الشيخ حسن هي كمان بتحبه”، لتفتح مريم عينيها غير مصدقة ***^^****^**************** ******
الوكاله
“ناوي علي ايه يا مدثر يا ولدي” قالها الكبير وأنا أتوسط وليد وشريف، “ناوي انتقم يا كبير واخد حقي من كل واحد ظلمني عاوز اعرفهم ان الفلوس مش كل حاجه عاوز اعرفهم ان الطيب ده كنز في زمن كل حاجه فيه بقت غاليه الا الطيب بيفضل رخيص علشان بيسكت عن حقه هما بيفتكروه ضعف ميعرفوش ان دي القوه الحقيقيه”، هز الكبير رأسه ثم قال ” تعرف ياوالدي ان دي اول مره اخاف منيك وأعلملك حسااااب طول عمري كنت حاسبها غلط وبجوول الطيب عمر ما الايام تغيره، بس إنتا علمتني حاجه چديده جبل ما اموت ان الطيب لو الدنيا قسيت عليه يبقي ياويل اللي هيقف قصاااده شايف في عنيك غضب الدنيا بعد ما كنت أطيب واحد فيها، ومش خايف عليك بس خايف لا تتعمي مع اني عارف عقلك، خد حقك متسبوش بس اوعي تظلم في يوم ولا تاكل حق حد اوعاااااك مهما كنت بتعرف تاخد حقك بدماغك او بدارعك، تذكر اللي اقوي منك ربنا ياولدي ربنا اللي قادر عليك وعليه وعلي اللي ظلموك مش عاوز اقولك اصبر ربنا هيجبلك حقق دنيا واخره وانت واقف مكانك بس انت اخترت يا طيب تبقي ديب في دنيا معدش فيها طيبين، انا عرفت كل حاجه عنك يا مدثر متسألنيش ازااي، بس اكتر حاجه مخوفاني من اللي سمعته انهم قالوا عليك ملاك بس بدماغ شيطان قلب ابيض بمخ من نار…”، يضحك وليد وشريف ويقول الاول “والله مدثر ده اطيب واحد انا قابلته في حياتي”، بينما ظلت النظرات بيني و بين الكبير في حوار بدون أن ننطق بأفواهنا.
وقفت سيارة سوداء أمام الوكالة ونزل منها شخص ذو هيبة في أوائل الأربعينات من عمره حين شاهده شريف ووليد وقفوا فورا بينما ظل الكبير جالسا وأنا كذالك، اقترب ببذلته زرقاء فوقها ‘بالطو’ من الصوف الانجليزي اسود اللون في منتهي الأناقة وكذالك حذائه اللامع، صافح وليد واحتضنه في تواضع وكذلك شريف قائلا “اهلاا ططارق بيه”، مد يده ليصافحني فرفعت نفسي قليلا ليقول الكبير” ده طارق عبد الحميد ولدي وعضو في مجلس الشِعب ودَه يا طارق يا ولدي اللي كلمتك عنه”، ينظر لي في حب ورأفة ثم يقول” الكبير بيحبك وبيميز كويس بين الراجل الجَدع واللي اسمه راجل في البطاقه لكن باخلاق نسوان كان اللفظ بالنسبة لي قبيح،
جلس ولَم تمر دقائق حتى بدأت الحركة الغريبة في الحارة لنتساءل عن ما الذي يحدث، فيقول احد المارة “الحكومة ماليه ومحصره الحاره من كل حته ودخلوا عماره الحج طه ومعاهم الظابط الجديد ومحدش فاهم حاجه “، ينظر الكبير إلى طارق ويقول “مش قولتلك متعوجش اديك جيت في الوقت المناسب”
*تـــــــــــــابعونـــــا *
بقلم محمد محسن حافظ
حين سقطت مريم شعرت بهزة في أعماق نفسي، رأيت من يحب حقا كيف يقتل أمام عيني، عندما رأت أختها بين ذراعي أجل هذا هو الحب وهل هناك من يحبنا دون أن نشعر به، يعطونا شيقي الحب الاهتمام والاحترام ولو طلبنا أي شيء أخر، لوهبونا أعمارهم أيضا، في بضعة أيام وجدت ما فقدته في أربعين عام لم أجده وأنا ملك متوج، فقد كنت لا أستطيع الحكم وقتها أو التميز بين محبين القلوب ومحبين المال، رأيت دموع فريده تسقط دون إظهار تعبير على وجهها تهوي منه دموع كما هوت مريم لتسكن بجوارها ويديها ترتعد وتقول مريم “ردي عليا انا اسفه حبيته زي ما حبتيه”، يجري شريف للبحث عن أي شيء يساعد مريم لاستعادة وعيها، فيحضر قنينة مياه ويضع قليل منها في كف يده ويمرره على وجهها الطفولي، وأخيرا تفتح عينها وتنظر إلينا جميعا وتضع وجهها ارضا، حاول شريف وفريده رفعها عن الأرض ولكنها نظرت لهم في كبرياء رافضة ثم تنهض في سكوت وتذهب دون أن تقول كلمة واحدة، تجري خلفها فريده و أنا أنظر إلى شريف و رأسي يهتز، يقترب شريف مني ليقف أمامي مباشرة ويقول :
