رواية مدثر للكاتب محمد حافظ

#مدثر# الجزء الثامن
منزل الحج طه
رنين الهاتف الأرضي الخاص للمنزل ينهض ياسر على صوته متأففا ليفتح باب غرفته فيجد مريم اخته تخرج هي ايضا من غرفتها، ينظر اليها في اشمئزاز واضح لتتهرب من نظراته و تغير طريقها الى المطبخ يقترب ياسر من الهاتف ويرفع السماعه ويقول بصوت حاد :
“الو..”
يجيب المتحدث
“المحمول بتاعك مقفول ليه يا ياسر”
يغير ياسر لهجته فقد عرف صوت المتحدث، ثم يقول “انا اسف معالي الباشا بس الظاهر نمت ونسيت أحطه على الشاحن خير يا فندم يظهر في حاجه مهمه معاليك عاوزني فيها”، يرد عليه الباشا “قدامك ساعة زمن وتبقي عندي في الوزاره مع السلامه”، يغلق الخط دون انتظار، رد ياسر الذي ظهر على وجهه التوتر والقلق ليذهب مسرعا الى غرفته ويفتح الدولاب ويخرج من بين ملابسه علبه دواء، فتحها ووضع في فمه واحدة منها، ثم اخرج سيجارة فشعلها وفِي رأسه عشرات الاسئله، ينادي على مريم في عصبية واضحة لتأتي مهرولة لتقول “ايوه يا ياسر..”، كان وقتها قد فتح الدولاب من جديد ليخرج ملابسه سمع صوتها و بدون أن ينظر إليها يقول وهو واضعا سيجارته في فمه “اعمليلي قهوه بسرعه علشان نازل بعد نص ساعه”، لتقول وهي تتحرك “حاضر عشر دقايق بالكتير وهحضرلك معاها الفطار” ثم تذهب
**************************
غرفه مدثر من جديد
اقوم من مكاني مفزوعا عند سماعي ما قالت فريده للتو، أسألها من جديد في دهشة واقول “انتي قولتي ايه دلوقتي يا فريده..”، تقف هي الآخرى لتقترب مني قائلة “زي ما سمعت يا مدثر”، امد يدي مخرجا سيجارة فتسحبها بيديها قبل ان تصل نيران الولاعة اليها لتنقذها من الاحتراق، ثم تكمل “مفيش سجاير قبل ما تفطر رد عليا بقي”، اندهش لردة فعلها واقول “انتي مجنونه يا فريده مجنونه”، تبتسم و تجيبني “اه ما انا عارفه بس ايه الجنان في كده”، ابتسم انا الاخر و انا اري غمازات خدودها تعلن عن وصولها، بدائت الابتعاد عنها، وهي تحوم حول المنضدة في اقتراب مني، ثم قلت “اولا رساله امبارح ثانيا جرائتك انك تطلعي لحد هنا لوحدك ثالثا يعني ايه بتحبيني انتي وأختك انا مش فاهم”، سكت وقد انتهيت من اللفة الكاملة حول المنضدة لأقف أمامها من جديد،”في ايدك انك تختار يا انا يا مريم، لازم تاخد قرار” قالتها فريده في ثقه مبالغ فيها لاقول “وانتي شايفه الظروف بتاعتي تسمح اني احب واتحب وافرضي اني مش عاوز او مثلا في واحده تالته”، تنظر إليّ في غضب لتقول “واحده تالته ده انا كنت اقتلك فيها”، أضحك هذه المره من قلبي واقول “مش بقولك مجنونه بس انا مش كنت حيوان يا فريده”، “ميبقاش قلبك اسود بقي يا مدثر
اسمع قدامك اسبوع فكر كويس بس لازم اشوفك ونتقابل نتكلم هسيبك بقي علشان اتاخرت علي الشغل بس توعدني مش تشرب سجاير غير لما تفطر، ولو عندك حاجه عاوزه تتغسل او تتكوي عرفني وانا هبقي اطلعلك في الخباثه اكل علشان تدوق طبيخي”، تسحب حقيبتها من على المقعد وانا انظر اليها في دهشه غير مصدق ما قالت ثم تقف امام الباب لتقول وهي تنظر الي “مدثر”، لاقول “نعم يا فريده”،تسكت لثواني وتقولقبل ان تجري “انا بحبك اوووي”
***************************
منزل الحج طه من جديد
أرتدى ياسر ملابسه وقد حرص ان تكون في غاية الاناقة، ثم خرج من غرفته ليجد مريم تحمل الاطباق الفارغه لتعيدها إلى المطبخ ليقول لها “انتي مش هتروحي الشغل النهارده ولا ايه”، ترد عليه وهي تكمل طريقها الى المطبخ “تعبانه شويه اخدت اجازه النهارده”، رفع صوته و هو يقول “ومتعرفيش ابوكي فين..”، أجابته في ملل من أسئلة اخيها “سمعته الصبح بيكلم عم عبد الحميد تقريبا نزله الوكاله”، “طيب انا نازل عاوزه حاجه يا مريم”، “متشكره يا ياسر” قالتها وهي تضع يدها على قلبها، في لحظة خروج ياسر من باب المنزل لمح فريده وهي تنزل درجات السلم، ترتعد ويهرب الدم منها و كأنه ذهب إلى وجه اخيها ياسر الذي اشتعلت به النار..