“الااتتنين ببيححبوك مشش ععاررف اففرححلك ولاا ازععل ععليك”
**************************
وكاله الكبير
“ايوه يا طارق عاوزك في حاجه مهمه تسيب كل اللي في يداك وتچيلي بسرعه
متعوجش عليا سلام في رعايه الله”، يغلق الخط وينادي علي احد رجاله يأتي مسرعا من الداخل ويقف أمامه ليقول الكبير “تروح دلوقت المشروع السكني وتشوف مسعد ملاحظ العمال فين وتقوله الكبير هيبعتلك واحد اسمه كريم تحطه في عينيك وتشوف كل طلباته وتنفذها وخليه يرد علي المخروب بتاعه كلامته كتير وبيديني غير متاح يلا روح”، يجلس الكبير وحده يفكر ثم اخرج هاتفه ليطلب شريف وحين استجاب قال بصوت منخفض “ايوه يا شريف يا ولدي طمني علي مدثر وخليه لو الجرح مش تعبه يجي يقعد معايا عاوزه سلااام”، يدخل الكبير في دوامه التفكير من جديد لدقائق، كان لا يحب المكتب كان دائم الجلوس أمامها (الوكاله )ويقوم العمال ببيع الغلال وتحضير الطلبات مر وليد من أمامه وألقي التحية مرتين إلى إن انتبه الكبير ينظر له وليد في دهشة وهو يسحب احد الكراسي الخشبية ويجلس بجواره ويقول “مالك يا كبير سرحان في ايه”، يخرج الكبير نفسا من صدره وهو يقول “ساعات يا بني الدنيا تبقي ماشيه معاك كويس مش مديها خوانه وبتحصل حاجات بنفتكرها شر وبنزعل وقتها لكن مع مرور الايام بنكتشف انه خير كبير ربنا باعته من غير ما نحس وهي دي حلاوتها لا حلوه دايما ولا مره دايما ممكن حاجه تحصل بقدر منك او منها وربنا بيقي ليه حكمه في كده مش هو اللي قال سبحانه وتعالي *لقد كنت في غفله من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد* صدق الله العظيم، فاهم يا ولدي الكلام ده” يضحك وليد ويقول “كلامك حلو بس مش فاهم منه حاجه يا كبير” يضحك الكبير وهو يقول “الدنيا اللي هتعلمك وتفهمك كل حاجه ياما بنتعلم وهنفضل نتعلم لاخر يوم في عمرنا
**************************
الشارع
“عارف يا شريف انا عمري ما توقعت ان هيجي يوم واعيش هنا في وسط الناس البسيطه دي”، صوت صادر “تعاااالي اشرب شااي ا باچااا اتڤضل يا استاذ چويف” قالها عنتر حين مر أمامه مدثر وشريف وأثر المخدرات واضحه
علي وجهه، ليقول شريف “متشكرين يا عنتر”، ثم يكمل ناظرا إلى مدثر “ككل ححته ففيها الككوييس ووالوححش مععتقدتش انكك ككنت ههتعرف اللي ححواليك لو مححصلتش الازممه بتتاعتك ككنت ههتفضل ييضححك ععليك ممن ششويه الممنافقين االي اانت ففاكرهم ااقرب االناس”، ابتسم وأقول “فعلا معاك حق كنت محتاج عمرين علي عمري علشان افهم ويمكن كمان مكنتش فهمت المشكله اني ورثت طيبه القلب من المرحومة امي”، وقبل أن نصل إلى الوكالة مررنا من أمام ورشه سعيد وهو واحد من امهر مصلحي السيارات، كان يتحدث إلى شخص يرتدي ثيابا أنيقة قائلا “لاول مره عربيه معرفش فيها ايه وليه مش عاوزه تدور الموتور جديد والعربيه جديده وعدت علي الكهربه كلها والمارش والديناموا انا امبارح معرفتش انام”، ليقول الاخر “خلاص متشكر يا اسطي سعيد انا هوديها التوكيل مع اني هدفع الشيء الفولاني بس مفيش حل تاني”، هنا توقفت مما جعل شريف يندهش ليسألني عن سبب توقفي لم أعره أي انتباه وقتها ثم القي التحية على سعيد الميكانيكي والشخص الأنيق ليردوا بالمثل ثم أقول “ممكن مفتاح العربيه انا اعرف اصلحها