*************************
وكاله عبد الحميد
“ما انا بجولك يا حج طه لازم اعرف حكايه مدثر منه هو الناس بتزود كلام وتقول اللي هي عاوزاه وانا اتعلمت ان محكمش علي حد من غير باينه”، صوت ليس ببعيد اخذ يقترب وهو يقول “بس حكمك في موضوعي مش عاجبني يا كبير” ينظر عبد الحميد امامه ليري من المتحدث ثم يقول “انا حكمت وخلاص وعليك تسمع الكلام يا مدكور”، كان هذا الرجل يتكلم بنبرة غل وحقد، يرتدي جلبابا ازرق من الصوف هو الاخر تحته صدريه بنفس لون وحذاء اسود مما جعله يبدو وجيها ليكمل حديثه وهو يضع يده اليسري داخل فتحه جلبابه قائلا “بس كده تبجي ظالم يا كبير..”، ينتفض عبد الحميد من مكانه رافعا صوته وهو يقول “اظبط كلامك واعرف مين واجف جدامك….لحسن ورب العزه اخليك تعرف مجامك……يلا غوووور وما تعودش بناجص حتى سلامك”، “مش كلمتين هما اللي هيخوفوني منك……”، “والله الرچوله ما تعرف اي شيء عنك………راچل كبير ومش محترم حتي سنك………..سبت ايه للولايه والله ما فيهم فرق منك، اصدرت حكمي وعليك السمع والطاعه ولو خلفت انت حر”، فخرج وقتها ثلاث رجال حاملين أسلحة نارية من داخل الوكالة مما جعل المشهد اكثر سخونه، وعلى اثرها فزع طه والشيخ حسن من مكانهم، لينصرف مدكور غاضبا وهو ينظر الي الكبير وكأنه يتوعده، يجلسون ثانية ويقول الشيخ حسن وهو يهدأ من الكبير “طول بالك شويه يا عبد الحميد”، ليكمل طه “هي ايه حكاية مدكور بالظبط”، ليقول عبد الحميد وهو يمسك طرف نرجيلته “كان عنده مشكله مع واحد من البلد انا حكمت فيها دلوقتي عاوز يرجع في كلامه زي النسوان”، بينما يتحدثون صوت عيار ناري يأتي من قريب ليقول الشيخ حسن “سمعتم ضرب النار ده”، يأمر الكبير احد رجاله قائلا “روح ياولد شوف العيار ده اضرب منين”، ليقول طه مطمئنا “يمكن تكون فرده كاوتش ضربت”، ينظر له الكبير في استهزاء قائلا ” لاء ده صوت رصاصه
***************************
غرفه مدثر من جديد
يقف ياسر مذعورا بعدما اطلق النار على صدر مدثر لتصرخ فريده مصدومة وقد احمرت خدودها من ضرب اخيها لها حين شاهدها، ليضع يده على فمها قائلا “اسكتي
مش عاوز اسمع صوت انزلي نادي لمريم اختك بسرعه..”، هزت راسها وهو يضع يده علي فمها ليتركها فركضت كالمجنونة في اتجاه منزلها قدمها لا تحملها من شده الخوف لتقابل شريف أمامها و رأى وجهها المذعور ليسألها قائلا “ههو ففيه اييه ييا يياففرييده” وقد بدا عليه التوتر لتكمل طريقها بعد ان قالت “ياسر ضرب مدثر بالنار”، انطلق هو الاخر في اتجاه السطح
***************************
منزل الحج طه
تضرب فريده الباب في ذعر وخوف إلى ان فتحت مريم في ذعر هي الاخرى، تقول فريده وهي تلهث وتلطم خديها “الحقينا يا مريم هاتي شنطتك وتعالي معايا بسرعه”، لتسأل واضعة يدها على قلبها “في ايه يا فريده…”، تصدمها الأخيرة “اخوكي ضرب مدثر بالنار”
************************
الوكاله من جديد
“بيجولوا الصوت جاي من وسط الحاره وفِي ناس شافوا استاذ شريف وهو بيجري علي بيت الحج طه يا كبير” قالها من أرسله عبد الحميد، انفزع طه ويقول “جيب العواقب سليمه يارب”، ينظر له الشيخ حسن و هو يرتعش “خير ان شاء الله يا حج دلوقتي هنعرف فيه ايه”، بينما الكبير ظل هادئا وكأنه توقع ما يحدث ليقول “تعالي يا ولد انت وهو ورآنا ومتخليش حد يقرب من البيت حتي لو الحكومه”، ليقولوا في نفس واحد “اومرك يا كبير”

*****************************
غرفه مدثر
دخل شريف ليجد مدثر غارقا في دمائه و يده على صدره، لازال ياسر يقف مذعور في احد الأركان، اقترب شريف من مدثر وكأنه لا يصدق عيناه ليضع راس مدثر على ركبتيه وهو ينظر له والدموع تملاء عيناه ليقول “ممتخفش يا ممدثثر”، وما هي الا ثواني ودخلت فريده ومريم لتبعد هذه الاخيرة شريف وتفتح حقيبتها بسرعة وتخرج رابطة من القطن تضعها على الجرح الذي امتلاء عن اخره بالدماء وتقول “الرصاصة بعيده عن القلب لازم نطلب الإسعاف حالا” ليضع مدثر يده عليها وهو يهز رأسه بالنفي ويقول ياسر وهو يخفض صوته “انا ممكن اكلم الإسعاف وأخلي مسؤليتي ده واحد مطلوب القبض عليه هقول انه قاومني وحاول الهرب ومش هتجازاه فيها”، ينظر اليه شريف بغضب ثم يهوي بكلتا يديه علي رقبة ياسر قائلا وهو يصرخ “ااانت ممعندككش ددم ولا اررححمه اامششي..”، مما جعل ياسر يدفعه وهو يضع كف يده على وجه شريف ليدخل الكبير وخلفه طه والشيخ حسن، وقتها يقول عبد الحميد “تعالي يا ياسر”، ليتركه شريف وهو ينظر إليه في غضب شديد، اقترب ياسر من الكبير و هو ينظر اليه، حتى رفع يده ويهوي بها على وجه ياسر الذي لم ينطق بكلمة وانصرف، اقترب الشيخ حسن من مدثر الذي قد بدأ يفقد الوعي
ليقول. “…لا حول ولا قوه الله..”، ينظر عبد الحميد إلى مدثر ثم يقترب جدا ليرى الجرح ويقول في حدة وثقة “سخنه، عاوز سكينه مكويه بالنار..”، تنظر له مريم وتقول “انا محتاجه انزل اجيب حاجه من الصيدليه هو مش هيستحمل الكوي بالنار يا عم عبد الحميد”، ليخرج هاتفه بعد ان امر فريده بأحضار السكينة، حدد الإسم الذي يريد الاتصال به وما ان تم ربط الاتصال قال في صرامة دون ان يلقي التحية “دكتور چورچ انا الكبير هديك الدكتوره مريم شوف عاوزه ايه وهتهولي بنفسك فوق سطح بيت الحج طه”، كرر كلامه “بنفسك ولما تقرب من البيت كلمني علشان اخلي الولاد يوسعولك السكه ويخلوك تطلع قدامك عشر دقايق بالكتير خد الدكتوره معاك..”، أخذت مريم الهاتف وقالت بعض المصطلحات في سرعة رهيبة، الى ان أتت فريده بالسكين الذي اخذه الكبير وامر شريف بتكتيف مدثر جيدا، ثم غرس السكين بمهارة و خبرة ولَم يبالي لصراخ مدثر حتى اخرج الرصاصه
************************
وزاره الداخلية المصرية