اندهش سعيد والشخص الذي معه وشريف أيضا ولَم يتكلم احد منهم وما كان من سعيد إلا أن أعطاني مفاتيح السيارة لأدخل واعتلي مقعد السائق محاولا ولكن محاولتي باءة بالفشل لأنادي على صاحب السيارة وأساله “فين ‘الماستر كاي’ (المفتاح الاضافي للسياره)..”، ليجاوبني قائلا “عندك في التابلوه” اخرج النسخة الجديدة الإضافية وأجرب مرة أخرى فنجحت المحاولة هذه المرة، ليندهش الجميع ويضرب سعيد كف على كف ويقول لي “تعالى هنا فهمني انا بقالي اسبوع بصلح فيها وتيجي انت في خمس دقايق تدورها” اضحك وأنا أقول “المسأله بسيطه خالص يا اسطي كل الحكايه ان المفتاح الاولاني كان جنب مغناطيس او حاجه معدنيه فالشحن بتاعه اتعطل فما وصلش كهربا علشان كده جربت المفتاح الاضافي فاشتغل”، فسألني الأنيق هو الأخر “وانت عرفت المعلومه دي منين” للأرد في ثقة “اصل انا غاوي عربيّات ومتابع الجديد”، فيقول ” تعرف انك شبه مستورد عربيه دي” لأقول في ثبات “قصدك مدثر الحسيني” فيجيبني “اه فعلا فيك شبه كبير منه”، ارفع حاجبي وأنا أتأهب للانصراف وأقول “ناس كتير قالتلي كده” وحين ابتعدنا قليلا سمعت شريف يقول “يمووت الززمار وصووابعه بتلععب”، كان الكبير يترقب الموقف في اهتمام وحين اقتربنا رسم ضحكته
قائلا “معرفش انك ميكانيكي شاطر”
***********************
منزل طه
“اختك مالها يا فريده” قالها طه وهو يضع الطفلة نور على قدمه لتقول في ارتباك “شكلها مرهقه شويه” ينظر لها الحج طه في استهزاء ويقول “ارهااق اه طيب ادخلي شوفيها وخليكي جنبها”ّ، “حاضر يا بابا” قالتها فريده لتنهض للاطمئنان على مريم وعند دخولها الغرفة ذاد ارتباكها حين رأت نظرة مريم المليئة بالعتاب، تقترب فريده وتجلس على حرف السرير وبدئت تجمع قواها لتقول “اسمعي يا مريم أنا عارفه انتي بتفكري فيا ازاي زمانك بتقولي اني خائنه وجبانه وحقيره
واني خطفت منك الراجل اللي حبتيه ليكي حق تفكري في اكتر من كده كمان
بس زي ما انتي حبتيه انا كمان حبيته ومش شايفه غيره انا حبيته علشان حنين ودي الحاجه الوحيده اللي كنت بتمناها في الراجل اللي هكمل معاه حياتي صح انا انانيه وفكرت في نفسي بس غصب عني”، هنا تخرج مريم عن صمتها وهي تنظر إلى فريدة في غضب وتقول “طول عمرك انانيه مبتحبيش غيرك نفسك
واحنا صغيرين كان صعب حد ياخد حاجه من ايدك وكنتي كمان بتخدي اللي في ايدينا اي حاجه كانت معانا وعاوزاها تعيطي وتقلبي الدنيا علشان تخديها حتي لو لعبه ملهاش لزمه والموضوع كبر معاكي بس المره دي مش لعبه يا فريده مش لعبه تكسريها المره دي انتي كسرتي قلب وقلب مين كمان قلب اختك انا عمري ما هسمحك عمري يا فريده عمري”، كانت عيون مريم تظرف دموعا مع كل كلمة ولكن فريده ظلت ثابتة إلى ابعد الحدود ثم قالت في هدوء “عارفه يا مريم انتي معاكي حق في كل كلمه بس انا قلت لمدثر انا واخوتي بنحبك” لتنظر لها مريم في دهشة وكأنها لم تفهم، لتكمل فريده “ايوه يا مريم لو مش مصدقاني اسأليه انا فعلا عملت كده علشان هو اللي يختار واحنا ما نخسرش بعض وساعة لما اتضرب بالنار انتي اخدتي فرصتك وفضلتي جنبه وكمان نزلتي معاه ، وقتها النار كانت جوايا كنت عاوزه اشوفه زيك”، وهنا بدئت دموعها تسقط بقوه “محستش بنفسي رميت نفسي في حضنه ومكنتش شيفاكي وانتي نزله من العربيه انا شوفت شريف نازل وورا مدثر طلعت اجري على السطوح ولو كنت شوفتك مكنتش عملت كده انتي فاكره ان انا وانتي بس اللي بنحبه ده حبيبه بنت الشيخ حسن هي كمان بتحبه”، لتفتح مريم عينيها غير مصدقة ***^^****^****************
الوكاله
“ناوي علي ايه يا مدثر يا ولدي” قالها الكبير وأنا أتوسط وليد وشريف، “ناوي انتقم يا كبير واخد حقي من كل واحد ظلمني عاوز اعرفهم ان الفلوس مش كل حاجه عاوز اعرفهم ان الطيب ده كنز في زمن كل حاجه فيه بقت غاليه الا الطيب بيفضل رخيص علشان بيسكت عن حقه هما بيفتكروه ضعف ميعرفوش ان دي القوه الحقيقيه”، هز الكبير رأسه ثم قال ” تعرف ياوالدي ان دي اول مره اخاف منيك وأعلملك حسااااب طول عمري كنت حاسبها غلط وبجوول الطيب عمر ما الايام تغيره، بس إنتا علمتني حاجه چديده جبل ما اموت ان الطيب لو الدنيا قسيت عليه يبقي ياويل اللي هيقف قصاااده شايف في عنيك غضب الدنيا بعد ما كنت أطيب واحد فيها، ومش خايف عليك بس خايف لا تتعمي مع اني عارف عقلك، خد حقك متسبوش بس اوعي تظلم في يوم ولا تاكل حق حد اوعاااااك مهما كنت بتعرف تاخد حقك بدماغك او بدارعك، تذكر اللي اقوي منك ربنا ياولدي ربنا اللي قادر عليك وعليه وعلي اللي ظلموك مش عاوز اقولك اصبر ربنا هيجبلك حقق دنيا واخره وانت واقف مكانك بس انت اخترت يا طيب تبقي ديب في دنيا معدش فيها طيبين، انا عرفت كل حاجه عنك يا مدثر متسألنيش ازااي، بس اكتر حاجه مخوفاني من اللي سمعته انهم قالوا عليك ملاك بس بدماغ شيطان قلب ابيض بمخ من نار…”، يضحك وليد وشريف ويقول الاول “والله مدثر ده اطيب واحد انا قابلته في حياتي”، بينما ظلت النظرات بيني و بين الكبير في حوار بدون أن ننطق بأفواهنا.
وقفت سيارة سوداء أمام الوكالة ونزل منها شخص ذو هيبة في أوائل الأربعينات من عمره حين شاهده شريف ووليد وقفوا فورا بينما ظل الكبير جالسا وأنا كذالك، اقترب ببذلته زرقاء فوقها ‘بالطو’ من الصوف الانجليزي اسود اللون في منتهي الأناقة وكذالك حذائه اللامع، صافح وليد واحتضنه في تواضع وكذلك شريف قائلا “اهلاا ططارق بيه”، مد يده ليصافحني فرفعت نفسي قليلا ليقول الكبير” ده طارق عبد الحميد ولدي وعضو في مجلس الشِعب ودَه يا طارق يا ولدي اللي كلمتك عنه”، ينظر لي في حب ورأفة ثم يقول” الكبير بيحبك وبيميز كويس بين الراجل الجَدع واللي اسمه راجل في البطاقه لكن باخلاق نسوان كان اللفظ بالنسبة لي قبيح،
جلس ولَم تمر دقائق حتى بدأت الحركة الغريبة في الحارة لنتساءل عن ما الذي يحدث، فيقول احد المارة “الحكومة ماليه ومحصره الحاره من كل حته ودخلوا عماره الحج طه ومعاهم الظابط الجديد ومحدش فاهم حاجه “، ينظر الكبير إلى طارق ويقول “مش قولتلك متعوجش اديك جيت في الوقت المناسب”
*تـــــــــــــابعونـــــا
بقلم محمد محسن حافظ