وصل ياسر الى مكتب السكرتير الاول ليخبره بموعده مع مساعد الوزير، فقام السكرتير برفع السماعه ليقول المقدم “ياسر طه يا فندم”، يأمر بدخوله، دخل ياسر ووجه مازال يحمل صفعة الكبير، يلقي التحية على مساعد الوزير الذي كان يشعل سيجار ضخم فأشار له بالجلوس وبعد ان اخذ نفسا تطايرت بعده سحابة من الدخان قال وهو يقلب في الملف الذي امامه “انت ظابط شاطر يا ياسر الملف بتاعك ممتاز معرفش ظابط مجتهد زيك
ممكن يكون عمل ايه علشان الدنيا تتقلب عليه كده من عشر ساعات تقريبا”، يأخذ ياسر نفسا عميقا وهو يقول في هدوء مصطنع “خير يا فندم انا مش عارف عملت ايه”، ليقوم مساعد الوزير من مكانه قائلا “يعني محصلش بينك وبين اي حد تقيل في البلد مشكله من كام يوم او ابن اي حد من العيال المدلعه دي”، يجيب ياسر بالنفي ويكمل” إطلاقا يا فندم مفيش حاجه من دي حصلت”، بكلام من مساعد الوزير “غريبه ده صدر قرار من فوق اوي بنقلك..”، يتغير لون ياسر وهو يضع يده على وجهه حتى لا يلاحظ مساعد الوزير الصفعى ليقول في ذهول “طب ليه انا من حقي اعرف عملت ايه”، يضع مساعد الوزير يده على كتف ياسر ويقول “صدقني انا معنديش اي معلومات حاول تصفي مشاكلك وتفكر كويس عملت ايه وبكره تنفذ قرار نقلك واحمد ربنا انك اتنقلت مكان قريب انا استخدمت معاك الرأفه تقدر تتفضل دلوقتي”، ليعود مساعد الوزير الى مكانه ويلقي ياسر التحية لينصرف وقد أوشك على الجنون من شدة جهله للسبب.

***************************
غرفه مدثر
يصعد جورج وهو يلهث ليعطي العلاج اللازم للدكتورة مريم وطلبت منه المساعدة بينما ظل الكبير يراقب الموقف، في حين جلس الشيخ حسن بجوار الحج طه الذي ظهر عليه الخوف والقلق على ابنه ليقول للشيخ حسن “ربنا يسمحك انت السبب في كل المصايب دي انا كان مالي ومال الداهيه دي”، يلتفت الكبير وهو يقول “مقدر ومكتوب متقلش كده تاني ارادة ربنا فوق كل شيء”، اما الشيخ حسن لم يتكلم فقد أعطى العذر لطه وظل ينظر للأرض وهو يحرك سبحته مما جعل طه يقول “سامحني يا حسن ياخويا متزعلش مني..”، يرفع هذا الاخير رأسه ويقول “طول عمرنا اصحاب وأخوة يا طه مش هزعل منك ولازم استحملك علشان حاسس بيك”، يربط چورچ ومريم الجرح بمهارة شديدة، مريم تحقن مدثر
بإبرة مسكّن، يستأذن جورچ في الانصراف ليحذره الكبير قائلا “اللي حصل دلوقتي محدش يعرفه يا چورچ” ليقول الاخير “عيب يا كبير سرك في بير دي مش اول مره” ليقول له الكبير “ربنا يديم المعروف”، غط مدثر في نوم طويل بعد ان اطمئن الجميع على حالته، ليقول “شريف أأنا ههفضضل ممععاه”، لتقول فريده “فيك الخير يا شريف ومحدش فينا هيسيبه”، لينظر لها الجميع في غرابة نظرا لجرائتها الشديدة ثم يسمع الكبير صوت هاتفه ليخرجه ويجد اسم ياسر ليقول في حدة “عاوز ايه يا ياسر”، يجيبه “مفيش غيرك اللي يعملها انا اتنقلت لو معرفتش الموضوع ده حصل ازاي ومن مين هقلب التربيزه علي الكل وانت فاهم سلاام”، ليقول الكبير قبل ان يغلق الخط:
“كده يبقي انت بتلعب بالنار يا ياسر”.
*تــــــــــــــابعونـــــــــــــــــــا*
بقلم محمد محسن حافظ

error: